نجوم الظل.. الثانويون هم الأساس!
“الأفلام في حقيقتها سلسلة من اللحظات القصار. وعلى هذا تكون الأفلام العظيمة هي الأفلام التي تحقق أكبر عدد مستطاع من اللحظات العظيمة، وهاتيك اللحظات العظيمة لا يصنعها النجوم فقط، بل الممثلون المساندون أو الكومبارس. وإذا انبهرنا بتمثيل النجوم انبهارًا بالغـًا بحيث يخذلنا عن الوعي التام باللحظات القوية الزاخرة التي يقدمها الممثلون المساندون وممثلو الأدوار القصيرة، فسوف نفقد دورًا مهمـًا للتجربة الفيلمية، وفيلم “ترويض النمرة” للمخرج زيفيريللي، مثلًا، يزحم بمعنى الكلمة ساحة الشاشة بوجوه فاتنة من الأدوار المساندة الرئيسية إلى أقصر ظهور ممثل على الشاشة”
(فن الفرجة على الأفلام، جوزيف م . بوجز، ترجمة: وداد عبدالله، الألف كتاب الثاني، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، العدد 356، 1995).
عندما تقرأ هذه الفقرة اللامعة، يمر أمامك شريط سينمائي طويل من أفلام تنطبق عليها هذه الملاحظة المهمة، ومن أبرزها فيلم “الأرض” (إخراج يوسف شاهين، 1970)، فقد شارك فيه على سبيل المثال لا الحصر: محمود المليجي في دور (محمد أبو سويلم)، وعزت العلايلي في دور (عبدالهادي)، ونجوى إبراهيم في د��ر (وصيفة)، ويحيى شاهين في دور (الشيخ حسونة)، وتوفيق الدقن في دور (الشيخ شعبان مجذوب القرية)، وحمدي أحمد (محمد أفندي)، وصلاح السعدني (علوان)، وعبدالوارث عسر (عمدة القرية)، وعلي الشريف (دياب)، وفاطمة عمارة (وصيفة)، وعبدالرحمن الخميسي (الشيخ يوسف).
في “بداية ونهاية” (إخراج صلاح أبو سيف، 1960) تضم القائمة: فريد شوقي (حسن)، وعمر الشريف (حسنين)، وكمال حسين (حسين)، وأمينة رزق (الأم)، وسناء جميل (نفيسة)، وآمال فريد (بهية)، وصلاح منصور (سليمان البقال).

أما في “سواق الأتوبيس” (إخراج عاطف الطيب، 1982)، فقد ضم: نور الشريف (حسن)، وعماد حمدي (الحاج سلطان)، وميرفت أمين (ميرڤت)، وحسن حسني (عوني)، ووحيد سيف (البرنس)، ونبيلة السيد (سميحة)، وزهرة العلا (أم ميرڤت)، وعبده الوزير (علي)، وشعبان حسين (رزق)، وعبدالله محمود (حمدي)، وصفاء السبع (وفاء)، وعزيزة حلمي (أم حسن)، وعلي الغندور (الحاج تابعي)، ومحمد شوقي (أبو عميرة)، ومحمد كامل (وكيل النيابة صاحب حسن)، والمنتصر بالله (ماهر – ابن خالة ميرڤت)، وسمير وحيد (صمويل).
كلهم نجوم العمل، وليس البطل وحده. قس على ذلك أفلامـًا أخرى من “ثرثرة فوق النيل” (إخراج حسين كمال، 1971) ووصولًا إلى “أوقات فراغ” (إخراج محمد مصطفى، 2006).
ربما لهذا السبب نجحت هذه الأفلام في ترك بصمة فنية، وامتازت عن غيرها من الأعمال السينمائية، خصوصاً أن أصحاب الأدوار المساندة أو المساعدة تركوا أثرًا لا يُمحى، في اللقطات أو المشاهد القليلة التي ظهروا فيها.

بطبيعة الحال، فإن الممثل هو الذي يجسد الأدوار الموكولة له من قبل المخرج، ينشئ الحدث أو يحدث له، ويتوزع هذا العنصر بين الممثلين الأبطال والممثلين الثانويين والممثلين المسطحين؛ فأما الممثلون الأبطال وهم الذين يقوم عليهم الفيلم وتنطبع عليهم أحداثه وقيمه الظاهرة والخفية، نميز فيهم بين الأبطال العاديين، وهم الذين يصلون إلى موضوع القيمة نهاية “الكوميديا”، والأبطال المأساويين، وهم الذين لا يصلون إلى موضوع القيمة أخيرًا “التراجيديا”. أما الممثلون الثانويون فهم الذين يؤثرون في الأبطال ويتأثرون ويتغيرون، بينما لا يقوم عليهم الفيلم. أما الممثلون المسطحون أو الثانويون فهم العابرون الذين لا يتأثرون ولا يؤثرون ولا يتغيرون.
مع ذلك فإن هؤلاء الممثلين الثانويين قد يفتنون المشاهدين بسبب براعتهم وقدرتهم على توظيف موهبتهم لخدمة العمل السينمائي وربما يكونون سببـًا في تألق أصحاب الأدوار الرئيسة.

الدور المساند في أفلام الأمس كان يتميّز بتميّز ممثليه.
مورغان فريمان (1937) كان دائمـًا وجهـًا سينمائيـًا منذ أن ظهر في تلك الأدوار الصغيرة غير الملحوظة من منتصف ستينيات القرن العشرين وإلى أن كبرت أدواره بالتدريج وبالكثير من المثابرة والجهد. وجهه المميّز يمكن اليوم التقاطه في عرض لفيلم “بروباكر”، الذي لعب دور بطولته روبرت ردفورد سنة 1980، وكان عليه أن ينتظر بضع سنوات أخرى قبل أن يترك التأثير على الشاشة حين لعب دورًا شريرًا في فيلم Street Smart لكن نجاحه الفني الكبير حدث في العام 1989 عندما لعب بطولة Driving Miss Daisy الذي رُشّح عنه لجائزة أفضل ممثل مساند.
لا أحد ينسى مساهمات توفيق الدقن (1924-1988) في أفلام الأبيض والأسود خاصة التي قام ببطولتها إسماعيل يس، فكان الدقن أحد العناصر المهمة لنجاح الأفلام الشهيرة.
تميزت كوميديا الدقن بإضفاء عُنصر الغموض عليها، لذلك برع في تقديم أدوار الشر والكوميديا بكل بساطة. بدأ مسيرته الفنية في بداية الأربعينيات، ومن أشهر أدواره “الباز أفندي” في فيلم “ابن حميدو”.
في السينما المصرية، في ستينيات القرن العشرين، اشتهر الممثل عبدالغني قمر (1921-1981) بدور الرجُل الصعيدي، مثلما كان في فيلم «30 يوم في السجن»، وتحديدًا دور «نجعاوي» الذى اشتهر بهِ عبدالغني لسنوات طويلة. انحدَر عبدالغني قمر من أسرة فنية، فشقيقه السيناريست، بهجت قمر، والد الشاعر أيمن بهجت قمر.
شارك عبدالغني قمر في بطولة أكثر من 40 فيلمـًا، أبرزها «ورد الغرام»، و«من القلب للقلب»، و«صراع في الوادي»، و«شيطان الصحراء»، و«درب المهابيل»، و«شيطان الصحراء»، و«رابعة العدوية»، و«بنت الصياد»، وفي السبعينيات، سافر عبدالغني قمر إلى ليبيا للاشتراك في فيلم «الرسالة».
حتى في الكوميديا، سنجد أدوار عبدالسلام النابلسي (1899-1968) التي جعلته متفوقـًا وسارقـًا للمشاهد بإتقان. في عام 1955 ظهر مع عبدالحليم حافظ في فيلم “ليالي الحب” ثم “فتى أحلامي” (1957)، و”شارع الحب” (1958)، و”حكاية حب” (1959) و”يوم من عمري” (1961). وفي كل هذه الأفلام، كان النابلسي النجم الشعبي وإن لم يكن النجم الأول.
أما عبدالفتاح القصري (1905-1964) وتعليقاته وقفشاته، فقد جعلته فاكهة السينما المصرية في زمن مضى. كذلك كان عبدالمنعم إبراهيم هو الضحكة الحقيقية حتى في أفلام الميلودراما.
كما برع حسن فايق (1891-1981)، صاحب أشهر ضحكة وصلعة في تاريخ السينما المصرية، ولعب دور الممثل المساعد وبخاصة مع صاحبه إسماعيل يس، وكان واحدًا من أقطاب الكوميديا في السينما المصرية ومن أصحاب الضحكات المميزة وأحد رموز الأداء التلقائي في الكوميديا المصرية بين السينما والمسرح.
هكذا نتذكر أدواره المساعدة في “عريس الهنا”، و”لعبة الست” و”أبوحلموس”، و”الدنيا لما تضحك”، و”إلا خمسة”، و”نشالة هانم”، و”حسن ومرقص وكوهين”، و”إسماعيل ياسين في جنينة الحيوان”، و”سكر هانم”، و”خطيب ماما”، و”الزوجة 13″، و”ليلة الدخلة”، و”شارع الحب”.

الممثل نجاح الموجي (1945- 1998) لمعَ نجمه في البداية على خشبة المسرح، وأبرز مسرحياته “المتزوجون”. أما أبرز أعماله السينمائية فكانت “الجواز للجدعان”، والحب فوق هضبة الهرم”، و”الكيت كات”.
وعلى الرغم من بداياته الضعيفة في السينما والمسرح، فإن ماجد الكدواني (1967) تألق في السنوات الأخيرة ليصبح واحدًا من أهم نجوم الدور الثاني في االسينما، كممثل كوميدي بالإضافة لبراعته أيضـًا في تقديم المشاهد الدرامية المؤثرة.
بدأ مسيرته الفنية منذ بداية التسعينيات، وتعتبر بدايته الحقيقية عام 2001، حين شارك في أفلام “حرامية في كي جي تو”، و”صعيدي رايح جاي”، و”الرجل الأبيض المتوسط”. وتألق في أفلام “كباريه”، و”الفرح”، و”ساعة ونص” و”هيبتا”.
«خليفة خلف خلف الله خلف خلاف» المحامي. هذه الشخصية الكوميدية الرائعة التي قدمها الممثل بدر الدين نوفل (1929-2000) كانت من أبرز الأدوار في حياته الفنية التي قدمها في مسرحية «شاهد ما شفش حاجة» التي عُرضت للمرة الأولى على المسرح عام 1976.
«ديوارس الطيب»، هذه الشخصية التي قدمها فيلم «الرجل الثاني» عام 1959 كانت بطاقة تعارف نوفل مع الجمهور، ليعود ويتألق في دور وكيل الوزارة في «الحب فوق هضبة الهرم»، ويبرع في تجسيد «الشيخ» الذي كان دائمـًا يؤكد لجيرانه أن «الجن» ضعيف وكان ينصحهم بالصلاة وقراءة القرآن في فيلم «التعويذة».
في أدوار أصغر، كان هناك من يبرز في أدائه حتى وإن نسي البعض اسمه. إنهم فنانو الأدوار الثانوية، الذين لا يكتمل بدونهم نجاح أي عمل فني، ومثلما قال عنهم الممثل رشدي أباظة: هم طبق السلطة الشهي على مائدة الفن.
ومن هؤلاء الممثل عبدالغني النجدي (1915-1980)، الذي كان مع مشاهده القليلة التى لا تتعدى مشهدين أو ثلاثة في الفيلم الواحد يترك بصمة تجعلك لا يمكن أن تنساه. اشتهر بأداء دور البواب والخادم والعسكري والقروي خفيف الظل، حيث تميز بتلقائيته الشديدة وأدائه البسيط لجميع أدواره، فمن منا ينسى دور الخادم الذي يحمل صينية الديك الرومي في فيلم “بين السماء والأرض” أو شخصية “عوكل” في فيلم “الفانوس السحري” الذي كان يردد فيه جميلة شهيرة وهي ” مشتاقين أوي يا دميل”، بالإضافة إلى أدواره المتميزة مع إسماعيل يس في العديد من الأفلام مثل “إسماعيل يس في الأسطول”، و”إسماعيل يس في البوليس”، و”العتبة الخضراء”، و”لوكاندة المفاجآت”، و”عفريتة إسماعيل يس”.
لم يكن النجدي ممثلًا فقط؛ إذ كتب السيناريو والحوار للعديد من الأفلام لعل أشهرها “أجازة بالعافية”، كما كان يؤلف النكات ويبيعها لكبار نجوم الكوميديا مثل إسماعيل يس ومحمود شكوكو، وكان يبيع النكتة بجنيه.

في الثنائية التي أداها رشدي أباظة ولبنى عبدالعزيز في فيلم “آه من حواء”، برز شخص ثالث استطاع أن يخطف الأنظار بخفة دمه وأدائه الذي من الممكن وصفه بلفظ السهل الممتنع.. إنه ”زنفل” أو الفنان حسين إسماعيل (1922-1974)، الذي برع في أداء الأدوار الثانوية ببساطة وخفة دم، ولا ننسى أيضـًا دوره في فيلم “مراتي مدير عام” حيث قدم دور الساعي بحرفية شديدة، وأضفى جوًا من البهجة على الفيلم. ومن أشهر أفلامه الآخرى “شنبو في المصيدة”، و”معبودة الجماهير”، و”الزوج العازب”، و”الشياطين الثلاثة”، و”أغلى من حياتي”.
وكان هناك ممثل تخصص في أدوار الشر وهو طوسون معتمد (1925-1990) أحد أشهر كومبارسات السينما المصرية، والذي اشتهر بلعب دور أحد أفراد العصابة أو الذراع الأيمن لزعيمها.
اشترك طوسون معتمد في العديد من الأفلام العظيمة مثل “الأرض”، و”باب الحديد”، و”دعاء الكروان”، كما قدم مع عادل إمام العديد من الأفلام منها “خمسة باب”، و”المتسول”، و”عصابة حمادة وتوتو”، و”واحدة بواحدة” و”حب في الزنزانة”.

ومن النساء، من منا لم يعشق أدوار زينات صدقي (1913-1978) ولا يضحك من قلبه حتى الآن عند إعادة عرض أدوارها السينمائية في أكثر من 150 فيلمـًا. والتي كانت تقولها لعبدالسلام النابلسي في فيلم “شارع الحب”.
نشير أيضـًا إلى إنعام سالوسة (1939)، وأدوارها اللافتة للانتباه التي تليق بموهبتها في أفلام «الحب في الثلاجة»، و«المواطن مصري»، و«الدنيا على جناح يمامة»، و«الإرهاب والكباب» و«في محطة مصر».
