إيرادات الأفلام التسجيلية في أمريكا لعام 2016

محمد موسى

لا مُفاجآت كبيرة على صعيد طبيعة الأفلام التسجيلية التي حصلت على الإيرادات الأعلى في السوق الأمريكية لعام 2016، اذ كَرَسَّت قائمة الأفلام التسجيلية العشر الأولى بمواضيعها وتوقيت خروجها للصالات الأنماط المهيمنة على الخطط الإنتاجية والتسويقية في الولايات المتحدة في العقدين الأخيرين، والتي تحجز أفلام الطبيعة ومراقبة الحيوانات المتميزة بمشهدياتها الساحرة حصة دائمة منها، فيما بات الفيلم السياسي التسجيلي التحريضي الحصان الذي تراهن عليه شركات الإنتاج والتوزيع، وحافظت الأفلام التسجيلية التي تتناول شخصيات من عالم الموسيقى على مواقعها المتقدمة دائماً في صدارة الأفلام التسجيلية التي تدفع الجمهور إلى التوجه نحو الصالات السينمائية.

ملصق الفيلم التسجيلي "هيلاري أمريكا"

تصدر الفيلم التسجيلي “هيلاري أمريكا: التاريخ السريّ للحزب الديمقراطي” للكاتب والمخرج الجدليَ “دينيش دسوزا”، قائمة إيرادات الأفلام التسجيلية للعام الفائت بعد أن جمع 13 مليون دولار. ويواصل المخرج في فيلمه هذا ما بدأه في فيلمه الآخر “2016: أمريكا أوباما”: السير عكس السائد الإعلامي في البلد الذي هاجر إليه شاباً، والهجوم الحاد على الشخصيات الليبرالية في الحياة السياسية الأمريكية. يوجه “دسوزا” لؤمه هذه المرة الى “هيلاري كلينتون”، ويخضع سيرتها الى تحليل يغلب عليه التحامل وتغيب عنه الأدلة أحياناً، مستفيداً من شعبية الإنتخابات الأمريكية التي سبقت عرض الفيلم بأشهر والإنقسام العميق في المجتمع الأمريكي في العام الأخير، لإغراء جمهور خاص بالتوجه إلى الصالات وتفريغ غضبهم على السياسية الأمريكية التي خسرت في نهاية المطاف سباقها على البيت الأبيض لمنافسها “دونالد ترامب”.

واللافت أن النجاحات الكبيرة للمخرج “دسوزا” في الأعوام الاخيرة يقابلها انحسار في شعبية المخرج التسجيلي الأمريكي المعروف “مايكل مور”، وهو الذي يعد رائد الأفلام التسجيلية التي تتناول قضايا سياسية آنية، ويقف لجهة المواقف على النقيض تماماً من “دسوزا “، وإن كان كلا المخرجين يشتركان في جنوحهما للعاطفة والمبالغة في أعمالهما. ففيلم “مور” الأخير والذي عرض قبل الإنتخابات الأمريكية بأيام: “مايكل مور في أرض ترامب”، والذي صُور بشكل سريّ ووصل الى الصالات السينمائية بدون أيّ حملة إعلانية جمع 149 ألف دولار فقط. يكشف “مور” في فيلمه الأخير عن آرائه في المرشح الأمريكي دونالد ترامب، والتي جمعها في استعراض يقترب من الكوميدي قدمه أمام جمهور كان يجلس في مسرح في مدينة نيويورك الأمريكية.

ملصق فيلم "مايكل مور في أرض ترامب"

يقرأ البعض في تصاعد شعبية أفلام المخرج “دسوزا” بأنها إنعكاس لما يحدث في المجتمع الأمريكي من تغييرات عاصفة، وتنامي الأفكار العدائية والمشككة، رغم أن جُلَّ ما فعلته هذه الأفلام أنها عكست ما يشغل فئات كانت دائماً موجودة في المجتمع الأمريكي، والتي لم تعثر في الأعمال التسجيلية التي يخرجها “مايكل مور” مثلاً، الأجوبة على مخاوفه وهواجسه، لذلك تراه يقبل على البديل الذي يقدمه “دسوزا ” والذي يأتي مُلفوفا بعاطفية وتمجيد أخرق لـ “الوطن الأمريكي”. 

ومن الحياة السياسية الأمريكية ذاتها يدور فيلم “وينير” للمخرجين جوش كريخمان وإليز ستينبرغ والذي حصل على 1.7 مليون دولار في عروضه الأمريكية، محققاً المرتبة الخامسة. يستعيد الفيلم ويحقق في تفاصيل ضجة إعلامية أحاطت سياسي ديمقراطي أمريكي وجد نفسه قبل عامين وسط فضيحة أخلاقية في الولايات المتحدة، بسبب صور عارية له أرسلها الى امرأة عن طريق الإنترنت.

ملصق فيلم "وينير"

وبعيداً عن السياسة ومشاكلها إحتل فيلم “كوكبنا الجميل” للمخرجة توني مايرز المرتبة الثانية بقائمة الإيرادات محققاً ما يقارب 9 مليون دولار من عروضه الأمريكية. يبتعد الفيلم الذي يتميز بمشهدياته الحالمة عن أحداث العالمة القاتمة من الأعوام الاخيرة، ويصور من مركبة فضائية كوكبنا الذي بدا جميلاً رغم كل شيء. وبميزانية أقل كثيراً من الفيلم السابق، نجح فيلم “النسور الصيادة” للمخرج البريطاني “أوتو بيل” والذي يحتفي بالطبيعة أيضاً، في تحصيل 3 مليون دولار من عروضه الأمريكية، محققا المرتبة الرابعة في قائمة الأفلام التسجيلية الأكثر جلباً للأموال في الولايات المتحدة في عام 2016. يقدم الفيلم أول فتاة كازاخستانية تشارك في مسابقات الصيد بواسطة النسور.

وفي المرتبة الثالثة من القائمة جاء فيلم ” البيتلز: ثمانية أيام في الأسبوع – سنوات الجولات” للمخرج السينمائي الأمريكي المعروف رون هوارد محققاً مبلغ 3 مليون دولار. يعود الفيلم التسجيلي الى بداية الفرقة الغنائية البريطانية الشهيرة، ويستعيد تلك الأزمان التاريخية الفارقة عندما كان العالم الغربي يودع محافظته ومفاهيمه الأخلاقية المتصلبة ويتجه الى عقد السيتنات الثوري على وقع موسيقى الفرقة الإنكليزية. يتشَّكل الفيلم من مشاهد أرشيفية بعضها يعرض لأول مرة من جولات “البيتلز” الأولى، ويرتبها بسردية مثيرة عن الفرقة الموسيقية التي فتحت أبواب العالم الغربي على المستقبل.

صورة من فيلم "موسيقى للغرباء"

ومن عوالم الموسيقى يأتي فيلم “موسيقى للغرباء” للمخرج “مورغان نيفيل” الذي حل في المرتبة السادسة في العام الماضي محققاً 1.17 مليون دولار. يرافق الفيلم جهود موسيقيين من ثقافات ومواقع جغرافية متعددة لتشكيل فرقة تجمع أصناف موسيقية مختلفة. ليقطع بعدها الفيلم رحلة إلى الصين قاطعاً طريق الحرير الشهير نفسه، يحتفي الفيلم بالموسيقى والبشر الذين يقفون وراء الموسيقى التي نسمعها، ويبرز ما يمكن أن تفعله الموسيقى في تكسير الحدود النفسية والجغرافية بين البشر في هذا العالم الذي تغيم عليه النزاعات والمشاكل. 

يندرج فيلم “فاكسيد: من التستر الى الكارثة” للمخرج “أندرو ويكفيلد” والذي جاء في المرتبة السابعة في القائمة جامعاً 1.1 مليون دولار، ضمن أفلام التحقيقات الاستقصائية، إذ يحقق الفيلم في علاقة لقاح يعطى للأطفال المصابين بمرض التوحد في الولايات المتحدة. ومن بريطانيا يأتي الفيلم السابع في القائمة، إذ حصد فيلم “الحصان الأسود” للمخرجة لويز أوزموند إيرادات اقتربت من 1 مليون دولار في السوق الأمريكية. ويقدم الفيلم حكاية عن مجموعة من الأصدقاء البريطانيين الذي يقررون امتلاك حصان من فصيلة نادرة، والطريق الذي قطعوه لتخصيب هذا النوع من الخيول.

ملصق فيلم "فاكسيد"

وجاء فيلم المخرج النيوزلندي المعروف “ديفيد فريرير” الذي يحمل عنوان “تيكليد” (أخرجه بالإشتراك مع “ديلان ريف”) في المرتبة الثامنة محققاً 613 الف دولار. والفيلم هو بحث في ظاهرة أفلام “الدغدغة” على الإنترنيت. ينتهي الفيلم الذي بدأ بريئاً في الوقوع في تعقيدات كبيرة، عندما يصطدم فريق الأخراج مع أمريكي غريب الاطوار، يدير إمبراطورية بالخفاء بأسماء مستعارة، ويهدد كل من يحاول الإقتراب من عالمه الشاذ. وجاء الفيلم الأخير للمخرج الألماني المعروف “فيرنر هرتزوغ” “غفوة من العالم المتصل” بالمرتبة التاسعة حاصداً إيرادات وصلت الى 594 الف دولار. باسلوبه المعروف وتعليقاته التي تجمع بين الغرابة والتحليل المعمق، يتناول “هرتزوغ” موضوع الإنترنيت، موجهاً الإنتباه الى خفايا الشبكة العنكوبتية وعوالمها السريّة.

وعن الخيول والسباقات والعلاقات التي تنشأ بين الخيول وأصحابها، يدور فيلم “هاري & سنومان” للمخرج رون ديفيز، والذي حصد على 548 الف دولار من عروضه الأمريكية محتلاً المرتبة العاشرة، يعود الفيلم الى عام 1968 عندما اشترى مهاجر جديد إلى الولايات المتحدة إسمه “هاري” حصان سباق لينقذه من الذبح الذي كان ينتظره، لتبدأ بعدها مسيرة حافلة، أخذت الحصان وصاحبه إلى بطولات كبيرة في الولايات المتحدة.


إعلان