أولمبياد عبر الواقع الافتراضي!
محمد موسى

أصبح موعد الألعاب الأولمبية الصيفية أو الشتوية كل عامين، فرصة مهمة لشركات التكنولوجيا والقنوات التلفزيونية للإعلان عن آخر تقنياتها لتغطية هذا الحدث الرياضي تلفزيونيا، أو عند نقله على شبكة الإنترنت والأجهزة الإلكترونية الذكية. كما تنتهز قنوات تلفزيونية وشركات تجهيز مواد الترفيه عبر الإنترنت المناسبة الرياضية الأهم في العالم، للترويج لخدماتها الأخرى والمحتوى الفني الذي تبيع حقوق مشاهدته، وأحياناً التعريف بنفسها لجمهور لم يسمع بها من قبل، على أمل أن يكون الأولمبياد الذي نجحت في الحصول على حقوق نقل جميع فعالياته أو جزء محدود منها، الواسطة التسويقية الأمثل التي توصلها إلى جمهور وآفاق توسع جديدة.
يَسمح تشتت المشهد التلفزيوني الحالي للاعبين كثر بمشاركة كعكة تغطية الأولمبياد إعلامياً، إذ لم تعد القنوات التلفزيونية العملاقة أو القنوات الحكومية في العديد من الدول الأوروبية المتحكم الرئيسي بسياسة نقل الحدث الرياضي الكبير، حيث تتشارك منذ سنوات جهات إعلامية عدة في نقل الحدث، كما لم تعد شاشة التلفزيون المقصد الرئيسي للجمهور الواسع الذي يرغب بمتابعة المناسبة الرياضية، فهناك شبكة الإنترنت، والتغطيات عبر البرامج التطبيقية في الأجهزة الالكترونية الصغيرة، والذي تملك حقوقها شركات إنترنت وترفيه حديثة العهد، من التي لا تتوقف عن تطوير تكنولوجيات متقدمة لنقل الأحداث المباشرة، لإرضاء الجمهور الشاب على وجه الخصوص الذي يرغب بمتابعة الأولمبياد عن طريق هذه المنصات الحديثة.
سَبَقَ موعد الدورة الثالثة والعشرين من الأولمبياد الشتوي في مدينة بيونغ تشانغ الكورية الجنوبية (انطلق يوم الجمعة الماضية ويستمر لاثنين وعشرين يوماً) إعلانات وحملات إعلامية ضخمة في العديد من الدول الغربية للترويج للتغطيات التلفزيونية لهذه الألعاب. منها من ينبه للمنصات الجديدة التي تعرض هذا الاولمبياد للمرة الأولى، والبعض الآخر يبرز التكنولوجيا الحديثة التي سيتم استخدامها في نقل الألعاب، ومنها النقل بتقنية الواقع الافتراضي (Virtual reality)، حيث سيتم نقل خمسين ساعة مباشرة من الألعاب بهذه التقنية الحديثة، التي تتطلب نظارات خاصة، وتضع المستخدم في قلب الحدث الرياضي.
وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استخدام هذه التقنية في البث الحيّ للأولمبياد، وبعد أن تم تجريب استخدامها في مواد تم تسجيلها في وقت سابق في الأولمبياد الصيفي الأخير في ريو دي جانيرو في عام 2016. وستكون هذه التقنية متاحة للمشتركين في خدمات قنوات “أن بي سي” الأمريكية الرياضية، التي تملك حقوق نقل الألعاب في الولايات المتحدة، حيث عقدت القناة التلفزيونية شراكات مع شركات تكنولوجيا ومعلومات معروفة مثل غوغل لتوفير هذه التقنية للراغبين.
كما ستجرب قناة “أن بي سي” ذاتها تقنية البث بنظام 4K، والذي يتم استلامه عبر أجهزة إلكترونية خاصة، حيث يوفر هذا النظام الجديد دقة غير مسبوقة لمشاهدة المباريات تتفوق على جميع الأنظمة السابقة. وسيكون البث بهذا النظام التقني الجديد متاحاً فقط للمواد المسجلة وليست الحيّة، كما سيتم استخدامه لنقل افتتاح واختتام الاولمبياد ومعظم المباريات الرياضية. وكانت خدمة بث الأولمبياد التابعة للجنة الأولمبية العالمية وقنوات “NHK” الحكومية اليابانية قد أشرفت على تطوير هذا النظام التقني العالي الدقة لبث المباريات الرياضية، وسيكون متاحاً للمشاهدين في الولايات المتحدة في الأيام القادمة.
وفي الوقت الذي يركز الإعلام الأمريكي على أخبار التقنيات الحديثة التي سيتم تسخيرها لخدمة النقل التلفزيوني للأولمبياد الشتوي في بيونغ تشانغ، ينشغل الإعلام الأوروبي بخارطة المنصات التي تتولى عملية النقل التلفزيوني، وبعد أن خسرت معظم القنوات الحكومية الأوروبية حقوق نقل بعض الألعاب الرياضية في الأولمبياد لصالح مجموعة قنوات “ديسكفري” الأمريكية، والتي اشترت قبل أعوام قنوات “يوروسبورت” الأوروبية. حيث تملك مجموعة “ديسكفري” حقوق البث الحيّ الأول الحصري لفعاليات أربع رياضات شتوية شعبية، على أن تعرض القنوات الأوروبية الحكومية هذه الفعاليات مسجلة، وبعد عرضها الأول على قناة “يوروسبورت”.
وكانت مجموعة قنوات ديسكفري قد فازت بحقوق العرض التلفزيوني لفعاليات الأولمبياد الشتوي والعرض الحصري لأربع رياضات في 33 بلداً أوروبيا بعد أن دفعت 1,2 مليار دولار للجنة الأولمبية المنظمة. مع الإبقاء على حقوق القنوات التلفزيونية الأوروبية الحكومية بالنقل التلفزيوني للمباريات الأخرى، وبهذا يختلف اتفاق اللجنة الأولمبية مع القنوات التلفزيونية، عن ذلك الذي عقدته “الفيفا” مع القنوات التلفزيونية بخصوص حقوق النقل التلفزيوني لبعض بطولات كرة القدم المهمة، إذ راعت اللجنة الأولمبية أهمية أن يبقى البث الحيّ للأولمبياد متاحاً للجمهور الواسع على القنوات الحكومية التي لا تتطلب مبالغ كبيرة للحصول على بثها (عدا المبلغ العادي الذي يدفعه الأوروبي لشركات الكبيل المحلية)، وعلى خلاف الاشتراكات العالية التي تشترطها قنوات الرياضية المتخصصة.
شركات الإنترنت
يعكس حضور شركات الإنترنت ضمن القنوات العملاقة التي تتولى نقل تغطيات الأولمبياد الشتوي المتواصل حالياً في مدينة بيونغ تشانغ الكورية الجنوبية، أهمية هذه الشركات اليوم في المشهد الترفيهي في الدول الغربية. ففي الولايات المتحدة، توفر شركة “هولا” (شركة أمريكية تشبه شركة نتفليكس لكنها تحصر خدماتها في الولايات المتحدة وتوفر خدمة البث التلفزيوني الحيّ الذي يتم استلامه عبر الإنترنت) لمستخدميها الفرصة لكي يعدلوا في صفحات الخدمة التي تنقل الأولمبياد واختيار لعبتهم المفضلة، حتى تظهر هذه الأخيرة أولاً وقبل الألعاب الأخرى على الشاشة البث الحيّ أو المُسجل للمشترك، هذا بالإضافة إلى تغطيات تلفزيونية عديدة في كواليس المباريات المفضلة للمشتركين.
وفي تأكيد على شعبية شركات تزويد الترفيه الإلكترونية العابرة للقارات، عقدت قناة “أن بي سي” الأمريكية التلفزيونية، والتي تملك حقوق النقل التلفزيوني للأولمبياد الشتوي في الولايات المتحدة، شراكة مع شركة نتفليكس لعرض برنامج تسجيلي طوله ساعتان عن أبرز الأحداث المرتقبة والرياضيين المشاركين في أولمبياد بيونغ تشانغ، وكذلك عن استعدادات القناة التقنية لتغطية الألعاب. هذه الخطوة غير المسبوقة، تؤكد شعبية شركات الترفيه الإلكترونية، حتى أنها أصبحت واسطة لقنوات تلفزيونية عملاقة وعريقة للتعريف بما تقوم، على أمل أن يدفع هذا جمهور هذه الشركات إلى متابعة ما تعرضه هذه القنوات التقليدية.
ومن المنتظر أن تكون تغطيات قناة “أن بي سي” الامريكية للأولمبياد مُكثفة وواسعة كثيراً، إذ ستنقل القناة ما يقارب من 1800 ساعة تلفزيونية من البث المباشر تتوزع على عدة قنوات رياضية تابعة للمؤسسة الأمريكية الإعلامية العملاقة، كما ستركز القناة على حضورها على الإنترنت، حيث توفر الفرصة لمشاهدة الألعاب الرياضية عبر منصات خاصة بها على شبكة الإنترنت. ويتوقع أن يبلغ العائد الإجمالي للإعلانات التجارية التي ستبث أثناء نقل القناة الأمريكية للألعاب الرياضية في بيونغ تشانغ 900 مليون دولار. وهو رقم يزيد قليلاً عما جنته القناة عند تغطيتها الألعاب الشتوية الأخيرة في روسيا.
من جانبها أعلنت مجموعة قنوات ” ديسكفري” الأمريكية أنها أعدت وبالإضافة إلى نقلها التلفزيوني للأولمبياد على قنوات “يوروسبورت” الرياضية، اشتراكاً شهرياً في أوروبا لمتابعة الألعاب الرياضية عن طريق الإنترنت والبرامج التطبيقية في الأجهزة الإلكترونية الذكية، حيث تملك المجموعة الأمريكية الحقوق الحصرية لنقل الألعاب الأولمبية عبر الإنترنت في أوروبا. وسيبلغ عدد ساعات النقل الإلكتروني وعبر الوسيط الإلكتروني 4,000 ساعة، منها 900 ساعة من البث المباشر، إضافة إلى مفاجآت أخرى للمشتركين من أجواء الأولمبياد.
كما أعلنت شركة “فودافون” الألمانية للاتصالات والتي دخلت منذ سنوات سوق تجهيز البث التلفزيوني، أنها ستوفر الاستلام المجاني للبث الحيّ للأولمبياد الذي يعرض على قناة “يوروسبورت” الأولى للمشتركين فيها، في خطوة يبدو أن غرضها الأولى هو الترويج الإعلاني لشركة الاتصالات، وما أصبحت تقدمه من خدمات متنوعة.