حروب وأحلام مجهضة وبعض من فكاهة وحبّ في أفلام من العالم العربي

ندى الأزهري

ظلت الأفلام العربية الروائية الطويلة والقصيرة والوثائقية تتناوب على شاشة معهد العالم العربي بباريس على مدى عشرة أيام، وذلك بعد غياب دام 12 عاما.

على مدى عشرة أيام ظلت الأفلام العربية الروائية الطويلة والقصيرة والوثائقية تتناوب على شاشة معهد العالم العربي بباريس، وذلك في مهرجان السينما العربي الذي نظمه المعهد بعد غياب دام 12 عاما. شاركت كل من الجزائر والإمارات والعراق وسوريا وفلسطين ولبنان في الفيلم الروائي الطويل، فيما شاركت كل من مصر والمغرب وتونس بفيلمين. كانت الأفلام المختارة من إنتاج هذا العام والعام السابق، وتنوعت مواضيعها ومستوياتها، كما ودخلت الأفلام الخفيفة الفكاهية في لائحة المسابقة الرسمية، ولم يكن الاعتراض على خفتها أو فكاهتها، إنما على المستوى الفني لبعضها لا سيما حين مقارنتها بالأفلام الأخرى.

اهتمت المخرجة نادين لبكي في فيلمها بمشاكل البائسين والمهاجرين والمهمشين المقيمين في لبنان من خلال قصة الصغير زين (12 عاما).

“كفر ناحوم”.. مقاضاة طفل لوالديه

كان فيلم الافتتاح “كفر ناحوم” للمخرجة نادين لبكي خارج المسابقة، حيث أهدت لبكي -في كلمتها- فيلمها إلى “الذين لا يريدون رؤية وسماع الحقيقة والقول عنها أنها مبالغة”، كما وأشارت لبكي بعبارات سريعة إلى مسيرة العمل السينمائي “المجبولة بالعرق والدم” في الظروف الحالية.

تهتم المخرجة في فيلمها بمشاكل البائسين والمهاجرين والمهمشين المقيمين في لبنان. من خلال قصة الصغير زين (12) الذي يقرر الفرار من عائلته لمعاملتها السيئة له ولإخوته، تحسن المخرجة إبداء حسّ اللامسؤولية وأحيانا اللامبالاة لدى اسرة شديدة البؤس. كون الفيلم الذي فاز بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان، يتناسب والخطاب اللائق سياسيا حول الهجرة واللجوء، ويضع كل مقدراته في سبيل استدرار العطف حتى لا نقول الدموع. وكون السيناريو غير واقعي  في فيلم واقعي؛ فكيف لطفل عمره 12 سنة أن يرفع دعوى على والديه؟  فإن هذا لا يمنع  “استمتاعا” بالفيلم إن جاز التعبير لناحية أداء الممثلين والصورة الجديدة التي يبديها للمدينة ولبعض من سكانها.

 

 

استطاعت المخرجة -عبر لقطات غاطسة من علو لأحياء المدينة- التأكيد على البشاعة المخيفة للعشوائية ولعالمها المهمش وزواريبها، فهذه الصورة “القبيحة” للمدينة والمفترض أنها بيروت، لم نرها قبل بهذا الشكل.

كان الأداء الأكثر إقناعا هو لوالدة الطفل زين، كما أن الخادمة الأثيوبية وطفلها الصغير لم يقصرا في شدّ المتفرج لأدائهما، لا سيما من خلال تمكن المخرجة من رصد تحولات الطفل الصغير وتصرفاته العفوية أحيانا، والتي أضافت بعضا من الطرافة على هذا الفيلم البائس ببؤس أبطاله، فيما لم تستغل لبكي تماما إمكانيات الطفل “زين” وبقيت ملامحه محافظة على التعبير المكتئب ذاته.

كما عُرض فيلم روائي طويل آخر خارج المسابقة مع “كفر ناحوم” هو “صوفيا” للمغربية مريم بن مبارك، حيث إن الفيلم ربح جائزة السيناريو في مهرجان “كان”، تتجاوز قصته بطلته الشابة المأساوية وحملها غير المشروع لتُبدي الفساد الاجتماعي والنفاق الناتج عن ضغوط التقاليد والدين.

 

 

 

أفلام فائزة.. عراقي، تونسي، لبناني

مساء السبت تم إعلان الجوائز، وفاز بالجائزة الكبرى للفيلم الطويل “الرحلة” للعراقي محمد الدراجي، وذلك في لحظة مصيرية فارقة في تاريخ العراق وهي “لحظة إعدام صدام حسين”، حيث تدخل شابة انتحارية محطة بغداد لتفجيرها.

تحولات عميقة تطرأ على الشخصية التي يجتمع فيها الخير والشر معا، إنها المذنب والضحية في آن واحد، فمتى، ولماذا يطغى الجانب الشرير على المرء؟ هذا تساؤل المخرج في الفيلم، والذي يبين تطورات شخصية البطلة ومشاعرها بدقة وقدرة، إنه يدعو المشاهد لطرح الأسئلة ومحاولة الإجابة عليها.

البطلة (زهراء غندور تمثل للمرة الأولى) نالت جائزة التمثيل لأدائها اللافت والمعبر، إنها ممثلة تبشر بمستقبل واعد وفريد.

فيلم "غداء العيد" يُبدي التفكك العائلي في صورته "الأبهى" خلال حفل غداء عائلي في عيد الفصح.

حصل على جائزة العمل الأول “بنزين” للتونسية سارة عبيدي، حيث يطرح الفيلم مشكلة اختفاء الشباب من خلال معاناة أبوين يجهلان مصير ابنهما المهاجر، هل مات أم ما زال على قيد الحياة؟ أين حطّت به الرحال؟ عانى الفيلم أحيانا من ضعف في السيناريو لجهة عدم رفده بعناصر تغنيه كالاقتراب أكثر من بقية الشخصيات وفهم حيرتها أمام الهجرة أو عدمها.

أما “غداء العيد” للبناني لوسيان بورجيلي الذي يبدو أنه عانى من الرقابة في لبنان، فهو يهاجم الطائفية وفساد السياسيين، ويُبدي التفكك العائلي في صورته “الأبهى” خلال حفل غداء عائلي في عيد الفصح.

تم تصوير الفيلم في حيز مغلق، وتحركت الكاميرا بسرعة وعصبية متعبة أحيانا، كما سادت بعض لحظات الصمت والارتباك خلال حوار الشخصيات، والتي قد يكون مسموحا بها في فيلم وثائقي ولكنها أضعفت بناء الفيلم هنا. وكنا ننتظر حوارا أكثر عمقا مما يتداول عادة بين الناس العاديين، حوار يسمو بالفيلم ويدعو المتفرج إلى التفكير والتأمل. نال الفيلم جائزة جماعية للتمثيل وجائزة لجنة التحكيم الخاصة.

 

 

 

وأفلام لم تفزْ.. فلسطيني، جزائري، سوري، تونسي، مغربي

جاء من الأفلام اللافتة جدا المشاركة في المسابقة “التقارير عن سارة وسليم” للفلسطيني مؤيد العليان، فيلم لاهث بإيقاع سريع مشوق ومفاجئ بأحداثه، حيث المخابرات الإسرائيلية وسلطات الأمن الفلسطينية تتشاركان في تعذيب فلسطيني مقدسي بسبب قصة معقدة أساسها علاقته الجنسية بإسرائيلية. علاقة لا خلفيات سياسية لها على الإطلاق، ولكن هل يمكن للسياسة ألا تتدخل بهذا النوع من الارتباطات؟

المخرج لا يوفر أحدا بنظرته الواقعية ولا يهتم بما قد يحدثه فيلمه من أثر وهو يبدي كيف يُصنّع البطل وكيف يمسي معتقلا بطلا دون أن تكون له علاقة بالبطولة أو بالنضال. فيلم ينتصر للمرأة المتمردة على زوج خائن، أثبتت فيه ميساء عبد الهادي من جديد بعد “3000 ليلة” لمي المصري و” أمور شخصية” لمهى الحاج أنها باتت بهذا الأداء الصادق وقدرتها على تجسيد الأدوار المتنوعة ركنا أساسيا في السينما الفلسطينية.

 

 

 

وقدمت الجزائرية الشابة ياسمين شويخ فيلم “إلى آخر الزمان”، حيث استهل الفيلم بإيقاع حيوي ومشوق ينبئ عن وصول جمع إلى مقبرة “سيدي بو القبور” مدخلا، بدور المقبرة كشخصية رئيسية فيه.  التشويق جاء من غموض الشخصيات ومن التساؤلات على الرغم من ضرورتها، بعض الأحداث بقيت مجهولة حتى بعد مضي زمن من الفيلم، كشخصية الراحلة وعلاقتها مع أختها، ولم يزعج هذا مسيرة الفيلم، ولكن ما أزعجها هو العلاقة بين المقبرة والبلدة أو القرية من حيث عدم وضع المقبرة في إطارها العام، فما موقعها بالنسبة للقرى المحيطة، وما يحيط بها وهل هناك سكان.. كان الناس يأتون ويذهبون، فلمَ يصرّون على هذه المقبرة، هل يوجد ولي فيها ولم نر الضريح؟

فكرة الفيلم جاءت للمخرجة من كون الناس يعيشون في مقبرة عملاقة، في البدء في بلدها فقط ثم الآن في كل الوطن العربي، فأين هو مكان الأحياء، وهل لدينا الحق بالعيش مع كل هذا الموت المحيط بنا؟ نحن أموات أحياء، نحن نعيش في عالم قاتم مقرف مرضي والناس يفكرون بالموت، ولكنهم يحاولون العيش بطريقتهم، وهذا ما يسعى الفيلم لايصاله.

فيلم "إلى آخر الزمان" للجزائرية الشابة ياسمين شويخ جاءت فكرته من كون الناس يعيشون في مقبرة عملاقة، في البدء في بلدها فقط ثم الآن في كل الوطن العربي.

من أفلام المسابقة “قماشتي المفضلة” للسورية غايا جيجي، الذي عُرض في مسابقة “كان” الرسمية، تكمن مشكلة الفيلم في غرابة أجوائه وغرابة دوافع بطلته غير المبررة دراميا وتحديد هويته. هوية شخصياته وهوية هذا البلد الذي تقول عنه الشخصية “جاي على بالي حنّ للبلد”، فأي بلد هو، ونحن لا نراه بل لا نشعر به وهو الأهم؟

الثورة السورية تشتعل من خلال الإذاعة وبعض المشاهد، وهي ما لم تهتم المخرجة به إلا كخلفية لأحلام بطلتها (اللبنانية منال عيسى في أداء رائع)، أحلام غير واضحة، فأية أحلام غير تلك الذاتية والشهوانية التي تشعر بها البطلة؟ وأي قمع تعانيه وهي تفعل ما تشاء؟ لكن ثمة مشهد يعبر بكفاءة وجمال وشاعرية عن الحلم الجماعي عمّا تبقى منه ومن البلد الذي طارت أجزاؤه، وتشتت في هذا الفضاء الواسع كقطعة القماش السوداء التي مزقتها البطلة. تجدر الإشارة أيضا إلى أداء الفلسطينية علا طبري المدهش في تجسيد دور القوادة في بيت دعارة بكل لامبالاتها وحزمها وشخصيتها الغريبة.

أما “آخر واحد فينا” للتونسي علاء الدين السليم فهو فيلم جديد في أسلوبه على السينما العربية، فيلم صامت حول الإنسان وبحثه عن موطن وهربه نحو المجهول، يترك الجحيم ليقع في جحيم آخر، إنه المهاجر الذي غادر صحراءه ليحطّ بعد سلسلة من مغامرات شقية في جزيرة معزولة، فكيف يتكيف مع هذه الحياة الشاقة؟ وأين يصبح مستقبله، بل مستقبل الإنسانية في عالمنا المعاصر؟ الفيلم نال جائزة أفضل أول عمل في مهرجان البندقية 2016.

“نور في الظلام” للمغربية خولة أسباب بن عمر، وذلك عن قصة حب بين فاقد للبصر يحلم بأن يصبح مذيعا وطالبة تدرس السينما، كل شيء يُفرّق بينهما، لكن هل سيجتمعان؟

"بلاش تبوسني" فيلم مصري يطرح بأسلوب ساخر جدا مشاكل السينما المصرية وتعامل العاملين فيها مع بعضهم.

“بلاش تبوسني” و”فوتوكوبي”.. مكان للسخرية

الفيلم المصري “بلاش تبوسني” الذي يطرح  بأسلوب ساخر جدا مشاكل السينما المصرية وتعامل العاملين فيها مع بعضهم، ومنها اختفاء القبلة في الأفلام على خلاف الأفلام المصرية القديمة التي كانت حافلة بها، إضافة إلى توبة الممثلات، والاهتمام بالنجوم على حساب المخرج، ثم تفاهة الممثلات والمذيعات، إلى الإنتاج الذي يشبه “السباكة”.

الفيلم وثائقي وروائي، حيث يصور فيلما داخل فيلم. الفكرة جاءته من خلال فيلم قصير كان ينفذه حين رفضت الممثلة القبلة، لكن على الرغم من براعة الفكرة التي قام عليها الفيلم ونسجها في بناء متماسك فإنها لم تكن كافية لبناء فيلم طويل، ويبدو المتفرج أحيانا محتارا مع المخرج في كيفية إنهاء هذا الفيلم والخروج من أزمة قبلة البطلة ومن ثم توبتها.

فيلم “فوتوكوبي” لتامر عشري وبطولة محمود حميدة، يحكي عن متقاعد لديه محل للفوتوكوبي، يكتشف متعة الحياة من جديد بعد وقوعه في حب جارته المريضة. هو فيلم يستدعي الزمن الجميل والأماكن والعلاقات الإنسانية الماضية.

فيلم "فوتوكوبي" يستدعي الزمن الجميل والأماكن والعلاقات الإنسانية الماضية.

لائحة الجوائز:

• جوائز الفيلم الروائي القصير والطويل:

1. جائزة معهد العالم العربي – Titra Film للفيلم الروائي القصير مناصفة لـ: “ونس” إخراج أحمد نادر (مصر، 2017) و “أرض الآباء” إخراج علاوي سليم (العراق، 2017)

2. جائزة معهد العالم العربي لأفضل ممثلة في فيلم روائي طويل تمنح لـزهراء غندور عن دورها في فيلم “الرحلة” إخراج محمد جبارة الدراجي (العراق/قطر/فرنسا/هولندا/المملكة المتحدة، 2017)

3. جائزة معهد العالم العربي لأفضل ممثل في فيلم روائي طويل: قررت لجنة التحكيم أن تمنح جائزة أفضل ممثل جماعيا لممثلي وممثلات فيلم ” غداء العيد”، إخراج لوسيان بورجيلي (لبنان، 2017)

فيلم "بنزين" للتونسية سارة عبيدي طرح مشكلة اختفاء الشباب من خلال معاناة أبوين يجهلان مصير ابنهما المهاجر، هل مات أم ما زال على قيد الحياة؟

4. جائزة معهد العالم العربي – TV5MONDEللفيلم الروائي الأول “بنزين”، إخراج سارة عبيدي (تونس،2017)

5. جائزة لجنة التحكيم الخاصة – Hyatt Paris Madeleine للفيلم الروائي الطويل “غداء العيد”، إخراج لوسيان بورجيلي (لبنان، 2017)

6. الجائزة الكبرى لمعهد العالم العربي – BMCE Bank للفيلم الروائي الطويل “الرحلة”، إخراج محمد جبارة الدراجي (العراق/قطر/فرنسا/هولندا/المملكة المتحدة، 2017)

فيلم " غداء العيد" قررت لجنة التحكيم أن تمنحه جائزة أفضل ممثل جماعيا لممثلي وممثلات الفيلم.

• جوائز الفيلم الوثائقي القصير والطويل:

1. جائزة لجنة التحكيم الخاصة للفيلم التسجيلي القصير مناصفة لـ” ولادة صورة”، إخراج فراس خوري (فلسطين، 2017) و” النحت في الزمن”، إخراج يوسف ناصر(مصر،2017)

2. جائزة معهد العالم العربي للفيلم التسجيلي القصير :” قطار – قطار 2 “، إخراج رانيا اسطفان (لبنان، 2017)

3. جائزة لجنة التحكيم الخاصة للفيلم الطويل– Titra Film:” كباش ورجال”، إخراج كريم صياد (الجزائر/ قطر / فرنسا / سويسرا،2017)

4. جائزة معهد العالم العربي – مهرجان الجونة السينمائي للفيلم التسجيلي الطويل :” الفرقة” إخراج الباقر جعفر (العراق/ لبنان، 2017)


إعلان