المرأة المغربية ..تاريخ من الإبداع السينمائي
زبيدة الخواتري

في ظل مسيرة متميزة للمرأة بالمغرب، نعرض ونقتبس بعضا من لحظات تميز وإبداع فنانات أعطين للشاشة الصغيرة والكبيرة الكثير في مجتمع، هو في معظمه محافظ أو على الأقل ينظر لوجود المرأة في عالم الفن بعين حذرة. لذا سنحاول الاقتراب من تجربة ثلاث فنانات شامخات في المشهد الفني المغربي.
بورقية وبوبكدي والمشرقي، هن ثلاث سيدات تركن بصمة كبيرة في دنيا الإبداع المغربي ولازلن يبدعن فيه، خاصة على الصعيدين السينمائي والتلفزيوني. هن من أجيال مختلفة وبتصورات متعددة. ففريدة بورقية تعتبر أول عنصر نسوي يدخل عالم الإخراج السينمائي منذ الثمانينيات من القرن الماضي. ونعيمة المشرقي من الممثلات الرائدات في الساحة الفنية منذ فترة الاستقلال. أما فاطمة بوبكدي فمخرجة شابة حققت نجاحا باهرا في فترة وجيزة.

نعيمة المشرقي…السيدة الأصيلة في الشاشة المغربية:
نعيمة المشرقي من سيدات الفن المغربي التي تحدت واشتغلت فتألقت خدمة لقضايا الإنسان والمجتمع، كانت أول بصمة لها في نهاية الستينيات من القرن الماضي. من خلال أفلام قصيرة ذات بعد تربوي واجتماعي، إذ كان لديها نوع من الإيمان القوي بالمشروع السينمائي والرغبة العارمة في تسجيل بصمتها في مجال السينما المغربية، علما أن مشاركة المرأة المغربية في ذاك الزمن وخوضها لمهنة السينما أو المسرح كان صعبا إلى درجة الاستحالة أحيانا أخرى بسبب محافظة المجتمع. وبذلك تعتبر نعيمة المشرقي واحدة من الممثلات المغربيات اللواتي ساهمن في ترسيخ فن التشخيص سواء على خشبة المسرح أو من خلال ميكروفون الإذاعة أو على شاشتي التلفزيون والسينما. فتجربتها تجاوزت نصف قرن من الإبداع والتمثيل.
شاركت نعيمة في بعض الأعمال الأولى نذكر منها بالأساس : فيلم “حديث الأجيال” من إخراج زوجها عبد الرحمن الخياط، ومسلسل “التضحية”. كما شاركت فيما بعد في أكثر من مائة عمل تلفزيوني لعل من أشهرها مسلسلات “أولاد الحلال” لمحمد حسن الجندي و “عز الخيل مرابطها” و”أولاد الناس” لفريدة بورقية و”عائلة رامدام”.
أما في السينما فشاركت الفنانة في أفلام كثيرة، منها “عرس دم” لسهيل بن بركة و”أيام شهرزاد الجميلة ” لمصطفى الدرقاوي، و” بادس” لمحمد عبد الرحمان التازي و” حجر الصحراء الأزرق” لنبيل عيوش و” فرسان المجد” لسهيل بن بركة ، و” البحث عن زوج امراتي” لمحمد عبد الرحمن التازي و”للا حبي ” لمحمد عبد الرحمن التازي، و”وبعد ” لمحمد إسماعيل و”جارات أبي موسى” لمحمد عبد الرحمان التازي و”الأهالي ” للفرنسي من أصل جزائري رشيد بوشارب.
كما أطلت الفنانة الكبيرة نعيمة على المشاهدين بصوتها الرنان، في عمل إبداعي تلفزيوني وإنساني. حيث أبدت الممثلة المغربية سعادتها بنجاح برنامج “الحبيبة مي ” التي تسرد فيه بصوتها، حكايات أمهات من خلال القناة المغربية الثانية، أمهات في وضعية صعبة أمام المجتمع. فأضفت بصوتها العذب لمسة فنية جميلة أعطى مصداقية لدى المتلقي في حكيها الجميل لقصص الأمهات تلك.
رغم مشوار هذه السيدة المتألق وتاريخها الحافل، ماتزال على درب الإبداع لا تنفك منه، جديدها هذه السنة مشاركتها في فيلم يشكل الكثير في تاريخ المغرب، فيلم “دموع الرمال”للمخرج عزيز السالمي، وهو فيلم يعكس معاناة المحتجزين في تندوف بالصحراء بين المغرب والجزائر، وهو عمل شارك فيه ممثلون كما شارك فيه أناس عاشوا تلك الحقبة في الاحتجاز. وفي هذا العمل لعبت السيدة نعيمة دورا شرفيا أعطى للفيلم بعدا احترافيا وحقيقيا بفضل فكرة الفيلم بالأساس وبفضل حضور المشرقي التي تسهم بادوارها مهما كانت في إعطاء الفيلم أهمية جمالية وإبداعية.

فريدة بورقية، أول مخرجة في تاريخ السينما المغربية:
في سنة 1982 كان إنتاج أول فيلم مغربي من إخراج نسوي، وهو الفيلم السينمائي الطويل “الجمرة” للمخرجة فريدة بورقية، ثم أخرجت بعدها فيلمها الثاني سنة 2007 “طريق العيالات”، وبعده سنة 2014 أخرجت فيلمها الثالث “زينب زهرة أغمات”.
فيلم “زينب زهرة أغمات” يستعرض ويصور سيرة زينب النفزاوية معتمدا على ما دونته المصادر والمراجع التاريخية حولها، في الطفولة والشباب، مرورا بزواجها من أربعة أمراء تعاقبوا على قيادة أغمات، وعقب صعود دولة المرابطين تزوجها الزعيم أبو بكر بن عمر، ثم طلقها عقب عودته إلى الصحراء من جديد لانشغاله بإخماد تمرد القبائل على دولته وأمرها بأن تتزوج من ابن عمه الأمير المرابطي ابن تاشفين بعد ما ولاه منصب حكم المغرب بأكمله.
وأثارت زينب النفزاوية كثيرا من الجدل بما كانت تتميز به من قوة شخصية وجمال وحسن التدبير، قال عنها ابن خلدون :”كانت من إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرياسة”، وهذا ما أهلها لتتزوج عددا من القادة كان آخرهم البطل ابن تاشفين، ولم يكن قد نال بعد الحظوة السياسية التي أصبحت له بعد أن تزوجها، فقد كانت خير سند له في وصول ما وصل إليه من مجد نظرا لما راكمته من تجارب، وما استفادته من خبرات الحكم والقيادة والتسيير من خلال حياتها مع أزواجها السالفين، فضلا عن كونها نشأت في بيت عز وعلم وجاه. وليست هذه المرة الأولى التي تتعامل فيها المخرجة مع شخصيات تاريخية ذات خصوصية، بل سبق أن استلهمت شخصية المتصوف والزجال عبد الرحمن المجذوب، وشخصية القائد عيسى بن عمر.
فريدة مخرجة من القليلات اللاتي بدأن تجربة الإخراج بالمغرب، فالمخرجات بالمغرب معدودات على رؤوس الأصابع، تتصدرهن في القائمة المخرجة فريدة بليزيد التي تعتبر أغزرهن إنتاجا.
وصورت بورقية مشاهد فيلمها “طريق العيالات” بعدد من مدن شمال المغرب، مثل تطوان وشفشاون وغيرهما، تدور أحداثه في هذه المنطقة، في طرقها وأمكنتها. فيلم عرف أداء متميزا للفنانتين: منى فتو وعائشة مهماه ، فالأولى امرأة ” عصرية” تسافر باتجاه منطقة شمال المغرب، لأجل تخليص زوجها تاجر المخدرات من الحبس، أما الثانية، امرأة في الستين من عمرها، بائعة جائلة، ترغب في لقاء ابنها الذي هاجر خارج البلد، بعدما أخذ مالها. وهكذا تتعاقب الأحداث من خلال التلاقي داخل صيرورة الفيلم مع شخصيات متعددة.ويعكس هذا الفيلم قضية الهجرة، خاصة الهجرة السرية، دون أن يقلد أفلاما قدمت موضوعة الهجرة السرية عن طريق إظهار القوارب التي تغرق في البحر. فريدة بورقية تطرقت للهجرة السرية وقدمت رؤيتها ونقدها لهذه الظاهرة المجتمعية عاكسة ذلك على مستوى معاناة المرأتين اللتين يجمعهما الطريق، ومبرزة بشكل سينمائي وحوار مدقق نفسية كل واحدة منهما، فتفوقت في إظهار الكثير من السلبيات والآفات والمآسي التي تنخر مجتمعنا كالهجرة السرية، والمخدرات، ونزع القناع عن نزوات بعض الرجال الذين لا ينظرون للمرأة إلا كجسم فقط، وغيرها. فيلم ” طريق العيالات ” يتكلم عن كل مشاكل المجتمع المغربي في وقت واحد.
وقدمت بورقية بصمتها في التلفزيون المغربي أيضا، وخلقت أعمالها نجاحا كبيرا لدى المشاهدين المغاربة كمسلسل جنان الكرمة وسيدي عبد الرحمان المجدوب و الدار الكبيرة ودوا ير الزمان وحوت البر وأعمال أخرى تلفزيونية مشهورة تركت اثرا كبيرا في ذاكرة المشاهد المغربي.

فاطمة بوبكدي…المخرجة الباحثة عن التراث المغربي:
يندر في المغرب أن نجد من لم يستمتع بحكايات ونوادر حديدان، وهي شخصية السلسلة التلفزيونية التي عرضت على القناة الثانية قبل سنوات.نوادر أضحكت الصغير والكبير في عمل إبداعي تألقت فيه المخرجة الشابة فاطمة بوبكدي التي دخلت غمار الموروث المغربي الأصيل. و”حديدان” مسلسل كوميدي من التراث المغربي من بطولة كمال كاظمي في دور رجل ذي حيلة وذكي في المسائل التافهة والمفيدة،مع خلق قصص موازية للقصة المحورية، هو مسلسل صور بفضاءات قرب منطقة إيسني بمراكش، في مناطق عذراء لم يتم تقديمها للمشاهد المغربيين قبل. تقول المخرجة فاطمة، رغم محنتها مع الجبال التي تصور فيها جراء صعوبة المسالك أو انقطاع وسائل التواصل، إلا أن هذا لا يحد من عزمها في تقديم منتوج جيد للمشاهد المغربي.
اشتغالها على الموروث تحول إلى حب حقيقي للأعمال مما فرض على المخرجة الشابة مضاعفة مجهوداتها والاجتهاد في تطوير أدواتها وأسلوبها لإهداء الجمهور شيئا يستحقه، ولاسيما جمهور الناشئة منه. فالأعمال التي نقدمها، تقول بوبكدي، يمكن أن تمنح للطفل هذه الفرصة، وهذا ما يجعل من العمل الإبداعي الفني والتلفزيوني رسالة تحسيسية وتوعية، هذه الرسالة لن تكتمل إذا لم يرافقها حب المخرج لعمله وإنتاجه، وبدون الحب لا يقع التواصل بين المبدع وإبداعه.
وهناك أعمال معروفة أخرى مثل “أمود” وهو مسلسل يحكي أسطورة امازيغية تعرف بـ«حمو أونامير» تجري أحداثها في قبيلة «أثري الحكيم» وهي قبيلة من الحكماء. و«أمود» من أبناء هذه القبيلة وهو الوحيد الذي سينقذها من الوباء الذي انتشر بين الماشية وانتقل إلى الإنسان ، عمل له خصوصية محلية، لا علاقة لها ببعض الأعمال التلفزيونية العربية حسب المخرجة. لأنه تم تصويره بطريقة فانتازية بلغة عربية فصحى، مسلسل مختلف ويتجاوز أعمالها السابقة لأنه أكثر جرأة على مستوى السيناريو والمستوى التقني حسبما أكدته المخرجة في الصحافة المغربية.
