فاطمة رشا شحادة: اندفاعة سريعة للعالمية

بيروت- الجزيرة الوثائقية

تطل السينمائية فاطمة رشا شحادة على عالم السينما مبكرا، وتذهب نحو العالمية بسرعة غير مرتقبة، لا يتوقعها أي ناشيء، ففاطمة تخرجت باختصاص جامعي “الراديو والتلفزيون والسينما” من “الجامعة اللبنانية-الأميركية” على مشروع فيلم روائي قصير يوثق حدثا لبنانيا يعود إلى سبعينات القرن الماضي، وهو قصير من ١٦ دقيقة.

من فيلم "ذكرى" للمخرجة فاطمة رشا شحادة

الحدث هو مبادرة السلطة اللبنانية لطرد مجموعة كبيرة من المعملين من وظائفهم على خلفية إضراب قام به قطاعهم طلبا لتحسين ظروف العمل والرواتب. ورغم أن الحدث كان صارخا في حينه، وجاء في سياق العديد من الحركات المطلبية التي انطلقت في لبنان أوائل السبعينات، قبل اندلاع الأحداث الأهلية ١٩٧٥، إلا أن هذا الحدث، وكثيرة مثله من الأحداث، طواها الزمن، ويصح القول أنه تجاوزها، لأن أحداثا جساما أكبر بكثير طغت عليها، ولأن هناك من أراد طمس حقائق ووقائع تلك الحقبة من الزمن التي سبقت التاريخ الحديث، وتطوراته، وادعاء نزوع حركاته نحو شعار “الديمقراطية”.

الفيلم يعرض الحدث بطريقة مبتكرة، تستند على التوثيق، ولا تمارسه، مؤثرة الاتجاه نحو  التشكيل السينمائي المستند على المخيلة، الممزوجة بشيء من الحلم، والرؤى السينمائية العاطفية.

لا تحظى مبادرة أقرب إلى العفوية بنجاحات تفوق تلك التي تعدُ مسبقا للنجاح، والفوز، والانطلاق نحو العالم. فالمبادرة التي قامت بها شحادة تستند على وقائع قريبة جدا منها، حدثت مع افراد العائلة، فاتخذت منها بعفوية اشبه بالطفولية، مادة لتحقيق حلم، ورؤى، وخيالات من يتحول من الطفولة إلى الشباب.

تتحدث شحادة عن الفيلم بأنه “كان عن حقيقة، لكنه لم يكن وثائقيا، وجرى تمثيل أحداثه التي وقعت سنة ١٩٧٣“.

وتضيف في حديثها ل”الجزيرة الوثائقية”: “بدأت أطلع على القصة قبل عام من بدء التحضير للفيلم، وكان علي أن احدد الفكرة التي يجب أن أضع فيلمي عنها كمشروع للتخرج من الجامعة. في هذه الأثناء، كان شخص متقدم في السن من عائلتنا، لديه التجارب الكثيرة في حياته، وقد اخترت اشياء مما أخبرني استنادا على ما تم توجيهنا به ان العمل يكون أنجح في حال كان نابعا من إحساس الانسان”.

وتضيف: “اوائل السبعينات هي فترة غامضة من حياتنا نحن الشباب الناشيء، ولم ندرسها في التاريخ، ولا تستطيع أن تعرف عنها أي شيء رغم أهميتها كحدث كبير. اكتشفت أن السبعينات في لبنان كانت مرحلة حساسة، وربما لذلك السبب لا يتحدثون عنها، ورأيت أن يكون حدث من تلك المرحلة موضوعا للفيلم”.

من فيلم "ذكرى"

الفيلم روى قصة تحرك المعلمين، وتحديدا طرد ٣٠٩ معلمين من قادة التحرك من وظائفهم. وهذا الاجراء لم يسبق أن اتخذ قبلا منذ نشأة السلطة اللبنانية الحديثة. تقول شحادة: “كانت خالتي، وأيضا خالي، من بين الأساتذة المطرودين. والفيلم تناول قصة هذه الشريحة، ولكن ليس بالتمام كما حدثت، وإنما مع تعديلات لأسباب درامية رايت أن الفيلم يجب أن يراعيها. خلفية الفيلم تستند على وقائع حقيقية، لكن قصة الفيلم عن البطلة الأساسية، والعلاقة مع محيطها، وزوجها جرى عليها بعض تعديل”.

 حلم خيالي مبسط، ومباشر دون تعقيدات، أمكن من خلاله اختراق الأفئدة مبكرا، فدفع باتجاه العالمية بصورة سريعة.

تحدثت شحادة عن عالمية فيلمها السريعة، ووصوله إلى كان: “بعد إنجازه، جرى عرض الفيلم في الجامعة في بيروت، والذين حضروه من أساتذة ومتخصصين، نصحوني بعرضه على مهرجانات عالمية، فعرضته على مهرجان المكسيك الذي كان التحضير له جاريا، وبعد  ذلك، أرسلته إلى “كان”، وفي غضون ثلاثة أيام، تلقيت الموافقة على عرضه. ووصلتني رسائل من خمس مهرجانات من كل انحاء العالم ترغب بإدراجه في عروضها. ثم جرى عرضه في باريس في عرض خاص في المكتبة الوطنية، وحضره حشد، وكان فيه متقدمون في السن، فاهتموا كثيرا بمضمونه، وربطوا بين أحداثه، وحركة الطلاب الباريسية ١٩٦٨، ونظرا للحماسة التي ظهرت خلال عرضه الأول، تم عرضه ثانية في اليوم التالي نزولا عند رغبة كثيرين أحبوا ان يحضروه مرة ثانية”.

ولفتت إلى أن جمهورا عريضا من المهتمين بشؤون السينما حضره في “كان”، وكانت ردة الفعل مهمة خصوصا على الرسالة التي حملها الفيلم. ولم يحظ الفيلم إلا بالاذن بالعرض لأن موعد تقديمه للمسابقة كان قد مر”.

لفاطمة ٢٢ سنة، تخرجت ٢٠١٥، ترجع قصة حبها للسينما إلى أيام الطفولة، عندما “أهدتني أمي كاميرا، فأحببت التصوير، ورحت عبر الصورة اكتشف العالم حولي، وتعمقت في التصوير، وصرت ابحث عن القصة في الصورة”، تقول فاطمة، متابعة تطوراتها: “بعد ذلك، اقتنيت كاميرا فيديو، فدخلت أمكنة أخرى مختلفة كليا، وتمتعت وتعمقت بالتصوير وصولا إلى الدخول إلى الجامعة، فقررت اختيار التخصص الأقرب إلى هوايتي. وجدت الاخراج والسينما التي احببت كثيرا فهي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها أن أخبر الكثير من القصص”.

عن نظرتها إلى السينما الحديثة في لبنان، ترى شحادة أن “الغالبية تركز على الكوميديا التي تهدف إلى الإضحاك، وإذا نظرنا إلى رؤية الغرب لهذا النوع من الأفلام، فهي ليست أكثر من “دي في دي” يحضره أفراد العائلة في البيت. أي أننا لا نزال بعيدين جدا عن السينما العالمية المتطورة”.

السينمائية الشابة "فاطمة رشا شحادة"

تميل شحادة إلى تضمين الفيلم رسالة ترغب بأن تبعث بها إلى الجمهور، وتقول: “أفضل أن يتضمن الفيلم رسالة، لا أن يقتصر على مجرد التسلية، والترفيه، خصوصا أن هناك مواضيع متنوعة جدا في لبنان يمكن أن تكون مادة للسينما. وحاليا أحضر فيلما قصيرا، على أن اتابع بفيلم طويل”.

كما تفضل السينما على أي قطاع آخر، وتقول: “لن اتجه نحو التلفزيون، فالسينما فيها فن، وتوظف الفنون بشكل أوسع، بينما العمل التلفزيوني يتطلب شغلا معينا، ويجب إنجازه بسرعة، وهو يصبح شبيها بالعمل الوظيفي. الجميل في السينما هو الوقت الذي يمكن أن تعطيه للفيلم لكي يخرج عملا بأفضل ما يمكن”.

وتتابع: “المسلسلات لا تعني شيئا لي فقد حضرت تصوير العديد من المسلسلات، وأعرف كيف يشتغلونها، هي عمل أشبه بالتقطيع والتوصيل، وليس فيها فن. هي شيء آخر، ومختلف بالكامل عن السينما”.

المحطات التالية لفيلمها هي: مهرجان “مالمو” في السويد، ثم مهرجان دبي السينمائي، ومهرجان القاهرة، واسطنبول، وجولة أخرى واسعة.

وتختم معلنة حبها الكتابة، وتذكر إنها تحب القصص من صغرها، وتقول: “تربيت على من يخبرني القصص في البيت. ربما ترك ذلك أثرا في مساري اليوم. وآمل أن أحصل على دعم مادي لانتاج الأفلام”.

على جانب آخر من اهتمامها، تعتبر فاطمة أحد العناصر الأساسية في “كورال الفيحاء” العامل على طريقة الأكابيلا (غناء من دون مرافقة بآلات موسيقية)، وقد أمضت سنوات طويلة في الفرقة، وباتت قادرة على قيادتها كمايسترو، وهي تحب الاستمرار فيها وتقول: “الموسيقى هواية، والسينما عمل دائم، والكورال هو المكان الذي أهرب إليه بحثا عن الراحة”.


إعلان