“لالا لاند” .. أرض الشهرة الخالية من الحب
Published On 20/2/2017

أسماء الغول
ربما تكون مشاهدة فيلم “لالا لاند” La La Land، ليست الخيار الأول عند الكثيرين، كونه فيلماً موسيقياً، والأفلام الغنائية غالبا ما يكون لها متذوق من نوع مختلف، وجمهور خاص، ومع ذلك أثبت الفيلم تميزه، واضطّر كثيرون من رواد الأفلام الأخرى إلى مشاهدته فقد ذاع صيته بعد أن حصد معظم جوائز العام، ولا يزال من المتوقع أن يحصد المزيد في حفل توزيع الأوسكار نهاية هذا الشهر، إذ حصل على 14 ترشيحاً، لم يسبقه إليها سوى فيلميّ “أول أباوت إيف” (كل شيء عن إيف) انتاج1950، وفيلم “تيتانيك”، إنتاج1997.
ويروي الفيلم قصة شاب يدعى “سباستيان” يؤدي دوره الممثل “رايان غوسلينغ” وفتاة تدعى “ميا” تؤدي دورها الممثلة “إيما ستون”، يلتقيان وهما غارقان بالفواتير، ومتطلبات العيش، ليس لديهما الكثير سوى الديون، وتجارب الأداء والطموحات الكبيرة، فهي قد أصابها اليأس بعد العديد من تجارب التمثيل الفاشلة، بينما هو لا أحد يثق بحسّه الموسيقي، وحلمه أن يؤسس ناديه الموسيقي الخاص. ِ
وهكذا يلتقيان، يشجعان بعضهما، يغنيان، يرقصان، يضحكان إلى أن يقابل سبستيان صديقا قديماً له، يطلب منه الالتحاق بفرقته التي تؤدي موسيقى ليست مقنعة بالنسبة لسبستيان، لكنه يوافق كي يكون لديه عمل يُرضي عائلة صديقته، فيصبح عضو بالفرقة، وينسجم معها، محاولاً أن يبرر ذلك؛ بثورية التغيير في الأداء الموسيقي، ويبتعد عما يؤمن به من الأداء الارتجالي الكلاسيكي، ويصبح من أصحاب الأموال، كما يبتعد عن التفكير بملهاه الموسيقي الخاص، وينشغل بالترويج للفرقة، وجلسات التصوير، متناسياً طموحه، ومتجاهلاً طموح صديقته بعد أن فوت مشاهدة عرض مسرحيتها التي كتبتها وأخرجتها ومثلتها لوحدها، وهكذا بعد حديث عاصف ومزيد من الغناء يفترقان، فقد جمعتهما الأحلام، وفرقتهما أيضاً.

إن الحكاية تبدو عادية جداً، ومتكررة ونمطية، ولكن إطار الحكاية هو ما ليس عاديا، إنها قصة هوليوود التاريخية، تلك المنطقة الصغيرة التي تتمتع بحدودها الخاصة بسبب حظها من الشهرة، والسلطة في الثقافة الأمريكية، على الرغم من أنها في الحقيقة حي صغير، تأخذك إليه حافلة وحيدة، بمواعيد محددة من لوس انجلوس والعكس.
في هذا الحي يتمثل حلم هذين الشابين بالنجومية، لكنه حلم مستقل، كما أحلام الملايين غيره، ليس له علاقة بالوطن أو المجموع أو العائلة، بل أساسه الفرد وما يحققه لذاته من رضى ونجاح، وهذا يختصر حكاية دولة صنعت نجومها وأفلامها وموسيقاها، وحررت الحلم حتى من الحب ذاته.
إنه حلم الآلاف ممن يقطنون ولاية كاليفورنيا، ومدينتها لوس انجلوس، وحيها هوليوود؛ فما الذي تفعله تلك الأرض بالجميلات والوسيمين الذين يعملون في محطات البنزين والمطاعم!؛ إما ينتظرون تجربة أداء تنقلهم إلى الشهرة، أو يكتشفهم مخرج معروف بالصدفة، غالبتيهم يبقون هناك حتى يتحقق الحلم، وبعضهم يغادر هوليود الصغيرة التي يكفي طابور أمام واحدة من دور سينماتها، كي يصل إلى نهايتها.
إن الضياع الذي يشعر به الفرد الموهوب هناك سواء حين كان مغموراً أو بعد شهرته يعكسها بشكل جيد التشابك “الغنائي” بالفيلم، على نقيض المدينة ذاتها “لوس انجلوس” التي يسير فيها كل شيء وسط نظام قاسي وتحكم الشهرة والمال، حتى الطقس يتضح فيها جلياً، ولا يمكن أن تتبدل أعراض فصوله، وهذا ما اعتمده المخرج داميان تشازل في لازمة الوصل بين الأحداث؛ “الشتاء والربيع والصيف، ومن ثم الشتاء بعد خمسة أعوام” وحينها تكون بطلتنا “ميا” قد أصبحت نجمة مشهورة لامعة، مع زوج وطفلة.
وفي واحدة من ليالي تلك الفصول تذهب “ميا” للسهر مع زوجها، ويجربان نادي موسيقي فتجده نادي حبيبها القديم، وقد حقق حلمه، فهناك موسيقى الجاز التي يحب، وبيانو مخصص لعزفه الشغوف، ذاته العزف الذي جمع بينهما للمرة الأولى، إلا أنه اليوم تعيس، وهي تدّعي السعادة.

وما أن يبدأ بعزف مقطوعته، يعاد الفيلم كله بشكل سريع “فلاش باك”، ولكن دون أن تكون هناك أي عقبة، أو خصام أو جدال أو سفر تسبب في انفصال الحبيبين يوماً، وتتغير الأحداث بما يجمعهما معا، ويتزوجان ويصبح لديهما طفل، ويتركاه مع مربية، ويغادران للسهر، ويدخلان محلاً للموسيقى أثار انتباههما، يندمجان فيقبلان بعضهما، وهما يستمعان إلى مقطوعة البيانو ذاتها، لكن من يعزف بهذه اللحظة؟، يبدو غائم الملامح..مهلاً، إنه هو..يعود كل شيء كما كان، وزوجها ذاك الرجل الغريب يجلس بجانبها، لم يتغير شيء، إنهما الشتيتان، ضحية الحلم، الذي قضى على الحب، ولا يمكن إنقاذه حتى بالخيال.
موسيقى الفيلم عادية والأغاني كذلك، والقصة عادية، من الممكن أن تجدها في أفلام كثيرة، لكن أي فيلم بينهم قد يجمع بين أغنية وموسيقى كهامش لحكاية الأرض التي في الأساس جعلت من كل تلك العناصر عادية ومكررة، وراكمت ملايين المَشاهد؟!..إنه الفيلم الأول..أصل حكاية أرض “لالا لاند” .
فيلم يروي قصة النجومية، بهذه المشاهد التي تجري فيها الحركة واللون والضوء والثبات والعتمة وكل التناقضات بدقة وعناية لتعطيك لوحات مسرحية وكوادر خلابة تحكي حكاية تاريخ بالموسيقي والضوء، إنها قصة كفاح من نجحوا ولم ينجحوا، حكاية كلاشيه اسمه “لوس انجلوس” من حفلات وفساتين وسيارات وشهرة بالصدفة.
يتشبع _ المتلقي المحب لهذا النوع من الأفلام، والمتلقي الذي أجبر نفسه منذ البداية على مشاهدته _ بالمشاعر، والسعادة بكل مشهد وأغنية، وذلك بسبب وجود رتم مكرر متعمد في رقصات الفيلم وأغانيه وحتى ديكوراته، وفي شكل الظل والضوء والحركة، منذ مشهد السيارات الأول، وانسياب الكاميرا في اتساق وخفة لم تعكره رقصات الممثليّن الثقيلة، ليبدو الفيلم أيقونة فسيفسائية باقية للذاكرة.
لذلك لا غرابة أنه الأكثر ترشحاً لجوائز الأوسكار، فمن اجل هذه الأفلام تواجدت هوليوود، الأفلام التي توثق تاريخ إنسان في حلم، وتاريخ حلم في مدينة، وتاريخ مدينة في صناعة، صناعة الفن.