أزمة قاعات السينما في المغرب

زبيدة الخواطري

من صخب العروض والإشعاع الفني والثقافي، تحولت قاعات سينما السعادة وشهرزاد وموريتانيا و لوكس و الكواب وغيرها إلى أطلال، وفقدت الكثير من القاعات السينمائية بالدر البيضاء زوارها ومرتاديها وتحولت إلى عمارات سكنية ومتاجر ومكاتب إدارية بل تحول بعضها لمطاعم و مقاه تقدم الأطباق والمشروبات بديلا لعروض الأفلام السينمائية، بل إن بعضا منها صار مرتعا ومأوى للمشردين، تلك هي وضعية القاعات السينمائية التي أغلقت أبوابها منذ سنوات فيما تقاوم أخرى عوامل كثيرة وقد لاتصمد مستقبلا. 

سينما السعادة بالدارالبيضاء

“عندما نحب الحياة نذهب إلى السينما” مقولة تأثر بها عشاق الفن السابع في المغرب فحُب الحياة لم يعد مرتبطا بالذهاب إلى السينما بعدما هجرها روادها واضطر أصحاب القاعات إلى إغلاقها.

فسينما الكوكب وشهرزاد وموريتانيا، ولوكس وأمبير وغيرها، بالعاصمة الاقتصادية  أصبحت ذكرى من الماضي الجميل بالمدينة،  تلك المعالم كان لها دور تثقيفي تربوي وترفيهي كبير لأجيال عديدة، قاعات كانت تحمل ذاكرة هذه الحاضرة الكبيرة الفرجوية الجماعية،غير أنها لم تعد تقوم بأي دور ولو على سبيل التأريخ حاليا امام انعدام مبادرات الترميم أو حفظ الذاكرة.  

في سبيلنا لتحليل هذا التراجع  الخطير في عدد القاعات التي تقلصت بالعشرات في ظرف وجيز نستطلع رأي بعض المهتمين بهذا المجال، أحمد بن طاهر أومال سيناريست ومؤلف مسرحي يسترجع معنا بعضا من زمن قاعات السينما البيضاوية: “هناك قاعات كثيرة أغلقت في الدار البيضاء، مثلا سينما ريكس،وسينما مونتكارلو، كانت توجد في شارع بالمعاريف، كنا نذهب إليها ونشاهد أربعة افلام في ليلة واحدة، قاعة سينما بوسيجور أغلقت كذلك وحلت محلها عمارة سكنية.

سينما لوكس

ويضيف متحدثا عن دور القاعات السينمائية في مساره قائلا:” لقد خلّف إغلاق القاعات أثرا نفسيا سلبيا كبيرا. فقد كانت متنفسا لنا في مرحلتنا العمرية حينها. وكنا نرسم الكثير من القصص في مخيلتنا. السينما علمتني أشياء كثيرة. وتعلمت منها على الخصوص كيف أصبحت كاتب سيناريو.

الأمر نفسه تؤكده  الممثلة المقتدرة سعاد صابر التي عبرت لنا عن أسفها لضياع تراث ثقافي عريق بالدار البيضاء، فالقاعات السينمائية في نظرها ليست مجرد جدران إنما معالم ثقافية تربت فيها أجيال كثيرة على الفن والذوق والإبداع.

ومن جانبها، ربطت الفنانة الكبيرة نعيمة المشرقي القاعات أيضا بمسار نضالي طويل للمقاومة ساهم في لم شمل الوطنيين ورجال الفكر والثقافة ما يستدعي من المسؤولين إعادة الاعتبار لقاعات العروض السينمائية بالمغرب.

الفنانة المغربية نعيمة المشرقي

 أما الفنان القدير محمد مفتاح فأكد على دور القاعات السينمائية بالدار البيضاء حيث تربى رفقة فنانين كبار في قاعة سينما السعادة في الحي المحمدي.الحي الذي أنجب عمالقة الفن المغربي مثل المجموعة الغنائية ناس الغيوان ولمشاهب وتكادة والسهام  وغيرهم.

جمال بنحدو الفنان والمطرب واحد من أولئك يتحسر بدوره على ما آلت إليه القاعات السينمائية بالدار البيضاء، يقول:”كفنان من مواليد درب السلطان، أحد أكبر الأحياء الشعبية بالمدينة كان اليوم السعيد عندنا هو حصولنا على تذكرة لولوج قاعة سينما موريتانيا، وكانت قاعة متخصصة في الأفلام الهندية وكنا نذهب أيضا إلى سينما شهرزاد الأطلس والكواكب. هي قاعات عرفت ترديا كبيرا.”

ويضيف بنحدو مستدركا  أن القاعات السينمائية ساعدته على صقل موهبته الغنائية .. “ففي صغري عرفت ماهو الغناء مع الأفلام العظيمة التي كانت تعرض في السينما .. أفلام جعلتنا نتعلق بالفن .. كنا نغني مع أفلام الهنود ومنها أخذت الموسيقى .. كانت السينما ملجأ للثقافة والترفيه والترويح عن النفس .. إن إغلاق القاعات يشكل مظهرا تجاريا أكثر منه ثقافيا في أحياء الدار البيضاء”.

جمال بن حدو

القنوات الفضائيات والقرصنة و نمط الحياة 

إن التطور السريع الذي شهدته وسائل التواصل والإعلام و التكنولوجيا حاليا ساهمت بإغلاق القاعات السينمائية، حيت تم تعويضها بالمشاهدة الجماعية بالمنازل، عبر قنوات تلفزيونية متخصصة في عرض الأفلام تعرض أفلاما سينمائية جديدة أو قديمة ، فالمتفرج تتاح له فرص الاختيار الواسعة ، أو عبر الإنترنت والأقراص المدمجة. إضافة إلى قرصنة الأفلام ،زيادة على رداءة الخدمات المقدمة من لدن تلك القاعات السينمائية ما قلص عدد المرتادين.

ولإظهار هذا التناقض في تقلص عدد القاعات وعدد الإنتاجات  السينمائية المغربية من أفلام طويلة وقصيرة ووثائقية فقد أكدت دراسة أن المغرب يحتل المرتبة الثانية إفريقيّا في الإنتاج السينمائي بعد جنوب إفريقيا، إلا أن عدد قاعات العرض تراجع خلال العقود الثلاثة الماضية ليبلغ اليوم حوالي سبعين قاعة عرض فقط.

سينما "ميغاراما" بالدارالبيضاء من بين أكبر دور سينما في العالم العربي و أفريقيا

وهناك تأثير قرصنة الأفلام على القاعات وبيعها في أقراص مدمجة في نفس وقت عرضها في السينما لأن اقتناء الفيلم بأقل من ثمن تذكرة السينما والقدرة على مشاهدة أكثر من فيلم في فترة وجيزة، أفضل من التنقل إلى قاعة سينمائية كلاسيكيه لأن اختيارات المتفرج أصبحت شاسعة ومتطلبة. إضافة إلى تغيّر نمط الحياة بحيث أن الشخص إذا أراد الذهاب إلى السينما فهو يحتاج إلى الوقت المناسب وغالبا ما يكون في نهاية الأسبوع كما يحتاج لوسيلة نقل لذلك يفضل البعض اقتناء آخر الأفلام المقرصنة، ومشاهدتها في المنزل برفقة الأصدقاء أو برفقة أفراد العائلة في أجواء مريحة.

وهناك من يضيف عنصر تراجع دور نوادي السينما في الحركة السينمائية المغربية وهي نواد لعبت دورا مهما في التعريف بالثقافة السينمائية في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات لكن اندثر العديد منها، وقد كانت تزود صفوة من الطلبة والتلاميذ والمثقفين بمعارف وخبرات سينمائية.

 أفلام تتزايد وقاعات تتناقص

تشير إحصائيات المركز السينمائي المغربي وهو الهيئة المسؤولة عن السينما إلى تناقص عدد قاعات السينما من 250 قاعة في عام 1980 إلى 72 قاعة حاليا وهو عدد مرشح للانخفاض باستمرار لكن القاعات التي تضمن شروط فرجة سينمائية مريحة وممتعة لا تتجاوز الثلاثين وتشير نفس الإحصائيات إلى أن 13 مليون متفرج اقتنوا تذكرتهم في عام 2000، في حين تراجع الرقم الآن إلى مليون ونصف مليون تذكرة فقط.

سينما الريف بطنجة

 تراجع عدد القاعات السينمائية حاليا يأتي في مقابل تصاعد عدد إنتاجات الأفلام المغربية إذ وصلت إلى 14 فيلما طويلا، و50 فيلما قصيرا سنويا، حسب المركز السينمائي المغربي. ويتخوّف البعض من عدم العثور على قاعة سينمائية مستقبلا لعرض هذا الكم من الأفلام. وهو الأمر الذي يقع في الكثير من المدن المغربية التي تحتضن بعض الأنشطة والمهرجانات السينمائية.

الحياة سينما:

إن القليل من القاعات السينمائية تحترم شروط الفرجة السينمائية سواء من الناحية التقنية أو ظروف تجهيز القاعات بوسائل الراحة ما يطرق ناقوس الخطر للكثير من القاعات التي تقاوم للحضور في المشهد السينمائي. ففي مدينة الدار البيضاء يوجد مجمع سينمائي يتوفر على عدة قاعات سينمائية ويوفر اختيارات متعددة من الأفلام يستقطب الكثير من المرتادين. لأنه يوفر مقاعد مريحة وتجهيزات سمعية وصوتية متطورة، وظروف مريحة لتلقي الأشرطة.

وتلجأ بعض القاعات السينمائية في الأحياء الشعبية إلى عرض أفلام هندية أو مرتبطة بفنون الحرب اعتقادا منها بأنها تستجيب لانتظارات جمهور عريض في حين أن هذه النوعية من الأفلام تقصي جمهورا آخر يعشق فرجة سينمائية مغايرة، ويدافع بعض السينمائيين عن الأفلام الهندية باعتبارها ساهمت في بناء الملكات الفنية والإبداعية لجيل واسع  تربى في أحضان السينما الاستعراضية الهندية وهذا ما لا ينكره ثلة من الفنانين لمغاربة الذين يعتبرون هذه السينما قريبة من ذوق الجماهير.


إعلان