عشر سنوات من الخداع
Published On 14/9/2016

مروة صبري
لو كان التحقيق الأوليّ الذي غطّاه الفيلم الوثائقيّ 9 / 11 – عشر سنوات من الخداع Ten Years of Deception – وقع اليوم لصار اسمه خمسة عشر سنوات من الخداع، فلم تزدد الحكومة الأمريكيّة مع السنين إلا تمسكًا بالحبكة الدراميّة غير المحكمة لأحداث ذلك اليوم الذي غيّر سير التاريخ إلى الأسوأ. الفيلم يركز على الجلسة التحقيقيّة التي جمعت عددًا من المفكرين والعلماء في تخصصات شتى لمشاركة نتائج أبحاثهم أمام لجنة تحكيم دوليّة منتقاة، جاء الحاضرون من أماكن متفرقة من العالم ليساهموا بمادتهم العلميّة التي جمعوها خلال العقد الذي تلا أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 ليعلنوا في الذكرى العاشرة 2011 رفضهم للرواية الرسمية وليطالبوا بفتح التحقيق مرة أخرى ليكون على المستوى المطلوب من المهنيّة، وذلك لأنّ تقارير اللجان المكوّنة بأمر الحكومة الأمريكيّة جاءت مخيبة لأبسط قواعد الموضوعيّة والشفافيّة برأي المُحاورين، فاجتمعوا رافضين لتلك الرواية ومسّلحين بما يدعم حجّتهم من الأدلة والوثائق العلميّة وشهادات الشهود لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001. عُقدت الجلسة على مرّ أربع أيام جمعها الفيلم الوثائقيّ في ساعتين مركزتين.
تعرضت اللجنة المسئولة لنقد لاذع حيث تم اختيار الذكرى العاشرة للتشكيك في القصة الرسميّة المعلنة من الحكومة الأمريكيّة والتي دفع ثمنها الشعب العراقي والأفغاني وجميع المسلمين بل وجميع العرب ومن يشبههم. ثمّ قامت شركة Reality Entertainment في 2015 بتوثيق أهم المعلومات في صورة أقصر وأكثر حرفيّة في هذا الفيلم بحيث يتسنى للمشاهد أن يلمّ بها في ساعتين لا في عدة أيام.
هل كل متشكك متآمر؟
نظرية المؤامرة Conspiracy Theory ما هي إلا اعتقاد أنّ هناك جهة خفيّة ومؤثرة وراء حدث ما. هذه النظريّة أحيانًا تكون شمّاعة للاستسلام للضعف حيث ييأس العوام من الوصول إلى أجوبة على المبهمات فيسلمونها لجهة خفيّة ويقنعون أنفسهم أنّه لا أمل في الوصول إلى الحقيقة. هذه النظريّة موجودة في أمريكا كما في غيرها، فطريقة قيادة الجموع في الدول المتحضرة لا تختلف كثيرًا عن تلك في الدول القمعيّة، ولا يخفى أنّ المستفيد الأكبر من هذ الاستسلام هم المتواطئين وأتباعهم من أصحاب المصالح والجهّال. هذا الفيلم الوثائقيّ لم يتحد نظريّة المؤامرة بل أعلن تبنّيها والغور في أسرار هذه الجهة الخفيّة ذات النفوذ.
الحساسيّة في تناول الموضوع
هل البحث العلميّ والتفكير النقديّ بعد كارثة دمويّة منافي للإحساس والمشاعر العامة؟ هل الطريق الصحيح هو تجاهل الأدلة درءً لفتح الجراح؟ ماذا لو كانت تلك الجراح التأمت على فساد؟ هل كل مشكك متآمر؟ أجاب على ذلك ديفيد تشاندلر الحاصل على ماجستير في الرياضيات من جامعة كال بولي / بامونا، وهو أحد الباحثين في لجنة التحقيق، فقد قال: “نظريّة المؤامرة هي محاولة للتشكيك في الاستفسار”.
وفي رأيي أنّ التفكير النقدي والبحث العلمي المسند بالأدلة هو السبيل الوحيد للحفاظ على الأرواح وليس على المشاعر فقط. فاتبّاع الأدلة العلميّة يضع الأمور في نصابها ويدين الفاعل الحقيقي ويوجّه المشاعر العامة السلبيّة في اتجاهها الصحيح كما يخلق جوًا من الشفافيّة التي من نتاجها الطبيعيّ الثقة المتبادلة بين الحكومات والشعوب.
أحداث الحادي عشر من سبتمبر كشفت عن وجه قبيح للبشريّة، وأدّت إلى عداوات ودماء وتدمير لدول لا دخل لهم فيها، وسلبت الأمان من العالم والثقة من حكوماته.
هذا الفيلم الوثائقيّ ليس الوحيد عن أحداث ذاك اليوم لكنّه يتميّز بتكليل جهود عشر سنوات من البحث والاستقصاء من متخصصين في الهندسة والكيمياء والرياضيات لتوصيل فكرة واحدة وهي أنّ القصة الأميركيّة الرسميّة ليست حقيقيّة وأنّ هناك المزيد من الأسرار التي يخفونها عمدًا وأنّه إلى اليوم لم يتم تحقيق شفاف يتبع الوسائل العلميّة أفضل من هذا التحقيق الذي عرضه الفيلم.
معالجة الرتابة في تغطية الشهادات
تخصيص الفيلم لشهادات الشهود والأدلة العلميّة سيصيب المشاهد العادي بالملل، وبما أنّ الغرض من الاجتماع هو وصول الحقائق إلى استيعاب أكبر قدر ممكن من المشاهدين، فقد كانت فكرة صائبة أن يُلخص ذلك في فيلم وثائقيّ بدلًا من المادة الخام التي لا تهمّ إلا المتخصصين، وقد سحبنا صانعو الفيلم منذ البداية إلى خارج القاعة بل إلى شاشة التلفاز حيث تعلن المذيعة عن اجتماع عدد من المشككين في الرواية الرسميّة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، ثمّ لقاء خارجي مع أحد هؤلاء المشككين ثم لقاء آخر، وعلى الرغم من نقل ما يحدث بالقاعة إلا أن ذلك قوطع بفواصل للقاءات مدَّعمة لرسالة الفيلم.
ساعد على تجنب الملل المجهود الذي بذله المحدثون أنفسهم في تجهيز عروضهم، فقد جاءت مسندة بالصور والفيديوهات واللقاءات التلفزيونيّة، وتم الأخذ في الاعتبار تنوع الشهادات والسياق ودعم التجارب المتدرجة وتنوع المنظور والمجالات العلميّة المتباينة في طريقة تمتاز بالشفافيّة والتبسيط وشرح المصطلحات العلميّة.
فعلى سبيل المثال في شهادة جوناسان كول، مهندس متخصص وعضو في لجنة المصممين والمهندسين لمنظمة حقيقة 9-11، وجدناه يعرض تجاربه العلميّة التي أكدت شكوكه حول استحالة القصة الرسميّة لسقوط مركز التجارة العالمي نتيجة لمجرد حريق. فمبنى المركز مصنوع من صلب بمواصفات عاليّة ضد النيران، ولم تكن هذه هي أول حالة حريق تندلع في ناطحة سحاب لكنّها ورغم مراعاة أعلى مواصفات الأمان المكفولة وقت البناء، هي الحالة الأولى والأخيرة لانهيار ناطحة سحاب بفعل الحريق بحسب الرواية الأصليّة.
فدرجة حرارة الحريق بحسب “كول” وعدد من الخبراء الشهود لا تكفي لصهر الصلب ولا تتسّق مع سرعة وسهولة الانهيار بينما يكشف الغموض مركب كيميائي رخيص الثمن قويّ النتيجة مصنوع من مواد أربعة قام “كول” بتركيبهم وملأ بهم أعمدة صنعت له خصيصًا بنفس مواصفات أعمدة مركز التجارة العالميّ، النتيجة.. أنّ هذه التركيبة قادرة على إشعال نيران شديدة الحرارة صاهرة للصلب وعلى إحداث انفجارات وهو ما تم وصفه من شهود عيان في ذلك اليوم.
هذا التصوير للتجربة مصاحب بشرح التركيبة الكيميائيّة المستخدمة كان من أفضل وسائل الإيضاح والإقناع التي قُدّمت خلال الفيلم، وأكّدت نتائجه وجود آثار سلفور في حطام مركز التجارة العالميّ.
ومع تعدد الخبرات العلميّة للشهود الخبراء، يستخلص الفيلم استحالة وقوع مبنى التجارة العالميّة رقم سبعة بفعل النيران التي أحدثها اصطدام طائرة، بل أنّها لا تفسر اندلاع الحريق في أدوار بعيدة عن مركز الاصطدام بهذه السرعة ثمّ انهيار مبنى بهذا الإتقان خلال ثوان فقط، إذًا فالتفسير الأقرب للعقل هو أنّ هذه التركيبة الكيميائيّة وضعت بدقة من خبراء متخصصون في هدم البنايات وتم توزيعها ببراعة تستوجب انهيار المبنى بالكليّة ووقوعه على شكل السقوط الحر إلى الداخل وليس على المباني المجاورة مما يتناسق مع الهدم المحكم المخطط والذي مما لا شك فيه يستغرق أشهر ولا يمكن أن يكون قد تم في يوم السقوط.
يستمر العلماء في شهاداتهم والتي تبدو في النهاية كمشروع كبير تم توزيع أقسامه على خبراء من حقول علميّة متباينة وجميعهم توصل إلى حقيقة واحدة وهي أنّ ما حدث في الحادي عشر من سبتمبر كان بفعل شحنات قنابل متفجرة سواء كان في أبراج التجارة العالميّة أو في البنتاجون وأنّه قد تم تجاهل الشهود والأدلة العلميّة التي تؤكد ذلك رغم قوتها ورغم أنّها تقدم إجابات لما عجزت التقارير الرسميّة عنه.
المشاهد المنقولة من جلسة التحقيق روعيّ فيها سرد الأدلة والموضوعيّة الشديدة أما في نهاية الفيلم فقد استكمل الشهود توضيح آراءهم الشخصية في سلسلة لقاءات مفتوحة.
الموسيقى التصويريّة
لطبيعة هذا الفيلم الوثائقيّ فإنّه يخلو في معظمه من أي موسيقى مصاحبة وغاية ما فيه إيقاع بسيط يظهر أحيانًا في الخلفية. وأعتقد أنّ ذلك متعمدًا حيث أنّ اللجنة وصنّاع الفيلم لم يبتغوا منه التأثير العاطفي على المشاهد، والدليل على ذلك أنّ الخسارة الإنسانيّة وخسارة الأرواح كانت تذكر عرضًا رغم كثرة القصص الحزينة في ذاك اليوم، فقد اكتفوا بالحدث لا بآثاره الإنسانيّة، وعمدوا إلى مخاطبة عقل المشاهد وتغذيته بما يحتاجه للوصول إلى ما توصلوا إليه من شك أو على الأقل خلخلة ما وصلهم من الجهات الرسميّة من يقين، وأرى أنّهم نجحوا فيما رموا إليه .. هذا إن وجد عند العوام العزم على إعادة التفكير.
رغم كل الجهود المبذولة لتقديم هذه الجرعة العلميّة في صورة تهضمها عقلية المواطن العادي إلا أنّها ما زالت دسمة في مادتها العلميّة وكان ممكنًا أن تختصر في بشكل أكثر تركيزًا.
الفيلم لا يركز على من قام بهذا الفعل ولا يتهم أو يُبرئ القاعدة أو الموساد أو المخابرات الأمريكيّة أو مكتب التحقيق الفيدرالي بل إنّه يركز على ضرورة تحقيق مستقل موضوعيّ وافي شافي يجيب على جميع التساؤلات المثارة ويأخذ في اعتباره الأدلة العلميّة وشهادات الشهود جميعهم.
ما يثبته هذا الفيلم بعيدًا عن رسالته هو أنّ الأفلام الوثائقيّة لم تعد فقط وسيلة إعلام بديل بل وسيلة تحقيق بديل وقضاء بديل ومؤسسات بديلة، فلم تعد الحكومات في الدول الديمقراطيّة أو غيرها هي المحتكر الوحيد لأدوات البحث والتفكير بل صار للشعوب منفذًا ومتسّعًا. توافر مثل هذه الأفلام على الإنترنت أقوى من أي رواية رسميّة ذلك لأنّ الطفل ذا الأعوام الثلاثة وقتها صار في الثمانية عشر من عمره اليوم، والإنترنت هو مصدره الموثوق من المعلومات وليس الجهة الرسميّة، وبعين لم يدمّرها التلاعب بالمشاعر الذي ساد وقتها سيفند الأدلة ويُحكِّم عقله.