“أمازون” تتوسع في الترفيه الرقمي

محمد موسى

تبيع أمازون اليوم اشتراكاً سنوياً باسم "أمازون برايم" في الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية واليابان، يسمح بمشاهدة خدمة الشركة الترفيهية، علاوة على امتياز التوصيل المجاني للبضائع التي يشتريها المشتركون على موقع أمازون.

تختلف قصة شركة أمازون الأمريكية لبيع الترفيه الفنيّ عبر الإنترنت مقابل اشتراكات شهرية، عن منافستها “نتفليكس”، حيث إن الأخيرة بدأت كشركة تؤجر أشرطة فيديو وأسطوانات رقمية وترسلها عن طريق البريد العادي للراغبين، قبل أن تنقل معظم نشاطها في السنوات الأخيرة إلى الإنترنت، إذ يُمكن الآن مشاهدة أعمالها الحصرية، وما تشتريه من أعمال فنية أنتجتها شركات أخرى، عن طريق خدمتها الإلكترونية المعروفة، فيما يمثل بيع الترفيه الفني جانباً محدوداً من نشاط أمازون، والتي هي بالأساس شركة تبيع منتجات مُختلفة على طريق مواقعها الإلكترونية الدولية، وتوصل هذه المنتجات إلى المشترين.

لعل اهتمام شركة أمازون بالجانب الترفيهي يُشبه ما تسعى إليه شركات تكنولوجيا عملاقة مثل: غوغل، آبل، وفيسبوك، لجهة التنافس على حجز حصة من سوق الترفيه العالمي، حيث خصصت هذه الشركات ميزانيات ضخمة  لأجل هذا الهدف، مع فارق مهم يُميز شركة أمازون عن نظيراتها، إذ إنها ربطت على نحو ذكي للغاية القسم الترفيهي لها مع نشاط الشركة الأصلي، حيث تبيع أمازون اليوم اشتراكاً سنوياً باسم “أمازون برايم” في الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية واليابان، يسمح بمشاهدة خدمة الشركة الترفيهية، علاوة على تضمن الاشتراك ذاته، امتياز التوصيل المجاني للبضائع التي يشتريها المشتركون على موقع أمازون.

أثبت اشتراك “أمازون برايم” شعبيته الكبيرة في الولايات المتحدة والدول التي يُسمح فيها الاشتراك في الخدمة (يُقال إن هناك 60 مليون مشترك في هذه الخدمة حول العالم، وهو رقم لم تؤكده أو تنفه شركة أمازون)، إذ إنه وبسبب قيمته المالية غير المرتفعة (99 دولار أمريكي بالسنة) مقارنة باشتراكات الشركات المنافسة الاخرى، لا يشكل عائقاً مالياً كبيراً، بخاصة أنه يمنح إمكانية مشاهدة مكتبة الشركة من الأعمال الفنيّة، والتي وإن قلت من حيث العدد عن أعمال منافستها “نتفليكس” مثلاً، إلا أنها تحتوي على أعمال سينمائية وتلفزيونية مهمة، وبرامج تلفزيونية شعبية للغاية مثل برنامج السيارات البريطاني “غراند تور”. كما يربط الاشتراك الشهري نفسه مشتركين كثيرين بموقع الشركة الأصلي لبيع البضائع، وبخاصة أنه لا يشترط مبالغ على المشتركين في الخدمة لتوصل هذه البضائع، والتي يمكن أن تصل إلى أرقام كبيرة شهرياً، للذين اعتادوا الشراء من موقع أمازون الشعبي.

خدمة "أمازون برايم"، تربط خدمة الترفيه بالتوصيل المجاني للمنتجات التي يتم شراؤها على متجر أمازون.

دخلت شركة أمازون، وبعد بضعة أعوام من بداية عمر خدمتها الترفيهية، في مجال إنتاج البرامج الحصرية، فأنتجت أول أعمالها في عام 2013، ولتواصل منذ ذلك التاريخ إنتاج الأعمال الخاصة، التي تتنوع بين مسلسلات الدراما والكوميديا والجريمة (عدد الأعمال التي أنتجتها أمازون حتى اليوم هو أقل كثيراً من منافستها نتفليكس). كما سعت أمازون إلى استقطاب أسماء شهيرة من عوالم الفن والتلفزيون لبطولة أو تقديم أعمالها، فدفعت ملايين من أجل الحصول على فريق تقديم برنامج السيارات البريطاني “توب غير”، لكي يتولى مهمة تقديم برنامج السيارات الخاص بها والذي أطلقت عليه “غراند تور”. كما أنها وفي صفقة مالية كبيرة أخرى، جذبت المخرج الأمريكي الشهير وودي آلن، ليخرج ويمثل مسلسلاً كوميدياً حصرياً لها حمل عنوان “أزمة في ستة مشاهد”، والذي حصل على نقد لاذع بسبب عاديته وابتعاده عن مستوى أعمال المخرج المعروف.

تجسّ شركة أمازون نبض الجمهور كل عام عبر عرض حلقات تجريبية أولى تنتجها من مسلسلات قيد الدراسة، وتطرحها للمشتركين وغير المشتركين في خدماتها للتصويت عليها، على أن تختار الحلقات التي تحصل على التصويت الأعلى لأجل إنتاج مواسم أولى كاملة منها. يفزر هذا الأسلوب المبتكر بيانات مهمة للغاية للشركة لدراسة أهواء الجمهور وردود أفعاله على ما تعرضه، كما أن هذه الحلقات التجريبية والتي يرافق عرضها اهتمام إعلامي كبير، توفر هي الأخرى دعايات مجانية للشركة، هي في أمس الحاجة إليها للاستحواذ على حصص جديدة من سوق مزدحمة أصلاً بالمنافسين الأقوياء.

تتسع اليوم قائمة الأعمال الحصرية لشركة أمازون، وتُتداول بشكل أسبوعي تقريباً أخبار منها عن أعمال يتم إنتاجها في الوقت الحاضر، وأخرى في مرحلة التطوير. تتنوع هذه الأعمال كثيراً، وإن كان التركيز – وحسب الأخبار الأخيرة من داخل الشركة – على مسلسلات الخيال العملي، والتي يبدو أنها تلقى رواجاً أكثر من غيرها، رغم تكلفة إنتاجها الكبيرة. كما قررت الشركة في الشهر الماضي عدم إنتاج أي من المسلسلات الكوميدية، التي كانت قد طرحت في وقت سابق حلقات تجريبية أولى منها للجمهور الواسع للتصويت عليها.

وكانت أمازون وإلى جانب إنتاجها المسلسلات والبرامج التلفزيونية، قد دخلت قبل عامين في مجال إنتاج الأفلام السينمائية، حيث أنتجت واشترت حقوق إنتاج أفلام سينمائية معروفة مثل فيلم “مانشستر باي ذي سي” للمخرج كينيث لونيرغان. وتحضر هذا العام (2018) لعرض عشرين فيلماً طويلاً. كما يُشاع أيضاً أن الشركة سوف تقلل من إنتاج الأفلام ذات التكاليف التي تقل عن عشرين مليون دولار، وتركز على الأفلام التي تبدأ تكاليفها ب 50 مليون دولار، مع الوضع بالاعتبار عرض هذه الأفلام في الصالات السينمائية، وقبل وصولها إلى خدمتها على الإنترنت، لتختلف بهذا عن شركة نتفليكس التي لا تريد أن تناقش موضوع عرض أفلامها في الصالات قبل الخدمة على الإنترنت، وتصر على أن يكون التوقيت واحداً.

قررت الشركة في الشهر الماضي عدم إنتاج أي من المسلسلات الكوميدية.

تسمح البنية التكنولوجية الضخمة لشركة أمازون، وشعبيتها الكبيرة، بطرق أبواب عديدة على صعيد بيع الترفيه، فإلى جانب خدمتها “برايم” والتي تمنح مقابل اشتراك شهري مشاهدة مكتبة ضخمة من المسلسلات والأفلام، تملك أمازون نظاماً لمشاهدة أفلام حسب طلب مقابل مبالغ مالية، من التي عرضت للتو في الصالات السينمائية. كما يُمكن الآن وعن طريق خدمة أمازون، مشاهدة خدمات العديد من الشركات الصغيرة والمتخصصة، من التي تقدم ترفيها مختلفا يتوجه إلى جمهور محدود. حيث يمكن ومقابل دفع مبلغ إضافي شهري، التمتع بخدمة صنداس التي تعرض أفلاماً ومسلسلات تتميز بروحها الفنيّة والتجريبية، وخدمة “شوتايم”، التي تعرض أفلاماً ومسلسلات كانت قد عرضت في وقت سابق على قناة “شوتايم” الأمريكية.

وإذا كان نجاح خدمة “أمازون برايم” في دول ومناطق جغرافية جديدة، يبدو أنه يرتبط في الوقت الحاضر بمدى شعبية الشركة الأصلية، وقدرتها على دخول هذه الأسواق وبيع منتجاتها فيها، وتجاوز كل العقبات والعراقيل اللوجستية، إلا أنه لن يمرّ وقت طويل قبل أن تكتسب خدمة الترفيه الخاصة بالشركة كيانها الخاص، بحيث أنها يُمكن أن تجذب مشتركين من أجل ما توفره مكتبتها من أفلام ومسلسلات وبرامج، وربما مباريات الرياضة المحلية والدولية، حيث يُشاع أن أمازون تخطط في الأعوام القليلة القادمة لدخول سباق التنافس على حقوق بث مباريات دوري كرة القدم الإنجليزي الممتاز.

أسس رجل الأعمال الأمريكي جيف بيزوس شركة أمازون في عام 1994، حيث بدأت كمتجر إلكتروني لبيع الكتب، قبل أن تتوسع مع السنوات لتبيع اليوم كل شيء تقريباً، من الملابس إلى الأجهزة الكهربائية. أما قسم بيع الترفيه على الإنترنت مقابل اشتراكات شهرية فبدأ في عام 2006 في الولايات المتحدة، وشهد تطورات عديدة، قبل أن يصل لشكله الحالي.

هناك اليوم عدة أنواع من الاشتراكات الشهرية، منها “أمازون برايم”، والذي يربط خدمة الترفيه بالتوصيل المجاني للمنتجات التي يتم شراؤها على متجر أمازون، كما أطلقت شركة أمازون خدمة مشاهدة الفيديو في جميع دول العالم (ماعدا الدول التالية: الصين، سوريا، إيران، كوريا الشمالية) مقابل اشتراك شهري لا يرتبط بخدمة التوصيل المجاني للبضائع.

تأسس قسم بيع الترفيه على الإنترنت في شركة أمازون مقابل اشتراكات شهرية في عام 2006 في الولايات المتحدة.


إعلان