“الحنش” يستعيد جمهور السينما المغربية
زبيدة الخواتري

يحتال “لحنش” على ضحاياه بشكل مستمر ما أثار ريبة المسؤولين، إلى أن كشفته مصالح الأمن، حين كلفت ضابطة شرطة بمراقبته والإيقاع به، بعد معرفة عمله الإجرامي هل لوحده أم ضمن عصابة إجرامية، تلك بعض من قصة فيلم بعنوان “لحنش” للمخرج إدريس المريني الذي ما يزال في القاعات السينمائية المغربية. وهو العمل الجديد الذي أعاد المريني إلى شبابيك السينما بعد غيبة ليست بالقصيرة.
إدريس المريني مخرج الفيلم وحسب النقاد، قدم عملا جديدا في مشواره الحافل واشتغل بشكل جيد في اختيار الكاستينغ وإدارة الممثلين، حيث قدم بطلا الفيلم عزيز داداس (لحنش) ومجدولين الإدريسي (لحنشة) دورين مختلفين بالمقارنة مع أدوارهما السابقة. وتألقا فيه ما أعجب الجمهور إلى حد كبير. والعمل شارك فيه أيضا فنانون معروفون مثل عبد الرحيم الصمدي وفضيلة بنموسى ويونس بنزاكور وعبد الغني الصناك وزهور السليماني وبونعيلات وغيرهم .
وفي المغرب يطلق لقب «الحنش» أو الثعبان بشكل رمزي في الحديث اليومي لكل من يشتغل في صفوف الأمن، ومن هنا جاء عنوان هذا الفيلم.
وقدم مدير التصوير الفرنسي كزافيي كاسترو أشكالا تصويرية متفردة بما فيها لقطات أظهرت فضاءات مدينتي سلا والرباط ،بجمالية وبما تزخر به من معالم سياحية،مثل لقطات النهاية المأخوذة بصومعة حسان المشهورة في العاصمة الرباط وغيرها من المناظر والللقطات التي أسهمت في جودة تصوير الفيلم “لحنش” .
كتب سيناريو الفيلم السيناريست عبد الإله الحمدوشي ومزج فيه الرومانسية والتراجيديا والكوميديا. وهو عمل تفرد فيه الحمد وشي المعروف بأعماله البوليسية بصفة عامة.
فمن خلال قصة بطل الفيلم، الشاب العاطل ، عزيز داداس، ينتحل صفة شرطي للإنتقام للماضي الذي عاشرته أمه، في طفولته بعد وفاة والده وتعسف بعض رجال السلطة، من خلال ما يمارسه من ابتزاز ونصب على ضحاياه الكثر، إلى حين انتباه مصالح الأمن إلى أفعاله وإجرامه، وتم تكليف شرطية لمراقبته ومن ثم الإيقاع به. فكانت الفرصة في هذا العمل السينمائي لتناول مختلف مظاهر الفساد سواء داخل السجن أولدى الشرطة. وركز الفيلم أيضا على عدة ظواهر سلبية في المجتمع مثل الرشوة والفساد وغيرهما في كثير من المؤسسات..
ويتميز الحوار كذلك في فيلم ” لحنش ” بالجودة واتسامه بطابع عائلي، الأمر الذي ساهم في الإقبال عليه من طرف الأسر المغربية. إذ كانت الكثير من الانتاجات السينمائية الأخيرة تتسم حواراتها بنوع من إدخال الألفاظ النابية والسوقية التي يصعب متابعة العمل معها رفقة أفراد الأسرة.
وقامت بتوزيع العمل السينمائي إيمان ألمصباحي، وهي ابنة المجال السينمائي التي قدمت الكثير للسينما، وعملت على الترويج بشكل جيد للفيلم لحنش رغم قلة صالات السينما في المغرب.

قرصنة الفيلم
نجاح الفيلم، على الأقل جماهيريا لم يترك طاقم الفيلم ينعم بذلك، فكان العمل هدفا لقراصنة الإبداع السينمائي بالمغرب. وهو الأمر الذي أغضب المخرج إدريس المريني، فدعا المسؤولين للتدخل لإيقاف القرصنة. خصوصا أن استفحال ظاهرة القرصنة ليست وليدة اليوم ولا تخص فقط فيلم إدريس المريني. لأن القرصنة في المغرب مهما كانت الإجراءات القانونية حاضرة فإنها لا تفي تماما بقطع الظاهرة من جذورها وحماية الإبداع والمبدعين.
وكتب المخرج المريني في تدوينة نشرها عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك، لما يتعرض له فيلمه الكوميدي المغربي”لحنش” من قرصنة مشوهة لمقاطعه. وجاء في تدوينته:” بعد النجاح الكاسح للشريط السينمائي الكوميدي “لحنش” لاحظنا بأسف شديد أنه بدأ تداوله بشكل مكثف وفوضوي من طرف بعض المواقع الإلكترونية المتهورة وكذلك المعروفة والمشهورة في المغرب بشكل مشوه ورديء لا علاقة له إطلاقاً بجودة عرضه في القاعات السينمائية.”
وأضاف المخرج المغربي:”من الواجب التصدي لهذه القرصنة التي تعتبر جريمة في حق الثقافة والفن في المغرب. لأنها تفشل وتشل أية مبادرة مستقبلية في هذا الاتجاه، وإذ نشجب هذا التطاول نهيب بكل الجهات المعنية من وزارة الثقافة والاتصال والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة ومكتب حقوق التأليف وكذلك ذوي النيات الحسنة والغيورة لأن تتحمل مسؤوليتها لإيجاد حل قانوني لهذه التجاوزات خصوصا بعدما أخذ ميدان الإنتاج السينمائي الوطني منحى إيجابيا في السنين الأخيرة.”
“لحنش” نجاح جماهيري
قال مجموعة من النقاد المغاربة والمهتمين، إن النجاح الجماهيري الذي يلاقيه فيلم “الحنش” المعروض حاليا في القاعات السينمائية الوطنية،يعود إلى استطاعته تجميع عدة أهداف في الآن نفسه، بين الرسالة والمضمون وبين البعد الجمالي واتسامه بالكوميديا والسخرية. لكونه يخاطب الطبقات الشعبية وعامة الناس بلغة واضحة ومهذبة وساخرة. أي تناول المحتوى الاجتماعي بنقد جميل في طبق كوميدي ساخر. وهي المقادير التي يصعب إيجادها دائما في الأعمال السينمائية المغربي.
بذلك استطاع الفيلم السينمائي المغربي “لحنش” أن يحطم رقما قياسيا في شباك التذاكر بالمغرب، إذ تجاوز من شاهده، حسب ما توفر من أرقام لحد الآن رقم 150 ألفا، وذلك بعد أن كان بدأ عرضه في القاعات السينمائية يوم 13 ديسمبر من العام الماضي، ليتصدّر بذلك قائمة الأفلام الأكثر مشاهدة في المغرب.
المخرج المريني مشوار حافل
إدريس المريني ذو مسار إبداعي حافل، فهو من مواليد مدينة سلا قرب العاصمة سنة 1950. التحق بجامعة هامبورغ لاستكمال الدراسة وحصل منها سنة 1975 على شهادة كبرى في التواصل السمعي البصري.عاد أثرها إلى المغرب والتحق بوزارة الأنباء وبعد ذلك عمل كمنتج ومخرج بالتلفزة المغربية بالرباط سنة 1977 ، وهي السنة التي صور فيها بعض الأغاني بطريقة الفيديو كليب ، كقارئة الفنجان للراحل عبد الحليم حافظ وراحلة للراحل محمد الحياني.
أخرج فيلمه السينمائي الأول ” بامو ” سنة 1983حول مقاومة المستعمر الفرنسي ويتحدث عن بطولات فدائية حدثت في منطقة واوي زغت بمنطقة بني ملال وأزيلال الجبلية، و فيلم “العربي” سنة 2010 حول حياة ومنجزات أسطورة كرة القدم المغربية الحاج العربي بنمبارك الذي احترف في أوروبا، ثم فيلم “عايدة ” سنة 2014 ولقي استحسانا ملحوظا لدى النقاد والجمهور ونال مجموعة من الجوائز، إلى أن جاء ” لحنش” أواخر سنة 2017 بطابعه الكوميدي ليؤكد أن المخرج المريني ذوكفاءة، يشتغل في عدة مواضيع اجتماعية ودرامية وكوميدية وغيرها .
وكشف مؤخرا عن فيلم جديد بصدد الاشتغال عليه ويحمل بعدا فلسفيا، وضع له عنوانا مبدئيا هو «جبل موسى»،وهو عمل مقتبس من رواية تحمل نفس العنوان للكاتب المغربي عبد الرحيم بهير، الذي سبق له أن أنجز عدة أعمال تلفزيونية. مسيرة ادريس المريني حافة ولا يزال في قمة عطائه في انتظار المزيد من أعماله السينمائية أو التلفزية.