مهرجان وهران السينمائي.. تحدي السمعة

وهران – الجزائر

ضاوية خليفة – وهران

يأتي مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي هذا العام، في أولى أيام التقشف، الذي فرضته الدولة الجزائرية على عدة قطاعات، منها وزارة الثقافة التي اتجهت منذ فترة غير بعيدة، إلى تقليص عدد مهرجاناتها، وخفض ميزانياتها، فمهرجان وهران الذي وصلت ميزانيته سابقا، إلى 40 مليار سنتيم، تراجع دعم الدولة له، فاكتفت هذه السنة بمنحه 12 مليار سنتيم فقط (حوالي مليون دولار)، مع العلم أن الميزانية الأولى تكفي في بلد يطمح لتشييد مؤسسات ومشاريع سينمائية جادة، لانجاز ثلاث مهرجانات.

وعلى غرار السنوات الماضية، اتسم افتتاح المهرجان العربي الوحيد، الذي يحتفي بسينما المنطقة على مستواها، بشيء من الفوضى والارتباك، الأمر الذي يؤكد أن الجزائر، ومؤسساتها لم تصل بعد إلى مرحلة النضج التنظيمي -إن جاز التعبير-، وعكس كل الدورات السابقة، شهدت الطبعة التاسعة إنزال فني عربي جد محتشم، ومتواضع لنجوم السينما والتلفزيون، فضمت قائمة المدعوين، “فاروق الفيشاوي”، و”صفية العمري” من مصر، و “نيكول سابا، و “يوسف الخال” و “باميلا الكيك” من لبنان، وحضرت من سوريا النجمة “نسرين طافش”، والفنان “أيمن زيدان”، الذي أكد أن الجزائر كانت دائما السباقة لبعث، واحتضان كل المبادرات الرامية لتحقيق السلام والوحدة العربية، والأرض المقاومة والحاضنة لأحلامهم والمهتمة بقضاياهم، كما دعا سينمائيو سوريا إلى التحلي بالقوة، والإرادة للخروج من النفق المظلم الذي دخلته البلاد منذ سنوات.

فاروق الفيشاوي يتوسط وزير الثقافة و المخرج أحمد راشدي

وعلى مستوى آخر لم تضم لجنة تحكيم أفلام دورة هذا العام في الأصناف الثلاث، أسماء ثقيلة، واستثناء كل من المخرج السوري “محمد ملص” (رئيس لجنة الفيلم الروائي الطويل)، و الجزائري “رشيد بن علال” (رئيس لجنة الفيلم القصير)، لا يعني التقليل من شأن أو قيمة باقي الأعضاء، فالمقارنة تكون بناء على التاريخ الكبير للرجلين، وما قدم المهرجان، أو استقدم من شخصيات فنية سابقا، وتخليه على النشاطات التي أقيمت بالموازاة مع العروض السينمائية طيلة الثمانية أعوام، يؤكد أنه (المهرجان) ماض في التراجع، ومُصر على ذلك، في حين عُيّن المخرج التونسي “مراد بن الشيخ” رئيسا للجنة تحكيم الفيلم الوثائقي.

ويقدم المهرجان من خلال 34 فيلما، 10 وثائقيات، و12 فيلما قصيرا، و12 فيلما روائيا طويلا، مواضيع تعكس اهتمام وواقع الإنسان العربي، والتحولات السياسية والاجتماعية التي تعرفها المنطقة.

افتتاح الطبعة التاسعة كان من المسرح الجهوي لمدينة وهران، الذي يحمل اسم الفنان الراحل “عبد القادر علولة”، وفي كلمته أمام الحضور، دعا وزير الثقافة “عز الدين ميهوبي” مهنيي القطاع إلى إعادة النظر في المنظومة السينمائية، وترتيب أمور البيت من جديد، وفقا لما يتطلبه القطاع من عصرنة وتحديث، ووضع حد للقطيعة القائمة بين الجمهور وقاعات العرض، نتيجة الظروف السياسية التي مرت بها الجزائر، والتأسيس لمرحلة أهم بعيدا عن المناسباتية، حتى لا تقتصر متابعة الجمهور للعروض على أفلام المهرجانات وتنقضي بانتهائها، إذ كشف في هذا الصدد أن عمل الوزارة الوصية، بعدما تركز في السنوات الماضية على تمويل الأفلام، سيتجه في السنتين المقبلتين إلى استرجاع قاعات السينما من البلديات والخواص، فالحديث عن السينما عموما، والجزائرية تحديدا لا يستقيم دون هذه الحلقة الهامة والمفقودة في الوقت نفسه.

وزير الثقافة الجزائري "عز الدين ميهوبي"

ودعا الوزير ميهوبي السينمائيين العرب إلى ضرورة إيجاد صيغ أخرى لتعاون عربي مشترك، وتفعيل آلياته للارتقاء بسينما المنطقة، وخدمة قضايا الشعوب من بوابة الفن، وجعل السينما المنهج الأقرب، والأكثر فعالية لتغيير الصور النمطية السائدة عن الإنسان العربي لدى الأخر، بعيدا عن كل أشكال التطرف والتعصب الذي يروج له العالم الغربي، أو “الآخر” الذي يحاول العرب التصالح معه، في يومين، من خلال نافذة ثقافية سينمائية، فتحها المهرجان في شكل ملتقى، أشرك فيه نخبة من المخرجين والممثلين، والأكاديميين، في محاولة لتقديم صور ونماذج أكثر وضوحا، وأبعد عن الصور الاستعمارية، التي تجلت في الواقع وتضمنتها بعض الأعمال، بل روجت لها في كثير من الأحيان، والتصالح مع الآخر، لا يكون إلا بعد التصالح مع الذات.

خصصت ليلة الافتتاح إلى التكريم، والبداية كانت بالشاعر البريطاني “وليام شكسبير” (1564-1616) بمناسبة مرور 400 عام على رحيله، وتأتي هذه الخطوة تثمينا وتفعيلا للاتفاقية الممضاة بين محافظة مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، والمعهد الثقافي البريطاني بالجزائر، والتي تقضي بعرض ثلاث أفلام مقتبسة للسينما عن أعمال شكسبير، الذي سجل حضوره في المناهج التربوية العالمية، وتنوعت كتاباته بين النصوص المسرحية والقصائد الشعرية، وتضمنت إبداعاته، الصراع الأبدي القائم بين الخير والشر، والقيمة الجمالية والفنية التي تجلت في النصوص الأصيلة أو المقتبسة، وجاء اختيار هذه الأفلام (بيل، و ريتشارد 3، و الكثير من اللغط حول لا شيء)، لقيمتها الفنية، وما حققته من صدى ونجاح في سوق الأفلام العالمية.

كما خصص المهرجان في رزنامته أيضا، ورشة تدريبية، أطرها المخرج البريطاني “ريتشارد برسويل”، صاحب فيلم “بيل شكسبير”، وبمناسبة مضي نصف قرن على إنجازه، كرم ليلة الافتتاح، المجاهد “ياسف سعدي” أحد أبطال ومنتجي فيلم “معركة الجزائر”، الذي خلقت كلمته عن الثورة الجزائرية حالة من الافتخار لدى الجزائريين بانتمائهم لإحدى أهم ثورات العالم، وكثير من التفاعل والتأثر لدى الجمهور، والسينمائيين العرب، لتأثرهم بدموع وكلمات الرجل.

المجاهد ياسف سعدي لحظة تكريمه عن معركة الجزائر

بينما غاب المخرج “مرزاق علواش” عن الاحتفال بمرور أربعين عاما على فيلمه “عمر قتلاتو الرجلة”، الذي كان علامة فارقة، ونقلة نوعية في تاريخ السينما الجزائرية، بعد الاستقلال، في حين عبر بطل العمل “بوعلام بناني”، عن حاجة السينمائيين للتصالح مع الجمهور، وهذا لن يحدث إلا في قاعات العرض، والحرص على التنويع في الإنتاج، والتفتح على مواضيع جديدة، بينما تسلمت الفنانة “صفية العمري” الدرع التكريمي الخاص بالراحل “يوسف شاهين” عن “عودة الابن الضال”، أما تكريم الراحل عنا مؤخرا، المخرج الجزائري “محمد سليم رياض”، صاحب فيلم “سنعود” و “ريح الجنوب”، لم يكن مناسبا ولائقا بتاريخ واسم الرجل الذي قدم أعمالا خالدة للسينما الجزائرية، وسخر الفن لخدمة قضايا التحرر، في مقدمتها القضية الفلسطينية.

سبق انطلاق الدورة التاسعة من مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، إصدار مجموعة من المخرجين السينمائيين والنقاد العرب، المشاركين في طبعاته السابقة، بيان لمقاطعته، وذلك بسبب عدم استلام الفائزين جوائزهم المالية، ولجان التحكيم مستحقاتهم المادية، معتبرين أن مثل هذه التصرفات تسيء للجزائر، ولمهرجاناتها، وتاريخها السينمائي، ولمثقفيها، حيث جاء في البيان الذي نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، أن الإدارة الحالية برئاسة “إبراهيم صديقي” قدمت للمعنيين، أوامر تقضي بتحويل المبالغ المستحقة، لكن لم تكن سوى سندات وإجراءات وهمية، قامت بها المحافظة للتماطل وكسب بعض الوقت، مع العلم أنها ليست أول مرة يتم تجاهل الفائزين، وعدم منحهم مستحقاتهم المالية.

ملصق الدورة التاسعة للمهرجان

وتجدر الإشارة إلى أن السينمائيين الجزائريين من المتوجين في الدورة الثامنة، استلموا القيمة المالية الخاصة بهم منذ شهرين فقط، ومن هذا المنطلق، دعا الموقعون على البيان، ومنهم الناقد المصري “أحمد شوقي”، الناقد الفلسطيني “بشار إبراهيم” باعتبارهم لجان تحكيم في الدورة السابقة، و المخرج المصري “محمد خان”، و “طلال العفيفي” رئيس مهرجان السودان للسينما المستقلة وعضو بلجنة التحكيم سنة 2011، وشخصيات سينمائية أخرى إلى معاقبة المتسببين في هذه الإساءة، تفاديا لتكرارها مع أسماء أخرى، كما تقدموا إلى اتحادات المهرجانات العربية بوقف العمل بالبروتوكلات الممضاة مع المهرجان سابقا.

تجدر الإشارة أيضا إلى أن الطبعة الثامنة من مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، عرفت مشاركة 17 دولة، بـ 38  فيلما بألوانه الثلاث، وانتهت بفوز الفيلم المغربي “جوق العميين” لـ”محمد مفتكر” بالجائزة الكبرى كأفضل فيلم طويل، بينما منح فيلم “فتزوج روميو جولييت” للتونسية “هند بوجمعة” الوهر الذهبي، كأفضل فيلم قصير، وتوج الفيلم الفلسطيني “أنا مع العروسة” لخالد سليمان بجائزة أفضل فيلم وثائقي، كما تميزت الدورة السابقة باجتماع لمدراء المهرجانات العربية، وخلص المشاركون فيه إلى صياغة جميلة من التوصيات أبرزها، إنشاء صندوق عربي مشترك لدعم و تمويل المشاريع السينمائية.


إعلان