مهرجان طرابلس للأفلام.. احتفاء بالسينما المصرية وفنانيها
بيروت-الوثائقية

طغت مناخات السينما على ما عداها في مدينة طرابلس اللبنانية، وذلك بين 9 و19 حزيران/يونيو الجاري، حيث شهدت تلك الفترة فعاليات الدورة السادسة لـ”مهرجان طرابلس للأفلام”. وكان أبرز ما شهده المهرجان على المستوى العام هو تكريم المخرج يسري نصر الله والفنانة ليلى علوي، وفيلمهما الأخير “الماء والخضرة والشكل الحسن” الذي عرض للمرة الأولى في لبنان في افتتاح أعمال المهرجان.
كما حضرت باقة من الفنانين والمخرجين المصريين، منهم الفنانة بشرى رزة، والمخرج أحمد شوقي، ومن لبنان المخرج غسان قطيط وباسم فياض وغسان الخوجا، وكان لإقامتهم في طرابلس وحركتهم فيها في إطار أعمال المهرجان أثر على تفعيل الحياة العامة في المدينة.
كأن المدينة استعادت عصرها الذهبي يوم كانت عشرات دور السينما تعمل فيها دون توقف، لكن التطورات الأمنية والتكنولوجيا المعاصرة أُقفلت غالبيتها، وبات الحضور السينمائي مقتصرا على دار حديثة واحدة في “سيتي كومبلكس”، ودار واحدة قديمة نسبيا هي سينما “الأمبير” التي تأسست مطلع ثلاثينيات القرن الماضي على ساحة التل.
لم تكن دورة المهرجان عادية، فقد زخرت بالعروض من جهة، لكنها من جهة ثانية شكلت نهضة متفاعلة في احتفالية سينمائية مكعبة أضافت على العروض فعاليات البانوراما المصرية مع عروض الهواء الطلق، إضافة إلى “ال��نتدى” وورشة عمل عن كتابة السيناريو.

الأفلام الفائزة
توزعت العروض المتنافسة على ثلاثة محاور؛ الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة والوثائقية، إضافة إلى عروض خارجة عن المسابقة، وتشكلت لها لجنتا تحكيم، واحدة للأفلام الطويلة برئاسة نصر الله وعضوية رزة وفياض، والثانية للأفلام القصيرة برئاسة قطيط وعضوية خوجا وأندرو محسن من مصر.
استمر المهرجان زهاء عشرة أيام، واختتم باحتفال إعلان نتائج المسابقة، حيث نال فيلم “بلا هدف” للمخرج والمصور كالب بوردو جائزة أفضل فيلم روائي طويل، ومنحت “جائزة خاصة” للفيلم الروائي الطويل “بنفسج أفريقي” للمخرجة منى زندي حجيجي من إيران، ونال فيلم “مهرجان” لأنا غاوليتا، وتوماس وولسكي جائزة أفضل فيلم وثائقي طويل.
في فئة الأفلام القصيرة، نال فيلم “تمساح” للمخرج خورخي يودايس جائزة تمييز لجنة التحكيم وتنويها خاصا، وجائزة لجنة التحكيم الخاصة لفيلم “زي الشمس” للمخرجة هنا محمود، ونال “هل أنا ذئب؟” جائزة أفضل فيلم تحريك للمخرج أمير هوشانج معين، وحصد “إغراء العمق” للمخرجة لاريسا كورفيو جائزة أفضل فيلم قصير. كما نالت أربعة مشاريع أفلام منح منصة “المنتدى المتخصص”.

تكريم السينما المصرية
جرت احتفالية تكريم السينما المصرية ممثلة بنصر الله وليلى علوي في افتتاح المهرجان برعاية وزارة الثقافة اللبنانية، حيث تحدث فيها منظم المهرجان المهندس إلياس خلاط معربا عن سعادته أن الدورة الحالية هي “سنة مصر بامتياز مع أفلام البانوراما، ورئيس لجنة التحكيم عن فئة الأفلام الطويلة المخرج نصر الله، وإلى جانبه الفنانة ليلى علوي، والفنانة المصرية بشرى”.
ثم عرض فيلم قصير عن الورشة المقيمة لكتابة السيناريو تحدث فيها الناقد المصري أحمد شوقي عن هدف هذه الورشة التي يشارك فيها شابات وشبان من لبنان وخارجه، وذلك لـ”مساعدتهم في إيجاد أفضل الوسائل لتطوير مشاريع أفلامهم والسيناريوهات الخاصة بها”. تلاه عرض لفيلم سوق الأحد (16 دقيقة) للمخرج الطرابلسي يحيى مراد الذي يوثق حياة المهمشين.
وقدم “كورال الفيحاء” باقة من عروض الأكابيلا، منها أغانٍ مميزة خاصة من مصر ترحيبا بالضيوف المصريين، تلاه كلمات لبلدية المدينة، ولمدير عام وزارة الثقافة الدكتور علي الصمد، وصولا إلى تكريم المخرج يسري نصر الله بتقديم درع له، وكانت خطوة لافتة منه إهداء هذا التكريم للمخرجة الطرابلسية رندة الشهال التي وصفها بـ”صديقتي الراحلة”.
كما تم تكريم الفنانة المصرية الكبيرة ليلى علوي بتقديم درع لها، وقالت في كلمة مقتضبة “أنا سعيدة جدا بوجودي في طرابلس في هذه الفعالية الراقية، وقد لقيت كل الترحيب والحفاوة من الجميع. أشدّ على أياديكم، وأؤكد أن الأمل موجود دائما”.

ورش وجلسات وحلقات خاصة
تميز المهرجان بالعديد من الفعاليات، منها ورشة عمل عن كتابة السيناريو استمرت ثلاثة أيام مع خبيري السيناريو أحمد شوقي من مصر، وديمة عازر من الأردن، حيث جرى العمل على تطوير النصوص مع صُناعها جماعيا، حيث يصبح المنتَج النهائي نصا أكثر نضجا ومناسبا للتصوير.
ومن الفعاليات الأخرى والهامة؛ “المنتدى” الذي تضمن عدة جلسات، والتي بدأت بـ”ماستر كلاس” مع المخرج يسري نصر الله، وشارك فيها عدد من العاملين في مجال صناعة الأفلام، والمخرجين الشباب من طرابلس ومن لبنان وخارجه.
وتركزت الحلقة الثانية على “عالم القصص والمصاعب المالية للسيناريو والتطوير والتمويل”، أما الجلسة الثالثة فكانت عن “الصناعة كاملة: القصة من الداخل”، وهي عن صناعة الفيلم وفريق العمل والممثلين، ومرحلة ما قبل الإنتاج.
وقدمت الفنانة بشرى الرزة حلقة خاصة بعنوان “مهرجانات الأفلام خارج العواصم: التحديات والفرص”، والتي عرضت فيها تجربتها في مهرجان الجونة السينمائي الدولي، وتناول اللقاء الصعوبات والتحديات التنظيمية والتمويلية والتقنية التي يواجهها العمل السينمائي عندما ينظم خارج العاصمة.
أما ختام الافتتاح فكان عرض فيلم “الماء والخضرة والوجه الحسن” لنصر الله وليلى علوي.

أفلام معروضة
جرت عروض أفلام المسابقة الرسمية للمهرجان بالتناوب، وذلك بين مسرح الرابطة الثقافية في طرابلس ومسرح بيت الفن، وبحضور بعض مخرجي الأفلام المتنافسة الذين حضروا من خارج لبنان، وشهدت نقاشات عن الأعمال.
ففيلم “الدبابة وشجرة الزيتون.. قصة أخرى عن فلسطين” إنتاج العام 2018 (مئة دقيقة)؛ هو وثائقي للفرنسي رولاند نورييه يسلط الضوء على الصراع العربي الإسرائيلي، ويجمع تحليلات جيوسياسية ومقابلات مع شخصيات دولية وخبراء في قضية فلسطين، ومؤرخين ومواطنين فلسطينيين وفرنسيين، وجاءت العديد من اللقطات من داخل فلسطين المحتلة وقطاع غزة. ويعيش المخرج نورييه في مدينة ليون حيث انطلقت السينما، وحيث يدير جمعية فنون، وهو ناشط في حركة مناهضة العولمة.
أما وثائقي “مهرجان” الحائز على إحدى جوائز المسابقة فهو إنتاج العام 2017 (85 دقيقة)، وهو للمنتجة البولندية آنا جوليتا والسيناريست توماس ولسكي، وفي الفيلم معالجة للموسيقيين الذين يتمتعون بحسّ موسيقي، فبعد كل أداء أمام الجمهور محاولة لمقارنة الموسيقيين القدامى والعظماء وأنفسهم. ومن النماذج مهرجان الموسيقى الدولي الـ12 الذي قدم نظرة إلى الفنانين من خلال استعداداهم للعروض ومناقشاتهم، وسعي الجميع لتحقيق الأداء المثالي.
أما الروائي “بلا هدف” فهو أفضل روائي طويل، ومن إنتاج العام 2018 (83 دقيقة)، للمخرج الإيطالي كاليب بوردو، وتناول فيه إيطاليا عام 1994، حيث ناقش الحرب في البلقان إذ يقوم الشاب ألفيس من سراييفو بالتقاط صور للسياح مستخدما البولارويد، ثم ينتقل إلى روما في موسم البرد، ويمكث لدى شخص سبق أن تعرف عليه رودولفو في مزرعة والدي الأخير.
وثائقي “سوق الأحد” هو فيلم من خارج المسابقة، وهو إنتاج العام 2018 (16 دقيقة) للمخرج الطرابلسي يحيى مراد، وقد ساهم مهرجان طرابلس للأفلام بإنتاجه، وشارك في مهرجانات عديدة محلية ودولية. حيث يروي الفيلم الأوضاع عقب النزاعات الدموية المختلفة من الحروب اللبنانية، وخصوصا في طرابلس، حيث قرر بعض المقاتلين السابقين من جنسيات مختلفة الهروب ليستقروا في ضواحي طرابلس، وعملوا في “سوق الأحد”، فالفيلم يتحدث عن عملهم وحياتهم وقبولهم بالوضع الراهن مقارنة مع السابق، ويعالج قضايا المهمشين اجتماعيا.