جوائز مهرجان وجدة للفيلم المغاربي

وسيم القربي

أُسدل الستار على الدورة السادسة للمهرجان المغاربي للفيلم بمدينة وجدة المغربية، وقد شهدت مدينة وجدة “عاصمة الشرق” احتفاء سينمائيا بامتياز، جعلها طيلة أربعة أيام قبلة للسينمائيين المغاربة والعرب ما جعل هذه الدورة متميّزة من حيث انفتاحها. لم تنم مدينة  وجدة حيث عزفت طيلة فترة المهرجان سيمفونية السينما، ورقصت الصورة داخل فضاء العرض بمسرح محمد السادس، ولعلّ أحد المكاسب خلال هذه الدورة هو نجاح مهرجان فتيّ في بلورة تقاليد سينمائية خاصة بالمدينة وترسيخ ثقافة الصورة لدى شباب وجدة المتعطّش للسينما. دورة سادسة كانت بمثابة الحلم، أكّد تنظيمها جدارة استحقاق هذا المهرجان بالتموقع كأحد أهمّ مهرجانات المغرب. ولعلّ مواصلة المجهودات من قبل الغيورين على المهرجان سيمكّن هذا الحدث الثقافي أن ينتقل من الحلم إلى واقع التموقع كأحد أبرز المهرجانات السينمائية العربية خلال فترة وجيزة… 

رقصت الصورة داخل فضاء العرض بمسرح محمد السادس

الدورة السادسة: المغرب يحصد أغلب الجوائز… وتوأمة مع سلطنة عمان

تحت شعار “الثقافة قاطرة للتنمية”، حملت هذه الدورة اسم المخرج المغربي الراحل “عبد الله المصباحي”، وكعادة سنوية اختار القائمون على المهرجان تكريم عدّة وجوه ثقافية ساهمت في إغناء الحقل الفني بتجاربها، حيث تمّ تكريم الممثلة المغربية القديرة أمينة رشيد والوزير رشيد مضران والفنان الوجدي محمد بوبقرات والممثل المصري أحمد وفيق والممثلة التونسية المقيمة بمصر درة زروق.

وقد تكوّنت لجنة التحكيم برئاسة الكاتب والمفكر المغربي نور الدين أفاية وعضوية كل من المخرجة الجزائرية مينة كسار، والمخرجة الموريتانية مريم بنبيروك والمخرج التونسي عبد اللطيف بن عمار والناقد قيس قاسم من العراق، والتي ارتأت بعد تقييمها للأفلام النتائج التالية:

المغرب حصد أغلب جوائز الدورة السادسة للمهرجان

مسابقة الأفلام الطويلة:

حاز الفيلم المغربي “عرق الشتا” للمخرج حكيم بلعباس على الجائزة الكبرى وجائزة الإخراج وجائزة أحسن دور نسوي تحصّلت عليه الممثلة فاطمة الزهراء بالناصر مناصفة مع الممثلة التونسية نجلاء بن عبد الله عن دورها في فيلم “تالة مون أمور”.

حصل الفيلم التونسي “تالة مون أمور” على جائزة أحسن سيناريو.

فاز بأحسن دور رجالي شريف أزرو عن دوره في الفيلم الجزائري “نجم الجزائر”للمخرج رشيد بن حاج.

حاز الفيلم المغربي "عرق الشتا" للمخرج حكيم بلعباس على الجائزة الكبرى وجائزة الإخراج وجائزة أحسن دور نسوي

مسابقة الأفلام القصيرة:

فاز الفيلم المغربي “قلب مقدّس” للأخوين هشام وسمير حراك على الجائزة الكبرى وعلى جائزة السيناريو.

كما حصد فيلم “إيما” للمغربي هشام الركراكي 3 جوائز وهي على التوالي: جائزة الإخراج وجائزة أحسن دور رجالي لعبد اللطيف شوقي وكذلك جائزة الأندية السينمائية.

ونالت الممثلة ثورية بغدادي جائزة أحسن دور نسوي عن دورها في فيلم “سفر  كلثوم” للمخرج الجزائري أنيس الجعاد.

جانب من الحضور الكثيف الذي ميّز الدورة السادسة للمهرجان.

وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ هذه الدورة شهدت تمايز السينما المغربية عن نظيراتها حيث أكّدت الأفلام المشاركة جدّية العمل القاعدي وأبرزت بصفة جليّة خصوصيات السينمات المغاربية، وهو ما يقودنا في قراءة أوّلية سريعة إلى ما يلي:

نجحت السينما المغربية في الظفر بأغلب جوائز هذه الدورة بشكل لافت واستحقّت بمستوى الأفلام المشاركة هذا التموقع الذي ترجمته الأفلام الفائزة حيث تميّز فيلم “عرق الشتا” بطابع فنّي فريد بالرغم من طول مدّته إذ أبرز المخرج حكيم بلعباس لقطات إبداعية وصورا وثائقية لمعالجة قضايا الفيلم. أمّا في صنف الأفلام القصيرة، فقد برز تمايز فيلمي “قلب مقدّس” وفيلم “إيما” الذي يستعدّ للمشاركة في مهرجان “نظرات من إفريقيا” بمونتريال، بالإضافة لفيلم حكيم بلعباس وفيلم “رجاء بنت الملاح” لعبد الإله الجوهري… حيث ستكون المغرب ضيف شرف هذه الدورة.

ويمكن اعتبار أنّ السينما المغربية استفادت بقوّة من السياسة السينمائية وطرائق التسيير وصيغة دعم الأفلام والمهرجانات، حيث ستحيل الكثافة الإنتاجية حتما إلى قفزة نوعية في المستقبل القريب.

كرّم المهرجان الممثلة التونسية المقيمة بمصر درة زروق.

أمّا بالنسبة للأفلام التونسية المشاركة، فقد تميّز فيلم “غدوة حيّ” للطفي عاشور في إعادة أحداث 14 يناير، كما تميّز أداء النوري بوزيد في دوره في الفيلم القصير “خلينا هكا”، غير أنّ اللجنة كانت لها رؤية مغايرة. وبالرغم من المخاض الصعب التي تشهده السينما التونسية، إلا هذه السينما تبقى الأكثر تجديدا على المستوى الفكري لولا تخبّط السياسة الثقافية في تونس داخل دوّامة لم تفرز إلى حدّ الآن تحرّر الطاقات الإبداعية بسبب ضعف تسيير القطاع السينمائي في هذا البلد وارتباطه المتواصل مع الإنتاج الغربي.

أما الأفلام الجزائرية فقد أبرزت بدورها تواصل الخطّ الفكري في إنتاج سينما وطنية ترتكز أسسها على العودة إلى أحداث أفلام الثورة ومقاومة المستعمر، لكنّ الملاحظ هو أنّ أغلب الأفلام المشاركة جاءت بإنتاج جزائري لكنها بأياد تعيش خارج الجزائر، وهو ما أبرزته الأفلام المشاركة عن سطحية المعالجة وضعف السيناريو  بالرغم من الإبداعية التقنية وجمالية المشاهد في الأرض الجزائرية.

تتزايد مكانة هذا المهرجان كأحد أهمّ مهرجانات المغرب

على مستوى المشاركة الموريتانية والليبية، حافظت موريتانيا على تميّزها النسبي وعلى رغبة شبابها في تأسيس سينما محلّية غير أنّها لم تنجح إلى حدّ الآن في تقديم صورة تليق بموريتانيا باعتبار غياب الدعم كلّيا لهذا القطاع بالرغم من محاولات مجموعة من الشباب مثل المخرج محمد الشيقر والمخرجة مي مصطفى… أما السينما الليبية فقد أبرزت غيابها لعدّة اعتبارات، فقد شهدت هذه الدورة مشاركة فيلم قصير واحد وهو فيلم “العشوائي” لأسامة رزق وقد تحصّل على تنويه من لجنة التحكيم.

تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الدورة من المهرجان المغاربي للفيلم شهدت تنظيم مجموعة من الندوات بحضور طلبة من جامعة وجدة، حيث تدخّل عبد اللطيف بن عمار وعز العرب العلوي ورشيد مضران في ندوة “الثقافة قاطرة للتنمية”، في ما خُصّصت ندوة ثانية أدارها الباحث السوسيولوجي د. فريد بوجيدة حول “السينما بين الشعر وأسئلة الفكر” وشارك فيها الأستاذ نور الدين آفاية والناقد عبد الكري قادري والشاعر يحي بن عمارة. وقد شهدت الندوات حضورا لافتا أفرز نقاشات مطوّلة أبرزت عمق التفكير لدى المشاركين فيها.

من جهة أخرى تمّ تنظيم ورشات لفائدة الشباب أطّرها مجموعة من الأساتذة المبدعين مثل يوسف آيت همو وشرف بن الشيخ ووليد سيف من مصر… واستفاد من ورشات الإخراج والسيناريو والتصوير والنقد أكثر من 100 شاب وشابة وأفرزت مجموعة من الأعمال تمّ عرضها ومناقشتها من قبل المخرج حكيم بلعباس والممثل القدير محمد خيي.

من أبرز مكسب خلال هذه الدورة هو توقيع إتفاقية شراكة بين جمعية سيني مغرب المنظمة للمهرجان المغاربي وبين الجمعية العمانية للسينما المنظمة لمهرجان مسقط الدولي

ولعلّ أبرز مكسب خلال هذه الدورة هو توقيع اتفاقية شراكة بين جمعية سيني مغرب المنظمة للمهرجان المغاربي وبين الجمعية العمانية للسينما المنظمة لمهرجان مسقط الدولي، حيث استضافت وجدة رئيس مجلس الإدارة الأستاذ محمد بن سليمان الكندي والمكلف بإدارة الفعاليات الأستاذ قاسم السليمي، وتمّ توقيع اتفاقية تتضمّن 12 بندا ستمكّن من تفعيل تعاون جادّ وتقارب سيعود بالنفع على شباب المغرب والسلطنة. من جهة أخرى وقّعت جمعية سيني مغرب اتفاقية مع جامعة محمد الأول بوجدة تتعلّق بتكوين الشباب الراغبين في ولوج مهن السمعي البصري.

مهرجان وجدة للفيلم المغاربي: من الاعتراف إلى المأسسة.

صرّح مدير المهرجان الأستاذ “خالد سلي” للجزيرة الوثائقية بأنّ “المهرجان الدولي للفيلم بوجدة أصبح محطّة هامة للاحتفاء بالسينما من قبل أهالي مدينة وجدة قصد التقاء المبدعين والانخراط في الدورات التدريبية والاستمتاع بالعروض السينمائية، وأنّه يتّجه إلى الانفتاح ليصل إلى البعد العربي”. ولم يكن من السهل أن يبلغ المهرجان المغاربي بوجدة قائمة أحسن المهرجانات بالمغرب في ظرف لا يتجاوز ست سنوات، لولا المجهودات الصادقة من قبل الفاعلين. 6 سنوات مضت على تأسيس المهرجان المغاربي للفيلم بوجدة، فترة كانت كفيلة بصعود هذا المهرجان إلى قائمة أحسن المهرجانات المغربية بفضل مجهودات منظّميها وحرص ثقافي لمسؤولي المدينة، ولعلّ هذا الإيمان بثقافة الصورة ساهم في إنبات ثقافة السينما بالجهة الشرقية بعد أن كان الاهتمام بالصورة شبه غائب، وبزيارتنا للمدينة لاحظنا أنّ هذا التقليد السنوي رسّخ لدى ساكنة المدينة أنّ مدينتهم تحتفي خلال شهر أبريل من كلّ سنة حدثا سينمائيا سنويا فيرحّبون بدورهم بضيوف المدينة العتيقة ويكرمون السينمائيين الزائرين لمدينتهم. 

جانب من تكريم الحضور.

ولعلّ هذا المهرجان الذي وُلد كبيرا سيصبح أكبر من خلال مزيد الحرص على بعض النقاط وتلافي بعض النقائص، من ذلك دعوة الفاعلين السينمائيين في المنطقة المغاربية والجادّين الذين خدموا الصورة مع ضرورة تخصيص مساحة لنقاش الأفلام بعد العروض حتى يستفيد الشباب وتُرسّخ لديهم ثقافة النقد كما أنّ الضرورة الملحّة تستدعي توثيق ندوة المهرجان في كتاب حتى يبقى أثرا للأجيال القادمة وللباحثين في المجال السينمائي، ولو أنّ بعض الاختيارات العشوائية لم تكن مؤثرّة لكنه من الواجب تلافيها حتى يواصل هذا الحدث الثقافي إشعاعه بمزيد من الانفتاح على الإعلام في الوطن العربي، خاصة وأنّ هناك بوادر إيجابية قد تجعل من هذا المهرجان المغاربي يمرّ من بعده المغاربي ليتحوّل إلى مهرجان عربي قصد التموقع على المستوى الثقافي الإقليمي ليصبح عرسا للسينما العربية. 

مدينة وجدة في الواقع رمز للوحدة، فذكر اسم المدينة يرتبط بثقافة الانتماء المغاربي وبحلم المغرب الكبير، ففي أبرز ساحاتها ترتكز منحوتة الوحدة المغاربية من خلال أعلام المغرب وتونس والجزائر وليبيا وموريتانيا، وهي دلالة ثقافية تحيلنا بدورها إلى أهمّية هذا المهرجان المغاربي في تجاوز الحدود الوهمية وتقريب لشعوب المنطقة المغاربية بما يجعل جغرافية الإحساس تمتدّ وتفيض جسور الحبّ من أجل تحقيق حلم الوحدة المغاربية في بلد الانفتاح… في وجدة العشق السينمائي… وجدة الحنين…


إعلان