أفلام عن اليهود المغاربة

المصطفى الصوفي

تستعيد مجموعة من الأفلام السينمائية المغربية ألقها وبريقها من جديد، منها وثائقية، وتحكي قصصا إنسانية ومجتمعية من التاريخ المغربي القديم، وتثير نقاشات وحوارات واسعة، عبر منتديات ولقاءات أكاديمية، وذلك خلال مشاركتها في أسبوع الفيلم الخاص عن يهود المغرب، والذي يقام من 8 إلى 12 من شهر ماي الجاري بالعاصمة برلين، في محاولة فنية وإبداعية من لجنة التنظيم، لتسليط الضوء بقوة عن فترة مهمة من تاريخ المغرب المعاصر، الذي سكنته الكثير من العائلات والأسر المغربية اليهودية، والتي ما تزال رغم هجرتها إلى إسرائيل تحتفظ بجذورها وثقافتها وطقوسها وعاداتها حتى الآن في وطنها الأم.

ملصق الفعالية

الأفلام المشاركة في هذه التظاهرة السينمائية، التي تنظمها جمعية أصدقاء متحف التراث الثقافي اليهودي المغربي، بالتنسيق والتعاون مع المتحف اليهودي في العاصمة برلين، وسفارة المملكة المغربية المعتمدة بألمانيا تحت شعار ” قلبي في المغرب”، تراهن بالدرجة الأولى على توسيع هامش الفرجة السينمائية، واسترجاع تاريخ اليهود المغاربة عبر تقنية الصوت والصورة، وذلك في أفق توثيق الحقائق، وكشف النقاب على الكثير من الميكانيزمات الثقافية والاجتماعية والسياسية، التي ميزت هذه الفئة من المجتمع المغربي المتنوع بثقافته وحضارته وعاداته وطقوسه وتراثه الفني واللامادي.

كما ستشهد هذه التظاهرة السينمائية التي سيحضرها سينمائيون ومخرجون ونقاد وفنانون موسيقيون، بالإضافة إلى عرض فيض من الأفلام التي تعالج تيمة اليهود المغاربة، فقرات متنوعة من بينها ندوة أكاديمية وفكرية حول موضوع” ثقافة الذاكرة وراهن اليهودية المغربية” وذلك بمشاركة أكاديميين ومتخصصين في الثقافة اليهودية المغربية من أبرزهم، الباحث محمد المدلاوي ، وعمر بو جان ليفي شمعون ، وصوفي فاغينهوفر ، وإيريس هيفيتس ويغال نيتزري، فضلا عن سهرة موسيقية كبرى تحييها الفنانة اليهوية المغربية نيتا الخيام.

الوثائقي يسترجع التاريخ اليهودي

وتحضر الأفلام الوثائقية بقوة في هذه التظاهرة السينمائية، حيث من أبرز الأفلام المشاركة، نذكر الفيلم الوثائقي”تنغير جيروزاليم: أصداء الملاح” لمخرجه المغربي كمال هشكار ومدته 86 دقيقة، يحكي فيها المخرج المغترب بالخارج، بطريقة بديعة، العديد من الصور والمحطات التاريخية، عبر شهادات حية، انطلاقا من مدينة مغربية واقعة جنوب شرق البلاد، وهي مدينة (تنغير) التي كانت تقطنها عائلات واسر يهودية كثيرة، في بيوت طينية متواضعة، وحتى عاصمة فلسطين القدس الشريف، حيث شكل هذا الفيلم صورة مبدعة وخلاقة لشخوص عاشوا في المغرب ثم هاجروا إلى إسرائيل، لكن الحنين ما يزال يشدهم بقوة إلى جيرانهم المسلمين، إلى موطنهم الأصلي إلى ذكرياتهم، وطفولتهم.

من فيلم "تنغير جيروزاليم: أصداء الملاح"

كما يبرز الفيلم عبر شهادات حية حرارة فيض من المشاعر المفتقدة، حيث الضياع والأحلام المشتتة. انه فيلم وثائقي ذو أبعاد كونية وإنسانية يطرح في الصميم تيمة المنفى القصري والتشبث بالأرض والتراب والهوية، بشوق كبير للغاية برع المخرج في تجسيدها، وتجسيد تلك الأحاسيس الجياشة لسكان مهاجرين، رغم قساوة البعاد لم يفقدوا حبهم لأرض أجدادهم، ما يجعل من المغرب فضاء لتنوع الثقافات والحضارات والهويات. انه فيلم قوي يحكي عن أناس يدينون بدين أجدادهم ترعرعوا بين المسلمين في سلام، أحبوا ثقافتهم وتراثهم الموسيقية وعاداتهم وتقاليدهم، ومارسوا مختلف الحرف والتجارة، فيلم من رؤاه الفنية والإبداعية، هو دعوة شفافة إلى الرجوع إلى الأصل والوطن الأم، للمساهمة في نهضتها وإنمائها، انه مشروع حلم كبير لتربية الأجيال المقبلة على ثقافة التعايش والتسامح والسلام.

ايزا والوثائقي المغربي

ونجحت المخرجة السينمائية اليهودية المغربية “ايزا جنيني” المتخصصة في السينما الوثائقية، والتي أنجزت، حتى الآن نحو 17 فيلما وثائقيا حول المغرب، في طرح القضية، بشكل دقيق وموسع، عبر فيلمها الوثائقي ” العودة إلى أولاد مومن”، المشارك في هذا المهرجان. هذا الفيلم الذي تقدم فيه المخرجة جانبا مهما من تاريخ اليهود في المغرب، وذلك عبر استحضار تاريخ أسرتها في زمن الاستعمار، وأيام (السيبا) وقطاع الطرق، والتي حلت بدوار أولاد مومن قرب مدشر وادي الحجر، القريبة من مدينتي مراكش وقلعة السراغنة باتجاه منطقة وادي العبيد وسوق السبت وبني ملال، هذه الأسرة التي كانت تسكن قبل استقرارها بوادي الحجر، احدى البيوت الطينية ضمن مجموعات سكنية تسمى قصور، وهي بيوت ما تزال سائدة حتى الآن في عدد من مناطق الجنوب، خاصة في ارفود والراشيدة وزاكورة وغيرها، وبعدها انتقلت الأسرة إلى منطقة(الكارة) بالقرب من الدار البيضاء ثم بعدها إلى أوربا، وكندا وأمريكا الجنوبية حسب رواية والدها في الشريط الوثائقي.

المخرجة السينمائية اليهودية المغربية "ايزا جنيني"

ومن أبرز المشاركين في هذا الكرنفال السينمائي المغربي الذي يحتفي بقضية اليهود المغاربة، وطرح عدد من المواضيع المرتبطة بهم، كإشكالية الهجرة الجماعية، وصيانة الذاكرة الثقافة والمجتمعية، وحب الوطن، واسترجاع الذكريات، وقيم الهوية والتاريخ اليهودي، الى جانب فيلم”من اجل اشبيلية جديدة” للمخرجة كاتي وازانا، الفيلم الوثائقي” يهود المغرب – مصائر متناقضة” للمخرج يونس الغراري، هذا الفيلم حظي باهتمام الجمهور بعدد من المهرجانات داخل وخارج المغرب، ويسلط فيه المخرج الضوء، عبر شهادات وروايات أكاديميين ومثقفين الضوء على حقائق وعادات وتقاليد الهيود المغاربة في المشرب(الشاي المغربي) واللباس(القفطان المغربي المطرز)، والقيم والعادات وغيرها، فضلا عن قيمة الهوية المغربية الثقافية والتاريخية الثرية. ما يجعله من الأفلام الوثائقية المهمة في هذا المجال، التي تقدم صورة حية وخلاقة عن الواقع والتاريخ والوجدان والمجتمعات.  

محمد إسماعيل يودع الأمهات

وعلى مستوى الأفلام الروائية، التي ستعرض أيضا ضمن هذه التظاهرة السينمائية، والتي تكرم في العمق القيم الحضارية والتاريخية للإنسان، اختارت لجنة التنظيم الفيلم الروائي الطويل”وداعا أمهات” للمخرج المخضرم محمد إسماعيل، صاحب فيلم”هنا ولهيه”، و”نساء ونساء”وأولاد البلاد” و”أوشام و”وبعد”، هذا المخرج الذي يعالج في قضاياه مواضيع إنسانية واجتماعية خصبة، ومنها مواضيع الهجرة، عرف كيف يقدم في هذا الفيلم، قضية تحكي عن نزوح الأسر اليهودية التي كانت تسكن في المغرب نحو إسرائيل خلال موجة الهجرة اليهودية إلى ارض الميعاد في الستينيات من القرن الماضي.

ملصق فيلم "وداعا أمهات"

وقد شارك في هذا الفيلم الروائي الطويل، والذي صورت أحداثه بعدد من مدن شمالي المغرب كتطوان، عددا من الممثلين المحترفين مغاربة وأجانب من أمثال الممثلة المقتدرة أمينة رشيد، ورشيد الوالي، ونزهة الركراكي، ومارك صامويل، وعمر شنبوط وسعاد حميدو  وغيرهم، حيث ابرز المخرج في بوثقة هذا الشريط الأحداث الصعبة التي رافقت هجرة اليهود المغاربة، وعددا من الإشكاليات المثيرة التي تحكمت فيها، وهو ما جعل الشريط ينفتح على تعدد القراءات والدلالات السينمائية وعلى فرجة متعددة الأبعاد. أبرزت سياسة القهر التهجيري لهؤلاء الهيود المغاربة إلى إسرائيل واللوبيات الصهيونية التي لعبت دورا أساسيا في طمس هوية هؤلاء المواطنين عبر الكثير من الإغراءات والوعود، فضلا عن دحر العلاقات الاجتماعية الطيبة التي كانت تحكم هؤلاء اليهود أثناء مقامهم في المغرب مع إخوانهم المسلمين، والقواسم المشتركة التي تجمع الطرفين، في اللباس واللغة واللهجة والمأكل، وغيرها، من العلاقات الاجتماعية والإنسانية المشتركة.

عايدة تعود للجذور

كما يشارك في هذا التظاهرة السينمائية المخرج المغربي حسن بنجلون، والمشهود له بطرحه لقضايا حقوق الإنسان في السينما، في عدد من أعماله، وكذا في مشاركاته الأكاديمية، وفي لقاءات ومنتديات سينمائية مغربية أو أجنبية وذلك بفيلم”فين ماشي يا موشي”، وهو سؤال بديهي باللهجة المغربية(الدارجة): أين تسير يا موشي، في إشارة قوية إلى ما ينتظر” موشي” من مستقبل غامض خلال هجرته من المغرب إلى إسرائيل، إبان الهجرة الجماعية الشهيرة، ولعل المخرج حسن بنجلون بفيلم هذا يطرح بكل جرأة، من جديد قضية اعتبرت محظورة ومن الطابوهات، وهي هجرة أزيد من 156 الف يهودي مغربي، كما أن اليهود الذين كانون يقطنون مدينة سطات إحدى المدن المغربية بضواحي مدينة الدار البيضاء، كانت حافزا قويا، لانجاز هذا الفيلم، وما يطرحه من انفصام وتشتثث العلاقات وقتل لجزء من الهوية المغربية عبر هذه الهجرة الجماعية.

حسن بنجلون

أفلام الموجة الجديدة من السينما المغربية حاضرة بقوة هي الأخرى، ضمن فعاليات هذا المهرجان، ويتعلق الامر بالفيلم الروائي الطويل الجديد للمخرج إدريس المريني بعنوان”عايدة”، وهو الفيلم الذي استقبله الجمهور بحماس أثناء طرحه بالقاعات السينمائية المغربية مؤخرا، وكان شارك أيضا في تصفيات جوائز الأوسكار 2016 لأفضل فيلم أجنبي، هذا الفيلم الذي تلعب بطولته الممثلة نفيسة بنشهيدة، يحكي قصة تراجيدية وإنسانية لفنانة موسيقية يهودية من أصل مغربي تقيم في العاصمة باريس، حيث بعد اكتشاف إصابتها بمرض السرطان، تقرر العودة إلى وطنها الأم المغرب، فيه تسترجع ذكرياتها وأحلامها وجذورها الثقافية وهويتها.

وبمسحة كوميدية عالمية ممتعة سيستقبل جمهور هذه التظاهرة، فيلم “أوركسترا منتصف الليل” لمخرجه المغربي “جيروم كوهن أوليفير”، والذي يعد ثاني تجربة سينمائية في مجال الأفلام الروائية الطويلة بعد فيلمه العادي جدا”فنديشة”.

من فيلم "أوركسترا منتصف الليل"

ويشارك في الفيلم والذي حصل على مبلغ ضخم كدعم على الإنتاج من المركز السينمائي المغربي بلغ ما يقارب من ستمائة ألف دولار، الكوميدي المغربي الفرنسي جاد المالح والفكاهي حسن الفذ، وأفيشاي بنزرة، عزيز داداس، وأمال عيوش، حيث يسلط الضوء هو الآخر على تيمة هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل، والنسيح الثقافي والفني اليهودي، عبر تكريم شخصية موسيقية معروفة وهي الفنان المعروف”بوطبول”، مع طرح الكثير من القيم الثقافية والاجتماعية الوجدانية المشتركة، ومحاولة الربط بين الثقافتين اليهودية والإسلامية، كإشارة إبداعية لتكريم ثقافة الحوار والتسامح والسلام والاحتفاء بالثقافتين عبر روح الموسيقى.


إعلان