ظاهرة المهرجانات في المغرب وسؤال الفن والتنمية

المصطفى الصوفي

مهرجان فاس للموسيقى الروحية، وهو مهرجان عالمي للموسيقى الصوفية يسعى إلى توحيد ثقافات وشعوب العالم

أصبح تنظيم المهرجانات في المغرب بشكل مكثف وعلى مدار السنة ظاهرة معروفة تطرح أكثر من سؤال، وتستأثر باهتمام الكثير من المتتبعين، كما تستقطب جمهورا غفيرا والعديد من الزوار حتى من خارج البلاد، خاصة وأن الكثير منها تركز على أنشطة مبهرة تُبرز قيمة هذا التنوع الثقافي والفني والخصوبة التراثية والهوية الوطنية.

وتتوزع تلك المهرجانات بين فنون السينما والموسيقى والمسرح والفنون التشكيلية وغيرها، ولعل أشهرها مهرجان فاس للموسيقى الروحية، وهو مهرجان عالمي للموسيقى الصوفية يسعى إلى توحيد ثقافات وشعوب العالم، إضافة إلى مهرجان كناوة بالصويرة ومهرجان موازين لإيقاعات العالم، فضلا عن مهرجانات ومواسم تراثية وفلاحية، وأخرى تهم الأضرحة وأولياء الله الصالحين، والتي تحتفي بالموروث الثقافي وفن الفروسية التقليدية وأشهرها موسم سيدي محمد الشرقي بمدينة أبي الجعد، دون نسيان مهرجانات سينمائية كثيرة وعريقة كمهرجان السينما الأفريقية الذي يُقام بمحافظة خريبكة، ويعد من أقدم المهرجانات السينمائية على الصعيد الأفريقي حتى احتفى العام الماضي بذكراه الأربعين.

إضافة إلى المهرجان الدولي لسينما حوض البحر المتوسط، والمهرجان الدولي للفيلم بمراكش والذي يصل هذا العام دورته الـ17 مُستقطبا أشهر نجوم السينما في العالم كمحطة سينمائية دولية، وبوابة فنية للحوار والتواصل الكوني ومحاربة كل أشكال العنف، لتكون السينما رسالة سلام إلى العالم.

كل مدينة تتميز بمهرجانها وموضوعها المحدد، فهناك مثلا مهرجان أغادير لسينما الهجرة، إضافة إلى مهرجان طنجة للفيلم القصير المتوسطي

تعددت المهرجانات وتنوعت الثيمات

والملاحظ أن المهرجانات السينمائية في المغرب تتنوع من حيث الثيمات، حيث تتميز كل مدينة بمهرجانها وموضوعها المحدد، فهناك مثلا مهرجان أغادير لسينما الهجرة، إضافة إلى مهرجان طنجة للفيلم القصير المتوسطي، ومهرجان إيموزار كند لسينما الشعوب، ومهرجان بئر مزوي لسينما المجتمع، ومهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف، ومهرجان سطات لفيلم الهواة، ومهرجان تصميت ببني ملال لسينما النقد، ومهرجان مكناس الدولي لسينما التحريك، ومهرجان وجدة للفيلم المغاربي، ومهرجان الدار البيضاء الدولي لسينما الطالب، ومهرجان زاكورة للفيلم الأفريقي والعربي الوثائقي، والمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بخريبكة، وأخرى تهم سينما القرية وسينما المدارس والمعاهد السينمائية، وسينما ذوي الاحتياجات الخاصة وسينما المرأة وغيرها.. وكلها تظاهرات تروم في بعدها الفني والجمالي بسط الفرجة السينمائية للجمهور، وتقريبها إلى الناس البسطاء في ظل عزوف الجمهور عن الذهاب إلى السينما، إضافة إلى رهانها على المساهمة في تحقيق التنمية.

ولعل من حسنات ثراء الساحة السينمائية والثقافية بالمغرب بهذه المهرجانات، أن الجهات التي تشرف على التنظيم تستفيد من الدعم المالي المخصص من قبل الدولة، خاصة المركز السينمائي المغربي ووزارة الثقافة والاتصال والمحافظات، فضلا عن القطاع الخاص الذي يساهم هو الآخر في التمويل، وهذا الأمر يشجع كثيرا على إقامة تلك التظاهرات المختلفة. لكن هل تحققت مرامي التنمية الثقافية والفنية عبر تلك التظاهرات؟

من الواضح أن موسم أصيلة الثقافي حسب العديد من المتتبعين شكّل النموذج الحقيقي للتنمية الثقافية، وشكلت الثقافة محورا أساسيا في تنمية هذه المدينة الصغيرة المطلة على المحيط الأطلسي، حيث أصبح صيتها ذائعا عالميا بسبب هذا الموسم الذي يشمل كافة الفنون من موسيقى وفنون تشكيلية وسينما، وبفضل هذه التظاهرة أصبح للمدينة بنية تحتية ثقافية مهمة، ومرافق فنية واجتماعية وبيئية تعود بالإيجاب على ساكنة المدينة التي تتسع الآن عبر الثقافة لمشاريع اجتماعية واقتصادية، خرجت بالمدينة الصغيرة من دائرة التهميش والعزلة إلى دائرة النور.

مهرجان سينما الشعوب الدولي افتُتحت فعاليات دورته الـ15 يوم الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري ولمدة أربعة أيام في مدينة إيموزار كندر ضواحي مدينة فاس

فيض مهرجانات في شهر المهرجانات

وعلى صعيد ذي صلة تشهد المملكة حاليا العديد من المهرجانات خاصة السينمائية منها، حيث افتُتحت فعاليات الدورة الـ15 لمهرجان سينما الشعوب الدولي، والذي تستضيفه مدينة إيموزار كندر ضواحي مدينة فاس (تبعد عن الرباط بنحو 200 كيلومتر شرقا) يوم الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري ولمدة أربعة أيام.

كما تواصلت بمدينة أغادير فعاليات الدورة الـ14 للمهرجان الدولي لسينما الهجرة الذي تنظمه جمعية المبادرة الثقافية والذي استمر حتى 18 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري. وتشهد مدينة خريبكة من 21 وحتى 24 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري فعاليات الدورة السادسة لمهرجان الرواد المسرحي الدولي، وذلك بمشاركة فرق مسرحية عربية ودولية. فضلا عن المهرجان الدولي للإبداع المسرحي بمحافظة الفقيه بن صالح والمقرر عقده من 18 حتى 23 ديسمبر/كانون الأول المقبل.

ويستضيف شهر نوفمبر/تشرين الثاني فيضا من المهرجانات الأخرى منها المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي، ومهرجان السينما الأفريقية في خريبكة الذي يحتفي بذكراه الـ41، فضلا عن الدورة الرابعة لمهرجان الفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني في مدينة العيون (جنوب المغرب)، وذلك في الفترة من 17 وحتى 20 ديسمبر/كانون الأول.

إضافة إلى المهرجان الدولي للسيرك، والمهرجان الدولي للفيلم بمراكش في دورته الـ17 والتي تقام من 30 نوفمبر/تشرين الثاني حتى الثامن من ديسمبر/كانون الأول، حيث سيتم تكريم الممثلة الأمريكية “روبين رايت” والمخرجة الفرنسية “أنيس فاردا”.

هذا دون نسيان مهرجانات أخرى اختتمت الأسابيع القلية الماضية، ومنها مهرجان الأيام السينمائية بدكالة بمدينة الجديدة، والتي كرمت المخرج حميد بناني الذي يعد من رواد السينما المغربية، فضلا عن الممثل المغربي بنعيسى الجيراري، وهو المهرجان الذي نظم لأول مرة في تاريخ المهرجانات السينمائية المغربية معرضا وطنيا للخط وتوظيفه في السينما، ثم هناك المهرجان الوطني للفيلم القصير بسطات، ومهرجان الخيمة السينمائي بمدينة سيدي بنور، وغيرها من المهرجانات الأخرى الفنية والثقافية، فضلا عن مهرجان هوارة الدولي للمسرح الذي استضافته مدينة آيت ملول تحت شعار “المسرح منصة للتعايش والتسامح”، وذلك بحضور دولة قطر ضيف شرف ومشاركة في المسابقة الرسمية، إذ تُوج الفنان القطري سالم المنصوري بجائزة أفضل ممثل وذلك لتألقه اللافت في ﻣﺴﺮﺣﻴﺔ “السلطان”.

المهرجان الدولي للفيلم بمراكش في دورته الـ17 والتي تقام من 30 نوفمبر/تشرين الثاني حتى الثامن من ديسمبر/كانون الأول سيكرم المخرجة الفرنسية "أنيس فاردا"

المهرجانات.. بين مؤيد ومعارض

إلى هنا نطرح السؤال عن أهمية مثل هذه المهرجانات السينمائية وغيرها من المهرجانات الثقافية والفنية والمواسم سواء من الناحية الفنية أو الاجتماعية، وهل يكون لذلك تأثير وبصمة على المتلقي والجمهور كمساهمة حقيقية في إثراء الحقل الفني والاجتماعي، أم أنها تبقى مجرد لقاءات ما أن تنتهي حتى ينتهي أثرها دون أن يكون لها أي انعكاس إيجابي، وتبقى مجرد مناسبات لهدر المال وتحقيق مكاسب شخصية لا غير، وهو ما يتنافى مع الأهداف السامية لمثل هذه التظاهرات.

في هذا الإطار تؤكد الكاتبة الناقدة سميرة الزواك للـ”الجزيرة الوثائقية” أن المهرجانات في مجملها تشكل مناسبات للتعارف وتبليغ الكثير من الرسائل، لكن بعضها فقد أهدافه المرسومة من أجلها، وأصبحت لقاءات لاستدعاء الأصدقاء في أفق تبادل الزيارات الثنائية وفي مناسبات مماثلة. وأوضحت في الوقت نفسه القيمة الفنية والاجتماعية والاقتصادية لتلك المهرجانات، لكونها تساهم في خلق نوع من الدينامية الفنية والثقافية خاصة في المناطق المعزولة والمهمشة، إضافة إلى تقريب الفرجة السينمائية للجمهور، وتنظيم الكثير من الأنشطة الموازية ذات المرامي الاجتماعية مثل زيارة دور الأيتام والعجزة والمستشفيات والمؤسسات التربوية والاجتماعية وغيرها، وإشراك ذوي الاحتياجات الخاصة في مثل تلك الأنشطة دعما وتشجيعا لهم، والاهتمام بالفئات المحرومة والمحتاجة مع تكريمها في المناطق الريفية والنائية. هذا دون نسيان الدور الاقتصادي، حيث يتحول كل مهرجان إلى مناسبة للرواج التجاري، وتحسين الدخل للكثير من الأسر التي تعمل مثلا في المجال السياحي والصناعة التقليدية وغيرها من المهن والحرف التي تندرج في إطار ما يسمى بالاقتصاد الاجتماعي.

وأشارت الزواك إلى أن الجمهور المغربي ينقسم إلى قسمين بخصوص تلك المهرجانات، أحدهما رافض لها بحجة أهمية توظيف سيولتها المالية في مشاريع اجتماعية وتنموية، ولكون بعضها يتنافى وقيم العادات والتقاليد المحافظة، وفئة أخرى ترى في تلك المهرجانات مناسبة مهمة للانفتاح على العالم والاندماج والحوار والتواصل والترويح عن النفس والتسلية والترفيه، من أجل التعبير عن المشاعر النفسية والوجدانية التي تتميز بكثير من الاضطراب بحكم الأوضاع الاجتماعية الهشة.

مهرجان الأيام السينمائية بدكالة بمدينة الجديدة نكرم المخرج حميد بناني الذي يعد من رواد السينما المغربية

صقل المواهب وخلق الإشعاع

من جانبه أكد المخرج السينمائي محمد العنق بأن الفئة المناصرة للمهرجانات ترى فيها احتفالية خاصة ومدرسة مهمة للتكوين والتأطير والاستفادة، خاصة في المجال السينمائي مثلا، وذلك بحكم مشاركة خبراء ومتخصصين.

تساهم تلك المهرجانات السينمائية الدولية من خلال أنشطتها وورشها وندواتها في صقل المواهب وتنمية المهارات، وتلك مبادرات تقي الشباب من الانحراف وكل أشكال التطرف، إضافة إلى دورها الفني والتربوي الذي يساعد الشباب على رسم مستقبلهم الفني، وولوج المعاهد والمدارس التي تعنى بقطاع السمعي البصري في المستقبل.

ورأى الأستاذ العنق بأن الأثر الفني في بعض الأحيان للعديد من المهرجانات يبقى ضئيلا مقارنة مع أهدافها، ومنها خلق الإشعاع ودعم الشباب الموهوب واستقطاب مستثمرين، مشددا على أهمية توفير الدعم المالي الكافي للمهرجانات في الوسط القروي، حيث إن منح الجوائز يبقى عنصرا مشجعا لكن غير ذي قيمة، فضلا عن ضرورة التركيز في المستقبل على الخلفية الفنية التي يجب أن تؤثر في المتلقي خاصة الطلبة والتلاميذ وعموم الجمهور، وهو ما يستدعي من القائمين على المهرجانات الاهتمام بالعنصر الفني والإبداعي لكي يبقى راسخا، من خلال تنويع الورش وتحفيز المستفيدين على العطاء والانخراط في تلك المبادرات، في أفق تغيير الصورة النمطية للمنطقة التي يُقام بها المهرجان وجعله مساهما حقيقيا في التنمية الفنية.

على العموم ورغم كثرة المهرجانات الفنية التي تحتضنها مختلف مدن المغرب، فإنه من الممكن التأكيد أن الكثير من تلك الظاهرات -بكل ما لها وما عليها- خلقت نوعا من الخصوصية والتفرد لما أصبح لها من صيت دولي وأفريقي ومغاربي، لكن نجاحها بشكل كبير وتحقيق رهاناتها الفنية وانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية على المواطن والجمهور والمتتبعين يبقى ناقصا دون وجود رؤية فنية دقيقة وإستراتيجية احترافية، مع توفير موارد مالية مهمة وكافية لمنافسة كبرى المهرجانات العربية والدولية.


إعلان