ترميم ورقمنة كلاسيكيات السينما الجزائرية
ضاوية خليفة – الجزائر
بغية الحفاظ على موروثها السينمائي شرعت الجزائر منذ سنوات في ترميم ورقمنة هذا الأرشيف الهام لحمايته وإعادة عرضه وفقا لآخر ما توصلت إليه التكنولوجيا، وكمرحلة أولى تم ترميم 15 فيلما من أصل 120 عملا سينمائيا ستواصل الوزارة الوصية العمل عليه تباعا بالمخابر الأوروبية، الأمر الذي كلف الدولة الجزائرية أموالا وميزانيات ضخمة.

وهنا أشار الكاتب “أحمد بجاوي” إلى ضرورة الاحتفاظ بالنسخة الأصلية التي تصل مدتها إلى 50 سنة عكس النسخة الحديثة التي لا تتعدى جودتها وصلاحيتها 20 عاما، كما لمح بجاوي إلى حتمية فتح مخابر مختصة لتحميض وترميم الأفلام بالجزائر، وتكوين إطارات وخبرات تتولى المهمة، لتقليص الأعباء والمصاريف على الحكومة الجزائرية، التي كانت تمنح سابقا للمخابر الأجنبية عن الفيلم الواحد أكثر من 5000 يورو، من جهته أكد وزير الثقافة “عز الدين ميهوبي” أن العملية تأتي للحفاظ على الذاكرة السينمائية والسمعية البصرية ومواكبة للتطور الرقمي والتكنولوجي الحاصل، وفي سياق ذي صلة كشف ميهوبي عن الخطوة المقبلة والتي ستخصص لاسترجاع الأرشيف السينمائي الجزائري الموجود بكل من فرنسا وايطاليا ودول أخرى، مشيرا أن الوزارة الوصية تحاول إيجاد قنوات للتواصل مع الأطراف المعنية.
عملية ترجمة وترميم ورقمنة الأعمال الفنية المائة والعشرين المبرمجة والتي يشرف عليها المركز الوطني للسينما والسمعي البصري، تشمل روائع وكلاسيكيات السينما الجزائرية التي أسست لمرحلة هامة من سينما البلد ووثقت لمراحل أساسية للتحولات التي عرفها المجتمع على فترات، كما أن هذه الخطوة تهدف إلى مد جسور التواصل بين الأجيال التي لم يسبق وشاهدت هذه الروائع، وتأتي أيضا تكريما لصناع الفرجة السينمائية الذين كان لهم فضل كبير في إيصال السينما الجزائرية إلى عوالم وعواصم مختلفة، والإسهام في تعزيز الرصيد السينمائي بأعمال بقيت خالدة إلى يومنا هذا.

فلم يذخر “محمد لخضر حمينة” أو “عمار العسكري” أي جهد للتعريف بالثورة التحريرية، ولم يقصر يوما “إبراهيم تساكي” أو “عبد الرحمن بوقرموح” في إظهار الزخم الثقافي والتاريخي للبلد، ولم تقف قلة الإمكانات أمام طموح “محمد زينات” أو “أحمد راشدي” لطرح مواضيع متعددة لا تقل تميزا عن أبناء جيلهم من المخرجين، ولأجل كل هؤلاء وحتى تصل الصورة السينمائية الراقية والغنية بتعدد الرؤى والمواضيع جاء ترميم هذه الأعمال الخالدة.
اتجه الكثير من المخرجين في مرحلة ما بعد الاستقلال (1962) إلى انجاز أفلام تتحدث عن الثورة وتمجد بطولات الشعب وتفخر باستقلال البلد وانتصار رجالاته على عساكر فرنسا وبالفعل نجحوا في ذلك وأوجدوا لأنفسهم وأعمالهم مكانا في أكبر المهرجانات السينمائية كـ”كان” و”البندقية”، في حين أن المخرج “مرزاق علواش” الذي اعتاد تصوير الوقائع والأحداث كما هي بدون تزييف أو تجميل، كسر القاعدة وقدم للسينما الجزائرية موضوعا جديدا بطرح جريء في تلك الفترة.

كان “علواش” السباق في خلق أسلوب عرف به فيما بعد، وهو النهج الذي لا يزال يعمل وفقه من “عمر قتلاتو الرجلة” 1976 إلى “مدام كوراج” 2015 مرورا ب “نورمال” و “السطوح” والتائب” وغيرها، حيث يشبه الكبت والأحلام التي قدمها في “عمر قتلاتو الرجلة” منذ 40 عاما طموح شباب اليوم في كثير من التفاصيل، فنفس الواقع والطموح ما يزال قائما بعد أربع عقود، والتيمة التي اختار المخرج العمل عليها منذ بدايته هي تعرية المجتمع ونقله بكل تجلياته ومواجهة الأزمات بالصورة، مهما كانت قسوة المشهد والمجتمع معا، كما عرف علواش بوفائه بل اقترابه الدائم من يوميات وحياة الشباب الذي مهما ارتفع سقف طموحه يصطدم بالروتين الممزوج بالخوف من البوح والفشل، وفي ظل تحفظ واحتفاظه برغباته استنطق علواش بطله ومنحه فرصة الحديث عما يريد من خلال اعتماده تقنية السرد الذي اعتبر آنذاك عنصرا جديدا دخل السينما الجزائرية.
بعد استرجاع الجزائر لاستقلالها وسيادة مؤسساتها، بدأ أفراد المجتمع يبحثون عن أفق أوسع لحياتهم ولم يأخذ الماضي من وقتهم حيزا كبيرا، حينها اكتفى البطل بالتلميح لنضال أبيه المتوفى والمظاهرات التي قادها الشعب ومحطات أخرى قدمها في عجالة، وعلى موسيقى “أحمد مالك” قدم “عمر” المهووس برجولته ومبادئه ملامح بيئته الواقعة بواحد من أعرق أحياء العاصمة “باب الواد”، وولعه بموسيقى الشعبي التي تعكس تمسكه بتراثه وأغاني المنطقة.

كما تحدث بطل “مرزاق علواش” عما يملك -مسجل وقرابة 30 شريطا- وفي عرضه لتفاصيل حياته لمح إلى بعض الأزمات الاجتماعية كالطلاق ومشكل السكن الذي لا يزال يحتل مقدمة المطالب والأحلام إلى غاية يومنا هذا، وبين الفينة والأخرى كان يتحدث عن العالم الذي يريده أن يحوي أمانيه وأبناء جيله، بينما بدا عمر الموظف الحكومي متحفظا اتجاه الحبيبة، وهنا توقف في سرده عند المحرمات التي وضعها المجتمع، فلم يكن يملك الجرأة أو الشجاعة ليبوح بحبه، فما منعه على ذلك الخوف من ردة الفعل أو انعدام التواصل أو الرجولة، التي كانت المقاس الأول للجزائري الذي لا يحتمل التنازل أو النقاش فيه، وانتهى عمر من سرد قصته من غرفته حيث بدأ، باعتبارها الفضاء الذي يمارس فيه حريته ويستطيع منه البوح بكل ما لا يجرأ عليه أمام الملأ.