فينسيا 74: جوائز مُستحقة

فينيسيا – محمد هاشم عبد السلام

ديل تورو الفائز بالأسد الذهبي

قبل أيام قليلة أعلنت نتائج الدورة الرابعة والسبعين من مهرجان فينسيا السينمائي الدولي، والتي أقيمت في الفترة من 30 أغسطس وحتى ليلة التاسع من هذا الشهر. وقد ضمت مسابقة المهرجان لهذا العام 21 فيلمًا من عدة دول أوروبية، إضافة إلى اليابان والصين واستراليا، وكان لأمريكا ما يقرب من نصف أفلام المسابقة هذا العام. والمسحة الأمريكية للمهرجان باتت مُلاحظة خلال السنوات الأخيرة، وإن ازدادت وتيرتها مع الدورتين الأخيرتين على وجه التحديد، ربما لرغبة مدير المهرجان وطاقمه في لفت الأنظار إلى المهرجان باجتذاب أكبر وأهم النجوم العالميين للسير على السجادة الحمراء فوق أرض جزيرة الليدو، حيث تدور فعاليات المهرجان كل عام. وليس ثمة شك في أنه نجح في هذا، والأفلام التي يأتي بها كل عام على قدر فني رفيع.

أفلام المسابقة الرسمية

وكان المهرجان قد افتتح أفلامه بالفيلم السابع للمخرج الأمريكي، من أصول يونانية، “ألكسندر باين”، “التصغير”، وهو من بطولة النجم “مات ديمون”، وبالإمكان إدراجه ضمن أفلام الخيال العلمي، وإن غلبت عليه المسحة الكوميدية والمواقف الطريفة، مع بعض العمق واللمسات الإنسانية البارزة.

وفي إطلالة أخرى، لعب “مات ديمون” دور البطولة مع “جوليان مور”، في فيلم “سابيربيكون” أو “عنف في الضاحية”، وهو من إخراج جورج كلوني عن سيناريو للأخوين كوين. والفيلم الذي يحمل بكل تأكيد نفًس الأخوين كوين وبصمتهما المميزة، يتسم بالدراما السوداء، التي لا تخلو من الكوميديا والمواقف الطريفة، وتحدث فيه أكثر من جريمة قتل سواء بقصد أو عن غير قصد.

وبدراما أخرى تجمع بين الرعب والفانتازيا، وتحمل الكثير من المعاني الكامنة، التي بالإمكان تأويلها على أكثر من مستوى، قدم المخرج الأمريكي “دارين أرنوفسكي”، فيلم “الأم”، وهو من بطولة “خافيير بارديم” و”جينيفر لورنس”. وقد اجتهد أرنوفسكي كثيرًا في أن يخلق عالمه الخاص جدًا في هذا الفيلم، لكن قصة الفيلم وعالمه جعلا المرء، دون وعي، يستدعي في الكثير من مشاهده، تحفة المخرج البولندي” رومان بولانسكي”، “طفل روز ماري”.

وبنكهة أمريكية مغرقة كلية في الخيال العلمي والشطح الفانتازي الجميل المُبهج والممتع بصريًا وغنائيًا أيضًا، قد لنا المخرج المسكيكي الكبير “غليرمو ديل تورو”، جديده بعنوان “شكل الماء”، بطولة البريطانية “سالي هوكنز”، والأمريكي “مايكل شانون”. وهو عما يمكن أن نطلق عليه قصة حب تجمع بين “إليزا” البكماء، وكائن خرافي أو أسطوري شبه بشري، بجسد بشري وشكل خارجي يشبه الأسماك.

ومن أمريكا أيضًا، قدم المخرج وكاتب السيناريو “بول شرايدر”، فيلمه الجديد الذي حمل عنوان “إصلاح أولي”، عن قس كان منضمًا للجيش الأمريكي، وعانى في السابق من فقدان ابنه، يجد نفسه ذات يوم إزاء أسرة صغيرة، امرأة وزجها وطفل في الطريق، يعاني فيها الزوج من التمزق والرغبة في التخلص من الجنين ومن نفسه، جراء ما يحدث للبيئة على يد البشر، الأمر الذي دفعه للانتحار، ومنذ تلك اللحظة يتغير مصير القس.

قبل عامين قدم المخرج البريطاني الكبير “أندرو هايج” تحفته “45 عامًا” في مهرجان برلين وفاز بطلاه بالأسد الذهبي لأحسن ممثل وممثلة، وفي دورة فينيسيا هذا العام يعود بفيلم من إنتاج أمريكي بعنوان “الاعتماد على بيت”، الذي فاز بطله “تشارلي بلامر” أيضًا بجائزة “مارشيلو ماستروياني” لأفضل ممثل واعد. وهو عن شاب يحاول البحث عن والدته بعد انفصال طويل عنها، لا سيما بعد الوفاة المفاجئة لوالده، وأيضًا كل من حوله، حتى حصانه الذي أحبه وارتبط به أكثر من أي شيء.

لقطة من فيلم شكل الماء الفائز بالأسد الذهبي

ومن بريطانيا، وإن بإنتاج وأحداث أمريكية صرفة، قدم المخرج الشاب الحاصل على الأوسكار عام 2006، “مارتن ماك دوناه”، فيلمه “ثلاثة إعلانات خارج إيبنج، ميسوري”، وهو عن قصة اغتصاب وحرق فتاة قاصر وقعت في تلك البلدة الأمريكية، ولم يتم القبض على الجناة لصعوبة تقفي أثرهم، الأمر الذي يؤدي لترك القضية وإهمال متابعتها تمهيدًا لغلقها، وهو ما يدفع الأم للتصرف بطريقة مغايرة تجبر الجميع على احترامها وإعادة ما حدث للأذهان بدلا من أن يطويه النسيان.

من إيطاليا عرضت ثلاثة أفلام بالمسابقة، تراوح مستواها بين القوي والمتوسط والضعيف. الفيلم الأول، الذي يصعب القول بأنه محض إيطالي، إذ تدور أحداثه برمتها في أمريكا، كان بعنوان “الباحثان عن المتعة” للمخرج “باولو فيرزي”، بطولة “دونالد ساذرلاند” و”هيلين ميرين”. وهو عن زوج مصاب بالزهايمر، وزوجته العجوز، حيث يقضيان أواخر أيامهما معًا، ويحاولان الاستمتاع بها قدر المستطاع قبل مفارقة الحياة. الفيلم الإيطالي الثاني للمخرج “سيباستيانو ريسو”، وهو بعنوان “عائلة”، وهو عن قصص حقيقية، حول قضية تأجير الأرحام وبيع الرضع للأسر الثرية، من أجل التغلب على روتين التبني، الذي يستغرق سنوات عديدة. وأخيرًا، جاء الفيلم التجاري، “حبي وحياتي” للمخرج “مانتي بروس”، وهو إيطالي غارق في إيطاليته، حيث تدور أحداثه في صقلية حول عصابات المافيا، وإن اتخذ الفيلم الطابع الغنائي الكوميدي الساخر في أغلبه.

من اليابان شارك المخرج “كوري إيدا هيروكازو” بفيلمه “الجريمة الثالثة”، وهو عن جريمة قتل يتم التحقيق فيها من جميع الجوانب، لا سيما بعد إنكار مرتكب الجريمة، لاحقًا، ارتكابه إياها، بعد اعترافه السابق بارتكابه لها. ومن الصين قدمت المخرجة “فيفيان كيو” فيلمها الثاني “الملائكة ترتدي الأبيض”، الذي سلطت فيه الضوء على قضية الاستغلال الجنسي للقاصرات وتلاميذ المدارس، واستغلال المرأة بصفة عامة كسلعة جنسية مستباحة من الجميع، وتعطيل القانون بسبب النفوذ وتداخل السلطة ورأس المال.

من إسرائيل قدم المخرج “صمويل ماوز” فيلمه الجديد القوي الذي حمل عنوان “فوكستروت”، والذي تناول فيه على نحو يتسم بالعمق والتجديد السينمائي قضية أسرة إسرائيلية تتغير حياتها بالكامل بعدما تفقد ابنها الجندي، الذي كان يؤدي خدمته في الجيش الإسرائيلي. والفيلم بكل تأكيد ينتقد وبشدة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من الداخل، وبمنتهى الجدية والفنية معًا دونما زعيق أو ادعاء. وجدير بالذكر أن المخرج كان فيلمه “لبنان” قد فاز بالأسد الذهبي عام 2009، وكان مرشحًا بقوة هذا العام أيضًا.

الممثلة شارلوت رامبلينج جائزة أحسن ممثلة

ومن فرنسا عرضت ثلاثة أفلام فرنسية، الأول بعنوان “الفيلا” للمخرج روبيرت جويديجان، وهو فيلم جيد يبني أسلوبه على نحو تراكمي تتجمع خيوطه مع نهاية الفيلم لتكشف لنا عن المغزى الكامن وراء تلك الشخصيات التي تنتمي لتلك الأسرة الفرنسية المفككة، التي يلتئم شملها بعد سنوات لأول مرة بعد مرض الأب. وتحت عنوان “وصاية أو حضانة”، جاء فيلم المخرج والممثل الفرنسي “كزافيه ليجران”، والذي تدور أحداثه حول أسرة مفككة، يتنازع الأب والأم فيها على حضانة الأبناء والوصاية عليهم، وتمزق الأبناء بين الأم الحنونة والأب الموتور. ومن إنتاج فرنسي صرف، كان فيلم “هانا” الناطق بالفرنسية، للمخرج وكاتب السيناريو الإيطالي الشاب “أندريا بالورو”، وقد اتسم الفيلم بالرقة والعمق الإنساني والتكثيف، وقبل كل شيء السرد السينمائي البحت، والأداء العبقري للرائعة دائمًا “شارلوت رامبلينج”، ولم يكن من قبيل المصادفة بالمرة فوزها بجائزة أحسن ممثلة عن دورها في هذا الفيلم.

ومن استراليا، عرض فيلم الويسترن “بلدة لطيفة” للمخرج “ويرويك ثورنتون”، والذي تناول فيه قصة بسيطة، استعرض من خلالها قضية الاستغلال العنصري من جانب البيض للعبيد السود في الماضي، وكيفية معاملتهم وسوء استغلالهم ماديًا ومعنويًا وجنسيًا، إلى أن يتم تبرئة عبد أسود من تهمة قتل سيد أبيض بعد اغتصاب الأبيض لزوجته. والفيلم على قدر كبير من القوة في جميع جوانبه، واستحق عن جدارة جائزة لجنة التحكيم الخاصة.

كان للأفلام التسجيلية نصيبها من المشاركة داخل المسابقة هذا العام، إذ عرض أولا فيلم “التدفق الإنساني”، للمخرج الصيني “آي ويوي”، والذي قدم من خلاله أكبر مسح قام به مخرج تسجيلي لقضية الهجرات في عالمنا، خاصة الهجرات غير الشرعية، أو أية هجرات أخرى لأسباب مختلفة، سواء بآسيا أو أفريقيا أو غيرها من القارات. وبمثابرة ودأب يحسد عليهما، قدم المخرج  الأمريكي المخضرم “فريدريك وايزمان”، أحد عمالقة التسجيلي في عالمنا، فيلمه الجديد “مكتبات نيويورك العامة”، على امتداد ثلاث ساعات ونصف الساعة. يستعرض لنا وايزمان مكتبات نيويورك، وكل ما يدور فيها بداية من زيارات الجمهور العادي والأنشطة المقامة فيها، وانتهاء بمشاكلها المالية والإدارية التي تدور بعيدًا في الكواليس.

المشاركة العربية بالمسابقة

الفلسطيني كامل الباشا جائزة أفضل ممثل

بمشاركة عربية مميزة هذا العام، عرض في أول أيام المسابقة الفيلم اللبناني المتميز “الإهانة أو القضية رقم 23” للمخرج زياد دويري، والذي فاز بطله “كامل الباشا” بجائزة أفضل ممثل. وهو عن المشاكل والجراح التي لا تزال كامنة تحت الرماد بين أفراد المجتمع اللبناني، مع تركيز الفيلم على أحد المنتمين لحزب القوات اللبنانية المسيحي، وأحد الفلسطينيين من أبناء المخيمات. ومنذ عرض الفيلم وثمة إجماع، ليس فقط على قوة موضوعه المطروح، فتلك من سمات سينما دويري، بل التمثيل الرفيع أيضًا. ومن تونس، قدم المخرج المعروف “عبد اللطيف كشيش” فيلمه الأول في ثلاثية يأمل في الانتهاء منها قريبًا، وجاء الفيلم في ثلاث ساعات تقريبًا، وحمل عنوان “مكتوب، يا حبي” عن شخصية طالب الطب “أمين”، المصور وكاتب السيناريو، الذي يعود لزيارة بلدته وأهله والأصدقاء، ويستعيد ذكريات الطفولة. وهو باختصار، قصة حب، تدور أحداثها بين أبناء الجيل الثاني من التونسيين المولودين بفرنسا، وأسلوب حياتهم وعيشهم واحتكاكهم بالمجتمع الفرنسي، وعلاقات الشباب في تلك المرحلة العمرية.

لجنة التحكيم والجوائز

لم تبتعد نتائج لجنة التحكيم كثيرًا هذا العام عن توقعات النقاد، وهو ما حدث أيضًا العام الماضي. وقد ترأست اللجنة هذا العام الممثلة الأمريكية “أنيت بينينغ”، وضمت في عضويتها المخرجة المجرية “ألديكو إنيدي” (الدب الذهبي، برلين هذا العام)، والمخرج المكسيكي الشاب “ميشيل فرانكو” (جائزة لجنة التحكيم بقسم “نظرة ما”، كان هذا العام)، والممثلة البريطانية الأمريكية “ريبكا هال”، والممثلة الفرنسية “آنا مولاليس”، والناقد الاسترالي البريطاني “ديفيد ستراتون”، والممثلة الإيطالية الشابة “جاسمين ترينكا”، والممثل وكاتب السيناريو البريطاني “إدجار رايت”.

وقد فاز بجائزة الأسد الذهبي لهذا العام فيلم “شكل الماء” للمخرج ديل تورو، وذهبت جائزة الأسد الفضي – جائزة لجنة التحكيم الكبرى لفيلم “فوكس تروت” للمخرج صامويل ماوز. وحاز المخرج “كزافيه ليجران” على جائزة الأسد الفضي – أفضل مخرج عن “وصاية أو حضانة”. وفي مفاجئة مُستحقة، فاز بجائزة أفضل ممثل، اللبناني “كامل الباشا”، عن دور المهندس “ياسر”، في فيلم المخرج اللبناني زياد دويري “القضية رقم 23” أو “الإهانة”. وبجائزة أخرى مستحقة فازت المتألقة دائمًا “شارلوت راملبينج”، بجائزة أحسن ممثلة عن دور “هانا” في فيلم “هانا”. وذهبت جائزة أفضل سيناريو للمخرج “مارتن ماك دوناه”، عن فيلمه “ثلاثة إعلانات خارج إيبنج، ميسوري”. وجائزة لجنة التحكيم الخاصة حصل عليها فيلم “بلدة لطيفة”. أما جائزة “مارشيلو ماستروياني” لأفضل ممثل صاعد فذهبت للشاب “تشارلي بلامر”، وهي جائزة مستحقة بلا شك.

ملصق الدورة 74


إعلان