“مهرجان روتردام الدولي”.. الأفلام للجميع

محمد موسى

مهرجان روتردام الهولندي الدولي يطلق خدمة مشاهدة أفلام سينمائية طويلة وقصيرة من التي عرضها في دوراته السابقة على شبكة الإنترنت مقابل اشتراك شهري.

أطلق مهرجان روتردام الهولندي الدولي الشهر الماضي، وخلال دورته السنوية الأخيرة، خدمة مشاهدة أفلام سينمائية طويلة وقصيرة من التي عرضها في دوراته السابقة على شبكة الإنترنت، حيث يُمكن الآن، ومقابل اشتراك شهري، التمتع بمشاهدة محتوى مكتبة المهرجان السينمائية الضخمة، والتي يمكن استلامها بواسطة أجهزة إلكترونية مختلفة. كما يُمكن أيضاً وعن طريق الخدمة الجديدة، مشاهدة أفلام طويلة وقصيرة بنظام الدفع لمرة واحدة، ودون الحاجة إلى اشتراكات شهرية. وبهذا يكون المهرجان الهولندي الأول على صعيد المهرجانات السينمائية الغربية العملاقة الذي يمنح الفرصة لمشاهدة أفلامه خارج أوقات دوراته السنوية، وهي الخطوة التي ستؤجج من جديد النقاشات الحاميّة حول المنصات الجديدة لعرض الأفلام السينمائية، والمكانة المتصاعدة لخدمات البث التدفقي لعرض الأفلام عبر شبكة الإنترنت.

والحال أن مهرجان روتردام الدولي، والمعروف ببرمجته الراديكالية على صعيد اختيار الأفلام، أو دعم المشاريع المغايرة عبر صناديق دعمه، أراد أن يفتتح العام السينمائي الحالي بخطوة تتضمن بدورها الكثير من الجرأة والشجاعة والانفتاح على عوالم شبكة الإنترنت، التي لم يعد ممكناً اليوم التغاضي عن أهميتها. كما يأخذ المهرجان الهولندي موقفاً يختلف عن ذلك الذي أخذه مهرجان كان السينمائي العام الماضي، والذي قرر منع عرض الأفلام التي تنتجها شركات الإنترنت في دوراته القادمة، إذا لم تعرض هذه في الصالات السينمائية أولاً، حيث يفتح الهولنديون أذرعهم للتغييرات القادمة، ويراهنون على أهمية السينما كفن يمكن أن يستمر ويتفاعل مع التطورات التكنولوجية والتغييرات الاجتماعية، رغم خصوصية العصر الخاص الذي نعيش فيه، حيث أصبحت الأفلام تُشاهد اليوم على شاشات متنوعة بأحجامها، ومنها شاشات الهواتف الذكية الصغيرة.

هناك حوالي 70 بالمائة من الأفلام التي عرضها مهرجان روتردام في دوراته السابقة لم تصل إلى العرض التجاري في الصالات السينمائية أو الشاشات التلفزيونية في أيّ مكان في العالم>

كشف الهولندي إيفو بخويس، المسؤول عن الخدمة الجديدة، في حوار نشر على موقع مهرجان روتردام الدولي، أن ستين إلى سبعين بالمائة من الأفلام التي عرضها مهرجان روتردام في دوراته السابقة لم تصل إلى العرض التجاري في الصالات السينمائية أو الشاشات التلفزيونية في أيّ مكان في العالم، وأن هذا هو أحد الأسباب التي تقف وراء مشروع خدمة المهرجان الإلكترونية، حيث يُمكن الآن للمشتركين في الأخيرة التنقيب من بين مئات الأفلام التي عرضها المهرجان طوال 47 عاماً من عمره، وربما يعثرون على جوهرة غير معروفة هنا أو هناك، وكما فعل قبلهم جمهور المهرجان الهولندي، الذي اعتاد المغامرة ومشاهد أفلام لمخرجيين مجهولين، بعضهم يتطرف في التجريب الفنيّ، والبحث عن أساليب غير مطروقة كثيراً في سرد قصصهم.

تتميز خطوة مهرجان روتردام الدولي بوضوحها والثقة التي تحملها بالمستقبل، حيث رمى المهرجان – الذي يعد واحداً من أكثر المهرجانات السينمائية استقطاباً للجمهور أثناء دوراته – بثقله وراء خطوته الجديدة، ولم يتردد بشأن حجمها، إذ تفتح الخدمة مكتبة المهرجان للراغبين، ليس فقط للمشتركين في هولندا، ولكن حول العالم أيضاً (مع اختلافات على صعيد عدد الأفلام المتاحة في كل دولة، تماشياً مع قوانين حقوق الملكية الفكرية للأفلام المعروضة في الخدمة، لاسيما الأفلام الشعبية). كما يبدو أن المهرجان يُراهن على قدرة الصالات السينمائية وطقس مشاهدة الأفلام الجماعي، على جذب الجمهور الهولندي الواسع إلى المهرجان في المستقبل، وكما هو الحال في كل عام.

يختلف اتجاه مهرجان روتردام الدولي إلى الإنترنت، عما فعله مهرجان صندانس الأمريكي، عندما أطلق في عام 1996 قناة تلفزيونية باسم المهرجان نفسه. إذ استلهمت القناة التلفزيونية وقتها روح المهرجان السينمائي، لجهة دعمها للروح المستقلة للنتاج الفنيّ في الولايات المتحدة، لكنها أخذت منذ البداية هوية القناة التلفزيونية التجارية، وتميزت ببرمجة خاصة وسياسة إنتاجية واضحة. وعلى رغم أن القناة التلفزيونية (تعد اليوم واحدة من القنوات التلفزيونية الخاصة بسبب نوعية برامجها، وبيعت منذ سنوات إلى قناة “أي أم سي” الأمريكية بصفقة مالية كبيرة) لاتزال تركز على المهرجان السينمائي، وتنقل حصرياً فعاليته وكواليسه، ويصل إلى العرض فيها أفلام كانت قد انطلقت من منصة المهرجان المستقل، إلا القناة التلفزيونية لا ترتبط عضويا بالمهرجان، وغير مُلزمة أو مهتمة بعرض كل ما يعرض في الأخير.

تفرض القوانين الأمريكية الحالية فترة 90 يوماً بين العرض في الصالات السينمائية والعرض المنزلي.

كشفت الدورة الأخيرة لمهرجان صندانس السينمائي في الشهر الفائت، عن التنافس الذي يتم في الخفاء والعلن بين القنوات التلفزيونية وشركات تجهيز الترفيه عبر الإنترنت للاستحواذ على الأفلام الجيدة التي حصل المهرجان السينمائي على حقوق عرضها العالمية الأولى، لتعرض بعدها حصريا على هذه الخدمات، دون أن تصل إلى الصالات السينمائية، في تقليد أصبح شائعاً في السنوات الأخيرة، إذ لم يعد الطريق التقليدي للأفلام السينمائية يمرّ بالصالات التجارية دائماً، حيث يمكن أن تنتقل وبعد عرضها الأول في المهرجانات السينمائية، إلى شاشات التلفزيون، أو خدمات شركات الترفيه الإلكترونية.

وفي سياق تنافس شركات الترفيه للوصول بالجديد السينمائي بأسرع وقت إلى الجمهور في منازله، تقترب ستة أستوديوهات هوليوودية عملاقة على الاتفاق فيما بينها لتقليل الزمن الذي يفصل بين عرض الأفلام في الصالات السينمائية ووصولها إلى المنازل، حيث تطمح هذه الشركات أن يفصل بين العرض التجاري والعرض المنزلي 17 يوماً فقط، ولتتوفر بعدها الأفلام للمشتركين مقابل مبالغ تصل إلى 50 دولار أمريكي للفيلم الواحد. وتفرض القوانين الأمريكية الحالية فترة 90 يوماً بين العرض في الصالات السينمائية والعرض المنزلي (سواء عن طريق البث التدفقي أو عبر الإسطوانات الرقمية). فيما تشترط القوانين الأوروبية فترات أطول بكثير عن مثيلاتها في الولايات المتحدة، إذ يفرض القانون الفرنسي مثلاً، فترة ثلاثة أعوام بين العرض التجاري والعرض المنزلي، لحماية طقس المشاهدة السينمائية في البلد، ودفع الجمهور إلى التوجه للصالات السينمائية.

يمكن عن طريق الخدمة الجديدة للمهرجان، مشاهدة أفلام طويلة وقصيرة بنظام الدفع لمرة واحدة، ودون الحاجة إلى اشتراكات شهرية.


إعلان