سهم في وجه العرب

مروة صبري
لفت انتباهي إقبال العديد من الشباب الأمريكي العربيّ على متابعة مسلسل The Arrow أو السهم. بطل المسلسل ستيفن إيمل كنديّ الجنسيّة لكن الأحداث تدور في مدينة خيالية أمريكيّة تدعى المدينة المركزيّة أوCentral City لكن التصوير يحدث ما بين كندا وأمريكا، المسلسل من إخراج دون مكبرتي Don McBrearty ويروي قصة أوليفر كوين الشاب الثريّ اللعوب الذي فُقد على إثر غرق اليخت الذي كان يقله مع والده وبعض الأصدقاء.
يبدأ المسلسل بقصة رجوع ” أوليفر كوين” إلى مدينته وإلى أهله بعد غياب خمس سنوات عاد بعدها بعلامات تعذيب وجراح شديدة القسوة على جسده. صار جادًا، كتومًا لا يريد الحديث عن الفترة التي قضاها على الجزيرة التي وصل إليها بقارب نجاة. الغموض والقوة البدنيّة مع الثراء والزهد فيه بعد عودته يجعل من كوين شخصيّة جاذبة مركبة ثلاثيّة الأبعاد. كل هذا نعرفه في الحلقة الأولى، أمّا باقي المسلسل الذي تم تصوير وعرض خمسة مواسم منه، فهو عن المهمة السريّة التي كلفه بها والده قبل موته مع Flashback يسرد خلفية الحدث الحالي أو الدافع له مما حدث على الجزيرة المشؤومة، يظهر لنا من خلاله تورط والده في منظمة سريّة لهدم العشوائيات في المدينة بمن فيها، على أن يظهر كحادث، وبعد انتهاء المهمة استمر كوين في الدفاع عن المدينة ومعه بعض الرفاق.

ليبراليو هوليوود والإسلام
تظهر كعادة الليبراليين في الغرب، كل ألوان البشر وأصولهم حتى جاءوا عند العرب المسلمين. أول اسم عربيّ ظهر كان “رأس الغول” الذي ينطقه الممثلون “راش أجول” في محاولة يائسة لترجمة Head of the Demon، ولا نتيقن إن كان لقبًا أو اسمًا، فقد كانت ابنته تنادى بـ “نيسا رأس الغول” لكنّ بعد موته صار خليفته يطلق عليه رأس الغول أيضًا. رأس الغول هذا هو زعيم عصابة اغتيالات تعمل في جميع دول العالم للتصفيات السياسيّة من قبل من يملك الثمن. أتباع رأس الغول يحملون معهم سمًّا فعّالًا لإنهاء حياتهم في أيّ لحظة يخيرون فيها ما بين خيانته أو الموت. فمن يختار الخيانة منهم يحكم عليه بالإعدام بصورة تجعل السم أهون، ومن المستفز لي كعربيّة وكمسلمة أن يقول قاتل قبل أن ينتحر “لا إله إلا الله”، أو أن يدعو رأس الغول للبطل قبل أن يقتله بأدعيّة دينيّة كأن يوقى من عذاب القبر.
ومن المعروف لأي مبتدىء في الإسلام أنّ القتل والانتحار حرام ولا أحد من الممثلين يبدو عليه الإسلام في أي لحظة غير لحظة الانتحار أو قتل الغير، فقرن إنسان انعدم ضميره أو فهمه بديني يهينني ويهين ديني، وهذا أمر غير مقبول وخاصة من مسلسل يحمل فكرًا ليبراليّا المفترض فيها تقبل الجميع واحترامهم والمساواة بينهم، هذا من الناحية الأيديولوجيّة، أمّا من الناحيّة الفنيّة فكأديبة أعرف قيمة البحث والتحري وكيف يمكن للتقاعس فيهما أن يضر بالعمل الفنيّ ويفقده المصداقيّة المرجوّة، فإن الكلمات والأسماء العربية والأذكار الإسلاميّة طَعّمت الصراع بين الأبطال بنكهة لا تنفك عن الإعلام الغربي اليميني المتطرف.
فبدلًا من محاولات الفهم والإنصاف أو حتى التوازن بأن يظهر بعض العرب في صورة جيّدة بينما البعض الآخر يتخذ من الاغتيالات أسلوب حياة، اختار المؤلفون Marc Guggenheim, Greg Berlanti, Andrew Kreisberg أن يعتمدوا الصورة النمطيّة المستهلكة في هوليوود عن العرب. فتراهم من الجرأة بمكان حيث فتحوا معلبات دود كما يقول المثل الأمريكيّ فناقشوا موضوعات في غاية الجدل وخارج نطاق المقبول الشعبويّ، كقضيّة دوافع القتل المختلفة، هل تؤثر على روح الإنسان، هل يمكن عذر من قتل تحت التهديد لينجو بحياته، أو للدفاع عن النفس أو عن الغير، أو لإيقاف القاتل عن التمادي في القتل؟ هل هناك أمل لقاتل أن يعود؟ هل يمكن أن تطهر نفسه بعد كل هذه الأرواح التي أهدرها؟ هل يمكن أن نتعاطف معه لأنّ نيته للصالح العام؟ هذه قضايا في غاية الحساسيّة والإيغال فيها لابد وأن يأتي من كتاب ومن طاقم جريء لا يستسلم للآراء المقبولة.. إلا حين وصلوا للعرب، فلم يتم تنقيح أي من الأنماط المنتشرة ولم يقم المؤلفون بمهمتهم، حتى بعض الكلمات المترجمة لم أفهمها وأنا عربيّة إلا حين قرأت المعنى بالإنجليزيّة. ليس فقط لأنّه نطق من أجانب يصعب عليهم حروف الضاد والعين والخاء، ولكن لأنّ الكلمات ليست الأكثر استخدامًا ولا توقعًا، فهل قام أحد بالترجمة أم نلقي باللوم على مترجم غوغل؟

المسلسل قدّم بشكل متميّز، اجتذب العديد من الفئات والأعمار على الرغم من وجود مواد لا ينبغي أن يتعرض لها الصغار إلا أنّ أكثر ما أزعجني هو الجالية العربيّة أو ذات الأصل العربيّ التي تشاهده دون تحليل لمحتواه فكأنّما قبلوا أن يكونوا المنوطين بأعمال العنف والتسويات العنيفة للصراعات وإقحام الإسلام في الأمر بأي طريقة، تأثير ذلك على النفوس يضر باعتزاز الجيل القادم بأصله وبتاريخه وحتى باسمه، هذا التأثير من شأنه أن يؤدي إمّا إلى الاستسلام للنمط العام والتحرج من الهويّة أو إلى النفور والغضب أو –وهذا ما أتمنى- أن يصنع العرب المواد المبدعة التي تتحدث عنهم وتصحح من المفاهيم بصراحة وموضوعيّة. فطالما لم نقم نحن بذلك، سيظل شبابنا عرضة للإحساس بالنقص من قبل من يسيطر على السينما في العالم. ومن الإنصاف أن نقول إنّ عصابة الاغتيالات كانت تضم أعضاء من دول مختلفة كاليابان وأمريكا وغيرهما لكن تعدد الشخصيات من هذه الأماكن يجعل الخطأ مرتبطا بالفرد لا بالأصل ولا بالعقيدة، في حين أنّ كل من هو عربيّ أو إسلاميّ ارتبط بالدم وهذا فارق خطير.
بدأ المسلسل بهدف وبشخصيات اجتمعت رويدًا رويدًا على إعادة الحقوق إلى أهلها ومعاقبة الفاسدين في المدينة الذين استغلوا مناصبهم أو أموالهم ليثروا على حساب الفقراء، وبما أنّ الظروف التي مرّ بها أوليفر كوين جعلته يجيد فنون القتال وخاصة رمي أسهم لا تخيب لذا سميّ المسلسل “السهم”، إلا أنّ الولع بفنون القتال وانتهاء البطل من المهمة الأساسيّة التي عاد من أجلها إلى مدينته جعلت الكتّاب يلجؤون إلى زيادة عيار المواجهات القتاليّة والمبالغة فيها بشكل طغى في كثير من الحلقات على جوهر القصة وعلى العلاقات الإنسانيّة فيها.

عبقريّة المؤلف في الانتشار
هناك قصص واقعيّة ناجحة لكن في العقدين الأخيرين كثر الإقبال على قصص الفانتازيا والأبطال الخارقين، وهي حبكات كثرت في الكتب وفي الأفلام ولكن وجودها في المسلسلات كان أقل، إلا أنّ شركتي Netflex وأمازون انتبهتا لهذا السوق فأصدرت أمازون مسلسل الأطفال Just Add Magic الذي انتهى من موسمه الثاني وأصدرت نتفليكس The Arrow. فكرة البطل الذي يدافع عن مدينته مرتديا قناعًا وزيًّا جاءت من شخصية رسوم متحركة تسمى السهم الأخضر ابتكرها Weisinger و، George Papp فأخذها جريج بيرلانتي وقدّمها بشكل بشريّ في المسلسل، ولما نجح استغل نجاحه فعرض فكرة مسلسل The Flash أو الومضة، وقدّم فيه شخصية باري البطل كضيف وعرّف مشاهدي السهم به وبقصته، ووافانا أبطال مسلسل السهم بأخبار بطل مسلسل الومضة من خلال أحاديث بينهم أو من خلال مشاهدتهم للتلفاز الذي يعرض أخبارًا عن مدينته Star City القريبة من مدينة السهم، بل إنه في بعض الأحيان تظهر شخصية من مسلسل منهما لتنقذ بطلًا من المسلسل الآخر، وليست هذه دعاية فقط ولكنّها تضمن إطالة عمر المسلسلين، فمن الصعب على كاتب الاستمرار لمواسم دون أن يجدد نفسه بشكل يضمن جذب أكبر عدد من المشاهدين لأطول فترة ممكنة. من المهم أن نعرف أنّ شركات الإنتاج الكبيرة تطلب من أصحاب الأعمال الفنيّة تقديم مقترحاتهم وأحيانًا يقدمون عينة من حلقة واحدة حتى تحكم عليها الشركة فتدرجها في جدول العروض وتخصص لها الميزانية المطلوبة، أو ترفضها. وليس بمستبعد أن يستمر مسلسل لمدة موسم واحد فقط ثمّ يلغى العقد. لذا فكلما زادت القصة تشعبًا وخلقت شخوصًا وفرصًا لحبكات مساندة، كلما قويت روح العمل وفرص تجديد عقده.
في رأيي، أنّ السهم نجح لمدة ثلاثة مواسم وربما لجزء من الموسم الرابع لكنّ عوامل الضعف من الإفراط في المشاهد القتاليّة قللت من مستواه عند المشاهدين الذين يحبون غذاء العقل ولا يتحملون وجبات دسمة من الحركة (Action)، هذا من الناحية الفنيّة، أمّا من الناحية الإنسانيّة، فكل عمل يلجأ إلى صورة نمطيّة عن العرب يؤكد لي أنّ الكتّاب مهما كانوا بارعين في الفن فإنّهم فقراء في الفكر، وهذا مَدْعَىً لفقدانهم للمصداقيّة ولعزوفي عن المتابعة، لكن اللوم الأكبر يقع علينا كعرب حيث لا نعترض إلا قليلًا ولا ننتج البديل.