السينما المغربية ..حصار للمبدعين
زبيدة الخواتري

لم يعد يفصل المشاهد عن موسم رمضان التلفزيوني سوى أشهر قليلة، موسم يسيل لعاب الكثير من شركات الإنتاج في المغرب، من خلال طلبات العروض أو الصفقات التي تفوز بها من أجل إنتاج أعمال تبث على الشاشة الصغيرة في شهر رمضان. صفقات تثير عدة انتقادات ما جعل القطاع المسؤول المغربي يحاول تطوير أداء مؤسساته السينمائية من أجل منتوج أفضل، يسعى إلى ذلك خصوصاً بعد الاحتجاجات الكثيرة لمهنيي القطاع ، تقديم الدعم العمومي للأفلام، دعم يقدر بملايين الدراهم ولا يستفيد منه سوى عدد قليل من المخرجين وأحياناً لسنوات متتالية. مشاكل وأخرى عبر عنها الفنانون من ممثلين ومخرجين ومنتجين باحتجاجهم على مسؤولي التلفزيون المغربي في وقفة أمام البرلمان المغربي، ما يزيد من علاقة المبدع بالمسؤول إلى الاحتقان.
قانون جديد لتنظيم السينما:
قدم وزير الثقافة والاتصال محمد الأعرج شهر يناير من السنة الحالية، أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال في البرلمان، مشروع القانون المتعلق بإعادة تنظيم المركز السينمائي المغربي. إصلاح يتوخى تسيير وتقنين وتقوية القطاعين السينمائي والسمعي البصري، في إطار من الحكامة و تخويل المركز آليات قادرة على إعطاء السينما المغربية قوة وإنتاج أعمال سينمائية وسمعية بصرية في المستوى المطلوب، وتحقق أيضاً فرص الشغل للشباب وجلب الاستثمارات الأجنبية. إضافة إلى تمكين شركات إنتاج الأعمال السمعية البصرية من نيل رخص للتصوير لكل شريط مهني أو إنتاج كيفما كان حجمه ودعامته.
من شأن هذه الإجراءات أن ترفع من القطاع السينمائي وأن تدفع به نحو التنظيم والاحترافية حسب الوزارة المعنية، لمواكبة التطور التكنولوجي السريع الذي يعرفه المجال. والإسهام في بروز صناعة سينمائية مغربية قادرة على مواجهة التحديات الدولية وتعزيز الهوية الثقافية. خصوصاً بعد التراجع في عدد الاستثمارات الأجنبية بالمغرب، كمثال على ذلك منطقة ورزازات أو هوليوود إفريقيا كما تلقب، لم تعد تعرف الانتعاشة السينمائية كما قبل، رغم توفرها على بنية تحتية من استوديوهات وفضاءات للتصوير بمستوى عالمي. أكثر من ذلك تعيش شغيلتها من كومبارس وتقنيين البطالة عدة أشهر قبل قدوم إنتاج ما.

موسم رمضان والإنتاج التلفزيوني:
رغم خطوة هذا المشروع الحكومي، لم ينتظر الفنانون الكثير. فتظاهر عشرات المنتجين والمخرجين والفنانين أمام مقر البرلمان بالرباط، احتجاجاً على ما سموه تردي الأوضاع وتفشي الفساد والرداءة في السينما والقنوات المغربية التلفزيونية، واتهموا المسؤولين بـما سموه أيضاً الإقصاء في حقهم لسنوات، وحرمانهم من إنتاج الدراما التلفزيونية.وقد رفع المخرجون والفنانون شعارات تنتقد الفساد والرداءة في السينما والتلفزيون، وانتقدوا البيروقراطية، كما عبروا عن خطواتهم المتواصلة في الاحتجاج وعلى عدم إشراكهم في اتخاذ القرارات المرتبطة بالمجال السمعي البصري كما ينص على ذلك القانون حسب رأيهم.
محمد عبد الرحمن التازي، مخرج ومنتج ورئيس الغرفة الوطنية لمنتجي الأفلام التي دعت إلى الوقفة الاحتجاجية، يرى المركز السينمائي المغربي والتلفزة الرسمية يمارسان ما سماه التهميش والإقصاء في كل ما يتعلق بتسيير الميدان السينمائي بسبب تفشي الزبونية والمحسوبية على حساب الكفاءة والخبرة.كما أن الغرفة الوطنية لمنتجي الأفلام حاولت مراراً حسب المخرج، مع الجهات الوصية حثها على تطبيق القوانين وإشراك المهنيين دون جدوى.
وقد ظهر الفنان محمد مفتاح في المظاهرة واضعا شريطًا لاصقًا على فمه، للفت الانتباه وتعبيرًا منه عن ما يراه حصاراً تمارسه إدارة القنوات المغربية،ما يحرم الكثير من الفنانين من العمل، حتى توارى نجوم عن الأنظار ومات آخرون في حالات صعبة تهين كرامة المبدعين.
الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة حسب بعض الردود المستقاة، ترى احتجاج الفنانين يرمي إلى الضغط على مسؤولي التلفزيون من أجل الاستفادة من حصتهم ضمن طلبات العروض والصفقات المتعلقة بإنتاج الأعمال الدرامية خصوصا في رمضان.وساروا أبعد من ذلك في تأكيدهم أن الشركة الوطنية تنفّذ فقط مقتضيات دفاتر التحملات التي تعدّتها الحكومة.ما يعني أن احتجاج المبدعين يجب أن يكون على الحكومة.
الفنان سعيد الناصري وأحد الداعين إلى الاحتجاج، من جانبه، سبق وانتقد أكثر من مرة شؤون تسيير التلفزيون، الفنان المغربي لديه الكثير من الأفكار الإبداعية حسب الناصري،غير أن التهميش الذي يمارس ضده يحول دون الرقي بمجال التلفزيون والسينما. ولعل عبارات من قبيل “باك صاحبي” التي تعني أن أباك صديقي، هي ما يمرر صفقات الإنتاج لبعض الشركات وتقاسم الأرباح دون الاعتناء بالمضمون لأن الهدف مادي محض. ويقول مبدع آخر:”كأن وجودنا كمبدعين في المغرب مسألة ثانوية، بينما المثقف والمبدع بالنسبة إلى الشعوب المتقدمة يعتبر قاطرة للتنمية، يجر وراءه الاقتصاد والتنمية ومجالات أخرى”.

المخرج المغربي إدريس شويكة ايضاً، والكاتب العام للغرفة الوطنية لمنتجي الأفلام، يرى الواقع كارثياً في القطاع وعبر عن ذلك في أكثر من مرة، حيث يقدم المجال بواقع ينبغي تصحيح مساره خاصة بعد الإدارة الجديدة للمركز السينمائي المغربي حسب رأيه، فترة تراجع فيها دور المركز إلى الوراء بعد انطلاقة جيدة سابقة، في نظره، خطوة الاحتجاج التي خاضها العشرات من الفنانين والمنتجين، تمثل مستوى آخر من الاحتجاج، بعدما أقفلت أبواب المؤسسات العمومية في وجوههم، معتبراً أن المنتجين والفنانين سينتقلون لتحسيس المواطن المغربي بالمأساة التي يعيشها المجال.
كثيرون يرون الاحتجاج في محله أمام احتكار بعض شركات الإنتاج الكبرى طلبات العروض وصفقات الإنتاج التلفزيوني، ففي كل فترة قبل موسم رمضان تزداد المنافسة للحصول على أكبر عدد من الصفقات التي تعد بالملايين نظير إنتاجات لا تسر المشاهد المغربي في الغالب، لكونها تنجز في ظروف قياسية وبأفكار ضعيفة من أجل الإسراع بتقديمها فقط في رمضان دون أي اعتبار لمستوى المشاهد المغربي.
هذا من جهة، أما من الجهة الأخرى فاحتجاجات بعض الفنانين، لم تسلم أيضاً من انتقادها، لكون صنبور الإنتاج أغلق عليهم بعد سنوات احتكروه هم أيضاً، بل بتقديم أعمال دون المستوى الجيد كما يقول النقاد.
الدعم السينمائي حلقة لشد الحبل:
وعادت مسألة الدعم الذي يمنحه المركز السينمائي المغربي للأفلام إلى الواجهة، بعد تذمر عدد من المنتجين والمخرجين من الإجراءات المعقدة في منح الدعم ورخص التصوير، وفشل الحوار مع إدارة المركز، فكان الانتقاد من جديد والدعوة إلى الاحتجاج على طريقة تدبيره.
فقد سبق أن كشف المركز السينمائي المغربي خلال سنة2017، أن مجموع مبلغ الدعم المخصص للأعمال السينمائية في السنة قبلها، بلغ تسعة وثلاثين مليون درهم و250 ألفا، وبالنسبة إلى الأفلام التلفزيونية بلغ مجموع الدعم، أكثر من ثلاثة وعشرين مليون درهم و400 ألف.وجاء في تقرير المركز أن ميزانية إنتاج المسلسلات بلغت مئة وستة وثلاثين مليون درهم ، فيما بلغت ميزانية إنتاجات الدراما الوثائقية عشرة ملايين درهم .
هي أرقام رسمية صرح بها المركز السينمائي المغربي في آخر إحصائيات له، أرقام كبيرة ورغم صرفها إلا أنها تثير كل سنة الكثير من الانتقادات، إما بطريقة صرفها أو لمن يتم صرفها. ناهيك عن الأفلام والانتاجات التي يتم إنتاجها بفضل هذا الدعم وتقدم أفكاراً وصوراً سلبية عن المجتمع المغربي.
هذا الدعم واحتكار التلفزيون من طرف شركات معروفة وضعف آليات التدبير لمؤسسات القطاع، بعض من إشكاليات تزيد من احتقان المبدع بصفة عامة بالمغرب، في انتظار ما يسد الرمق المنشود.
