سيطرة مصرية على جوائز مهرجان وهران

ضاوية خليفة – وهران

تعددت الرؤى والأفكار والمواضيع، والتزمت أغلب عروض الطبعة التاسعة من مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، برصد التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعيشها المنطقة العربية، وتمكنت السينما المصرية من حصد أغلب جوائز الدورة في الأصناف الثلاث..

المخرج المصري محمد سليمان يتسلم جائزة أفضل فيلم قصير من رئيس اللجنة

ففي الوثائقي قررت اللجنة برئاسة المخرج التونسي “مراد بن شيخ”، منح المخرج المصري “محمود سليمان” عن فيلمه “أبدا لم نعد أطفالا” جائزتها الخاصة، ومن بين عشرة أفلام توجت “في راسي دوار” للجزائري حسن فرحاني، كأفضل وثائقي في الدورة، وتواصلت تتويجات السينما الجزائرية في الفيلم القصير، من خلال منح “قنديل البحر” لداميان أونوري، جائزة لجنة التحكيم، فيما حصل الفيلم المصري “حار جاف صيفا” لشريف البندري على الوهر الذهبي كأفضل فيلم قصير هذا العام، واكتفى الفيلم التونسي “غصرة” لجميل نجار بتنويه، بينما استحقت الممثلة “منة شلبي” جائزة أفضل أداء نسوي، عن دورها في فيلم “نوارة” الذي توج بالوهر الذهبي كأفضل عمل روائي طويل في الدورة، ومنحت لجنة التحكيم برئاسة المخرج السوري “محمد ملص”، جائزة أفضل إخراج للجزائري “لطفي بوشوشي” عن فيلم “البئر”، وعادت جائزة أفضل أداء رجالي إلى الممثل اللبناني “آلان سعادة”، أما جائزة لجنة التحكيم، فكانت الجائزة رقم 13 للفيلم المغربي “مسافة الميل بحذائي” لسعيد خلاف، وتقرر منح “بانتظار الخريف” ل “جود سعيد” من سوريا جائزة أفضل سيناريو، وخرج الفيلم العراقي “صمت الراعي” لعدي الشتات بتنويه خاص..

وفي تقييمها دعت لجنة تحكيم الأفلام الوثائقية، على لسان رئيسها التونسي “مراد بن شيخ”، اللجنة المكلفة بانتقاء الأعمال، إلى إعطاء أهمية أكبر للفيلم الوثائقي مستقبلا، وأخذ بعين الاعتبار الطبيعة واللغة السينمائية، وتقدمت بمقترح لإعادة النظر في توقيت العروض والجوائز المقدمة في هذا الصنف، وتدارك المشاكل والاعطاب التقنية، التي حالت دون الالتزام بالتوقيت المبرمج مسبقا للعروض، في حين دافع السوري “محمد ملص” عن اختيارات لجنة تحكيم الأفلام الطويلة، مؤكدا أنها “راعت الجوانب الفنية الجمالية والإنسانية، ولم تتأثر بأية خلفية سياسية”.

تكريم المخرج الجزائري مرزاق علواش

بادرت إدارة المهرجان ليلة الاختتام، إلى تكريم صاحب فيلم “خرج ولم يعد”، و “فتاة المصنع” و”قبل زحمة صيف”، المخرج المصري “محمد خان” (1942-2016) الذي توفي فجر الثلاثاء، ويعتبر الراحل من أبرز مخرجي السينما الواقعية، عزز المكتبة السينمائية المصرية بأزيد من عشرين فيلما، وظفها لنقل يوميات الفرد المصري، ونقل البيئة الشعبية بكل تفاصيلها وتجلياتها، كما شمل التكريم المخرج الجزائري “مرزاق علواش”، الذي يحاول الخروج من ثوب التمرد على وزارة الثقافة والصحافة الجزائرية، ويظهر ذلك من خلال حضوره الإعلامي اللافت، وقبوله لعديد الدعوات، والتكريمات، من جهتها تحاول الوزارة الوصية أن تتصالح مع المخرج، الذي أثارت أفلامه وتصريحاته حفيظة كثيرين، ولعل قبوله الاحتفاء بأربعين عاما على انجازه لـ”عمر قتلاتو الرجلة”، وعرض أعماله السينمائية طيلة أيام المهرجان، يؤكد الفرضية القريبة للواقع، خاصة وأنه التزم بالحضور والتصريح والتكريم، بعدما تسبب عرضه منذ خمس سنوات، لفيلم “نورمال” بمهرجان وهران السينمائي، في حدوث بعض المشاكل، والنقاشات الحادة، بينه والأسرة الإعلامية، كما تسلم الفنان السوري “أيمن زيدان”، التكريم الذي خصته به محافظة المهرجان.

واختتمت الدورة التاسعة من مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي كما بدأت، بالفوضى والارتجال، وغاب عنها من حضر الافتتاح، من فنانين، ومسؤولين وسفراء، ووزراء، إخفاق يعكس ما آلت إليه هذه الفعالية الهامة، التي استقطبت في وقت سبق، نجوم الشاشة العربية، فمهما حاول المنظمون والقائمون على المهرجان، لسد ما به من نقائص وثغرات، بالسهرات أو عروض للأزياء، لن يتمكنوا من بلوغ النجاح، ما لم تتوفر الإرادة، والرغبة الحقيقية في الارتقاء بهذه التظاهرة السينمائية، ويسلم المهرجان لأهل الاختصاص، حتى يتولوا مهام التنظيم والانتقاء، بدل استحداث فقرات وتغييبها لسنوات، تماما مثلما غابت جائزة النقد، والصالون العربي للسينما والتلفزيون، فسياسة التقشف وتقليص الميزانية ألقت بظلالها، وبدت على برنامج الدورة التاسعة الذي اختصر مشاركة 14 دولة في 34 انتاج، وملتقي دولي حول موضوع “الآخر في السينما العربية”، وبعض التكريمات، كل هذا أتى في ستة أيام، عكس الدورات السابقة التي كانت تأخذ وقتا أطول..

فكم يلزمنا من السنين لنرتقي بمهرجاناتنا، ونسوق لصورتنا، وننتقل من الحديث عن الأمور التنظيمية إلى مناقشة نوعية الأفلام وتفاصيل أكثر جدية وأهمية، ومتى يترك المسؤول الاهتمام بمنصبه، ويتجه لإيجاد آليات فعلية، تروج للثقافة والسياحة الجزائرية من بوابة مهرجان وهران، المدينة التي تبعث في زائريها الفرح، والحب والأمان، فمن غير اللائق أن تنقطع الحياة عن دور السينما مباشرة بعد انقضاء المهرجان، وتتخذ العنكبوت من زواياها، ملجأ ومستقرا لها في باقي الأيام، ومن غير المعقول أن يكرم رئيس مهرجان الإسكندرية الدولي، رئيس جمعية كتاب ونقاد السينما، المصري “أمير أباظة”، رئيس الجمهورية الجزائرية، بخنجر قادم من سلطنة “عمان”، ولا يعلق الطرف الجزائري على الحادثة، بل ينسجم مع التكريم أيما انسجام.

تكريم الرئيس بوتفليقة بالخنجر العماني

غياب الاحترافية، أسس لميلاد مهرجان، اتخذه البعض طريقا لتحقيق مصالح شخصية لا أهداف مهنية، ففيه مورس الإقصاء والتهميش على كل ما هو جزائري، فنيا وإعلاميا، وبدل المحافظ ومن معه، جهودا إضافية في السر، والعلانية للمبالغة في خدمة فناني المنطقة العربية، ووفروا أرضية تتجلى فيها كل صور الراحة والسياحة والرفاهية، فاقتصر حضور بعض الوجوه الفنية والعربية على عروض بلدانهم، والظاهرة تتكرر سنويا، كما حضر عدد من الدخلاء على التلفزيون والسينما الجزائرية، وغاب التواصل الفني والمتعة الحقيقية التي أسس لأجلها المهرجان، لولا بعض العروض السينمائية التي حفظت ماء الوجه، وتمكنت من شد الانتباه، وخلق الإثارة والاهتمام، لدى الجمهور المتلقي، الذي يطالب دوما باحترام ذوقه، ويدعو لتزويده بروائع فنية، تضعه في الصورة، وتتخذ منه شريكا في العملية الإبداعية..

فما أجمل النقاش الذي دار بينه ومخرج فيلم “البئر” لطفي بوشوشي، الذي تأثر بما قيل له من كلمات تشجيعية، نظير ما قدم من تكريم للذاكرة والتاريخ، والسينما الثورية، توالت العروض واختبر الجمهور قيمته الإنسانية، عندما سار مسافة الميل بحذاء “سعيد” المغربي، وكان تفاعله ظاهر مع “نوارة” المصرية، وانتظر الإفراج عنها ضمن الثلاثية التي وعدت بها “هالة خليل”، تعرف على العائلة السعودية، التي اتخذت من “القاري”، وسيلة لاستعمالاتها اليومية، وكانت كاميرا “فايق جرادة” سبيل المشاهد الوحيد، ليتعرف على حياة وقصة الأسير، “كريم يونس” الرجل المثقف، المتشبع بالوطنية، والمتمكن فكريا، لغويا ومعرفيا، وتأمل جمهور وهران خيرا في مواسم السنة خاصة الخريف، ليهب ريحه الخفيف ويقتلع، ما خلفه الربيع من أثار على البشرية والمدن العربية.

ملصق الدورة التاسعة للمهرجان

شكل اتخاذ الحكومة الجزائرية لسياسة التقشف، وتطبيقها على العمال، انعكاسات عدة، جعلت المواطن يتذمر، ويتساءل عن جدوى تنظيم فعاليات ثقافية وفنية، والبلاد تعيش الكثير من الأزمات، وتتجه الإدارة للاقتطاع من مرتبه الكثير من الدنانير، وتهدده بالتسريح، وهي العبارات التي كنا نسمعها يوميا، للمارين بالقرب من القاعات، ومن الملصقات الممزقة في كل مكان، وبعد تقليص ميزانيته وعدد أيامه، لوحظ على مهرجان وهران أنه وجمهوره قد تأثرا بهذه الإجراءات.

فنيا لم يستقطب أبرز النجوم العرب، وجماهيريا لم تمتلئ يوميا كل الصالات، مقارنة بالسنوات الماضية، أين سجل اهتمامه وتوافده بشكل لافت ومشرف، بعديد الأنشطة الفنية، وهنا طبعا تغيب الأرقام الدقيقة لعدد قاصدي القاعات، طيلة أيام المهرجان من الجهات الرسمية، فبعد كل المعطيات والسقطات المتكررة، والتجاوزات، وما حققه سابقا من اهتمام، هل سيتم الاستغناء عن الإدارة الحالية أم يتم تجديد الثقة فيها؟


إعلان