“السجادة الحمراء” ينعقد في غياب منظمه!

أسماء الغول

ربما لا توجد سينما في قطاع غزة منذ أكثر من عشرين عامًا، كما أن سمُعة المدينة يتصدرها الحصار والحرب، لكن هناك من أصر أن تشتهر بشيء آخر؛ شيء يوحي بقدرتها على الحياة، ويشي بحبها للإبداع، ويكشف شغفها بالسينما، وهذا ما فعله المخرج “خليل المزين” حين فكر لأول مرة بتنظيم مهرجان السجادة الحمراء، فالأفكار المميزة هي التي يبرز تناقضها الظاهري مع واقعها، وهكذا كان واستمر المهرجان لينطلق هذا العام في دورته الثالثة. وكان مهرجان السجادة الحمراء قد بدأ عام 2015 على أنقاض حي “الشجاعية” الذي دمرته “إسرائيل” في حرب صيف2014، ولكن ظل حلمًا يراود “المزين” أن يقيم المهرجان بمحاذاة البحر المتوسط على شاطئ مدينة غزة يومًا ما، ليتحقق حلمه هذا العام، فقد أُقيم المهرجان على اللسان البحري لميناء الصيادين، ولكن المزين لم يكن موجودًا ليشهد الافتتاح بسبب سفره، وإغلاق معبر رفح البري ما منعه من العودة.

وقد تم افتتاح مهرجان السجادة الحمراء، منتصف مايو المنصرم، وسط تغطية إعلامية كبيرة، فخلال ثلاثة أعوام أصبح مهرجانًا معروفًا في الصحافة العربية والعالمية، ليكون لاحقًا عضوا دوليًا في شبكة أفلام حقوق الإنسان.  وعلى صخور الميناء تناثر الموسيقيون الذين عزفوا استقبالاً للجماهير الغفيرة من عامة الشعب، حتى أن عربة يجرها حمار سارت على السجادة الحمراء، ولم يتناقض الزحام ومشهد فضول المئات الذي يتسابقون ليلتقطوا الصور على السجادة، مع البحر وغروب الشمس الذي ترك انعكاسه على الوجوه، فهذا كان حلم “المزين” منذ البداية أن تتحقق مشاعية السينما، وألا يكون مهرجانًا للنخبة فقط، وألا يعرف طريقه النجوم، فالشعب هو “سوبر ستار” المهرجان. وربما لا توجد جوائز مالية يمنحها المهرجان، ولم يحضر ممثل كبير من “هوليوود” أو “بوليوود” لقص شريط الافتتاح، إلا أن المهرجان صنع نفسه بأن يكون عكس ذلك كله، وأن يقضي على تقاليد المهرجانات السينمائية الكبرى، ويحقق لنفسه شخصيته وروتينه في مايو من كل عام، بحضور البسطاء، الذين أزكمت أنوفهم رائحة البارود، ويجربون لأول مرة كيف تكون السينما، وهذا العام كانت سينما مفتوحة بنكهة البحر.

امتدت السجادة لأكثر من مائة متر إلى جانب القوارب، وفي ارتداد لصوت النوارس ورائحة المياه الزرقاء، لكن السجادة لم يكن لونها أحمر خالصًا، بل طُبعت عليها كلمات وعد بلفور بالأبيض، لتكون مداسًا لأهالي القطاع، وتصبح رسالة المهرجان سياسية إضافة إلى كونها إنسانية وثقافية. تنوعت العروض على مدار خمسة أيام في عدة أماكن بغزة؛ مسرح “عسقلان” ومركز “غزة”. إضافة إلى نصب شاشة ضخمة لعرض فيلم الافتتاح في الميناء، وهو الفيلم التسجيلي “اصطياد الأشباح” الذي يتحدث عن قضية المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال. وقد حاز هذا الفيلم للمخرج الفلسطيني “رائد أنضوني” جائزة أفضل فيلم تسجيلي في الدورة الـ 67 لمهرجان “برلين” للفيلم في فبراير الماضي، وهو يعيد بناء سجن المسكوبية الإسرائيلي الشهير في مرآب في “رام الله” في “الضفة الغربية المحتلة”، كنوع من علاج مشترك للأسرى المحررين.

وتزامنت عروض تابعة للمهرجان مع عروض غزة، في عدة مدن عربية وفلسطينية كالمغرب ومصر، وحيفا ورام الله وبيت لحم، لتكون غزة هذه المدينة المحاصرة المنطلق لعرض والإعلان عن هذه الأفلام؛ كفيلم “إسعاف” للمخرج الفلسطيني “محمد الجبالي”، وفيلم “عمواس” للفلسطينية “ديمة أبو غوش”، وفيلم “برة في الشارع” للمخرجة المصرية “ياسمينة متولي” و”فيليب رزق”، وفيلم “3000 ليلة” للمخرجة الفلسطينية “مي المصري”، وفيلم “ميل يا غزيل” للمخرجة اللبنانية “إليان الراهب”، وفيلم “الرياح السوداء” للمخرج العراقي “حسين حسن” وغيرها من الأفلام.  يقول المخرج المزين للجزيرة الوثائقية ” رُغم سفري الحالي إلا أنني لم أذق النوم أثناء التحضير للمهرجان، بسبب الاجتماعات مع الطاقم، خاصة أن المهرجان هذا العام يأتي بعد الحصول على العضوية الدولية في شبكه أفلام حقوق الإنسان بمقرها في “هولندا”، وأردته أن يليق بهذه المكانة” وأوضح أنها المرة الأولى التي يغطي المهرجان مساحات كبيرة، فبالإضافة إلى “فلسطين” هناك خمس دول عربية هي مصر وتونس وموريتانيا والمغرب والأردن.

ولفت إلى جهود الطاقم الذي تم تشكيله في الضفة وغزة من المخرجة “مي عوده” والمونتير “إبراهيم ياغي” و”يوسف عطوة” والناشط “محمود الإفرنجي”، فقد قاموا بالتنسيق والاتفاق مع المدن الأخرى لتنظيم العروض السينمائية.
وأضاف ” في نفس الوقت كانت هناك ذكرى مرور 100سنة على وعد “بلفور”، ففكرت أنها فرصة للقول إن هذا الوعد سبب مصائب كثيرة مُني بها الشعب الفلسطيني، فقمنا بطباعة نص الوعد على السجاد ليدوسه عامة الشعب وتكون رسالة للعالم ولبريطانيا المطالبة بالاعتذار عنه”. ويؤكد المزين أنه بذل مجهودًا في الدورات السابقة لإقامة المهرجان بمحاذاة الميناء، لكن لم تتم موافقة الجهات الرسمية، واليوم يتحقق ذلك، فلا يوجد أهم في غزة من الميناء كنافذة على العالم، لكنها نافذة مغلقة منذ الحصار قبل 11 عاما، مضيفًا ” وكما توقعنا جاءت غزة عن بكرة أبيها لحضور الافتتاح، فلا مكان يدللهم كالسجادة الحمراء، ليذهب إليها البسطاء وسط إغلاق حدود مدينتهم”.

من جهته يقول الناطق باسم المهرجان “سعود أبو رمضان”: “لم تواجهنا أية مشكلة في الحصول على التراخيص اللازمة لإقامة المهرجان على أرض ميناء الصيادين، وذلك نظرًا لأهمية الرسائل السياسية والإنسانية التي يوجهها المهرجان للعالم أجمع، خصوصًا وأن الميناء يعتبر رمزًا من رموز حرية الحركة، محروم منها أكثر من 2 مليون فلسطيني”. وتابع للجزيرة الوثائقية “تم فرش سجادة حمراء بطول مائة متر كهدف للإشارة إلى مرور مائة عام على وعد “بلفور”، كما أقيم المهرجان تحت شعار ووسم #بدنا_نرجع، في دعوة للوحدة الوطنية بعد سنوات عديدة على مرور النكبة وعلى النكسة والآن على الانقسام الفلسطيني”. وأوضح أن إدارة المهرجان برئاسة المخرج “خليل المزين” تلقت أكثر من 120 فيلمًا من شتى أنحاء العالم، منها أفلام دولية وعربية وفلسطينية، ثم قامت لجنة تحضيرية قبل المهرجان بثلاثة أشهر باختيار أفضل الأفلام، لتصل بالنهاية إلى 40 فيلمًا تقريبًا.


إعلان