السينما وتوحش رأس المال
محمد رُضــا
تعاملت السينما الأميركية كثيراً وطويلاً مع مواضيع تعكس الأزمات الاقتصادية الفردية والاجتماعية. الفقر والعوز ظهرا في بعض أفلام دو غريفيث القصيرة الأولى في العام 1908 وما بعده. أما فيلم تشارلي شابلن «أزمنة عصرية» (Modern Times) سنة 1936 فقد تضمن لمشاهد من المظاهرات العمالية، بعد ذلك بعامين يأتي فيلم العصابات «العشرينيات الهادرة» (The Roaring Twenties) لراؤول وولش حول عودة مجند (جيمس كاغني) من الحرب العالمية الأولى ليجد نفسه عاطلاً عن العمل ما يدلف به إلى الانخراط في إحدى العصابات.

«أعناب الغضب» (The Grapes of Wrath) سنة 1940 كان بمثابة شهادة الروائي جون شتاينبك والمخرج جون فورد على سنوات اليأس الكبرى التي ضربت الاقتصاد الأمريكي في العشرينيات والثلاثينيات وأثرت على معيشة ملايين الأمريكيين خصوصاً المزارعين وأصحاب المهن الصغيرة.
الأزمة الاقتصادية الأحدث، سنة 2008، نتج عنها عدّة أفلام عاينتها كما حال أفلام الأمس الأخرى التي تناولتها، أو دارت في رحاها مثل «ساوندر» Sounder لمارتن رت (1972) و«بوني وكلايد» لآرثر بن (1968) و«إمبراطور الشمال» لروبرت ألدريتش (1973) و«جدير بالمجد» لهال أشبي (1976) والعديد سواها.
800 مليون
الأفلام الحديثة لديها جانب آخر حول موضوع الأزمة القريبة.
في أفلام الأمس كانت الدراميات الفردية والجماعية هي مادة هذه الأفلام: هجرة المزارعين، انتشار الفقر بين الناس، تحوّل البعض إلى الجريمة، صراع النقابات والاتحادات العمالية ضد أصحاب المصانع والرأسماليين الخ…
في أفلام اليوم انصبت الأعمال التي تم تحقيقها حتى الآن على مدينة نيويورك وشارعها الاقتصادي المعروف وول ستريت. فيلم «99 منزلاً» لرامين بحراني (مخرج إيراني مهاجر منذ سنوات بعيدة) الوحيد الذي لا تقع أحداثه في نيويورك لكن ما يدور على الشاشة (كيف ينتهز البعض الفرصة للثراء باستحواذ العقارات التي تأخر مالكوها بدفع مستحقاتهم عنها بقرار من المحكمة) يبقى على صلة كبيرة بالأزمة وأسبابها ومصادرها.
عدة مخرجين سارعوا إلى استلهام الأزمة الاقتصادية للعام 2008 حال وقوعها. لكن في العام 2000 شهد خروج فيلم يمكن القول أنه قرأ في المستقبل بعد ثمانية أعوام. إنه Boiler Room وهي التسمية التي تمنح للمكاتب التي تؤسس بغاية شحذ همم المستثمرين المحتملين من ذوي الدخل المحدود أو المتوسط. الغرفة التي تشهد قيام موظفيها بحث الأبرياء على شراء أسهم على أساس أنها مباعة بأسعار رخيصة أو أنها ستشهد في ساعات ارتفاعاً في الأسعار بحيث يعود على المستثمرين بأرباح سريعة. لكن هذه المكاتب كانت تسحب الودائع التي حصلت عليها وتختفي سارقة أموال المودعين.
هذا النشاط كان من بين نشاطات أخرى كثيرة تم تسجيلها في عداد الأسباب التي أدّت إلى تلك الأزمة الاقتصادية الكبيرة، وهو ما يعود إليه فيلم «وحش المال» Money Monster الذي شهد عرضه العالمي الأول في إطار مهرجان «كان» الأخير.

في هذا الفيلم الذي أخرجته جودي فوستر وقامت ببطولته النسائية جوليا روبرتس، حكاية مقدم برنامج اقتصادي أسمه لي غايتس (جورج كلوني) كان أوعز إلى مشاهديه شراء حصص في إحدى الشركات من دون أن يفحص قدراتها ووضعها الاقتصادي ما تسبب عنه ضياع 800 مليون دولار من أموال الذين صدّقوا دعوته وسارعوا لشراء الأسهم. أحدهم جاك (جاك أو كونل) المزارع الذي أودع في هذا الاستثمار كل مدخراته (نحو 60 ألف دولار) فتبخرت. ها هو يتسلل إلى الاستديو ويحتجز غايتس مطالباً إياه، من بين مطالب أخرى، الجواب على سؤال حاسم: “كيف يمكن لـ 800 مليون دولار (مجموع ما دفعه المستثمرون الذين استجابوا لندائه) أن تتبخر في يوم واحد؟”.
«وحش المال» (وهو اسم البرنامج التلفزيوني المقدّم) يتّـخذ من مادة تشويقية أساساً لنقد “وول ستريت” ونشاطاتها. صحيح أن رئيس المؤسسة هو المسؤول فردياً عن اختفاء هذه الثروة إذ تصرف بها في استثمارات أفريقية غير منجزة من دون علم سواه، إلا أن المكشوف هنا يطال في مفاداته النظام الاقتصادي المعمول به في «وول ستريت». إخراج جودي فوستر لا يؤدي إلى عمل كلاسيكي على الصعيد الفني، إلا أنه يحافظ على نبرة سياسية تتسلل طوال الوقت بحسناتها وهناتها.
تحقيق صحفي
إثر الفاجعة، سنة 2008، قام عدد من المخرجين الروائيين والتسجيليين بطرح هذا السؤال من جملة أسئلة كثيرة أخرى عما حدث وكيف حدث.
هذا اشتمل على فيلم مايكل مور «رأسمالية، قصّـة حب» (2009) و«عمل داخلي» لتشارلز فرغسون (2010) وهما فيلمان تسجيليان و«نداء هامشي» Marginal Call لجي س شاندور و«رجال الشركة» The Company Men لجون وَلـز (2010) وهما روائيان.

«عمل داخلي» (Inside Job) يكشف عن كيف تمّ لكبار رجال أعمال المصارف والمؤسسات الاقتصادية استحواذ بلايين الدولارات من شركاتهم أو من المستثمرين ومشتري البورصة والتسبب في إفلاس الطرفين وإيداع الأموال في حساباتهما الخاصّـة.
ذلك يشمل، في الفيلم، الاستثمار العقاري وإغراء الناس العاديين للحصول على قروض من المصارف العامّـة بضمان ممتلكاتهم العقارية. هذا لم ينشط السوق العقاري بل وضعه تحت تصرف المصارف التي- وكما ورد في فيلم «99 منزلاً» (2015) أيضاً- عادت فاستولت على العقارات وعلى الودائع الشخصية محققة أرباحا تبدو قانونية، لكنها في نهاية المطاف هي جزء من عملية نصب كبرى.
«عمل داخلي» ما زال، بعد مرور خمس سنوات عليه والعديد من الأفلام الأخرى فيلما تسجيليا رصينا وكاشفا. لكن في الواقع معظم الأفلام التي تعاملت مع هذا الموضوع كانت رصينة وكاشفة.
فيلم مايكل مور التسجيلي أيضاً «الرأسمالية، قصة حب»، يختلف في نوعه وفي معالجته. إنه نوع من سينما التقرير نرى فيه المخرج ذاته وهو يبحث في ما حدث بنفسه. طبعاً يقدّم معلومات ويطرح ويجيب على أسئلة، لكن عليها أن ترد بلسانه وبكاميرته التي تتحول إلى تحقيق صحفي. كان الفيلم يستطيع أن يأتي أفضل شأناً مما جاء عليه. كثرة المولّـفين (فنانو المونتاج) أحد أسباب حدّة نقلاته بلا ترتيب صحيح في بعض الأحيان واضطراب بعض أجزائه. هو فيلم غير متساو وغير مُوحّد في صياغة متواصلة سلسة.

بطريقته المعتادة يحاول المخرج إجراء مقابلات مع المسؤولين ولا يتمكّن إلا في أحيان قليلة فهم لا يريدون مقابلته والحرس الأمني لتلك المؤسسات الضخمة ينفّذون التعليمات. إلى ذلك، هناك مشاهد أخرى له وهو يمسك بمكبّر الصوت صارخاً بأعلى صوته مطالباً أصحاب تلك المؤسسات بإعادة المال الذي قبضوه من الرئيس أوباما عندما اعتقد أوباما أنه سيستطيع حل الأزمة من خلال ضخ المال حيث نضب فتصرّف مسؤولو تلك المؤسسات بأموال المساعدة بإيداع مئات ملايين الدولارات في حساباتهم الخاصّة. محاولة المخرج يائسة لكنها معبّرة تماماً عن موقفه.
ويأتي المخرج على سيرة المنازل التي تم إغراء الزبائن بالاستدانة وشرائها ثم واجهوهم بتبعات الأزمة حالما وجدوا أنهم غير قادرين على دفع الفواتير الشهرية. ينتقل بنا إلى صاحب بيت فوق أرض كبيرة يمتلكهما منذ 22 سنة. لا يستطيع الآن دفع باقي ثمنه ومضطر لإخلاء المكان بعدما قام المصرف بوضع اليد عليه. يقول الرجل إنه لا يفكر بسرقة المصرف لكنه يتعاطف مع لصوص المصارف لأنها تنخرط في “بزنس” سرقة الناس. المشهد المذكور حول رجل يخسر منزله ليس الوحيد. بل نرى منازل أخرى طُرد أصحابها منها. في الوقت ذاته، فإن وضع اليد على البيوت ليس الطريقة الوحيدة للإتجار بالأمريكيين، بل هناك، كما يشرح عبر مشاهد ملتقطة ومقابلات وريبورتاجات أرشيفية، طرقاً أخرى يجد المشاهد فيها جميعاً ما يكفي لازدراء تلك الفئة القليلة وجشعها الذي يدفعها للاتجار بمقوّمات الحياة لمجتمع بأكمله.
النجاة من الأزمة
في المقابل الروائي، كان «نداء هامشي» و«رجال الشركة» أول فيلمين روائيين تعرضا لهذا الموضوع الشاسع.
«نداء هامشي» يتبع تعبيراً منتشراً في عالم البورصة: حين ينخفض سقف التوقّعات من أرصدة قمت بشرائها فإن المؤسسة المصرفية التي تدير أعمالك قد تطلب منك أن تفتتح حساباً جانبياً جديداً تدفع فيه ما يرفع من شأن هذا الحساب لتغطية وتقوية ما يحدث للحساب الأول. وسام روجرز (كَـڤن سبايسي) مدير مبيعات في واحدة من هذه المؤسسات وقد أمضى فيها أربعا وثلاثين سنة ويتمتّع بثقة رئيس مجلس إدارتها (جيريمي آيرونز) الذي يعقد اجتماعاً طارئاً لكبار الموظّفين (وبعض الصغار منهم أيضاً) للوقوف على حجم الأزمة الناتجة عن اكتشاف أن موجودات الشركة بولغ في تقديرها بحيث أنه إذا ما انتشر الخبر تهاوت وفقدت مصداقيّتها. طريقة الخروج من الأزمة هو بيع العقارات والأسهم والممتلكات بأسرع وقت ممكن. بين مطلع دوام العمل وموعد الغداء، كما يوصي الرئيس مدركاً أنه مع حلول الساعة الثانية بعد الظهر تكون مشاكل الشركة انتشرت وبات البيع مستحيلاً.

ج سي شاندور، المخرج القادم من تحقيق الدعايات التلفزيونية، والذي لم يسبق له الوقوف وراء كاميرا فيلم روائي طويل من قبل، ينجز عملاً صادقاً يدور في نطاق النظام الاقتصادي الأميركي وكيف يُـدار ومن يدفع ثمنه من خلال حكاية تقع معظم أحداثها داخل المؤسسة المالية الضخمة (وغير مسمـاة). يختار لشخصياته زوايا تصوير ثابتة ومهيمنة تعكس الشعور بالقلق والضغط المباشر عليها. وهذه الزوايا محلاّة بمناظر بعيدة (الشارع من خلف النافذة العلوية، المدينة الشبحية في الأفق الخ…) وبألوان ليلية زيادة في التعبير.
ويستلهم «رجال الشركة» الموضوع ذاته وبالقدر نفسه من الإجادة والجدية. مؤسسة اقتصادية تقسم موظفيها بين من سينجو من الأزمة وبين من سيسقط تحت براثنها. فيلم جون وَلز يضع في الواجهة ثلاثة موظّفين بن أفلك، تومي لي جونز و(الرائع) كريس كوبر أمام مجهر النتائج المعيشية إذ يحاول كل منهم التمسك بوظيفته ولو أن أحدهم (كوبر) وقد خسر كل شيء يقدم على الانتحار.
القاسم المشترك بين هذين الفيلمين واضح (نقد ما آلت إليه الآلة الاقتصادية وسط فوضى الممارسات التلاعبية) ويشتركان أيضاً في قوّة الطرح والتزام كل مخرج بعمل بعيد عن تنميط الأمور أو الخروج بآمال كاذبة منها. لكن في الوقت الذي تدور فيه معظم أحداث «نداء هامشي» داخل المؤسسة، يتناول «رجال الشركة» مواقع مختلفة داخل المؤسسة وخارجها أيضاً
الجشع الجيد
مباشرة بعد ذلك شاهدنا المخرج أوليفر ستون ينفذ إلى الموضوع نفسه عبر فيلمه «وول ستريت: المال لا ينام» سنة 2011.
ستون كان أخرج فيلماً بعنوان «وول ستريت» سنة 1987 وأراد للفيلم الجديد أن ينجز النجاح ذاته، الفيلم السابق دار حول مضار الجشع، مايكل دوغلاس يقف في غرفة الإجتماعات الطويلة ويقول لمدرائه: “الجشع جيد”.
في الفيلم الجديد يخرج مايكل دوغلاس من السجن بعد أن قضى فيه سنوات قليلة، ذلك الجشع أودى به إلى وراء القضبان، الآن وهو طليق يعمل مع جيل جديد من مضاربي السوق ويكتشف أنه ما زال يستطيع ممارسة أعماله المشبوهة بصرف النظر عما يسببه ذلك من ضرر على ضحايا أبرياء، في هذه الفكرة تكمن الإدانة، لكن ستون لم يشأ أن يدين بل حاك قصّـته محتفياً بشخصياته غير السوية تلك وممضياً في قصة حب جانبية أكثر مما يجب.
إنها المعالجة ذاتها في فيلم مارتن سكورسيزي «ذئب وول ستريت» حيث يرفض المخرج معاملة شخصيته الاقتصادية المنحرفة (جوردان بلفور كما أدّاه ليوناردو ديكابريو) كشرير بل يمنحه الكثير من الإحتفاء لكي يحفظ له بعض ماء الوجه.

جوردان بلفور من صقور وول ستريت. يهودي في الأصل وفي الفيلم نراه يتبرع للكنيسة ويردد اسم المسيح حتى لتظنه مسيحياً. في الواقع أيضاً نهش جوردان من لحم الضحايا الكثر الذين وظّـف أموالهم في البورصة وضمن لنفسه ولمؤسسته المتنامية الأرباح المتوالية ومضى يعيش حياته مدمنا ولاهياً وغير مكترث لمحاولات الحكومة إلقاء القبض عليه متلبساً، وهي ما فعلته في نهاية المطاف ولو أن السجن لم يصنع منه رجلاً جديداً كما أشيع.
سكورسيزي لا يحكم على شخصية بلفور بنفسه، بل يترك للمشاهد الحكم عليه. لكنه في منوال فعله هذا يبتعد عن الطرح الصحيح لما كان يجب عليه أن يكون هدفاً تحتياً لا وجود له مع ما نراه على الشاشة. فالفيلم هو أكثر عن شاب أرعن ونساء عاريات وممارسات جنسية مكشوفة واستنشاق الكوكايين. عن أسلوب حياة لا ينتهي إلى إدانتها مطلقاً، يتغاضى عن معالجة العالم الشجع للمؤسسات المالية الأميركية التي يدور الفيلم في أتونها.
على ذلك يا له من عرض: ثلاث ساعات بلا لحظة ملل واحدة. ومع أن هناك العديد من المشاهد هي تكرار لما ورد منها سابقاً (من بينها ثلاث خطب حول الجشع الجيّد والمصلحة الفردية وكيفية النصب على الأبرياء) إلا أن الفيلم لا يسقط تحت هذا التكرار بسبب معالجة بصرية أخاذة يستخدم فيها المخرج قاموسه من المفردات الفنية.
الأفلام الحديثة
في العام الماضي، ووصولاً إلى الفيلم الحالي «وحش المال»، أعيد طرح الموضوع من جوانب عدّة، المخرج الإيراني المهاجر إلى الولايات المتحدة رامين بحراني حقق عملاً رائعاً في هذا الإطار عنوانه «99 منزلاً».

يتولّى بحراني سرد حكاية رك كارڤر (المهيمن بأداء فذ مايكل شانون) الذي يستغل الثغرة الناتجة عن عدم التزام أصحاب البيوت دفع أقساطهم للمصارف فيتدخل، بأمر قضائي، لإخلاء المكان عنوة وفي الحال. الضحية الجاهزة في مطلع الفيلم هو دنيس (أندرو غارفيلد) الذي يجد نفسه وابنه (نواه لوماكس) وأمّـه (لورا ديرن) في الشارع. لكن رِيك يعرض على دنيس العمل له ومساعدته في إخلاء المنازل من أصحابها وإتمام عملية إنتقال الملكية مستخدما في ذلك الأمر القضائي ورجلي بوليس ومجموعة من الحمّـالين لإخلاء البيت من مفروشاته. بذلك العمل الذي بدأ يدر على دنيس مبالغ مالية لم يكن يحلم بها (مكنه من شراء بيت كبير للعائلة بعدما لجأت إلى فندق متواضع للعيش فيه) ينضم دنيس إلى مخالب الصقور الناهشة في حياة المعوزين. يصبح جزءاً فاعلاً في الآلة القاضمة للحياة الشريفة ولأناسها الذين عملوا طويلاً وجاهداً لامتلاك البيت ليجدوا أنفسهم وقد طردوا منه. دنيس يمارس على الغير (ولو بتأنيب ضمير أحياناً) ما مورس عليه.
الفيلم الحديث الآخر في هذا الشأن هو «التقصير الكبير» The Big Short للمخرج أدام ماكاي مع ستيف كارل، كرستيان بل ورايان غوزلينغ في البطولة.

يستفيد «التقصير الكبير» (عبارة اقتصادية تعني عدم قدرة المديون على دفع أقساطه) من اختلافه وتناوله شبه الساخر من العالم الذي تدور فيه الأحداث. يتنبأ المضارب مايكل (كرستيان بايل) بزلزال سوق العقارات وحتمية سقوطه فينصح المؤسسة بما يجب عليها القيام به لاستثمار الوضع قبل حدوثه لصالحها. يثير ذلك انتباه رجل الأعمال جارد (غوزلينغ) الذي ينقل المسألة إلى صاحب مؤسسة اقتصادية أسمه مارك بوم (كارِل) ويغريه بشراء العقارات بسعر زهيد. الجميع يدرك بأنه سيستفيد على حساب الأزمة التي ستنفجر في شارع وول ستريت وتصيب صميم الاقتصاد الأميركي.
يمنح المخرج ماكاي شخصياته علامات فارقة. مايكل الغارق في الموسيقى خلال العمل محيطاً نفسه بجدار عزلة، وجارد القرش الذي لا يكترث للضحايا ومارك الذي يكترث ثم يستسلم تحت إغراء الأرباح التي سيجنيها. هناك دور لبراد بيت (صاحب شركة Plan B المنتجة) كمستثمر يدرك ما يعنيه الاشتراك في اللعبة الدائرة فيحجم عنها. لكن الفيلم مقصّـر في حمل مضمونه إلى ما هو أكثر حدّة. سيناريو الفيلم (عن كتاب لمايكل لويس) حذق في توظيف عدد محدود من الشخصيات للكشف عن وضع شامل. لكن حين يأتي الأمر إلي التنفيذ، فإن سلوك الشخصيات يبقيها أبعد من أن تثير المشاهد على نحو أو آخر. يستخدم ماكاي التعليق والتوجه المباشر للكاميرا ومشاهد من نوع تفسير المفردات الاقتصادية لكنه يبقى مثل راكض يلهث ولا يصل.