مهرجان كان 2019.. أيّ حظوظ للسينما العربية؟
محمد علال

وسط حشود الصحفيين يرفع خمسة أشخاص أياديهم بعد سماعهم لسؤال المخرجة نادين لبكي بلهجتها اللبنانية “هو في لبنانيين في القاعة؟”.
ثوان ثم ترفق كلامها بعبارة “أحبكم جدا”. حركة كهذه بقدر ما قد تبدو بسيطة فإن لها ألف معنى عندما ترتبط بالمكان الأهم في عالم السينما؛ مهرجان “كان” السينمائي.
داخل قاعة سينما “ديبسي” بدت علامات التأثر واضحة على وجه نادين أثناء إلقائها كلمتها بصفتها رئيسة تحكيم مسابقة “نظرة ما”، وقد اختارت لهجتها اللبنانية للتعبير عن سعادتها بصفتها أول امرأة عربية يتم اختيارها لرئاسة هذه اللجنة، هكذا خرجت الكلمات العربية في محاولة لشد انتباه مئات الصحفيين والسينمائيين العالميين، ومنهم المخرج الكندي إكزافير دولان، لتقول لهم “رغم المصاعب التي تواجهها السينما العربية فإننا هنا بينكم في هذا العالم الساحر”.
وسط هذا المشهد السريالي لحالة عربية استثنائية ارتدت نادين ليلة افتتاح مسابقة “نظرة ما” ملابس عربية ثانية، بتوقيع مخرجة شابة ولدت لأب تونسي قاده القدر باتجاه الهجرة إلى كندا، وتعلق الأمر بالمخرجة الكندية مونيا شكري وفيلمها الروائي الطويل “زوجة أخي”.
ما شهدته قاعة “سينما ديبسي” في كان يكشف إلى أي مدى ساهمت حقائب السفر في تحقيق بعض الأحلام السينمائية العربية في الدورة الـ72 لمهرجان كان السينمائي، والذي انطلقت فعالياته في 14 مايو/أيار وتستمر حتى 25 منه، وقد تشكلت ملامحها ممزوجة بتجارب مخرجات عربيات وأبناء المهاجرين، وسلطت الضوء على جيل جديد من السينمائيين العرب، خاصة من تونس والمغرب والجزائر.

مغازلة المرأة العربية
لم تنسَ نادين لبكي خطواتها الأولى نحو المهرجان قبل 12 سنة، وذلك حين سافرت مرفوقة بفيلم “كارميل” الذي عُرض لأول مرة في مهرجان كان السينمائي عام 2007 ضمن مسابقة “أسبوع المخرجين“.
واليوم ترى نادين ذلك التحدي قد وُلد من جديد بأسماء عربية مختلفة، ليرسم عام 2019 أوجه الشبه بين مسيرة نادين بالأمس ومسيرة المخرجة الجزائرية الشابة مُنية مدور التي تدخل المنافسة بفيلمها الروائي الطويل الأول “بابيشة” رفقة المخرجة المغربية مريم التوزانيو بفيلم “آدم”، وذلك في وقت لا تزال سوريا تشكل فيه حلقة هامة من حلقات كان، وقد شمل برنامج العروض الرسمية الخاصة للمهرجان مشاركة فيلم “من أجل سما” للمخرجة السورية وعد الخطيب.
“حراك الشباب” في السينما المغاربية
“وجود السينما العربية في المهرجان يختلف من بلد إلى آخر، وهذه السنة نلحظ وجودا قويا لسينما شمال أفريقيا وتحديدا من الجزائر وتونس والمغرب”، هذا ما يخلص إليه المخرج الجزائري طاهر حوشي مدير مهرجان الفيلم الشرقي في جنيف الذي التقيناه في “كان” للتعليق على الحضور العربي في مسابقة “نصف شهر المخرجين”، والتي تضم المخرج التونسي علاء الدين سليم بفيلمه “طلامس”، وكذلك في “أسبوع النقاد” التي تشمل مشاركة فيلم “أبو ليلى” للمخرج الجزائري أمين سيدي بومدين، و”معجزة القديس المجهول” للمخرج المغربي علاء الدين الجم، وفي المسابقة نفسها ضمن خانة الأفلام القصيرة كانت المخرجة المصرية ندى رياض حاضرة بفيلمها “فخ”.
يقول حوشي للجزيرة الوثائقية “الحضور القوي للشباب أعلن ميلاد جيل جديد من المخرجين العرب يفرضون أنفسهم في الساحة الدولية”، وأضاف “في السابق كنا نعلق الآمال دائما على المخرجين المعروفين مثل علواش وحامينا، لكن مؤخرا الشباب الجزائري أصبح الحلقة الأهم منذ تجربة كريم موساوي مع فيلم “طبيعة الحال” عام 2016.
يؤكد حوشي أن العامل الذي رفع من حظوظ المشاركة العربية هذه السنة هو ارتباط الأفلام العربية بالمرأة بشكل أو بآخر، كما قال “أعتقد أن هناك سياسة عامة للمهرجان لتحقيق المساواة بين الجنسين”، مشيرا إلى أن ما يحدث في الجزائر من “حراك شعبي” هذه الأيام يُعتبر عاملا آخر ساهم في زيادة الاهتمام بالسينما الجزائرية”.

انتعاش السينما المغاربية
بالنسبة للناقد المصري أحمد شوقي ونائب المدير الفني لمهرجان القاهرة السينمائي في تصريحه فإن “المشاركة العربية تتجاوز هذه السنة حدود الحضور الرمزي”، مشيرا في حديث مع الجزيرة الوثائقية إلى أن “الأمر يعكس انتعاش السينما المغاربية تحديدا”، وهو ما خلص إليه من خلال مراجعته لمضمون الأفلام والأسماء المشاركة.
كما قال “هناك ثماني أفلام عربية مشاركة منها خمسة أفلام مغاربية، ومن الواضح أن صناع السينما المغاربة وخاصة الشباب ينجزون أفلاما هامة، مما يعكس تطور الرؤية الإخراجية للشباب العربي الجديد”.
ويرى شوقي أن رهان السينما العربية يحتاج إلى مزيد من التواصل مع العالم لإيجاد شراكات مع الدول الأوروبية، وخلق لولبيات مع الهيئات العالمية الفاعلة في السينما، وهو ما يفتح الأبواب للتواجد العربي في المحافل العالمية، فالسينما حسبه “لا تَعني فقط الإنتاج الفني بل أيضا من خلال الإجابة على سؤال: من يقف خلف هذا الفيلم أو ذاك؟”.
ووفق هذا الطرح يخلص شوقي إلى أن الفيلم الأوفر حظا هو فيلم “لا بد أن تكون هي الجنة” للمخرج الفلسطيني إيليا سليمان العائد إلى المسابقة الرسمية في كان بعد عشر سنوات من الغياب.

إيليا سليمان.. رحلة بحث عن السعفة
في رحلة البحث عن السعفة الذهبية يسافر على البساط الأحمر المخرج الفلسطيني إيليا سليمان، إلى جانب ترانتينو ودردان وألمودوفار وكين لوتش، وهم من بين المخرجين الذين سبق لهم أن حازوا السعفة الذهبية. هكذا يعود صاحب فيلم “سجل اختفاء” و”يد إلهية” الحائز على جائزة لجنة تحكيم المهرجان عام 2002 ليجرب حظه وحظ السينما العربية مجددا، وذلك بعد محاولته الأخيرة عام 2009 حين تم ترشيح فيلمه “الزمن الباقي”.
وفي مثل هذه الأجواء الشتوية التي تعيشيها المدينة، نشهد ما يمكن أن يُصنف في خانة المصالحة الفنية بين المخرج الفرنسي من أصل تونسي عبد اللطيف كشيش ومهرجان كان، فبعدما عنونت صحيفة “20 دقيقة” الفرنسية عام 2017 “كشيش ممنوع من كان” في إشارة إلى أزمته بشأن عقود توزيع وبث فيلمه “الجرح الصحيح” الذي أخرجه عام 2011، يدخل المخرج من أصل تونسي هذه السنة إلى المسابقة الرسمية بفيلم “مكتوب ماي لوف إنترمتزو” الذي يعتبر الجزء الثاني لفيلمه “مكتوب ماي لوف: كانتو أونو”، وذلك بعد فوزه بالسعفة الذهبية عام 2013 عن فيلم “حياة أديل”.
ورغم ما يحققه كشيش من نجاح في أوروبا فإن تونس لا تزال تنظر إليه كمخرج فرنسي، بل أكثر من ذلك فإن فيلمه “حياة أديل” لم يعرض حتى الآن في قاعات السينما التونسية، وهو ما يجعل من مشاركته تُصنف دائما في خانة الحضور الفرنسي.

منطق الإنتاج المشترك مع فرنسا
بالنسبة للمهتمين بعالم الفن السابع، فإن المدير التنفيذي للمهرجان تيري فريمان لم يقدم أي جديد عندما وصف دورة العام الحالي بدورة “الأفلام الرومانسية والسياسية”، فالسياسة كانت ولا تزال الوجه الآخر للسينما، هما وجهان لعملة واحدة في كان، فكلما ارتفع رصيد هذه الدولة أو تلك في شريط الأخبار، ارتفع عدد أفلامها المشاركة في المهرجان الأكبر في العالم.
وهنا نذكر كيف تم برمجة العديد من الأفلام الإيرانية في مهرجان كان لدورات متعاقبة، بعدما عقدت إيران والدول الست (الصين وروسيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا) مفاوضات “ماراثونية” في مدينة لوزان السويسرية من أجل تسوية البرنامج النووي الإيراني.
اليوم “70% من الأفلام المشاركة في مهرجان كان هي أفلام فرنسية بشكل أو بآخر”، هذا الأمر الذي أشارت إليه الصحافة الفرنسية بكل فخر واعتزاز يفك شفرة تواجد الأفلام في المهرجانات العالمية، ويعكس كيف أصبح “الإنتاج المشترك” يفرض منطقه على الترشيحات.
الأمر لا يتعلق فقط بالأفلام العربية المشاركة بل أيضا بالأعمال اللاتينية والأوروبية، حيث تدخل شركات الإنتاج الفرنسية بشكل أو بآخر في إنجاز الأفلام الكبرى التي يتم اختيارها للمشاركة في مسابقات مهرجان كان، سواء عبر الدعم المباشر في عملية الإنتاج أو من خلال دعم التجربة السينمائية عبر صناديق خاصة، أو من خلال مشاركة الموزعين الفرنسيين الذين يقومون باحتكار الأفلام، وبالتالي منحها فرصة المشاركة في كان.
وحسب الناقد المصري أحمد شوقي فإن “فرنسا تحلم اليوم بأن تكون عاصمة السينما الفنية، أو ما يمكن أن نطلق عليه اسم أفلام المهرجانات، لإدراكها بأن منافسة هوليود تجاريا أمر غير ممكن”.

دول عربية غائبة
في مقابل كل ذلك تراجع عدد أعلام الدول العربية التي كانت ترفرف في سماء المدينة العالمية بمهرجان كان، حيث غابت السعودية هذا العام بعدما صنعت الحدث لعام واحد فقط، وغابت الجزائر لأول مرة بسبب الحراك الشعبي، وغاب جناح فلسطين في الدقائق الأخيرة، ولم تحضر مصر للسنة الثانية على التوالي.. ومثل هذه الأمور هي أكثر ما تزعج الناقد المغربي عبد الحق منطرش رئيس مهرجان الرباط السينمائي، وذلك كما قال في تصريح للجزيرة الوثائقية “رغم حظوظ المشاركة العربية إلا أن العديد من الدول العربية غادرت المدينة العالمية ولم تشارك كما في السابق”، فما يتمناه منطرش هو أن تكون المشاركة العربية مرفوقة دائما بالحضور الرسمي الذي يضمن دعم الأفلام ويفتح الأبواب لمزيد من فرص التعاون.
في هذا الشأن حدثتنا مسؤولة الاتصال والانتشار الثقافي في المركز الوطني للسينما والصورة التونسية كريمة عميرات التي التقيناها في جناح تونس بمهرجان كان لتقول “في السنوات الخمس الأخيرة تتجه المشاركة التونسية نحو التطور، منذ مشاركة الفيلم القصير “علوش” للطفي عاشور”، وهذه السنة تحضر تونس بخمسة أفلام في مختلف برامج المهرجان، منها أيضا مشاركة فيلم “سين��ا دافريك” للمخرج فريد بوغدير في فئة “السينما الكلاسيكية”، وهي الفئة الرسمية الهامة التي تهتم بتجارب المخرجين الكبار”.
وبالنسبة لمسؤولة الاتصال فإن أهم شيء يرفع من حظ السينما العربية في المحافل السينمائية العالمية، هو السير على خط دعم الأفلام الملتزمة التي تعتمد على طرح المواضيع المحلية دون غيرها، فالأفلام العربية التي تحمل كتابة فنية قيمة ولا تركز على البعد التجاري هي الأكثر حظا دائما.