تتويج إثيوبي بالسعفة الذهبية في مهرجان السينما الإفريقية
المصطفى الصوفي – خريبكة
منذ عرضه ضمن المسابقة الرسمية، لفت فيلم (الحمل) لمخرجه الإثيوبي يارد زيليكي أنظار جمهور الدورة ال 19 لمهرجان السينما الإفريقية، التي اختتمت ليلة السبت الماضي 23 من شهر يوليوز الجاري، بمشاركة 12 دولة افريقية، والتي قدمت خلال أفلامها نظرتها الإبداعية إلى الواقع والمجتمع في القارة السمراء، وذلك من خلال النقر على عديد قضايا مجتمعية وسياسية وإنسانية ووجدانية، أمتعت المتلقي بشكل كبير.

فيلم (الحمل) أو (الشاة)، استأثر باهتمام المتلقي والجمهور، فضلا عن النقاد، وذلك ضمن مناقشة أفلام المسابقة الرسمية، والتي شارك فيها 15 فيلما، من بلدان إفريقية عدة، والتي شهدتها رحاب فندق فرح على الطريق الرئيسية المؤدية إلى مدينة الدار البيضاء، ومنها إلى مراكش التي تحتضن كل عام أشهر مهرجان سينمائي مغربي دولي، ويتعلق بالمهرجان الدولي للفيلم، والذي يستقبل كل سنة كبار نجوم السينما في العالم، ومن مراكش بوابة الصحراء، إلى مدينة ورزازات، هوليود السينما المغربية، والتي شهدت تصوير أكبر الأفلام العالمية، والتي حازت عدة أوسكارات منها فيلم (الكسندر) بطولة كولين فارول، وإخراح أوليفر ستون، و(المومياء)، و(كلادياتور) بطولة راسل كرو، وإخراج رديلي سكوت، وغيرها من الأفلام العالمية الضخمة.
تتويج فيلم افريقي ممتع
كل هذا الاحتفاء بفيلم (الحمل) لمخرج إثيوبي شاب، يعد ضمن كوكبة المخرجين الإثيوبيين الجدد، الحالمين بمشاريع سينمائية مستقبلية تعيد إلى الوطن الأم ذاكرتها، وهويتها، قاده عن جدارة، ليتوج بالسعفة الذهبية للدورة ال 19 لمهرجان السينما الإفريقية، وهي الجائزة الكبرى، التي تحمل اسم المخرج السنغالي الراحل (عثمان صامبين) حين أعلن عنها رئيس لجنة التحكيم المفكر والفيلسوف الفرنسي إدغار موران، هذا الأخير، أعرب في كلمة خلال اختتام الدورة بالمركب الثقافي للمدينة بحضور وازن للفنانين والإعلاميين والسينمائيين، عن افتخاره بهذا التتويج لفيلم إفريقي ممتع، يمجد قيم الحرية، والطفولة، ويدافع عن روح الطبيعة، ويتوق إلى مستقبل متحضر بعيدا عن رقابة العادات والتقاليد.
ويحكي الفيلم المتوج، قصة صبي يدعى (افرائيم) ذو تسعة أعوام، بطل الفيلم والذي كان حاضرا رفقة فريق الفيلم، وهو من تسلم الجائزة من يد عامل محافظة خريبكة عبد اللطيف شدالي، يحكي قصة صبي تربطه علاقة وجدانية وطبيعية للغاية بشاة تدعى(شوني)، بعد وفاة والدته، قرر والده للهجرة من الريف، إلى المدينة بحثا عن تحسين وضعه الاجتماعي، وهروبا من ويلات الجوع والقهر والجفاف. الصبي يسعى جاهدا للحفاظ على وصية والدته الراحلة للاهتمام بالحمل، فيقرر هو الأخر السفر إلى جوار الحمل، لكن عم الصبي، يفكر جديا في التضحية بالبهيمة في إحدى المناسبات، وهو ما لا يرضي الصبي، الذي ناضل بعزة نفس، من أجل إبقاء الشاة على قيد الحياة.

انتصار لقيم الحياة والحرية
إن الفيلم الفائز، وهو أول فيلم روائي طويل للمخرج يارد زيليكي، الذي يبلغ من العمر 36 سنة، من العاصمة أدييسا أبابا هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة السينما، قصة درامية وإنسانية، تعيد إلى المخرج ذكريات طفولته في تلك الأرياف النائية، التي تمتاز بطبيعة خلابة وساحرة، كما تقدم شهادة حية عن أحلام الجيل الجديد من المخرجين السينمائيين، الذين يستثمرون ثقافة الصورة السينمائية وسلطتها، والخطاب السينمائي من اجل كشف النقاب عن ثقافة وعادات وطقوس أهل البلد في مواقيت الفرح والقرح، انه في العمق حكاية جميلة وممتعة لطفل يناضل من اجل حياة شاة مسكينة وبريئة، فيقوم بالمستحيل، كي لا تذبح، وإعادتها إلى حياتها الطبيعية والعثور على القطيع في أعالي أرياف إثيوبيا، حيث الجبال البركانية الأسطورية والوديان الطبيعية الآسرة، انه فيلم حساس جدا، ويلامس في عمقه السينمائي أيضا، تيمات مهمة ترتبط بالتعليم والهجرة والتغيرات المناخية والدين، حيث الناس البسطاء يتعايشون بسلام، مهما اختلفت ديانتهم الإسلامية والمسحية واليهودية.
في هذا الفيلم الذي عرض مؤخرا، خلال الدورة الأخيرة لمهرجان كان الفرنسي ضمن فقرة (نظرة ما) وهو من بطولة رجية عمار وكيديست سيوم ووليلا اسيفا، سرد فيلمي بتقنية عالية لنمط عيش السكان، ولقساوة الحياة الريفية هناك، فيه يستحضر المخرج طفولته، وفيضا من التقاليد والعادات، ورحلة العناد والحرية لتحقيق الأحلام، والهروب من شبح المجاعة، وروح التعايش بين الناس، وذلك من خلال حياة حمل وصبي له خصوصيته المجتمعية، حيث يجد له مكانا بعيدا عن المتربصين بذبح الشاة، وتحويلها إلى وليمة دون الخوف من الوحوش في تلك الأرياف القصية.
ان الفيلم، الذي يقدم في رؤيته السينمائية تمرد الجيل الجديد عن أعراف القبيلة ونمط حياة السكان الأصليين، والصراع بين الحداثة والأصالة، من وجه نظر أخرى عبارة عن بطاقة بريدية تغري السائحين بزيارة تلك الطبيعة الرائعة والجبال البركانية الساحرة، في منطقة (جوندار) الاثيوبية، وتلك الصور الشاعرية المهيبة، والمناظر الحالمة التي يمزج فيها المخرج بين التشويق والفرح والحنان، إنه فعلا عمل مدهش أجمعت لجنة التحكيم على تتويجه بالجائزة الكبرى، لما قدمه من متعة ذهنية وفرجة بصرية غاية في الإمتاع.

جوائز المهرجان وجائزة دون كيشوت
وعودة إلى باقي جوائز المسابقة الرسمية للدورة التي كانت بدأت منذ الـ 16 من الشهر الجاري، فقد ظفر نفس الفيلم، بجائزة أحسن دور نسائي ثاني، والتي عادت للممثلة كيديست سيوم لتألقها الكبير الى جوار الصبي صاحب الشاة الشهيرة، فيما عادت جائزة أحسن دور نسائي أول للممثلة كريص نيكوز، عن دورها المميز والكبير في فيلم”اغراض الهائم التائه” من رواندا للمخرج كيفو ريهوغاهوزا، أما جائزة لجنة التحكيم فنالها الفيلم المغربي”مسافة ميل” للمخرج سعيد خلاف، هذا الشريط الذي حاز أيضا على جائزة أحسن دور رجالي ثاني، لسعدي علوي، وجائزة أحسن دور رجالي أول، التي ظفر بها الممثل أمين الناجي، والجائزة تحمل اسم الممثل المغربي الراحل محمد بصطاوي.
و فاز بجائزة أحسن سيناريو فيلم”طريق اسطنبول”” للمخرج الجزائري رشيد بوشارب، فيما آلت جائزة أحسن إخراج للمخرج المغربي الشاب هشام العسري عن فيلمه”جوع كلبك”، أما بخصوص جائزة”دون كيشوت”، والتي تمنحها الأندية السينمائية، تحت إشراف لجنة أكاديمية متخصصة ترأسها الدكتور محمد صولة، فقد فاز بها فيلم “أغراض الهائم التائه للمخرج الرواندي كيفون رون هو راهوزا.
وضمت لجنة تحكيم المسابقة الرسمية لهذه الدورة، إلى جانب ادغار موران ، المخرج الغيني ماما كيتا، والمنتجة السينمائية الايطالية سيركيني روسانا، إضافة الى المخرج السينمائي ياسين فنان والإعلامية عائشة أكلاي من المغرب، والإعلامية التونسية هدى العامري، ثم الممثلة ميمونة انداي من بوركينافاصو.

وشهد حفل الاختتام أيضا، تكريم المصور السينمائي المغربي عبد الكريم الدرقاي، الذي قدم في حقه الناقد حسن نيرايس شهادة، استحضر فيها عشقه للسينما وذكرياته الممتعة مع الكاكيرا التي أثمرت العديد من الأفلام التي ما يوال الجمهور يتذكرها بشكل كبير، كما شهدت الدورة تكريم المخرج التونسي الرحل الطاهر شريعة، فضلا عن السينما الإثيوبية ضيف شرف الدورة.
السينما الإفريقية في ذكراها الـ 40..
وأكد عز الدين كريران عضو فاعل في مؤسسة مهرجان السينما الإفريقية، الجهة المنظمة للمهرجان، في تصريح للجزيرة الوثائقية، أن الدورة، بالنظر إلى فقراتها وبرنامجها الخصبة، حققت النتائج المرجوة منها، وحققت أيضا جزء كبيرا من الرهان الكبير، الذي يراهن عليه هذا المهرجان، الذي يعد من بين أقدم المهرجانات السينمائية في المغرب والعالم العربي وإفريقيا، المتخصصة في السينما الإفريقية.
وأضاف اأن الدورة، استنادا إلى اشتغال لجانها التنظيمية، شكلت إضافة نوعية، إلى السينما الإفريقية، وذلك من خلال ثراء أنشطتها، هما الندوة الرئيسة للمهرجان التي همت السيناريو في القارة السمراء، وهي قضية كبرى أجمع المتدخلون من سينمائيين ونقاد وأكاديميين، على منحها المكانة التي تستحقها، وذلك بالنظر إلى أهمية الكتابة السيناريستية في الممارسة السينمائية بشكل عام، داعيا بالمناسبة إلى تمكين كتاب السيناريو في القارة الإفريقية من فرص الإبداع والتواصل، والمشاركة الفاعلة في إنجاح الأفلام السينمائية، وفق رؤية المخرج، وطبيعة المواضيع التي يطرحونها، وغالبا ما تكون مواضيع ترتبط بقضايا مجتمعية وواقعية، ذات حمولة معرفية وثقافية في علاقتها بكل ما هو كوني وإنساني.

وأشار كريران بالمناسبة إلى أهمية إيلاء مهرجان السينما الإفريقية، الذي يحتفل خلال السنة المقبلة بالذكرى الـ 40 لتأسيسه، حيث تعود بدايته إلى سنة 1977، المكانة التي يستحقها من ناحية الدعم المالي، مشددا في نفس السياق على القيمة الكبرى لانخراط المجمع الشريف للفوسفاط في مختلف دورات المهرجان، كرهان حقيقي على تنمية السينما في القارة الإفريقية.
وأكد ان الدورة المقبلة، وهي دورة الاحتفال بالذكرى الأربعين، ستكون خصبة ومتنوعة، ومميزة، من حيث الفقرات والأنشطة الموازية، داعيا الجميع من فعاليات ومجتمع مدني ومسوؤلين الى المشاركة في هذا الاحتفال الجماعي، من اجل مستقبل السينما في القارة الإفريقية، الذي يستوجب من المسؤولين إعطاءه ما يستحق من عناية كبرى حتى يحقق الأهداف المرجوة منه.