مهرجان سوسة لفيلم الطفولة والشباب.. التربية عن طريق الصورة
صالح محمد سويسي

هو ليس مجرد مهرجان سينمائي تتزاحم فيه الأجساد أمام بوابات قاعات العروض السينمائية لالتقاط صور الافتتاح والاختتام، وهو ليس مهرجانا لعرض الأفلام وتوزيع الجوائز فقط، وهو أيضا ليس فرصة للظفر بصورة أو توقيع من هذا النجم أو تلك النجمة.
هو مهرجان نوعيّ يعمل وفق أهداف تربوية بالأساس، وذلك من خلال مشروعه الهام، وهو التربية على الصورة وعلى السينما، ليكون بذلك المهرجان العربي والأفريقي السبّاق في تنشئة أجيال من عشاق السينما صناعة ومتابعة، وهو أيضا ورشة مفتوحة منذ تأسيسه سنة 1991 للأطفال والشباب من تونس وخارجها، وذلك كي يكونوا جزءا من العملية السينمائية بكل تفاصيلها.
يعتبر مهرجان سوسة الدولي لفيلم الطفولة والشباب (الذي استمرت فعاليات دورته الـ13 من 17 وحتى 22 مارس/آذار الجاري في سوسة التونسية)؛ الأول والأقدم من نوعه عربيا وأفريقيا، فهو ما زال صامدا رغم كل الهزّات والمناورات التي ترمي في بعضها لسحبه من خارطة المهرجانات، ورغم تراجع المتابعات الإعلامية له ولأنشطته التي تلامس مباشرة الأطفال والشباب في المؤسسات التربوية والثقافية والشبابية، لكن جمهوره لا ينتظره، بل يسعى إليه أينما كان.
يقول مدير المهرجان حسن عليلش “ما زلنا نواصل في ذات التوجه وهو التربية بواسطة الصورة، حيث برمجنا جملة من ورشات التكوين، منها ورشة التغطية السمعية البصرية، وورشة المونتاج، وورشة التصوير الفوتوغرافي (بورتريه) والتصوير الفوتوغرافي التشكيلي، وورشة المؤثرات الخاصة، وورشة الفيديو الفني الرقمي، وورشة تصحيح الألوان، وورشة المكساج والتركيب الصوتي، وورشة معالجة الصورة، وورشة السينوغرافيا، وورشة الوثائقي والديكور والريبورتاج، وغيرها من الورشات التي تستهدف الأطفال والشباب في المؤسسات التربوية الإعدادية والثانوية والجامعية”.

سينما الحيّ.. أحياء شعبية مهمشة
وفي حديث الأرقام نجد أن المهرجان نظّم 21 ورشة أشرف عليها مكوّنون من فنانين وجامعيين مختصين بالسينما والصورة، وشارك في هذه الورشات ما يقرب من 500 شاب وشابة من التلاميذ والطلبة، وشهدت الورشات التي انتظمت داخل المؤسسات التربوية إقبالا كبيرا خاصة في الأحياء الشعبية، وتحديدا في إطار مشروع “سينما الحي”.
ويُعدّ هذا المشروع نقلة نوعية في النشاط الذي يقوم به المهرجان منذ 2009 في إطار التربية المسترسلة عن طريق الصورة، فبعد التجربة الطويلة التي اكتسبها من خلال التدخل في المؤسسات التربوية والشبابية (مدارس إعدادية وثانوية ودور شباب) لتنظيم الأنشطة المتنوعة داخلها؛ قرّر المنظّمون المرور إلى تجربة أخرى تقتضي التنقل إلى الأحياء الشعبية ذات الكثافة السكانية وظروف العيش الصعبة، والتي تعاني من التهميش، حيث يتم تنفيذ البرنامج بالشراكة والتنسيق مع المؤسسات العمومية التابعة للحي والجمعيات المدنية، وخلال الدورة الأخيرة تم تنفيذ البرنامج في ثلاثة أحياء شعبية ذات كثافة سكانية تشكو التهميش ونقص الأنشطة الثقافية والشبابية.
ويهدف المنظمون إلى نشر الثقافة السينمائية في أوساط الشباب، وذلك بتدريبهم على تحليل الأفلام وفهم دلالاتها، مع تأطير المجموعات الشبابية أثناء ممارستهم الثقافية، وبالخصوص التعبير بالصورة وتصوير الأفلام، ورفع المستوى المدني لدى الطفولة والشباب، وذلك بتعويدهم على التعبير وإبداء الرأي واحترام الرأي المخالف، والمشاركة في العمل الجماعي.
كما يسعى القائمون على المهرجان إلى توسيع رقعة النشاط، وإشعاع المهرجان خارج المؤسسات التقليدية، خاصة في الأحياء الشعبية المهمشة.

“المدرسة السينمائية“ و“خطوات في السينما“
وفي قسم التربية عن طريق الصورة عدد من المشاريع الأخرى التي يشتغل عليها المهرجان، منها “المدرسة السينمائية”، وهي فضاء مفتوح للمدرسين والتلاميذ وكذلك اليافعين والناشطين في دور الثقافة ودور الشباب، فضلا عن الملتقى الدولي للشباب الذي استقبل هذا العام مشاركين من تونس فقط، نظرا للمشاكل المالية التي يواجهها المنظمون، وحالت دون مشاركة شباب من الخارج كما جرت العادة في كل الدورات السابقة.
إلى جانب برنامج “خطوات في السينما”، حيث يتم اختيار عدد من المجموعات الشبابية من الناشطين في دور الشباب أو دور الثقافة أو المؤسسات التربوية والراغبين في تصوير أفلام، على أن يتكفّل المهرجان بتكوينهم مسبقا، وتوفير التأطير والمتابعة لهم أثناء مختلف مراحل إنجاز الأشرطة.
الصورة والتلاعب.. بناء المعنى
نظم المهرجان في دورته الـ13 ندوة علمية أعد لها وأشرف على فعالياتها الأستاذ مروان بن الكيلاني، وتضمنت مداخلات لعدد من المختصين من تونس والجزائر والمغرب، وناقشت ثيمة في غاية الأهمية هي “الصورة والتلاعب” (Image and manipulation)، ونُظمت بالاشتراك مع المدرسة العليا للسمعي البصري والسينما بقمرت، ومخبر مقاربات الخطاب بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس.
وقدّم الدكتور فريد زاهي من المغرب مداخلة هامة في الندوة، حيث انطلق من مسألة “طبيعة” الصورة باعتبارها أصلا لعبة قبل أن تكون موضوعا للتلاعب، معتبرا أن الصورة في جوهرها تلاعب بالحواس وتلاعب بالمرئي لبناء المعنى.
وقال زاهي “تنطلق الصورة في بناء الواقع من ممكنات التقنية والحساسية البصرية، وهي في هذه العملية تخضع لمجموعة من الآليات التي من خلالها تبني تلقّينا لها من خلال هيكلة بنياتها ومكوناتها الداخلية، كما أنها تخضع هي نفسها للتأويل البصري من قبل المتلقي الذي قد يحولها إلى صورة متلاعبة بموضوعها”،
وحاول زاهي في سيرورة بناء المعنى وهدمه التمييز بين زوجين من المفاهيم الهامة؛ الصورة والسيمولاكر (الصورة التافهة)، ومفهوم التأويل ومفهوم التقويل (التلاعب).
ولكي يبرهن على أن التلاعب الراهن بجوانبه التقنية -فوتوشوب (photoshop)- لا يقوم سوى بتوسيع وتعميق ما تبيحه الصورة، وحلّل ذلك من خلال نماذج استقاها من صور وبطاقات كولونيالية من الأرشيف الفرنسي، ومن خلالها طرح عددا من القضايا، مثل حقيقة الصورة وحقيقة التاريخ، وجسد الآخر والاستيهام الشرقي، والنموذج البشري وأوهام الإثنوغرافيا (علم وصف الأعراق) الكولونيالية، وكذب اللغة أو كذب الصورة، والمرجع والأرشيف وكتابة التاريخ بالصورة.
أفلام فائزة ومسابقات وجوائز
قدّم المهرجان في دورته الأخير ما يقارب 80 فيلما تنوعت بين القصيرة والطويلة، وشاركت الأفلام في مختلف المسابقات، وهي المسابقة الدولية في الأفلام الطويلة والقصيرة، والمسابقة الوطنية لأفلام الشباب، والمسابقة الجهوية لأفلام الشباب.
ففي المسابقة الدولية ارتأت لجنة التحكيم إسناد الغصن الذهبي للفيلم الطويل للأطفال لـ”دليلي إلى باريس” ) Dilili à Paris) للفرنسية ميشال أوسيلو، وفاز بالغصن الذهبي للفيلم الطويل للشباب “في عينيّ” للتونسي نجيب بلقاضي، أما الغصن الذهبي للفيلم القصير للأطفال فكان من نصيب “حجم الأشياء” (The size of the things) للكولومبي كارلوس مونتويا، أما الغصن الفضي للفيلم القصير للشباب فكان لـ”التمساح” (Cocodrilo) للإسباني يورغ يوديسي.
وفي المسابقة الوطنية تم تتويج شريط “يسار.. يمين” (Gauche.. (Droiteلمعاطي الدريدي بالغصن الذهبي، وشريط “نهاوند” لغفران العبيدي بالغصن الفضي، أما الغصن البرونزي فقد حازه “بين الجدران” لزياد بلطيفة، وفي المسابقة الجهوية فاز “منّا فينا” (Mennou Fina) لسمير بن نصر بالجائزة الأولى، ونال الجائزة الثانية “الإخوة” لحسام مسّوس.
أما جوائز لجنة التحكيم فقد كانت من نصيب “كان ما كانش” للجزائري عبد الله كادا الذي فاز بالجائزة الأولى، فيما آلت الجائزة الخاصة الثانية لـ”رنيم/التهرب” (Ranim/Evasion) للتونسية ريم نفاتي.