مهرجان “ليالي تالين السوداء”.. احتفاء بالسينما العربية

قيس قاسم
قرّر منظمو الدورة الـ23 لمهرجان “الليالي السوداء” في العاصمة الإستونية “تالين” تخصيص برنامجها الاستعادي لهذا العام للسينما العربية. حيث تضمّن برنامج “نظرة على السينما العربية” مجموعة أفلام أُنتجت خلال السنوات العشر الأخيرة بلغ مجموعها 14 فيلما، وهي بذلك تكون الأكبر بين الاستعادات العربية في أوروبا.
من تقاليد المهرجان الذي يستمر من 15 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري حتى الأول من ديسمبر/كانون الأول؛ أن يمنح شرف فيلم الافتتاح لأحد أفلام الاستعادة، وقد نال هذا الشرف الفيلم المغربي “آدم”.
المشاركة العربية في “تالين”.. الأكبر في التاريخ
المشاركة العربية في “تالين” هي الأكبر أوروبيا على مستوى عدد الأفلام ونوعيتها. وفي تقديمه لها أمام ضيوف المهرجان وإدارته أشار انتشال التميمي مُعدّ برنامج الفعالية إلى خصوصية الاستعادة العربية في “تالين” بالقول: سبَق مهرجان “تالين” الكثير من المهرجانات الأوروبية التي احتفت بالسينما العربية، لكن المميز في “الليالي السوداء” أنه ضم 14 فيلما. هذا العدد هو الأكبر في تاريخ المشاركات، ناهيك عن نوعيتها.
ونال الكثير منها هذا العام جوائز عالمية كفيلم السوداني أمجد أبو العلا “ستموت في العشرين”، والجزائري “بابيشا” لمونيه مدور، وفيلم المخرجة المغربية مريم توزاني “آدم” المعروض كفيلم افتتاح الدورة، فهو اختيار موفَّق لفيلم حظي بقبول نقدي عربي وعالمي، فجودة العمل السينمائي تُقدّم تصورا لتقدم مستوى السينما المغاربية التي تشهد في السنوات الأخيرة عصرا ذهبيا من المهم أن يطلع عليه الجمهور الغربي، ومن خلاله يتعرفون على طبيعة الحياة في عالمنا العربي.

ترحيب بالسينما العربية
مديرة ومؤسسة المهرجان الإستوني “تينا لوك ترامبورج” قالت: إنه لشرف كبير لنا أن نفتتح دورتنا الـ23 بفيلم عربي، ونعتبر تعاوننا مع مهرجان الجونة تعاونا فعّالا، ونشكر فريقه على كل الدعم الذي قدموه لنا.
وأضافت: البرنامج المميز يُتيح الفرصة أمام جمهورنا للتعرف على الجوانب المثيرة والمتنوعة في السينما العربية. نسعى لاستكمال تعاوننا في المستقبل آملين في جعل مهرجاننا جسرا لصناعة السينما العربية في منطقتنا وغيرها.
من جانبه أعرب مدير مهرجان الجونة انتشال التميمي عن سعادته بهذا التعاون قائلا: إن مهرجان الجونة السينمائي يسعى لدعم السينما العربية بكافة الأشكال، عبر تعاونه مع العديد من المهرجانات السينمائية وصناديق المِنح ومختلف الفاعلين في صناعة السينما إقليميا ودوليا. وأضاف: نفخر بتعاوننا مع مهرجان بحجم “الليالي السوداء” الذي يتطور بسرعة كبيرة، ليصبح واحدا من أهم النوافذ الرئيسية للسينما العربية والعالمية في منطقة دول البلطيق.
حضرت حفل الافتتاح المؤسس المشارك ورئيس العمليات بمهرجان الجونة السينمائي بشرى رزة، إضافة إلى مؤسسه نجيب ساويرس الذي قدّم شعلة المهرجان إلى رئيسته، والتي ستمنحها بدورها لممثل الدولة الضيف في السنة القادمة، وذلك خلال الحفل الختامي للدورة.
“بغداد في خيالي”.. وثائقيات عربية مُشاركة
تَوزَّع البرنامج بين ستة أفلام جديدة من إنتاج عام 2019، من بينها “بغداد في خيالي” للمخرج العراقي سمير جمال الدين، والذي سيُعرض له أيضا وثائقيه المهم “الأوديسا العراقية”، وفيلم “الكهف” لفراس فياض، و”حديث عن الأشجار” لصهيب الباري.
وبين ثمانية أفلام أخرى أُنتجت خلال السنوات العشرة الأخيرة من بينها فيلم المغربي فوزي بن السعيدي “بيع الموت” (2011)، وثالث أفلام المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد “عمر” (2013)، إضافة إلى “ذيب” (2014) لناجي أبو نوار، و”نحبك هادي” لمحمد بن عطية، وفيلم ليلى أبو زيد “على حلة عيني” (2016).
“الكهف”.. طبيبة مشفى تحت الأرض
لا تكتفي الدورة بالبرنامج الاستعادي العربي فتُبرمج بعضا منها في أقسامها الرئيسية، كما فعلت مع الوثائقي السوري “الكهف” لفراس فياض، وهو صاحب فيلم “آخر الرجال في حلب” المرشح للأوسكار، والحاصل على العديد من الجوائز في مهرجانات سينمائية عالمية.
فيلمه الجديد “الكهف” أقرب إلى بورتريه شخصي لطبيبة الأطفال السورية “أماني”، فهي الطبيبة التي اختارها أطباء المشفى الوحيد الموجود تحت الأرض في منطقة الغوطة الشرقية الذي أطلقوا اسم “الكهف”؛ أن تكون مديرة له.
عبر تجربتها ينقل صانعه حالة حصار المدينة وتهديد سكانها وخاصة الأطفال منهم بالموت جوعا. لا يحصر سرده بتوثيق دمار المنطقة وبشاعة ما تعرضت له من قصف وحشي بالطيران والمدافع فحسب، بل ينتقل لتوثيق عزيمة أطباء أصرّوا على توفير الدواء والمواد الغذائية للأطفال المحاصرين والمهددين بالموت.
الفيلم قدمته شركة “ناشونال جيوغرافيك للأفلام الوثائقية” ضمن قائمتها للترشيح لجوائز الأوسكار.

“الحديث عن الأشجار”.. حال السينما السودانية
في القسم نفسه سيُشاهد أهالي “تالين” رائعة السوداني صهيب الباري “الحديث عن الأشجار”، حيث تُوّج هذا الفيلم بعدد كبير من الجوائز منذ نيله جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان برلين.
تكمن أهمية الفيلم في بساطته وعمقه، حيث يرافق صانعه مجموعة من السينمائيين من عشّاق الفن السابع وهم يحاولون إعادة تأهيل قاعات سينمائية قديمة بجهودهم الفردية، وفي أوقات فراغهم يذهبون لتقديم عروض سينمائية لسكان المناطق البعيدة بطريقة ما يسمى “سينما فور ويلز”، أي السينما المتنقلة بالسيارة. حلاوة نقلهم التجربة التي تُبطّن مواقف سياسية واجتماعية تمنحه الجدّية، إلى جانب جماليات متأتية من التصوير والتوليف.
“الحديث عن الأشجار” يتوافق مع البرنامج الاستعادي المُراد منه عرض حال السينما في الدولة/الدول الضيف، وهو خير مَنْ ينقل حال السينما السودانية التي توقفت لسنوات بسبب إهمال المؤسسات الرسمية وضعف الدعم المقدم لها، لكنها استطاعت رغم ذلك أن تنهض مجددا بعزيمة سينمائيين يؤمنون بقدارات فنية كامنة في بلدهم، وكل ما تحتاجه هو توفير الفرص المناسبة لها.

“ستموت في العشرين”.. الموروث السينمائي
على المستوى الروائي الطويل يكمل “ستموت في العشرين” لأمجد أبو العلا عرض صورة السينما السودانية أمام الجمهور المُضيف. جودة أداء فريق الفيلم على المستوى الإخراجي والتمثيلي يعكس مستوى سينمائيا جيدا لم يتعرف الجمهور العربي والأجنبي عليه كما يجب، كما أن نيله جوائز مهرجانات عربية وعالمية مهمة يؤشر على أهمية متأتية من جودة صناعة، وتقنية مستمدة من سياسة الاقتصاد الإنتاجي، والمعتمدة على موروث سينمائي يستعيد حضوره الآن.
المهرجان الأكبر في البلطيق
تَطوَّر المهرجان الإستوني على مدى السنوات الـ23، حتى أصبح اليوم واحدا من أكبر المهرجانات السينمائية في منطقة دول البلطيق، حيث سيعرض ما يقرب من 250 فيلما طويلا و300 فيلم قصير، كما يُقدّر أن يصل عدد مشاهديها إلى حوالي 80 ألف مشاهد، وذلك على ضوء تجارب السنوات السابقة.
كما يُعدّ المهرجان الإستوني هو المهرجان الوحيد المعترف به من قبل الاتحاد الدولي لموزعي السينما في شرق أوروبا، وقد اهتم المهرجان منذ انطلاقه بسينما المؤلف، وساعد صُنّاعها على بدء مسيرتهم السينمائية منه وصولا إلى العالمية.
“رجل من بيروت”.. عرض دولي أول
في مسابقته الرسمية يحرص مبرمجوه على تقديم العروض الدولية الأولى، وبها يكمن تميزه الأبرز عن بقية المهرجانات الأوروبية، حيث تضم العروض الأولى أفلاما من أوروبا ومن بقية القارات، فهذه السنة ضمت الفيلم الإيراني “عندما يكتمل القمر” للمخرجة نرجس أبيار، وهي صاحبة فيلم “نَفَسَ” الذي عُرض في المسابقة نفسها قبل ثلاث سنوات، وفي هذا العام يُعرض الفيلم الألماني “رجل من بيروت”.
تدور قصة “رجل من بيروت” حول قاتل مأجور أعمى يُدعى “مومو”، تنقلب حياته رأسا على عقب حين يجد طفلة أمامه أثناء تنفيذه إحدى العمليات فيتردد في إطلاق النار عليها. فعل اتخذه على غير عادته وعليه أن يتحمل عواقبه، حيث سيجلب له قراره بعدم الضغط على الزناد أعداء كثيرين، كما سيكسب بسببه أصدقاء كثيرين أيضا، إلا أن قراره بتنظيف نفسه من ماضيه والتأقلم مع حياة سوية لن يكون سهلا، وعليها يبني الفيلم حبكة سينمائية ممتعة.
ظروف إنتاج الفيلم استثنائية، فهو على عكس السائد في أنماط الإنتاج السينمائي الألماني، فالفيلم لم يحصل على تمويل من مؤسسات عامة، ومع ذلك تم إكماله بمعونة أصدقاء المخرج “كريستوف غامبيل”، ومن بينهم مُغني الراب الألماني الشهير “فيسيل”.
يقوم بأدوار البطولة في الفيلم كيدا خضر رمضان ودنيا رمضان، وغيرهم من الممثلين العرب.ة