الإبداع السينمائي بين التأليف والاقتباس
زبيدة الخواتري

ثمة فرق كبير في أن يكون المرء قارئا لنص روائي وبين أن يكون مجرد مشاهد لعمل سينمائي. الفرق هنا في طريقة تلقي المضمونين رغم كونهما الإبداع أو الفكرة نفسها، فالتفكير في تقنيات العمل الأدبي يختلف في جوانب عدة مع تقنيات العمل السينمائي. وتتباين أنماط التناول الإبداعي لهما فالأدب المقروء بشتى فنونه الكتابية، يختلف عن الفنون الأخرى مثل الفن التشكيلي والفن التصويري كما السينمائي. وهي أمور تناولها علم الجمال المقارن فأسهب فيها الكثير من النقاد والكتاب على مر العقود الفارطة. تلك بعض من محاور ندوات تمت مناقشتها في إطار فعاليات الدورة الرابعة والعشرين للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء.
الأدب والسينما وثيمة الإبداع بين الائتلاف والاختلاف:
موضوع الاقتباس بين الرواية والسينما كان حلقة نقاش فكري بوصفها علاقة مركبة، لأسباب مرتبطة في معظمها بالوفاء للنص الأصلي. فالسينما والرواية تنتسبان إلى فن يعتمد على حضور الزمن والصورة والسرد. رغم الاختلاف الواضح بين الأدب والسينما، مثل اعتماد الأدب على اللغة في التعبير، واعتماد السينما على الصورة. إذاً حضور الصورة يمثل العمود الفقري للفنين الأدبي والسينمائي، لأنه لا أدب من دون صور قصصية وتعبيرية.
لكن ما هي الحدود الفارقة بين التأليف السينمائي والاقتباس الروائي؟ ومتى يكون الاقتباس أفضل من الأصل وقيمة الاقتباس أصلا لإنتاج فن جديد؟ علماً أن الفيلم السينمائي عاجز عن نقل الوصف الأدبي كما هي إلى صور.
في ندوة المعرض الدولي للكتاب، قال الناقد السينمائي المصري أمير العمري، إن السينما اعتمدت منذ ظهورها على الرواية والقصة بشكل خاص، وأن أربعين بالمائة من الأفلام العالمية تشكل اقتباسا لأعمال أدبية معروفة. فرغم تحويل بعض الأعمال الأدبية إلى أفلام سينمائية كان قد شكل خلافات قضائية في الكثير من الحالات بين المؤلفين والمخرجين، لاتهامات سواء بالخيانة أو تحريف الأعمال الأدبية، فالمبدع السينمائي يظل مطالبا بتجسيد رؤيته الإخراجية، وليس فقط ناقلا بالحرف لفكرة المؤلف، ذلك أن السينما إبداع أيضا وله تقنياته وعالمه الخاص.
الأستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط نورا لدين أفاية، ذكر أن السينما استثمرت في كل الفنون التي سبقتها فاستغلتها في بعض تقنياتها الممكنة وكذا تصوراتها عموما، مع اختلاف صغير وتوظيف في الأشكال السردية والبنيات الحكائية، لتقدم موضوعاتها بطريقتها الخاصة ولجمهورها الخاص المتعدد والمتباين. وتظل الكاميرا بمثابة قلم السينمائي الإبداعي الذي يشكل عبرها رؤيته الإخراجية.

نجاح الصورة السينمائية في مقابل الكلمة:
رغم تاريخية العمل الأدبي وانتشاره ووجود مبدعين عالميين في العالم العربي، تظل للصورة السينمائية قوتها الحالية في العصر الرقمي والتكنولوجي. بل إن السينما سحبت جمهورا عريضا من قراء الأدب، فالروائي وكاتب سيناريو عبد الإله الحمدوشي قدم تجربته، من خلال كتابة روايات حولها بعد ذلك إلى سيناريوهات أنجزتها تصويريا القناة التلفزيونية المغربية الأولى، مثل فيلم “الحوت الأعمى” و”الذبابة البيضاء”. في الآن نفسه تأسف الحمدوشي لعدم نجاح روايته “لحنش”، وحسب تقديره فالأمر واضح وراجع إلى العزوف عن القراءة،علما أن العمل المقتبس منه سينمائيا، لاقى إقبالا كبيرا، حيث بيعت حوالي ثلاثة آلاف تذكرة في شهر ونصف من عرضه داخل القاعات السينمائية الوطنية حاليا.
بدوره قال محمد الغيطاني، الروائي والناقد المصري في الندوة ذاتها، إن الحضارة الفرعونية والسومرية بنيتا على الصورة والرسم وليس الكلمة مضيفا أن الصورة هي الأسرع في الإدراك قبل الكلمة. ولا ينتقص في نظره عملية الاقتباس، لأنها انتقال من وسيط يهتم بالكلمة إلى وسيط أكثر اختصارا هوالصورة، وذكر في هذا الاتجاه أنموذج الفيلم المصري “عمارة يعقوبيان” الذي حول رواية ضعيفة حسب الغيطاني إلى فيلم ناجح.

من الاختلافات ما أشار إليه بعض المهتمين، من كون الرواية لا تشترط دراسة أو شهادات يحملها الكاتب، إنما السمة الإبداعية هي الأساس، فقد يبدع إنسان متوسط المستوى التعليمي بشكل أفضل من الدكتور، بينما السيناريو عمل احترافي يتطلب تأطيرا نظريا وتطبيقيا. وهناك روائيون قلائل استطاعوا الجمع بين كتابتها وكتابة السيناريو، مثلما الشأن بالنسبة للروائي المغربي الحمد وشي.
بعد نشر الروائي لعمله الأدبي، فإن القارئ يعيد صياغتها عند قراءتها، أي أنه أصبح سيد العمل على صعيده الشخصي، مثل أن يؤخر قراءة صفحة أوأكثر، أو يتقدم بها أو يؤجل الكثير من الصفحات وغير ذلك، بالتالي الصورة الكاملة للقراءة قد تختلف عما يهدف إليه الروائي. في حين، الصورة أيضاً تمنح للمشاهد في العمل السينمائي، لكن الاختلاف كبير بين المجالين، حيث هنا المشاهد يصبح متلقيا للقطات وصور فحسب، دون إمكانية تغييرها أو غير ذلك. في وقت تعتبر فيه اللقطة مثلا، سواء كانت عامة أو خاصة، ذات حمولة كبرى في القراءة التحليلية للمشاهد، ما يعني أن الصورة عالم زاخر بالقراءات مثل الأدب المكتوب، بيد أن الاختلاف أيضا كبير، في طرق التلقي وزوايا التعبير.

الأدب والدراما التلفزيونية :
في ندوة ثانية بالمعرض الدولي للكتاب، أشار الباحثون والمبدعون إلى علاقة الأدب بالدراما التلفزيونية، وعلى ضرورة الاستلهام من تجارب الدراما المصرية والسورية، اللاتين نجحتا في إنتاج أعمال درامية تلفزيونية تجسد الثقافة الحقيقية التي يعيشها المشاهد ويتفاعل معها.
فبالمغرب ثقافة غنية بالنصوص القصصية التي يمكن تحويلها إلى دراما تلفزيونية، نصوص تسهم في التعريف بالموروث التاريخي والثقافي والمحلي. بل منها ما يمكن إيصاله للعالمية، أو على الأقل التعريف به على الصعيد الإقليمي والعربي. فمثلا الفيلم التلفزيوني “الموجات السبع لإيموران”، فيلم بلغة أمازيغية مغربية يحكي أسطورة عريقة توجت العمل بالجائزة الكبرى في المهرجان العربي للتلفزيون بمصر.
الأدب وغياب الثقافة المحلية في الدراما التلفزيونية
من جانبه، المخرج المغربي عز العرب العلوي تدخل قائلا إن الدراما القادمة من خارج العالم العربي، كدراما تركيا، تخرب المجتمع ولا تأخذ بعين الإعتبار الواقع، دراما تجعل المشاهد يعيش غربة في وطنه. فالدراما المصرية والسورية اعتمدتا على الإبداع المحلي باستقطاب كتاب مثل نجيب محفوظ وجمال الغيطاني، للتأسيس لدراما عربية أصيلة تستقي قوتها من واقع الناس.
تلك العلاقة بين التلفزيون والإبداع المحلي الغائبة والنادرة، شكلت لب النقاش وهروب المنتج والمسؤول التلفزيوني إلى الترجمة والدبلجة والإبداع الغريب. فبالمغرب لا يتم الاعتماد على الأعمال الأدبية المحلية والخاصة بالبلد، نظرا لندرة التواصل بين الفاعلين في المجال وهم المخرج والروائي والمسؤول على الدراما التلفزيونية.
الروائية بديعة الراضي تناولت عمق الإشكالية بين الأدب والدراما التلفزيونية، الذي جعل الأعمال الدرامية المغربي ضعيفة، ويكمن ذلك في غياب التواصل بين السيناريست والمثقف في أحد الجوانب.
أما الباحث فؤاد سويبة فاستعرض التجربة الأمريكية التي اقتبست خمسة وثمانين في المئة، من الأعمال الدرامية التلفزيونية من الأدب، فارتباط الأدب بالدراما يعكس الواقع الذي يمكن تجسيده بدراما تلفزيونية ذات حمولة اجتماعية ونفسية. حمولات تظل في الأخير البصمة المتكاملة مع النمط الإبداعي الذي يقدم عملا فنيا في المستوى الجيد سواء لدى المهتمين، أو لدى الجمهور بصفة عامة.
