سكورسيزي يرمم السينما الأفريقية
الجزائر: محمد علال
الرغم أنه لا يزال هناك الكثير من العمل لحماية الأرشيف السينمائي العالمي، فإن أفلام القارة السمراء تبدو مثقلة في في مواجهة هذا التحدي، إذ تطل بين الحين والآخر مبادرات لحماية الأرشيف السينمائي الأفريقي، ولكنها تبقى محاولات بسيطة أمام حجم الكارثة. في الجزائر مثلا، احتفلت الأوساط السينمائية بعودة النسخة المرممة لفيلم “تحيا يا ديدو” إنتاج 2017 للمخرج الجزائري محمد زينات “1932-1995″، وعرض الفيلم بنسخته الجديدة بعد إنجاز ترميمه في “استديو لازار” بإيطاليا، على مدار ثلاث سنوات. هذا الفيلم هو جزء من الذاكرة السينمائية الأفريقية، وهو أحد أبرز الأفلام الجزائرية، ولم يكن من الممكن القبول بفكرة أن يذهب مع الريح.
جذب السحر السينمائي الأفريقي إليه أيقونة السينما الأمريكية “مارتن سكورسيزي” وسهل الطريق نحو توقيع هذا الأخير لاتفاقية مع فيدرالية الاتحاد الأفريقي لصناعة الأفلام فاليونسكو تهدف لحماية ما أطلق عليه حسب الاتفاقية “تراث الفيلم الأفريقي”، في خطوة تاريخية جاءت بتوقيع السكرتير العام لفيدرالية “فيباسي” “أبو بكر سانوجو”، الذي يتحدث في هذا الحوار لـ “الجزيرة الوثائقية” على هامش زيارته الأخيرة إلى الجزائر، عن واحد من جراح القارة السمراء، وهو حال السينما الأفريقية التي ولدت عام 1897. وتأمل فيدرالية “فيباسي” بمناسبة مرور الذكرى المائة والعشرين للسينما الأفريقية، أن تتمكن من الوصول إلى هذا الجزء الخفي من تاريخ القارة. وقد انطلقت المبادرة أولاً من خلال ترميم فيلم المخرج الموريتاني “محمد هنودو” ” شمس أو” الذي أخرجه عام 1970، ورممت النسخة الأصلية هذه السنة بمبادرة من فيدرالية “فيباسي” بالتنسيق مع سكورسيزي. التقيناه وكان معه هذا الحوار:
لماذا تعيش السينما الأفريقية في الظل، إلى درجة أن كثيرا من الناس لا يدركون أن أفريقيا بها سينما؟
السينما الأفريقية لها تاريخ، البعض لا يعلم إلى أي مدى ساهم الأفارقة في تطوير هذا الفن، البعض عن جهل والبعض عن دراية. لذا نحن بحاجة للنظر إلى التاريخ والأرشيف لنعدل الكفة. هناك عدد من الدول الأفريقية هذه السنة تقدمت بطلب رسمي للأكاديمية الأمريكية للفنون والعلوم السينمائية “الأوسكار”، على أمل أن تصل إلى القائمة القصيرة المتنافسة على أوسكار “أحسن فيلم أجنبي”. ثماني دول أفريقية رشحت أفلامًا، منها السنغال وموزمبيق، حيث دخلتا السباق لأول مرة في تاريخ السينما الأفريقية. هذه السنة أفريقيا تبحث عن مجدها وتريد أن تعيد بريق القارة السمراء التي انطلقت منها “هوليود الشرق”. ومنها السينما النيجيرية المعروفة بـ “نوليوود” والتي نجحت في نشر الثقافة النيجيرية بالقارة السمراء بإنتاج ألفي فيلم سنويًا.
لماذا لم تثمر محاولات حماية الأرشيف السينمائي الأفريقي من الضياع حتى الآن؟
المسألة تتعلق بالنشاط السينمائي العالمي، هناك اهتمام أكبر بالمهرجانات وإنتاج الأفلام والتوزيع وجمع المال. أما الذاكرة فلم تعد من بين أولويات المنتجين ولا المخرجين. لقد تحدثت مع المخرج الجزائري “محمد الأخضر حامينا” الذي يعتبر أيقونة في السينما الجزائرية، قال إن الجزائر اليوم لم تعد كما في السابق، هناك الكثير من المشاكل حتى على مستوى الإنتاج بعد أن كانت الجزائر تنتج عشرين فيلمًا. اليوم لم تعد تنتج سوى فيلمين أو ثلاثة في السنة. وأمام مثل هذه المشاكل نفهم كيف تخلى المخرج الأفريقي عن الماضي. أمامنا الكثير من العمل، ويجب الاعتراف بالماضي لنمضي نحو المستقبل. يجب أن نقول للعالم بأن أفريقيا لها أسماء كبيرة في مجال السينما قدموا الكثير للسينما العالمية على غرار يوسف شاهين والأخضر حامينا وشيخ عمر سيسكو. نحن بحاجة إلى الاهتمام بالأرشيف السينمائي الأفريقي أكثر من أي وقت مضى. كل الدول تعتز بمخرجيها والأرشيف هو مصدر للاستلهام من أجل تقديم سينما حقيقية. لا أقول إنه يجب استنساخ أعمال مخرجي الماضي. ولكن حمايتها من الضياع ودراستها والاستفادة منها في معالجة المواضيع بطريقة سينمائية.
هل هذا هو المشروع الذي شارك فيه المخرج مارتن سكورسيزي لترميم الأفلام الأفريقية؟
لا ليس هذا، إنني أتحدث عن مشروع أفريقي حقيقي، لا يمكن أن نعطى مستقبل السينما الأفريقية وماضيها للمخرج الكبير مارتن سكورسيزي، مع كل الاحترام للدور الذي يقوم به من أجل حماية الأرشيف وترميم الأفلام. قضية الأرشيف الأفريقي قضيتنا ومستقبل القارة السمراء. هذا دورنا كأفارقه أن نطرح الأسئلة حول واقع السينما. لقد قام سكورسيزي بترميم العديد من الأفلام الأفريقية وحتى الأمريكية بعد أن أسس منظمة للفت انتباه العالم للواقع المأساوي الذي يتواجد عليه أرشيف السينما الأفريقية وحتى الأمريكية. وقام بترميم ما يزيد على 700 فيلم في الولايات المتحدة. هو يحاول جمع كل السينمائيين في العالم حول “مشروع السينما العالمي”، فنحن في أفريقيا نشاطره الهم. ولقد سبق أن استعانت الدول الأفريقية بخبرته ومؤسسته من أجل ترميم أفلام مهم لمخرجين أفارقة مثل أفلام شادي عبد السلام وأحمد ماموني. وهذا ما دفعنا إلى توقيع اتفاقية مع مارتن سكورسيزي و منظمة اليونيسكو لترميم المزيد من الأفلام الأفريقية.
هل لتراجع دور “فيباسي” علاقة بتوجه بعض الدول نحو تحالفات أخرى مثل الدول العربية التي ترى أن الشرق أقرب إليها من إفريقيا اليوم؟
صحيح أنه لا يوجد الكثير من الإنتاجيات السينمائية المشتركة بين أفريقيا ودول شمال أفريقيا، ولكن هناك محاولات مع دولة المغرب التي تعمل جاهدة على التواجد الأفريقي. للأسف كلما اتجهنا نحو الشرق قل التعاون الأفريقي العربي، فعلا الوضع مختلف ولكن نحن نؤمل في المستقبل من خلال إزاحة الحدود وبناء جسور أفريقية حقيقية من خلال معرفة تاريخنا المشترك. لدينا معركة أخرى للحرية، يجب أن نتوقف عن الحديث بعقلية “أفريقيا السمراء والبيضاء”. في أوروبا يسهل الاندماج ونجد قابلية لفكرة التنوع، ولكن عندما نتجه إلى أفريقيا نجد صعوبات في تقبل فكرة أن العرب جزء من أفريقيا، هذا جزء من معركتنا لتحقيق التعايش معًا والتفكير معا.