المهرجان الدولي لفيلم المرأة.. حضور وازن للوثائقي
المصطفى الصوفي

اختتمت فعاليات الدورة الـ12 للمهرجان الدولي لفيلم المرأة التي انطلقت في 24 سبتمبر/أيلول واستمرت حتى 29 من الشهر الجاري. وتحضر السينما الوثائقية بقوة ضمن فعاليات هذه الدورة التي تنظمها جمعية أبي رقراق بمدينة سلا في ضواحي العاصمة المغربية الرباط، وذلك في أهم تظاهرة مغربية تحتفي بالإبداع السينمائي النسائي العالمي.
وقد خصصت لجنة التنظيم التي تستضيف السينما البرازيلية كضيف شرف مسابقة رسمية للأفلام الوثائقية، وذلك تكريما لهذا الإبداع الفني الجميل والمتميز، وتتنافس فيها خمسة أفلام تعالج قضايا النوع، وتمثل خمس تجارب عالمية لكل واحدة رؤاها وطريقتها في ترسيخ عوالم خاصة تتجسد من خلالها معارك المرأة لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة والإنصاف ضد كل أشكال التمييز التعسفي عبر الفيلم الوثائقي الذي يتسم بالمعالجة الخلاقة للواقع بطريقة فنية ممتعة، من خلال ممثلين وقضايا وسياق حقيقيين لإيصال رسالة محددة للملتقي.

أفلام وثائقية تتنافس في بحث قضايا المرأة
وهذه الأفلام هي “واتيرا” للمخرج إيفا منيري من جنوب أفريقيا، ويعالج قصة وجدانية تتقاطع وتتماهى مع تاريخ كينيا المنسي بثقافتها الشعبية وشتاتها الأليم، وهو ما يؤثر بشكل كبير على الحياة والمجتمع سواء كان الماضي حقيقيا أو متخيلا.
ويشارك في المسابقة أيضا فيلم آخر هو “جميليا” للمخرجة أميناتو إيكهارد من قرغيستان، ويعالج أيضا قصة اجتماعية لحسناء تتمرد على الواقع والعادات والتقاليد المحلية في بلدها، عدا نساء يحكين عن أحلامهن ورغباتهن داخل مجتمع له طقوسه وتقاليده الخاصة بحثا عن الحرية.
ومن آسيا يشارك الفيلم الأفغاني “ألف فتاة تحبني” لصحراء ماني، ويتحدث بشكل قوي عن موضوع يعتبر من المواضيع المسكوت عنها فيما يتعلق بالاعتداء والتحرش الجنسي على فتاة (23 عاما) من قبل والدها، فضلا عن تأخير المنظومة الأفغانية لحماية المرأة وصون كرامتها.
ويدخل فيلم “الشاعرة” لستيفاني بروخوس وأندي وولف من ألمانيا الذي أنتج السنة الماضية، ويعالج في قالب ممتع ومشوق قصة “هلال” التي تهوى الشعر وتقرضه ورحلتها الطويلة بإصرار كبير للوصول إلى نهائيات مسابقة شاعر المليون لنيل الجائزة الكبرى.
أما الفيلم الخامس فهو “قصة ليدي” لإيساتا أوراما من بوركينا فاسو، وهو من إنتاج عام 2017، ويتحدث عن مراهقة تعيش ظروفا اجتماعية قاسية جعلتها تخرج إلى الشارع لتتعرف على فتاة أخرى صماء، وتسعى عائلتها لإعادتها إلى البيت. إنه صراع بين الأنا والآخر داخل الأسرة نفسها، فالأم في صراع دائم مع المراهقة التي ألِفت حياة الشارع، وكذلك تجسيد لروح العلاقات الاجتماعية والإنسانية وقيم التعايش والتسامح مهما كانت الصراعات.
وتحكم هذه المسابقة لجنة متخصصة تترأسها المنتجة هند السايح رئيسة المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي في أغادير المغربية، وتضم في عضويتها كلا من السينمائية ميشيل تيان من لبنان، والمخرجة والمنتجة الغابونية سمانتا بيفوت.

12 فيلما روائيا من القارات الخمس
وتأتي فعاليات الدورة لتعميق النقاش بشأن موضوع “أفلام المرأة”، ومواصلة الانفتاح على التجارب الإبداعية الخصبة والمتنوعة في العالم سواء على مستوى الكتابة السينمائية أو البحث في القضايا المتعلقة بها، فضلا عن مكافأة الأعمال السينمائية النسائية الجادة، وذلك بتخصيص مسابقة رسمية للأفلام الروائية الطويلة، ويشارك فيها 12 فيلما يمثل 18 دولة من مختلف القارات الخمس، منها 11 فيلما بإنتاج مشترك، و11 يُعرض لأول مرة بالمغرب، و11 من إنتاج 2018، وفيلم واحد أنتج العام الماضي.
وهذه الأفلام هي فيلم “المرئي وغير المرئي” لكاميلا أنديني، وهو إنتاج مشترك بين قطر وأندونيسيا وهولندا وأستراليا، ويعالج الفيلم قصة طفلة (10 أعوام) تغوص في عالم خيالي رائع لمواجهة فقدان ورحيل شقيقها التوأم، وذلك في قالب إخراجي مشوق ومؤثر للغاية يقدم بكل سحر رقة الطفولة بأحلامها وصمودها وتلقائيتها التي لا تنتهي.
كما يشارك في المسابقة فيلم “إلى آخر الزمان” للمخرجة ياسمين شويخ من الجزائر، و”لوموناد” لخوانا لوريكارو من رومانيا، و”مرح شارلوت” لصوفيا لورين من كندا، و”وحيدة في عرسي” لمارتا بريغمان من بلجيكا، ثم “السكون” لباتريز سينيير من البرازيل، و”كارمن ولولا” لإرنتخا شيفاريا من إسبانيا، و”السمعة السيئة” لإيام حق من النرويج، و”ماكيلا” لماشيري إكوا من الكونغو، ثم “الملائكة تلبس الأبيض” لفيفان كو من الصين، و”على بعد ساعتين من باريس” لفرجيني فرير من فرنسا، فضلا عن فيلم “بلا موطن” للمخرجة نرجس النجار من المغرب.
كما أحدثت اللجنة المنظمة في هذا السياق جائزة الجمهور الشبابي تشجيعا للشباب على الإنتاج السينمائي ودمجهم في المنظومة السينمائية عموما، وتتكون هذه اللجنة من المخرجات زينب تمورت وفاتن خلخال وإدريسي تتريت.
وتقديرا لمسار المرأة ودروها في المجال السينمائي تكرم الدورة أربعة نساء مبدعات هن: المخرجة التونسية سلمى بكار، والمنتجة سارة سيلفيرا من البرازيل، والممثلة رانيا فريد شوقي من مصر، فضلا عن الممثلة المغربية هدى ريحاني.
حرية التعبير بصيغة المؤنث
اختارت لجنة التنظيم في الندوة الرئيسية موضوعا حساسا للغاية، وكثيرا ما طرح العديد من الإشكاليات في الساحة السينمائية على المستوى الدولي، وهو التحرش الجنسي.
يساهم المهرجان بتنظيم ندوة دولية تكريما لمجهودات السينمائيات وخاصة العربيات منهن، وحثهن على التناظر في موضوع العنف والتحرش الجنسي ضد المرأة العاملة في القطاع السمعي البصري، وذلك إسهاما من المهرجان في الحد من هذه الآفة الخطيرة، وتوسيع هامش حرية التعبير بصيغة المؤنث، وقد ناقشت ورقة قدمها الدكتور عبد الرزاق الزاهر مفهوم التحرش والمفاهيم المجاورة، فضلا عن مشاركة العديد من السينمائيات والناشطات منهن السعيدة وضاح التي طرحت إشكالية معالجة قضية التحرش من زاوية قانونية، إضافة إلى الممثلة والمخرجة المغربية مريم التوزني التي طرحت موضوع جسد المرأة في المتخيل السينمائي، وإبراهيم العريس الذي تأمل دور السينما في تجاوز الصورة النمطية السلبية عن المرأة العربية.
وبعد ماستر كلاس (دورة تدريبية) المخرجة الفرنسية المغربية سيمون بيتون خلال الدورة الماضية، أعدت الدورة الحالية لقاء مفتوحا لضيوف المهرجان وطلبة المعاهد والمدارس وذلك مع المخرجة والمنتجة والسيناريست دومينيك كابريرا من فرنسا، والتي تعد من أبرز الأسماء السينمائية الأوروبية والدولية، حيث أخرجت ما يزيد على 15 فيلما توزعت بين الروائي والتخيلي والوثائقي، كما شاركت في الكثير من المهرجانات الدولية في مجال التشخيص والارتجال وورش كثيرة تهم الفيلم الوثائقي خاصة.
وضمن فقرة نظرات متقاطعة لرجل وامرأة حول مسألة النوع في السينما، نُظم لقاء خاص جمع بين كل من المخرج المغربي المثير للجدل نبيل عيوش صاحب فيلم “الزين لي فيك” و”غزية” والمخرجة الفرنسية باسكال فيران للحديث عن مجموعة من القضايا والأفكار.

كلاسيكيات مؤنثة للسينما الأفريقية
وفتحت هذه الدورة مجالا آخر لتوقيع عدد من الإصدارات والمؤلفات الجديدة، حيث التقى ضمن هذه الفقرة كل من الكاتبة والناقدة السينمائية المصرية ناهد صلاح (عضو مجلس إدارة الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، وساهمت أيضا كباحثة ومساعدة إخراج في عدد من الأفلام الوثائقية، ومن إصداراتها “الفتوة في السينما المصرية” و”بطل أيامنا الحلوة عن حياة عمر الشريف” و”الفلاحة في السينما المصرية” و”شويكار.. سيدتي الجميلة”)، فضلا عن الكاتبة لطيفة لبصير والناقد السينمائي والقاص حسن نرايس من المغرب، دون نسيان تقديم وتوقيع كتاب “مصطفى المسناوي ناقدا” من إعداد الجمعية المغربية لنقاد السينما.
كما تخصص الدورة فقرة جديدة عن كلاسيكيات السينما الأفريقية بصيغة المؤنث، وهي فرصة لمشاهدة العديد من التجارب النسائية القديمة في القارة الأفريقية، هذا إضافة إلى عدد من الفقرات والأنشطة الموازية التي تروم في الأساس إلى تكريس ثقافة الإبداع السينمائي النسائي وتقريبه إلى الجمهور.