حرب دولية على القرصنة الفنية

محمد موسى

تتصاعد الحملة الدولية لمحاولة القضاء على القرصنة الإلكترونية.

تتواصل الإعلانات الرسمية عن خطط جديدة بدأت بتفعيلها شركات توزيع سينمائية وقنوات تلفزيونية أوروبية ضد قرصنة المواد الفنيّة، إذ شهدت الأسابيع القليلة تطورات مُهمة في هذا المجال، كإعلان مجموعة قنوات “سكاي” البريطانية أنها بدأت بتطبيق نظام إضافة رموز سريّة على موادها الحصريّة، وبالخصوص للمباريات الرياضية التي تدفع أموالاً طائلة للحصول على حقوق عرضها. وستتمكن القناة وعن طريق هذه الرموز من الوصول إلى المشترك أو المشتركين الذين يسربون هذه المواد إلى الإنترنت. حيث سيكون لكل مشترك في خدمة القناة رمز سري مخفي في المواد التلفزيونية التي يستلمها، والذي لا يمكن رؤيته أو التلاعب به. يُمَكِّن هذا الرقم السريِّ القناة التلفزيونية من تتبع الأصحاب الأصليين للمواد المقرصنة على الإنترنت.

ومن المتوقع أن يساعد هذا الإجراء في الحد من تحميل المواد التلفزيونية على الإنترنت ورواجها هناك بعد ذلك، إذ يمنح النظام التقني الجديد إمكانية كبيرة لتتبع بشكل سريع ومباشر أصل المواد المُقرصنة، عبر تحليل بيانات هذه الأخيرة للوصول إلى المشتركين الذين اشتركوا بشكل واع في نقل هذه المواد إلى شبكة الإنترنت، أو الذين كانوا ضحايا عمليات اختراق إلكترونية لحساباتهم وكما يحصل أحياناً. في كل حال من الأحوال، ستساعد الإجراءات الشديدة في زيادة الوعي بمسؤولية المشترك في باقات القنوات المتخصصة، وبالتالي في دفعه للتعامل بجديّة مع ما يصله من ترفيه، وحماية شبكة الواي فاي المنزلية الخاصة به ضد أيّ اختراقات مُحتملة، لعواقب ذلك القانونية، والغرامات العالية التي تنتظر المتجاوزين.

نظام إضافة رموز سريّة على المواد الحصريّة، وبالخصوص للمباريات الرياضية أحد الوسائل المستخدمة لمكافحة القرصنة.

وفي اتجاه التضييق على القرصنة الإلكترونية، كشفت شركة “Dutch Filmworks” الهولندية لتوزيع الأفلام والمسلسلات في البلد، أنها سترسل قريباً أول رسائلها الرسمية للذين يحصلون على الأفلام التي تملك الشركة حقوق توزيعها بشكل غير قانوني عبر الإنترنت. وأن الرسائل ستتضمن اقتراحاً بأن يدفع المخالف للقانون مبلغاً للشركة كغرامة لعملية القرصنة التي ارتكبها، مع تحذير بتحويل القضية برمتها إلى المحكمة إذا لم يوافق الشخص المعني على دفع المبلغ الوارد في رسالة الشركة. وليس من المعروف إذا كانت الشركة تخطط للتضييق على عينة من الذين يحملون مواد فنيّة بشكل غير قانوني عن طريق الإنترنت لتوجيه رسالة تحذيرية إلى السواد الأعظم من المخالفين، أم أنها تنوي فعلاً ملاحقة كل الذين تتوصل إليهم التكنولوجيا الحديثة التي تستخدمها لرصد القرصنة الإلكترونية في هولندا.

وكانت الشركة الهولندية ذاتها قد أعلنت في وقت سابق أنها استعانت بشركة تكنولوجية ألمانية متخصصة بتتبع المواد المقرصنة عن طريق تقنية “التورنت”، وتجميع العناوين الإلكترونية الخاصة بالمخالفين في المانيا (IP)، لمساعدتها في تجميع بيانات مماثلة في هولندا، حيث أسهمت هذه الشركة الألمانية مع مثيلاتها من شركات متخصصة في خفض واضح لمعدلات القرصنة في ألمانيا في الأعوام الأخيرة، إذ يحتل البلد الأوروبي مركزاً متأخراً كثيراً في نسبة الذين يقومون بقرصنة المواد الفنيّة وبرامج الكمبيوتر من عدد مستخدمي الإنترنت الكلي في البلد.

يفرض القانون الألماني غرامات عالية نسبيا (800 يورو) على الذين يضبط تلبسهم بقرصنة مواد فنيّة وبرامج وألعاب. وهي الغرامة التي تجدها الشركة الهولندية مبالغا فيها كثيراً، وحسب مديرها الذي تحدث للإعلام أخيراً، والذي لم يذكر في المقابل قيمة الغرامة المالية التي ستفرضها شركته، لكنها وحسب قوله ستكون أقل كثيراً عن تلك الموجودة في القانون الألماني.

تكبد القرصنة الملاك الأصليين للمواد المقرصنة أمولا طائلة.

واللافت أن جهود محاربة القرصنة الإلكترونية تركز اليوم على وجه التحديد على تقنية “التورنت”، ولم تفصح هذه الشركات بعد عن خطط خاصة للذين يشاهدون المواد المقرصنة عن طريق “ستريمينغ” على مواقع إلكترونية غير قانونية. التركيز الأخير على مستخدمي “التورنت” صاحبه أيضاً تحركات قوية للغاية لوقف مجموعة من أكبر مواقع توفير “التورنت” على الإنترنت، والتي حققت نتائج مهمة كثيراً في هذا العام، حيث تم إيقاف الكثير منها، ويواجه الباقي مضايقات يومية، إضافة إلى حجب أضحى روتينياً على هذه المواقع من قبل شركات تزويد الإنترنت في معظم الدول الأوروبية.

وعلى رغم الجدية الواضحة والتقدم التكنولوجي الذي يطبع جهود الجهات التي تتصدى لقضية القرصنة، إلا أن هذه الأخيرة لن تتوقف في ليلة وضحاها، فالعقبات القانونية في الدول الأوروبية التي عرقلت دائماً تطبيقا حازما لقوانين وقف القرصنة الإلكترونية مازالت على حالها تقريباً، والتي هي مزيج من قوانين قديمة وحديثة تحفظ خصوصية المشتركين في شركات تجهيز خدمة الإنترنت، الأمر الذي يمنع الأخيرة من التعاون مباشرة مع شركات تزويد الترفيه، وعليها أن تنتظر قرارات قضائية من المحاكم الأوروبية قبل أن تسلم ما عندها من معلومات. كما أن شعارات “تقييد” الإنترنت والتي تطلقها منظمات فكرية وتحذيراتها من أن قوانين رسمية في هذا الخصوص يمكن أن تكون ذريعة لمؤسسات رسمية للتجسس على مواطنيها، تسبب الصداع لشركات تزويد الترفيه التي تخسر مئات الملايين من الأموال كل عام بسبب قرصنة موادها الفنيّة.

يعي الذين يحاربون القرصنة اليوم أن القضاء نهائياً على هذه الظاهرة يُعد أمراً صعباً للغاية وبعيد المنال، وربما لن يتحقق أبداً، بل إن بعضهم لم يتردد في الكشف بأن جلّ طموحاتهم هو خفض نسبة معدل القرصنة على الإنترنت في الدول الغنية، وهذا ما بدأ بالتحقق ببطء في بعض الدول، إذ ساهمت شعبية شركات تزويد الترفيه عبر الإنترنت (موسيقى ومواد فنيّة) في خفض نسبة القرصنة في بعض الدول، وكما بيّن بحث أجري أخيراً في هولندا، حيث انخفضت نسبة الذين يقرصنون المواد الفنيّة من مستخدمي الإنترنت من أربعين بالمائة في البلد إلى الثلث، بسبب شيوع خدمات شركات مثل “سبوتيفاي” و”نتفليكس” وغيرها.

تتضمن الإجراءات الجديدة أن يدفع المخالف للقانون مبلغاً للشركة كغرامة لعملية القرصنة التي ارتكبها


إعلان