تكنولوجيا التعرف على الوجوه.. انتبه أنت مكشوف

محمد موسى
ركزت شركة آبل عند الإعلان عن هاتفها الجديد “أكس” قبل عدة أشهر على خاصية التعرف على الوجوه التي يملكها الهاتف الجديد، والتي تُضاف لأول مرة إلى سلسلة هواتف الآيفون الشهيرة. فاق التركيز على هذه الخاصية في إعلان شركة آبل حينها الإضافات الجديدة الأخرى للهاتف الأحدث لها، وكأن الشركة العملاقة أرادت بهذا الاهتمام أن تعوض تأخرها في استعمال هذه التكنولوجيا، خاصة أن منافستها الكورية الجنوبية “سامسونغ” كانت قد سبقتها وأدخلت هذه الخاصية بهواتفها في السنوات الأخيرة. كما أن التكنولوجيا أصبحت تُستخدم على نطاق واسع في المطارات الأوروبية، وذلك للتدقيق في هويات الذين يحملون الجنسيات الأوروبية أثناء تنقلهم في دول الاتحاد الأوروبي، وكذلك تستعمل التكنولوجيا ذاتها في أنظمة الحماية للشركات والمعامل الخاصة للتعرف على هوية العاملين فيها.
وفي الوقت الذي لا تزال شركات الهواتف الذكية تخطو خطوات بطيئة في مجال تطوير تكنولوجيا التعرف على الوجوه، فإن شركات الحماية والأمن سبقتها كثيرا في هذا المجال، حيث يتم الإعلان دوريا عن تطورات مذهلة على صعيد دقة هذه التكنولوجيا واستخداماتها المتعددة، خاصة تلك المخصصة لالتقاط الصور لمجموعات كبيرة من البشر الموجودين في الوقت نفسه في أمكنة عامة.

التعرف على الوجه.. انتهاك القانون؟
تجري معظم هذه التطورات بعيداً عن الإعلام الشعبي، إذ تفضل هذه الشركات أن تحيط عملها بسريّة، وانتظار ما سيؤول إليه النقاش العام الدائر عن موضوع الخصوصية، حيث إن العقبة الأهم أمام استعمال هذه التكنولوجيا في الأماكن العامة هو مجموعة كبيرة ومُعقدة من القوانين الحكومية الأوروبية والتي تعتبر أن استخدام هذه التكنولوجيا في الأماكن العامة كجزء من الإجراءات الأمنية يُعد انتهاكاً لخصوصية الأفراد.
على الرغم من تشابه الموقف الحكومي لمعظم الدول الأوروبية لجهة التمسك بحماية خصوصية مواطنيها، فإن الخطر المتواصل من الجماعات الإرهابية الدولية والعلاقات المتوترة مع روسيا، جعل حكومات أوروبية تتغاضى أحياناً عن استخدام تكنولوجيا متقدمة في مجال التعرف على الوجوه، كما تحاول حكومات أوروبية تمرير قوانين تجعل استخدام البيانات التي تحصل عليها من الأجهزة الأمنية والكاميرات التي توضع في الأماكن العامة، ومن ضمنها الكاميرات التي تمنح دقة كبيرة في مجال التعرف على وجوه العابرين شرعياً ومتاحاً، لتساعد من جهة على الحد من الجرائم المنظمة والفردية العادية، ولتحصن من جهة أخرى منظومتها الأمنية ضد الأخطار الخارجية وأهمها الإرهاب العالمي.
تُواصل المنظمات المدافعة عن الخصوصية في الدول الغربية التحذير من نموذج الدولة البوليسية الذي يقوم في قسم منه على التجميع غير القانوني للمعلومات عن طريق الوسائل التكنولوجية وحفظها بعد ذلك، كما تنبه هذه المنظمات أن المعلومات التي تجمعها الأنظمة الإلكترونية، والتي يتم تحصيل بعضها عن طريق كاميرات التعرف على الوجوه، يمكن أن يُساء استخدامها أو يتم توظيفها لابتزاز البعض. فهذه الكاميرات توفر عن طريق مراقبتها الدقيقة لتعابير وجوه الناس العاديين أثناء تقاطعهم اليومي في الأماكن العامة الإمكانية لتخمين الميول الجنسية لهم، والتي يمكن أن تستخدم للضغط غير القانوني على هؤلاء ولغايات شتى، وهو الأمر الذي يحصل فعلياً في بعض الدول التي لا يتمتع مواطنوها بأنظمة أمنية أو ديمقراطية شفافة.

بنك المعلومات.. مخزن الوجوه
كما يُمكن أن يتم استخدام هذه التكنولوجيا -المتاحة اليوم للجميع- من قبل شركات الدعاية التي تبحث بشكل متواصل عن وسائل متقدمة لدراسة أهواء الناس الذين تتوجه إليهم بمنتجاتها، حيث توفر هذه التكنولوجيا الإمكانية لهذه الشركات لقياس ردود أفعال الناس على إعلانات منتجاتها المعروضة في الشارع، ومدى تفاعلهم مع هذا الإعلان أو ذاك. وهي قضية أخرى تصارع منظمات حماية الخصوصية في الدول الأوروبية على منعها أو تقييدها، حيث يصعب كثيراً التحكم بنوعية وكمية وطريقة تخزين المعلومات التي تحصل عليها شركات خاصة عبر كاميرات المراقبة شديدة الدقة، كما تحاول هذه المنظمات عرقلة وضع كاميرات مراقبة لشركات خاصة في الأماكن العامة.
وبينما لا تكلّ المنظمات المدافعة عن الخصوصية عن إيجاد الأسباب القانونية لوقف أو تقنين استعمال التكنولوجيا المتقدمة لمراقبة الناس العاديين دون علمهم، يتمسك المدافعون عن هذه التكنولوجيا بتبرير استعمالها بحجة أن الشخص الذي لم يرتكب جرماً لا يخشى النظام في بلده. ويثق المدافعون عن تكنولوجيات متقدمة للتعرف على البشر في الأماكن العامة وربطها ببنوك المعلومات؛ بالأجهزة الأمنية التي تقوم بذلك وتعرف ما تقوم به، ويعتبرون أنها تحافظ على هذه المعلومات وتستعين بها لحفظ الأمن في الزمن الخطر الذي نعيشه اليوم. هذا رغم أن التجارب في بعض الدول الغربية بينت أن القراصنة الإلكترونيين قادرون على اختراق وسرقة بيانات حكومية حساسة للغاية.
تزداد حدة الحديث عن قضية الخصوصية مع كل تطور جديد على صعيد التكنولوجيا المستخدمة في التعرف على هويات العابرين في الأماكن العامة، وكما حدث أخيراً عندما أعلن عن الكاميرات الحديثة للغاية التي أطلقتها شركة “جيمالتو” الهولندية المتخصصة في هذا المجال، حيث توفر هذه الكاميرات صوراً بدقة كبيرة جدا، كما يمكن ربطها بأي بنك للمعلومات، بحيث يكون بالإمكان إجراء تحليل فوري لوجوه عابرين في شارع أو تقاطع ما وإرساله إلى بنك المعلومات، والبحث هناك عن مشتركات كما يحدث عند تعقب مجرمين فارين حُفظت ملفات خاصة عنهم في وقت سابق في بنك المعلومات ذاته.

التعرف على الوجه.. تكنولوجيا تتحول إلى واقع يومي
لا تنفرد شركات المراقبة والحماية الأمنية وشركات تصنيع الهواتف الذكية وحدها بساحة تطوير تكنولوجيا التعرف على الوجوه، إذ تُطور شركات تكنولوجيا معلومات تقنيات مختلفة في المجال نفسه، يتم استخدامها اليوم على نطاق شائع مثلما يفعل موقع فيسبوك الذي أنشأ هو أيضاً بنكاً خاصاً بالصور، حيث إنه يتعرف أحياناً على هوية الموجودين في صورة فوتوغرافية وما إذا كان هؤلاء من المشتركين في الموقع الأزرق أم لا.
وهناك اليوم عدة برامج أكثر تقدماً ودقة من فيسبوك مثل البرنامج التطبيقي الروسي “فايند فيس” (المتاح في روسيا فقط) الذي تم اختباره عن طريق المصور الفوتوغرافي الروسي الشاب إغور تسفيتكوف في تجربة مثيرة كثيراً، إذ التقط هذا المصور صوراً فوتوغرافية عشوائية عديدة لمستعملي المترو في العاصمة الروسية موسكو، ثم وضع الصور في برنامج “فايند فيس” الذي يرتبط بدوره بموقع “فكونتاكتي” (VKontakte) للتواصل الاجتماعي الشعبي في روسيا، وكانت نتائج هذه التجربة مذهلة جدا، حيث تم التوصل إلى هويات وبيانات 80% من الناس الذين كانوا في الصور عن طريق موقع التواصل الاجتماعي الروسي الذي كان قد نشر صوراً لهم في الماضي.
لم يعد يفصلنا زمن طويل أبداً قبل أن تتحول تكنولوجيا التعرف على الوجوه إلى واقع يومي، وقريباً كثيراً مما نراه في أفلام الخيال العلمي، حيث إن هناك في الوقت الحاضر تطبيقات شتى لهذه التكنولوجيا في الحياة اليومية من استعمالها في مطارات الدول المتقدمة، والتي استبدلت بها رجل الأمن التقليدي بأجهزة تربط الصور الموجودة على جوازات السفر بالصور التي تلتقطها أجهزة خاصة لوجوه المسافرين، إلى استعمالها في الهواتف الذكية. كما يتم تطوير هذه التكنولوجيا لتستخدم على نطاق واسع بدل كلمات السرّ في المواقع والبرامج الإلكترونية، وعند شراء تذاكر الحفلات الموسيقية والسينما، والكثير من المجالات الأخرى.