في ذكرى وفاة “ملك البوب”.. مايكل جاكسون

وسيم القربي

سبع سنوات مرّت على رحيله..

صادف يوم 25 يونيو الماضي تاريخ وفاة “ملك البوب” مايكل جاكسون، وُلد المغنّي العالمي يوم 29 أغسطس سنة 1958 بـ”غاري” بـ”أنديانا” بالولايات المتحدة الأمريكية، مغنٍّ، راقص، شاعر، ومنتج اكتسب شعبية عالمية فاقت التوقعات، ليُدوّن اسمه في كتاب غنيس للأرقام القياسية ويُصنّف كأحد أهمّ نجوم الموسيقى على مرّ التاريخ.

الرّاحل "مايكل جاكسون"

كان بصدد التحضير لعودته الفنّية انطلاقا من لندن بعد انقطاع استمرّ بضع سنوات حين توفي في ظروف غامضة بعد تناوله لجُرعة زائدة من أدويته.. عُرف مايكل جاكسون بإجرائه لعدد كبير من العمليات الجراحية التجميليّة لتبييض بشرته، وقد تمّ اتهامه من خلال مجموعة من الإشاعات بقضايا تحرّش بالأطفال القصّر، اعتنق مايكل جاكسون الإسلام، حسب العديد من الصحف الفرنسية والبريطانية، خلال حفل انتظم بالمناسبة بمنزل المنتج “ستاف بوركارو” بلوس أنجلس في أواخر سنة 2008، وهو ما أكده أخوه الأكبر “جيرمان جاكسون” خلال حفله بمهرجان موازين بالمغرب سنة 2009، بالإضافة إلى دراسته للثقافة الإسلامية قصد الاستلهام من ثرائها في ألبوماته الغنائية، غير أنّ هذا الموضوع بقي غامضا في مسيرة جاكسون خاصة بعد دفنه بتقاليد وأعراف مسيحية..

مايكل جاكسون… المُنتصر للقضايا الإنسانية

بدأ مسيرته وهو في سنّ الخامسة من خلال المجموعة الغنائية العائلية “جاكسون فايف” ثم انطلق ابتداء من سنة 1971 في مسيرة فردية ليتمكن من تحقيق نجاح منقطع النظير من خلال ألبومات غنائية مثل “ثريلر” سنة 1982 و”باد” سنة 1987.. وتشير الأرقام إلى أنّ عدد ألبوماته التي بِيعت فاقت المليار نسخة بما جعله يُلقّب بـ “ملك البوب”، كما اشتهر برقصته الشهيرة “الموون وولك”.

المغني مايكل جاكسون في بداياته

مسيرة مايكل جوزيف جاكسون تعود لطفل حالم من أصول أمريكية-إفريقية، عانى ويلات انتسابه العرقي، ولعلّ من أشهر ألبوماته “أبيض وأسود” التي تتضمّن كلمات تؤكد معاناته مثل “حياتي هي لون.. أن تكون أبيض أو أسود فذلك لا يهمّ..”، وقد تواصل غموض حيثيات حياة مايكل جاكسون خاصة بعد تناقضه بعد تغيير لون بشرته من الأسود إلى الأبيض، وهو ما فسّره المقرّبون منه بأنّه اضطرّ لذلك بعد إصابته بمرض نادر على مستوى بشرته حسب تصريح طبيبه “أرنولد كلان” لصحيفة “الريبوبليكا” الإيطالية “حوّلته إلى أبيض لأنّه كان مريضا”.

لم تقف مواضيع جاكسون إلى حدّ مناصرة “السّود” بالولايات المتحدة الأمريكية التي شهدت ويلات العنصرية، بل حملت ألبوماته وكليباته في مجملها انتصارا للإنسانية خاصة من خلال أغنيته “نحن العالم” التي استهلّ كلماتها على النحو التالي: “حان الوقت لنلبي النداء، هناك أناس بصدد الموت، حان الوقت لنساعدهم…”. كما تطرّق في أغنيته “نشيد الأرض” إلى قضايا البيئة والاعتداء على الغابات والحيوانات ومآسي الحروب، وهي بمثابة رسالة بيئية إلى الإنسانية وصرخة الكرة الأرضية.

مايكل جاكسون معشوق الملايين حول العالم

تعدّدت المواضيع الإنسانية في أغاني أسطورة البوب، وتبنّى مايكل جاكسون قضايا الطفولة من خلال أغاني نذكر منها “تشيلدهود” سنة 1995 و”ذا لوست تشيلدرن” سنة 2001.

بالرغم من كثرة الإشاعات التي رافقت مسيرة مايكل جاكسون، فقد أثبت من خلال إبداعاته التزاما بالقضايا الإنسانية وحسّا تجاه الاحتياجات حيث قرّر سنة 1984 أن ينشأ مركزا لعالجة الحروق بعد أن تعرّض لحادث احتراق شعره خلال تصويره لأحد إعلانات شركة “بيبسي”. كما قرّر سنة 1985 أن يحوّل مداخيل أغنية “نحن العالم” التي كتبها بالاشتراك مع “ليونال ريشي” لفائدة أطفال إفريقيا…

تمّ إنجاز مجموعة ضخمة من الريبورتاجات والأفلام الوثائقية السينمائية حول مسيرة أسطورة “مايكل جاكسون” ويمكن أن نذكر فيلمين وثائقيين سينمائيين وهما “هذا هو” سنة 2009 مباشرة إثر وفاته وفيلم “مسيرة مايكل جاكسون من موتاون إلى أوف ذو وول” (Michael Jackson’s Journey from Motown to Off the Wall).

“هذا هو”.. الفيلم

“ذي إز إيت” هو فيلم وثائقي غنائي من إخراج “كيني أوريغا”، تمّ إخراجه سنة 2009 عقب وفاة أسطورة البوب، يدوم الفيلم 112 دقيقة وهو يضمّ في مجمله مجموعة من التسجيلات التي قام بها مايكل جاكسون أثناء تحضير عرضه المزمع إقامته حينها بلندن الذي اختار أن يطلق عليه اسم “هذا هو”.

كان مايكل جاكسون يوثّق تحضيره للعرض المزمع إقامته بلندن والعودة للقاء جماهيره، وقد تمّ تسجيل تحضيراته بلوس أنجلس، غير أنّ وفاته جعلت من “كيني أورتيغا” يستخرج مما صوّره فيلما وثائقيا اختار له نفس العنوان الذي أطلقه جاكسون على عرضه “هذا هو”، من جملة 100 ساعة مُصوّرة استطاع “أورتيغا” أن يستخرج شريطا وثائقيا سينمائيا جعله بصيغة إهداء إلى روح مايكل جاكسون بعد مسيرة فنية متميّزة، وقد قرّرت الشركة المنتجة “سوني” أن تمدّد فترة عرضه بعد أن كان مزمعا أن يُعرض لمدّة 15 يوما في القاعات، حيث حققت أرباحا تفوق 100 مليون دولار خلال هذه الفترة القصيرة ليصل إجمال مداخيل هذا الفيلم الوثائقي حولي 260 مليون دولار، وهو ما جعل هذا الفيلم الوثائقي الغنائي يحتلّ المركز الأول في مجاله ويحطّم أرقاما جماهيرية قياسية في تاريخ الفيلم الوثائقي ويجعل لأسطورة جاكسون عودة سينمائية قويّة.

مايكل جاكسون وكيني أورتيغا

رافق “كيني أورتيغا” “مايكل جاكسون” طيلة أكثر من عشرين سنة في مسيرته وذلك من خلال تصميمه لعروضه، وقد رافق “أورتيغا” مايكل جاكسون في تصويره لكواليس تحضيرات هذا الأخير من خلال متابعة دقيقة لتفاصيل التدريبات على أن يُدمج جزءا منها في عروضه التي ستُقام بلندن، يتناول “أوريتغا” بصور أتت مرتعشة، تتسابق لتوثيق لحظات من الكواليس وأسهمت في إعطاء حياة للصورة وجمالية واقعية اللحظة، حيث يبيّن “أورتيغا” تعامل جاكسون مع فريقه مقدّما لهم النصائح: “أنت الوحيد الذي يمكنه قوله؟ هل تفهم ذلك؟”. ومن خلال لقطات كبيرة يحيلنا المخرج إلى تفاصيل العزف على القيثارة وملامح فريق العمل.

يبدو مايكل جاكسون مرحا راضيا عن فريقه، كما ترتسم على وجوه فريقه ملامح جادة إلى درجة كبيرة، وهو ما يذهب إليه المدير الموسيقي “مايكل بيردن” من خلال شهادته “يعرف إيقاعاته ونسقه، ويستمع حتى لنصائحنا”، أما عازف القيتارة “ألاكس” فيشير في شهادته أنه حقق أمنيته بالعمل في فريق جاكسون.

مجموعة من الشهادات من الفريق العامل، ومتابعة للتحضيرات بسياق تصويري يقترب إلى التصوير الهاوي غير أنه في حقيقته نقل جمالي للواقع ولنسق التحضيرات التي تؤكد عن قرب شخصية مايكل جاكسون المتواضعة وقربه من فريق عمله، كما ينقلنا “أورتيغا” إلى مشاهد من تصوير عروض لكليبات جاكسون وتصاميم جميلة لتحضيرات عرض لم يتمّ..

من كواليس التحضيرات الأخيرة لمايكل جاكسون

فيلم وثائقي يغلب فيه الغنائي على الصورة أو يمتزجان ليس من أجل العودة إلى تاريخ حياة مايكل جاكسون، بل من أجل توثيق فترة تحضيرات، ولعلّ وفاة جاكسون جعلت من هذا الشريط المحمّل بالألوان والمشاهد السيريالية التي أعدّها مايكل جاكسون برقصاته وديكوره بمثابة الوثيقة الحيّة التي تناولت تفاصيل نادرة وأغاني لم تخرج إلا من خلال صور هذا الوثائقي.

مسيرة مايكل جاكسون من “موتاون” إلى “أوف ذو وول”.. الفيلم

بعد إخراجه للفيلم الوثائقي “باد 25” سنة 2012 حول الأسطورة مايكل جاكسون وكواليس صدور ألبوم “باد” منذ 25 سنة، يعود المخرج الأمريكي “سبايك لي” لينجز فيلما وثائقيا آخر حول الفنّان الراحل مايكل جاكسون. لئن عُرف “سبايك لي” بمناصرته لقضايا السود ونصرته للقضايا الإنسانية إلى حدّ اعتباره عنصريا بدوره، فإنّ إعجابه بمايكل جاكسون جعله يعيد توثيق مسيرة ملك البوب.

يعتبر هذا الفيلم الوثائقي الذي خرج رسميا في شهر يناير الماضي، بمثابة توثيق لمسيرة الفنان مايكل جاكسون منذ بداياته مع مجموعة “جاكسون فايف” إلى حين إصداره لألبوم “أوف ذو وول” سنة 1979 وهي نقطة التحوّل التي جعلت جماهير هذا الفنّ الموسيقي مهووسة عالميا بمايكل جاكسون.

لقطة من فيلم "مسيرة مايكل جاكسون من موتاون إلى أوف ذو وول" ويظهر مايكل جاكسون في أقصى اليمين

في قراءة أوّلية بعد مشاهدتنا لهذا الفيلم الوثائقي، يمكن أن نستخلص مجموعة من النقاط في هذا الوثائقي الغنائي، حيث تمتزج متعة السرد حول بداية مسيرة مايكل بجمالية الصور النادرة.

ينطلق الفيلم بدائرة ضوئية مسلطة على قدمي مايكل جاكسون، تتبع النجم لينطلق الفيلم بحوار مع جاكسون سنة 1976 يروي من خلالها بدايات “فرقة فايف” حيث يقول في هذا الإطار: “استفقنا ذات صباح فوجدنا التلفاز تالفا، لم نجد ما نفعله حينها فبدأت أغنّي مع إخوتي وأمّي ونحاول أن نخلق نسقا معيّنا… من هناك كانت انطلاقتنا”.

متعة الفيلم تكمن في العودة إلى صور نادرة من بدايات جاكسون الموثقة، جاكسون الصغير رفقة إخوته، صور بالأبيض والأسود تدعم سردا لمسيرة فنان كانت المؤشرات تدلّ على ميلاد نجم موسيقي عالمي منذ ذلك الحين خاصة وأنه أصدر ألبومه الأول وهو في سنّ الثالثة عشر. يمكن اعتبار أنّ “سبايك لي” تكمن قوّته في هذا الفيلم كمخرج من خلال إصداره لفيديوهات نادرة تعرض لأول مرّة، وهو يمثّل دعامة لنجاح الفيلم خاصة في ظلّ تعطّش عشاق جاكسون لفنّه ولحنين العودة إلى الماضي.

ولئن تعتبر صور الماضي قيمة مضافة في الشريط الوثائقي، فإنّ الشهادات التي قدّمها “سبايك لي” في هذا الفيلم تزيد من قيمة ذلك الفصل الذي اختاره المخرج من مسيرة مايكل جاكسون، حيث يقدّم شهادات لمجموعة من أقرباء جاكسون مثل أمّه “كاثرين جاكسون” التي تروي بحزن كيف كان ابنها يحاول أن يزرع الأحاسيس بغنائه، مضيفة “مايكل يعشق الرقص، أعتقد أنّه وُلد يرقص”. كما تنضاف إلى ذلك مجموعة من الشهادات الأخرى مثل أبيه “جو جاكسون” وشهادة الكاتبة الموسيقية “فاليري سامبسون” و”ستيفن مانيينغ” الذي رافقه من 1969 إلى 1980..

"سبايك لي" مخرج فيلم مايكل جاكسون من موتاون إلى أوف ذو وول

ولعلّ الرؤية الإخراجية تتأكّد في نسق السرد حيث ينقسم الفيلم إلى محورين أساسيين، الأول عن مسيرة جاكسون وبداياته مع “مجموعة فايف” والثاني في ما يتعلّق بحيثيات نجاح ألبومه “أوف ذو وول”، ولئن كان الفيلم يعتمد في مجمله على أرشيف نادر وعودة ممتعة إلى السبعينيات من القرن الماضي، فإنّ تصوير الشهادات جاء بطريقة استجوابات من خلال لقطات في أغلبها غير متحرّكة. وبالتالي تلوح أنّ تنظيم السرد الحكائي وتوظيف الفيديوهات والأرشيف يمثل الرؤية الإخراجية وهو ما جعل الفيلم قصة مصوّرة لسيرة فنان في بدايات مسيرته.

تُعتبر الموسيقى مكوّنا من مكوّنات السينما، ولئن يتمّ توظيفها في الأفلام الروائية لتدعيم الصورة فإنّ حضورها في الفيلم الوثائقي يستوجب بحثا جماليا وفنيا، وهو ما يمكّنها من هذا الحضور في الأفلام الوثائقية الغنائية خاصة. ولئن يعتبر إنتاج هذه النوعية من الوثائقيات نادرا أو منعدما في منطقتنا العربية، فإنّ الغرب قد استثمر هذا الجنس الإبداعي ليدخل في السوق السينمائية التجارية. ولعلّ ذلك يرجع إلى تبريرات عديدة، غير أنّ الانفتاح على هذه النوعية من الأفلام قد تجعل منها تعريفا للثقافة الشعبية على سبيل المثال واحتفاء بالموسيقى لننسج على منوال هذه النماذج بمنهج مغاير.


إعلان