“فوتوميد” .. مصورو المتوسط في بيروت

بيروت – الجزيرة الوثائقية
حملت الدورة الرابعة لمهرجان الصورة المتوسطية (فوتوميد) إلى بيروت، مصورين عالميين ولبنانيين تشكل أعمالهم لقطات حية، وحساسة من منطقة البحر الأبيض المتوسط، والغاية، بحسب أهداف المهرجان، تقريب الناس من مختلف الجنسيات من بعضهم البعض عبر فن التصوير العالمي الطابع.
تتمحور الدورة الحالية حول ثلاثة مواضيع هي: مدينة بيروت، السينما، والشعر من تحت الأنقاض، ويشكل المهرجان هذا العام فرصة تكريم المصور الفرنسي الراحل مارك ريبو، والمصورة ليلى علوي من أصل فرنسي – مغربي التي توفيت إثر الهجوم في واغادوغو منذ عام.
ويبدو أن رواد الفنون التصويرية من سينما وفوتغراف بدأوا يميلون إلى إيصال أعمالهم إلى مراكز ومناطق أوسع من لبنان، يدفعهم لذلك حرمان قطاعات واسعة من السكان من الاطلاع على الأعمال، لأسباب عديدة خصوصا منها صعوبة التنقل.

لذلك، ينتشر المهرجان في العديد من صالات العرض البيروتية، منها أوتيل لوغراي في ساحة الشهداء، وصالة بنك بيبلوس-الأشرفية، الداعم الأساسي للمهرجان في لبنان، ودي-بيروت (D Beirut) عند الطريق الساحلي لبرج حمود، والمركز الثقافي الفرنسي في طريق الشام، والمحطة في جسر الواطي، وتشترك فيه غاليريهات معروفة في بيروت، منها: أجيال، واليس مغبغب، وجانين ربيز، وتانيت، والترناتيف.
ويستحضر المهرجان فنانين كبارا عالميين، ولبنانيين، منهم الراحل، ومنهم المستمر، مثل سرجيو ستريزي الذي صور منذ بداية الخمسينيات وحتى رحيله 2004، وعرضت له مجموعة تحت عنوان “جولة مع أنطونيني”، موثقا كبار صناع السينما العالميين، وكان السينمائيون من مختلف الجنسيات يرغبون بأن يلتقط صورهم التي تحول كل منها إلى لوحة فنية من روحية وأجواء أفلام أنطونيني.
إلى جانب ستريزي، في صالة بيبلوس-الأشرفية، عرضت مجموعة لآلان فلايتشر بعنوان “سيناسيتا” (Cinecitta). يتسم المصور بولعه بروما، ومعرفته التفصيلية بها، كما يلم بالسينما وخبراتها الواسعة، فزاوج بين روما والسينما، في مجموعة رائعة.

ومع ستريزي وفلايتشر، مجموعة لريتشارد دوماس بعنوان Suite Mediterrannenne وهو يستخدم كاميرا تقليدية، ويتولى شخصيا تحميض وتظهير الصور بيده، تاركا المشهد على حاله دون أي تعديل أو “رتوش”، وتتضمن مجموعته صورا لسينمائيين قدموا أفلاما هامة بين أعوام 1992 و2015، وجلها أفلام عالمية الطابع، عرضت بمهرجان “كان” السينمائي.
في صالة أوتيل لوغراي-ساحة الشهداء، معرض لنيكول هرتزوغ-فيري بعنوان “دفاعا عن الحجارة”، وتقارب الفنانة بين جبال بلادها السويسرية، وجبال لبنان، وتتلمس حقيقة تكرار العالم المعاصر عبر هندسته التقليدية، وتكرارها في الراهن.
في صالة “دي بيروت” على الخط الساحلي في برج حمود، قدمت لنيك هانز مجموعة تسعى، في شيء من الخدعة البصرية، إلى التركيز على عوالم المتوسط، ومصائرها المتعارضة بقساوة. كذلك عرضت أعمال لفران فراكسيا تحت عنوان “كيف يمضي الوقت”، وللبنانيين دانيال عربيد بعنوان “بنات غريبات” تلتقط عربيد الصور كما تصنع أفلامها، بالاقتراب قدر الامكان من صور الأجساد، خصوصا الأجساد النسائية. و”بطاقات من تونس” مع وسيم غزلاني الذي يمثل جيلا شبابيا تونسيا صاعدا، يستخدم التهكم في عمله، فبطاقات تونسية لقطات أشكالها مربعة، رافضا بذلك التقليد المستطيل للصور الفوتوغرافية باعتماده على كاميرا تقليدية، ولا يعرض أيا من الأماكن الشهيرة في تونس، بل يركز على الأماكن غير المعروفة.

بالإضافة إلى الأعمال التي قدمتها خمسة من غاليريهات بيروت: أليس مغبغب بمجموعة للصحافية ماريا شختورة التي تقفت أثر الحرب الأهلية اللبنانية بصور حية من وقائعها، وشختورة عنونت مجموعتها “جدران العار”، إشارة إلى الشعارات التي كتبت على جدران بيروت في الحرب بين عامي ١٩٧٥ و١٩٧٧. وعندما تغيرت الأحوال، غابت تلك الشعارات مخبئة معاني سيئة لما تختزنه الذاكرة اللبنانية. عملت شختورة مسؤولة عن القسم الثقافي في جريدة “الأوريون لوجور” اللبنانية، وهي اليوم مسؤولة عن التعليم في كلية الآداب والعلوم الانسانية في جامعة القديس يوسف.
وقدم غاليري أجيال مجموعة لكلارا أبي نادر، وغاليري جانين ربيز لرانيا مطر وفرانسوا سارغولوغو، وحملت غاليري تانيت صور الفنان اللبناني جيلبير الحاج، وغاليري “الترناتيف” قدم مجموعة لميشال زغزغي.
وينتقل المهرجان إلى المركز الثقافي الفرنسي على طريق الشام، حاملا مجموعتين لمارك ريبو وكريستيان علوي، بعنوان “مزيج” (Blended) وهي صور التقطتها وقامت ابنتها ليلى التي قتلت في واغادوغو أواسط كانون الثاني 2016، بترتيبها، وتنقيحها، مشجعة والدتها على إقامة معرض لصورها، وبذلك يعتبر المهرجان أن ليلى علوي هي القيِمة على المهرجان بعد وفاتها. وصور كريستيان علوي التقطت في جولات مع زوجها بين الولايات المتحدة الأميركية ومراكش، مقتفية أثر الفنانين الفرنسيين الإنسانيين، معبرة عن العاطفة الدافئة، والإحساس باللامنتهى.

فإلى “المحطة” في الجسر الواطي مع جورج عودة في “ممرات ضمن الحدود” ركز على تصوير النازحين السوريين بشكل تعاطفي مع واقعهم، وليس من منظور سياسي يستغل حالتهم المأسوية، ولجيوليو ريموني في “بيروت في الليل”، ولبلال طربيه بـ”العودة” تخبر صور مجموعته قصة عودته إلى بلده لبنان سنة 2015، وقد ولد في الحرب اللبنانية لكنه، عاش ودرس في باريس، وصوره تهدف إلى استعادة مدينته بيروت، وإعادة تركيبها بحسب ما عرفها وأحبها، ولارا تابت بـ (القصب) Roseaux تسعى إلى عرض ما يجب أن يظهر، وما يجب أن لا يظهر، وتتبع طريق الفنانين العالميين الذين ركزوا على الجسد، والتهميش، والجنسانية. تدربت تابت في مركز التصوير الدولي في نيويورك، وتقيم في لبنان الذي ولدت فيه سنة 1983.
مدير “فوتوميد” لبنان، ومؤسسه سيرج عقل، قال: “الدورة الرابعة من مهرجان “فوتوميد” تسلط الضوء على فن التصوير الفوتوغرافي في لبنان في قلب منطقة البحر الأبيض المتوسط، فلقد أصبح “فوتوميد” لبنان مهرجان التصوير الفوتوغرافي الأبرز في الشرق الأوسط من حيث برنامجه الغني وعدد زواره، هذا ويشكل المهرجان فرصة أمام المصورين اللبنانيين للتواصل مع مصورين أجانب مشاركين، فضلا عن تبادل الخبرات وتعزيز فرص التعاون”.
ونظم “فوتوميد” مسابقة في التصوير للمصورين المقيمين في لبنان، وأعلنت نتائج المسابقة كما يلي:
الجائزة الأولى لسيرين فتوح وتحصل على فرصة لعرض أعمالها في إطار النسخة القادمة من مهرجان “فوتوميد” التي تنظّم في شهر مايو 2017 في ساناري في فرنسا.
أما الجائزة الثانية ففاز بها نصري صايغ ويحظى بعرض أعماله في شهر سبتمبر 2017 في صالة العرض الخاصة بالمركز الثقافي الفرنسي في لبنان.

وقد تألفت لجنة التحكيم من كبار الشخصيات من عالم التصوير وضمت: فيليب هولان (مؤسس “فوتوميد” بالشراكة ورئيس المهرجان)، غييوم دو سارد (المدير الفني لـ”فوتوميد”)، آلان فليشر (فنان ومدير Le Fresnoy).
يمتد فوتوميد بين 18 يناير الجاري، و8 فبراير المقبل.