الدورة الـ41 لمهرجان القاهرة السينمائي.. طموح للعودة إلى مركز الريادة
قيس قاسم
يشي التحشيد الإعلامي الواسع الذي يسبق انطلاق الدورة الـ41 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي برغبة منظميه في تقديم دورة جديدة تتجاوز التي سبقتها، والتي كانت بمثابة اختبار لإدارته الجديدة برئاسة المنتج السينمائي محمد حفظي. ويطمح برنامج الدورة إلى تجاوز مرحلةٍ تَراجعَ فيها المهرجان العريق، وتقدمت عليه مهرجانات حديثة العهد.
المنافسة بينه وبين مهرجان الجونة كانت أحد العوامل المنشّطة، وذلك واضح بغض النظر عن التصريحات والمجاملات التي تخفف من شدّتها.
تحمل هذه الدورة اسم “دورة يوسف شريف رزق الله”، وذلك تكريما لذكرى رحيل الناقد الذي ظلّ منصبه مديرا فنيا للمهرجان شاغرا يتولى مسؤوليته بالإنابة الناقد أحمد شوقي.
وقبل تدشين أعمال الدورة التي تشغل الفترة من 20 وحتى 29 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري؛ تَحرّكَ منظموها -وجُلّهم من الشباب- لجلب أفلام أجنبية قوية شاركت في مهرجانات دولية ونالت فيها جوائز.
عملت الدورة هذا العام على تعزيز مسابقتها الرسمية بأكبر قدر ممكن من العروض الدولية والعالمية الأولى، والتي بلغ مجموعها 27 فيلما، وضمّ القسم الرسمي خارج المسابقة أحدث أسماء وازنة في عالم السينما، مثل تيرينس ماليك وروي أندرسون وإيليا سليمان وغيرهم.
الأضخم من حيث الجوائز
على مستوى التزاماته كمهرجان، فهو يُريد لنفسه أن يكون مُلتقى ومركزا لدعم المشروعات السينمائية العربية الجديدة، حيث قام في الدورة الحالية برفع مُخصصات دعم “ملتقى القاهرة السينمائي” السادس لتصل إلى 200 ألف دولار أمريكي.
ويُقدّم المبلغ -وهو الأضخم منذ بدء العمل بالمهرجان- كجوائز مادية وعينية لمشروعات الأفلام المشاركة فيه، وذلك بالشراكة مع مركز السينما العربية الذي يتعاون معه أيضا في “ورشة تطوير السيناريو السينمائي” -وقبلت هذا العام ستة مشاريع من أربع دول عربية- وفي استضافة النسخة الأولى من “جوائز النقاد العرب للأفلام الأوروبية” التي يتعاون المركز في تنظيمها مع منظمة “ترويج السينما الأوروبية”. وتضم قائمة الجوائز 42 ناقدا عربيا يحضر عدد منهم مراسم توزيعها في القاهرة.
توسيع مسابقة آفاق
يُراهن القاهرة الدولي على توسيع “مسابقة آفاق السينما العربية”، فهي من بين أكثر الأقسام جماهيرية، إلى جانب كونها واجهة لدعم وتقديم السينما العربية في محفل يُعتبر من بين الأعرق عربيا. ومن بين قراراته لتوسعها رفع عدد أفلام المسابقة من ثمانية أفلام إلى 12 فيلما، إضافة لجائزتين جديدتين، تُمنح الأولى لأفضل فيلم غير روائي، والثانية لأفضل أداء تمثيلي.
وبإضافتهما إلى الجائزتين السابقتين (سعد وهبة لأحسن فيلم عربي وجائزة لجنة التحكيم الخاصة “صلاح أبو سيف”) سيصل مجموع جوائزها إلى أربعة جوائز، وتوافقا مع زيادتها تقرر رفع عدد أعضاء لجان تحكيمها من ثلاثة إلى خمسة أعضاء.
أفلام متنافسة
“بيك نعيش” من بين الأفلام المختارة للتسابق فيها، فالفيلم التونسي يحكي كيف تحولت رحلة “فارس” و”مريم” إلى كارثة عندما تعرض ابنهما الوحيد لطلق ناري عشوائي أثناء وجودهم في جنوب البلاد، فإصابته الخطيرة استوجبت زراعة كبد له، وقلبت حياة الأسرة رأسا على عقب.
فيما يتنافس فيلمان عراقيان على جوائزها، الأول “بغداد في خيالي”، ويتابع فيه مخرجه حياة اللاجئين السياسيين العراقيين في لندن، وارتباطهم بالمكان الأول؛ بغداد، والتي ظلت موجودة في خيالهم وضمائرهم ولم ينقطع تاريخ صراعاتهم فيها حتى وهم بعيدين عنها.
أما الثاني فـ”شارع حيفا” لمهند حيال، وهو عن بغداد في عام 2006؛ العام الذي شهد فصلا دمويا من الاقتتال الطائفي، وتحوّل ذلك الشارع إلى واحد من مراكزه.
أما من مصر فسيشارك “نوم الديك في الحبل” للمخرج سيف عبد الله. ويُعتبر الحضور المغاربي هو الأبرز في مسابقة آفاق، مما يشير إلى نشاط سينمائي ملحوظ تشهده بلدان المغرب العربي، والذي يفرض حضوره القوي على المهرجانات العربية والعالمية.
“إحكيلي”.. وثائقي مصري ضمن المنافسة
على غير العادة تتنافس ثلاثة أفلام عربية على جوائزها، الأول اللبناني “جدار الصمت” لأحمد غصين، والثاني فلسطيني أردني مشترك بعنوان “بين السماء والأرض” للمخرجة نجوى نجار، والثالث الوثائقي المصري “إحكيلي”.
وعن اختيار الأخير (إحكيلي) يشير محمد حفظي رئيس المهرجان أنه لا يتذكر آخر مرة شارك فيها فيلم وثائقي مصري في المسابقة الدولية لمهرجان القاهرة السينمائي، وربما تكون واقعة لم تحدث من قبل، مؤكدا أن هذا القرار يعكس إعجاب المهرجان بفيلم المخرجة ماريان خوري، كما يعكس الاهتمام أيضا بالسينما الوثائقية التي لم يكن لديها تمثيل كاف على مدار السنوات الماضية.
يرصد الوثائقي رحلة شخصية -إنسانية وبصرية- لأربع سيدات من أربعة أجيال مختلفة من عائلة المخرج الراحل يوسف شاهين المصرية التي يعود أصلها إلى بلاد الشام، وطالما كانت الحياة والسينما مرتبطتان ببعضهما في هذه العائلة.
وتُحكى الأحداث من خلال جلسة دردشة بين أم وابنتها اللتين تعملان في مجال السينما؛ “الأم” هي مخرجة الفيلم ماريان خوري، و”الابنة” هي ابنتها “سارة” التي تدرس السينما في كوبا، وتسعى كل منهما لاكتشاف الحياة بصعوباتها ومتعها من خلال مشاهد أرشيفية لم يرها أحد من قبل، حيث تغوص في عالم بين الحقيقة والخيال، سواء أكان ذلك عبر شخصيات أفراد العائلة التي ظهرت في أفلام الخال المخرج الراحل يوسف شاهين الذاتية، أم من خلال أدوار سيدات العائلة الحقيقية في مسرح الحياة.
مجموع المعروض في المسابقة الدولية 15 فيلما، منها ثلاثة أفلام في عرضها العالمي الأول، وهي “زافيرا” من رومانيا من إخراج أندري غروزنيتسكي، وفيلم “الحدود” من كولومبيا، والثالث “بين السماء والأرض”.
كما يُعرض فيلمان في عرضهما الدولي الأول، وهما البرازيلي “الرجل الودود” لإيبري كارفالو، والصيني “الحائط الرابع” لجانغ تشونغ وجانغ بو.
السينما المكسيكية.. ضيف الشرف
يشمل برنامج تكريم السينما المكسيكية عرض ثمانية أفلام وتكريمين، أما سبب اختيار المكسيك فيعود لأن المهرجان يرى في تجربتها السينمائية تشابها مع التجربة المصرية، فكلاهما مرّ بعصور ذهبية قدّم خلالها عددا من الكلاسيكيات التي أثرت في السينما المحلية والإقليمية وأحيانا العالمية، وكلاهما أيضا مرّ بظروف ركود، لكن السينما المكسيكية استطاعت تجاوزها بفضل جيل جديد من سينمائييها الذين أعادوها إلى الصدارة ثانية.
وتُعوّل السينما المصرية بدورها على جيل من صُنّاع السينما المستقلة القادر على إنهاضها ثانية، ويأمل المهرجان من التجربة المكسيكية باستلهام الأفكار والطريق للوصول بالسينما المصرية إلى مبتغاها.
وفي البرنامج يُكرَّم المخرجان جويرمو أرياجا وكارلوس ريجاديس. وعلى مجمل أعماله يُكرَّم المخرج والممثل وكاتب السيناريو البريطاني “تيري جيليام” بجائزة فاتن حمامة، وذلك تقديرا لمسيرته الفنية الطويلة، وإسهاماته البارزة في صناعة السينما التي جعلت منه واحدا من بين أهم مخرجي العصر.
ومحليا منح المهرجان الفنانة “منّة شلبي” جائزة فاتن حمامة للتَميُّز، وذلك لتميزها بانتقاء أدوارها والجرأة في طرق الأبواب غير المعتادة، لتصبح في وقت قياسي من أهم ممثلات جيلها، كما يُكَرَّم المخرج المصري شريف عرفة بالجائزة نفسها، وذلك عن مجمل أعماله وتقديرا لمسيرته الفنية الممتدة لأكثر من ثلاثة عقود.
بانوراما خاصة.. أربعة وثائقيات وفيلم تحريك
بَرمج مسؤولو قسم “بانوراما خاصة.. مواهب سينمائية” خمسة أفلام تتكفل برصد رحلة خمسة من أهم صُنّاع السينما العالميين، حيث يُعرض لهم خمسة أفلام (أربعة وثائقيات وفيلم تحريك)، وهي حسب تقدير مبرمجيها من بين أفضل وأحدث الأفلام المعروضة خلال العام الحالي، وتُشكّل معا نظرة بانورامية تُجيب على أسئلة: ماذا يعني أن تكون مبدعا، وما الأثر الذي يتركه فنان السينما في عالمه؟
والأفلام هي: البرازيلي “بابينكو.. أخبرني عندما أموت” الفائز بجائزة أحسن فيلم وثائقي عن السينما في مهرجان فينيسيا الأخير، وفيلم “شغف آنا مانياني”، و”فورمان ضد فورمان”، و”بونويل في متاهة السلاحف”، أما الأخير فهو فيلم عربي بعنوان “فتح أبواب السينما.. محمد ملص” من إخراج نزار عنداري.
ميثاق 5050 في 2020
زامن المهرجان توقيع ميثاق حركة “5050 في 2020 ” للمساواة بين المرأة والرجل في الفعاليات السينمائية مع انعقاد الدورة الحالية، ليكون المهرجان الأول عربيا والثاني أفريقيا الذي يعلن التزامه ببنود الوثيقة التي أطلقتها الحركة، وكان أول الموقعين عليها مهرجان “كان” السينمائي عام 2018.
وبموجب التوقيع سيكون المهرجان مُلزَما بدءا من الدورة القادمة بتقديم جرد بالإحصائيات المرتبطة بنسب مشاركة النساء في فريق البرمجة ولجنة اختيار الأفلام، كما يلتزم بإعلان نسبة الأفلام التي تقدمت للمشاركة من إخراج نساء، إضافة لعدد الأفلام التي يختار منها المهرجان.
كما تشهد الدورة استمرار ثلاثة برامج استُحدثت العام الماضي، وذلك بعد النجاح الذي حققته على المستويين الجماهيري والفني؛ أولها “أفلام الواقع الافتراضي” الذي تعهّد المهرجان بتطويره، وذلك مواكبة للتيار العالمي الذي تُخصص له المهرجانات الكبيرة حيزا مهما في برامجها الرسمية.
أما ثاني البرامج فهو “عروض منتصف الليل” التي تتنوع عروضها بين أفلام الرعب والخيال العلمي والجريمة، والبرنامج الثالث هو “جالا” أو عروض السجادة الحمراء الذي يحضر أفلامها بعض صُنّاعها من ممثلين ومخرجين وغيرهم مع الجمهور، وعادة ما تحظى هذه العروض بإقبال جماهيري واسع.
أما فيلم افتتاح الدورة فسيكون “الإيرلندي” لمارتن سكورسيزي، وبطولة آل باتشينو وروبرت دي نيرو.