مهرجان كارلوفي فاري بدورته الـ54.. دراما عائلية وأحلام ضائعة

د. أمــل الجمل

بعد تسعة أيام سينمائية حافلة بالعروض الفيلمية -التي قاربت الـ200 من بينها على الأقل 70 فيلما تُعرض عالميا أو أوروبيا للمرة الأولى- اختتم مهرجان كارلوفي فاري السينمائي دورته الـ54 الشديدة التميز أمس السبت، وذلك بتوزيع جوائزه التي جاءت مُرضية تماما للنقاد، خصوصا أن مستوى الأفلام كان مرتفعا بجانبيه الفني والفكري.

حصد فيلم “باشتاتا” (أي الأب) جائزة “كريستال غلوب” الكبرى (الكرة الكريستال) و25 ألف دولار تم تقسيمها بالتساوي بين المخرج والمنتج. الفيلم إنتاج بلغاري يوناني من توقيع المخرجة كريستينا غروزيفا والمخرج بيتر فالشانوف، واشترك الاثنان في إخراج عدد من أعمالهما الوثائقية والروائية سويا. وفي حوزة الاثنين حصة كبيرة تكاد تكون متقاربة من الجوائز؛ أكثر من خمسين جائزة إحداها من مهرجان برلين السينمائي الدولي.

تسعون دقيقة هي الزمن السينمائي لفيلم “الأب” الذي يدور في يومين وليلتين من الزمن الدرامي، وشارك ضمن 12 فيلما بالمسابقة الرسمية بالمهرجان التشيكي الممتد من 28 يونيو/حزيران إلى 6 يوليو/تموز، ويُعتبر المهرجان التشيكي المهرجان الأهم بأوروبا الشرقية والوسطى، حيث بدأ أولى دوراته عام 1946، واحتفى هذا العام بالمخرج المصري يوسف شاهين فعرض له أحد عشر فيلما مرمما وأقام ندوة عنه، إضافة إلى تكريم النجمة الأمريكية جوليان مور.

تكريم النجمة الأمريكية جوليان مور في مهرجان كارلوفي فاري بدورته الـ54

“الأب”.. تواصل من القبر

يبدأ المخرجان عملهما من جنازة فالنتينا، حيث يرقد جسدها في الصندوق الخشبي بجوار القبر، يبدآن من لحظة تشتبك فيها الحياة والموت، فبينما نرى الأقرباء والجيران يقفون في حزن شديد، نجد الابن يستقبل رسائل هاتفية من زوجته وعمله ويرد عليها. يتأمله الأب بدهشة واستنكار، وفجأة يسأله هل الكاميرا معك؟ وعندما يبدأ أحد الرجال في إغلاق الصندوق يصرخ الزوج فاسيل “انتظر انتظر”، ثم يخطف الكاميرا من ابنه الذي كان يحاول إخراجها من حقيبة على كتفه، ويبدأ فاسيل في تصوير زوجته الميتة من كافة الزوايا بلقطات متنوعة وسط دهشة الحاضرين.

صراع يكاد لا يتوقف بين الأب وابنه على مدار الفيلم، فقد أصبح الأب على قناعة بأنه سيتواصل مع زوجته روحياً من القبر، وفي سبيل ذلك يقوم بكثير من التصرفات المزعجة والمقلقة لابنه الذي يُريد أن يعيد أباه إلى رشده، ويريد في الوقت نفسه العودة لزوجته وعمله، فالأستوديو يطلب منه تعديلات على الصور الأخيرة بشكل عاجل.

أثناء تلك المحاولات التي يبدو بعضها عبثيا محملا بالسخرية -مفجرا الضحك بين جنبات صالة العرض- تخبرهم إحدى صديقات الأم بأنها تلقت رسالة من فالنتينا على الهاتف من القبر، ثم يُغمى على المرأة وتُنقل للمستشفى.

لاحقا يختفي الأب ويلجأ الابن لمركز الشرطة محاولا إقناع الشرطة بالبحث عن والده، لكنها ترفض لأنه لم يمر على اختفائه 72 ساعة، وعندما يهاجمهم يطلبان منه كتابة تقرير عن حالة والده.

هنا، وعندما يبدأ أحد عناصر الشرطة بتناول الخبز بالمربى يسأله المصور بإلحاح عن نوع المربى ومكوناته ومن أين يمكن أن يشتريه، كان المصور يسأل باهتمام بالغ وكأنه أُصيب بحالة جوع مفاجئ وتوتر مربك، فيزداد غضب الشرطة خصوصا عندما يطلب المصور شراء عبوة مربى منه طالما أنها مصنوعة في البيت، فيثور عليه شرطي ويضع المربى في الدرج ويخرجان. يحاول المصور سرقة كمية من المربى، وبينما ينتهي من مهمته بأصابع مرتبكة يدخل الشرطي فتسقط علبة المربى الزجاجي وتتهشم.

يحاول المصور توضيح موقفه، فأمه كانت تصنع هذا النوع من المربى المخصوص والمميز لكنها ماتت، وزوجته الآن حامل ولديها رغبة قوية في أن تأكل هذا المربى بسبب وحم الحمل، بينما الزوج لم يجده في السوق. عناصر الشرطة لم يتعاطفوا معه، فيقضي ليلته في الزنزانة، وعندما يُفرَج عنه في الصباح يفتح هاتفه فيتلقى اتصالاً من زوجته، ولأنه يخجل من سرد الحقيقة فإنه يكذب وتتعقد الأمور أكثر وأكثر.

في نهاية شريط “الأب” السينمائي، وبعد أن يعثر على والده يذهب الابن إلى الجارة الصديقة ويطلب منها الاستماع إلى الرسالة التي وصلتها من والدته، فيكتشف أنها أُرسلت إليها أثناء وجود والدته في المستشفى قبل إجراء الجراحة، فيستمع الأب عدة مرات للرسالة التي تطلب فيها منه أن يصنع المربى من التفاح الموجود بالبيت قبل أن يتعفّن.

هنا يعترف الأب بأنه هو مَنْ قتل زوجته، وذلك لأنها قبل الجراحة هاتفته -بينما كان هو في حالة مزاجية سيئة- وتحدثت معه عن أمور متعلقة بالابن فثار عليها وضرب الهاتف في الأرض، ثم تمنى لها أن تموت وانقطع الخط. لذلك عندما ماتت بالفعل ظلت عقدة الذنب وشعور بالندم يطارده وجعله يتصرف بهذا الشكل الهستيري للتواصل مع زوجته.

ذهبت جائزة لجنة التحكيم الخاصة للفيلم الألماني “لارا” من توقيع المخرج جان أولي جيرستر

“لارا”.. أحلام ضائعة

وذهبت جائزة لجنة التحكيم الخاصة (قيمتها 15 ألف دولار تُوزع بالتساوي بين المنتج والمخرج) للفيلم الألماني “لارا” من توقيع المخرج جان أولي جيرستر. و”لارا” هو اسم الشخصية الرئيسية بالفيلم، والتي تقوم بدورها كورينا هارفوخ التي نالت هي أيضا جائزة أحسن ممثلة عن دورها بالفيلم من المهرجان التشيكي.

إنها امرأة وحيدة منفصلة عن زوجها وابنها وأمها، فثلاثتهم لا يُرحبون بها، ولا يرغبون في وجودها بينهم. تدور الأحداث درامياً في يوم واحد يبدأ منذ صبيحة اليوم الذي تُكمل فيه لارا عامها الستين، وينتهي مع منتصف الليل. يبدأ من لحظة تستيقظ فيها على حلم أو بالأحرى كابوس، حيث نراها تقف على كرسي أمام النافذة استعدادا للانتحار. طوال هذا اليوم الدرامي -وعلى مدار 98 دقيقة سينمائية- نلملم ملامح وأشلاء العلاقة المرتبكة بين الأم وابنها الذي يبدأ للتوّ حياة الشهرة في عالم الموسيقى، حيث يتم تتويجه كعازف ومؤلف موسيقى موهوب.

“أُهدي هذا العرض لأمي التي يعود إليها الفضل في كل هذا، إنها هي التي علمتني العزف بكل شيء له علاقة به، وأنا مدين لها بنجاحي هذه الليلة. الفضل لها في كل شيء”.. هكذا يقول الابن بكلمات عاطفية جيّاشة عقب الانتهاء من العزف في ليلة مَدَحَه فيها الجميع.

مع ذلك ورغم اعتراف الابن على الملأ، فإنه يتعامل مع أمه بجفاء شديد القسوة، ولا يرحب بوجودها في حياته، بل يصدّها كأنها بوجودها تسبب له الكثير من التوتر والشعور بالقلق.

تأملُ البنية التحتية والشحنة الشعورية بالفيلم يقودنا إلى مفتاح قراءة الشخصية الرئيسية بالعمل؛ لارا. الحقيقة أن الأم هنا تقمصت دور الأب، أو تنكرت في دور الأب، وتسلحت بسلطة ذكورية مسيطرة جعلت ابنها ينفر ويفرّ منها، إلى درجة أنها حينما تتودد إليه وتبحث عنه وتذهب إليه في بيت جدته؛ ينتابه ارتباك وإحساس بعدم الراحة، خصوصا عندما تقترب من محيطه، ثم يكاد يُصاب بذعر وخوف كبيرين عندما تصارحه برأيها في المقطوعة الموسيقية التي ألّفها، ويكاد يعتذر عن الحفل على الهواء وبحضور الجمهور.

لارا شخصية متعالية على المجتمع، قادرة على ترويض من حولها، حيث تركت وظيفتها دون ندم. من لقاءات لارا بالآخرين، من تصرفاتها وصمتها وردود أفعالها تجاه أحاديث الآخرين نتعرف على جوهر شخصيتها الجامدة الباردة من الخارج، والمتأججة بالصراع الداخلي غير المُعلن.

كانت لارا فتاة موهوبة تعشق عزف الموسيقى، لكن طموحها الزائد وخوفها وترددها ورغبتها في تحقيق المثال جعلها تقف مكانها وتدمر موهبتها.

المفاجئ في الفيلم تجسيد السيناريو لأمر آخر يتعلق بالأحاسيس التي قد تبدو عدوانية وانتقامية وتدميرية بين لارا وابنها، فقد مارست هذا الخوف والتردد معه وعليه، فغرست فيه عدم الثقة بنفسه وفي عزفه بصورة مَرَضية. هنا مثلما احتلت الأم مكان الأب، نجح الأخير في إصلاح القليل من الأمر، ولعب دور المُنقذ من الدمار.

“باتريك”.. دراما عائلية عشائرية

أما جائزة أحسن مخرج فذهبت للبلجيكي تيم ميلانتس مخرج فيلم “باتريك”، والذي داعب الجمهور قبيل عرض فيلمه قائلا “أشكركم جداً لأنكم جئتم في هذا الطقس شديد الحرارة، كان من المفترض عوضا عن ذلك أن نُلقي بأنفسنا في البحر في مثل هذا الجو، لكننا لن نستطيع فعل ذلك إلا بعد مشاهدة الفيلم”.

باتريك هو الشخصية الرئيسية في الفيلم الذي تدور أحداثه أواخر الثلاثينيات. إنه يعيش مع والديه، أم كفيفة تشك أن زوجها على علاقة غرامية برجل (تقصد بامرأة؟)، وأب يُدير مخيما طبيعيا للعُراة حيث يعيشون، وهناك ليليان المرأة المتزوجة المغرمة بباتريك والتي تمارس اغتصابها لباتريك، بينما تفكيره مُنصبّ على مطرقته.

إنه معسكر يهيمن على أفراده الجنس والجشع، بينما باتريك شاب مبدع تستحوذ الميكانيكا على عقله وكل اهتمامه، فعندما يموت والده يجد نفسه مسؤولا عن إدارة المخيم، لكن باتريك مشغول بشكل هوسي بالبحث عن مطرقته التي فقدها، إذ لم يمنح نفسه فرصة ليحزن على موت والده، أو كأنه يحمي نفسه من شعور الفقد بالبحث عن المطرقة الضائعة.

يطلب ضيوف المخيم من باتريك أن يسيطر على حياته، لكنه يُصمم على إيجاد مطرقته، وكأن البحث عنها أصبح مسعى وجوديا. فيخطط هيرمان وزوجته ليليان الاستيلاء على المكان وسرقة الأموال المدخرة، معلنين أن باتريك غير مناسب لإدارة شؤون المخيم.

أثناء ذلك وفي هذا المحيط الغريب المفعم بالسخرية والمشاهد الكوميدية، تأتي ناتالي الفتاة الشابة التي تتخلى عن عملها وأحلامها لتلحق بصديقها الموسيقي الذي سرعان ما تكتشف أنه غير مخلص، فقد أقام فور وصوله المخيم علاقة مع امرأة أخرى أُعجبت به. لذلك تقرر ناتالي أن تحول اهتمامها إلى باتريك التي ترى موهبته وتُعجبها براءته.

يكتشف باتريك أن مطرقته استُخدمت أثناء عملية السطو على أموال المعسكر، وسرعان ما يتضح أيضا من خلال تدخل الشرطة أن المطرقة كانت أيضا السلاح المستخدم في جريمة قتل في بروكسل. إنها دراما عائلية عشائرية حول خصوصيات الناس، وعن إمكانية التخلي عن النفس مع الاحتفاظ بالسعادة والرضا.

دع النور يمر”.. علاقة الآباء بالأبناء

أما جائزة أحسن ممثل فنالها ميلان أوندريك عن دوره في فيلم “دع النور يمر”، وهو إنتاج مشترك بين سلوفاكيا والتشيك، وأخرجه ماركو سكوب. الفيلم أحد أجمل وأرقّ الأعمال السينمائية التي تناقش العلاقة بين الأبناء والآباء في أكثر من جيل وتقترح سُبلا لإنجاحها. والأمر اللافت بتلك الدورة من المهرجان التشيكي وجود عدد غير قليل من الأفلام التي تناقش تلك العلاقة، وأخرى تناقش تعقيدات الأمور والعلاقات العائلية.

لا يكتفي فيلم “دع النور يعبر” بتسليط الضوء على ارتباك تلك العلاقة بين الأب وابنه بل أبنائه الثلاثة، لكنه يتناول تأثير ذلك بين ثلاثة أجيال، فالأب هنا كان يعاني من المعاملة السيئة من والده لدرجة أنه كان يتمنى له الموت، وكان يريد أن يقتله أحيانا، لذلك رغم أنه كوّن أسرة وأصبح لديه ثلاثة أطفال، فإنه يقرر البقاء والعمل في ألمانيا ثم يعود إلى بلده ويزور عائلته كل فترة بحجة تحسين وضع العائلة، بينما الحقيقة أنه يتفادي لقاء أو رؤية والده المسن.

عندما يعود نكتشف وجود حواجز وترسانة متينة شُيدت بينه وبين ابنه الأكبر المراهق، وتدريجيا نكتشف مأساة إنسانية تقف على قدمين، وتجسيدا كاملا للصراع بين ثلاثة أجيال. فالابن متورط في عملية انتحار زميل له، وتشي المعلومات الأولية بأنه تعرض للاغتصاب الممنهج من كافة زملائه. القسيس في الكنيسة يريد أن يغلق الملف، ولا يتعاطف مع شخصية الأب، ولا يساعد في حمايته من التهديدات التي تناله وتنال أسرته عندما يبدأ في نبش تلك القضية.

الشرطة غير قادرة على جمع شهادة واحدة تُدين القتلة، فالابن المراهق يُحيط حياته وتفاصيله الخاصة بسرية كبيرة، لكن الأب تحت إلحاح وهلع الزوجة يبدأ في ملاحقة ابنه ومراقبته بأسلوب متودد، وكأنه يريد أن يصبح صديقا له، فيذهب معه ضمن التدريبات الرياضية الشاقة بالمعسكر وسط الجليد.

يسعى الأب للتقرب من أولاده الثلاثة، حيث يسمح لهم ليلة الكريسماس باستخدام بنادقه التي يغلق عليها الفاترينة بالأقفال، لكنه صبيحة أحد الأيام يكتشف اختفاء أحد أسلحته، فيهاجم الابن ويضربه، ومن ثم يبدأ الإمساك بطرف الخيط، لكن رغم اعتراف الابن بما حدث سيظل يُنكر أنه شارك في اغتصاب زميله.

كلما حاول الزوج أن يذهب للشرطة للإدلاء بشهادته تمنعه الزوجة، متخيلة أن ذلك يحمي أسرتها طالما أن لا أحد غيرهما من أهل القرية وافق على تسجيل شهادته. لكن عندما لا تتوقف التهديدات، ويتم تكسير نوافذ بيتهما، ويتواصل تدمير محتويات البيت؛ يقرران الذهاب للشرطة والاعتراف، رغم أن الابن في تلك اللحظة يعترف بأنه كان من المشاركين في الاغتصاب، وبأنه هو أيضا تم اغتصابه.

“عذراء أغسطس” هو فيلم عن المرأة، لكنه أيضاً أثناء ذلك يتحدث عن المدينة ووجوهها وحالتها بشكل رومانتيكي حالم أحيانا

عذراء أغسطس”.. عن المرأة والمدينة

أما الفيلم الإسباني “عذراء أغسطس” للمخرج جوناس ترويبا فنال تنويها خاصاً من لجنة التحكيم. إنه فيلم مليء بالحيوية والمواقف والشخصيات المتواجدة في وسط مدينة مدريد، حيث تدور الأحداث في الأسابيع الأولى من شهر أغسطس/آب، وذلك حين يهجر السكان المحليون المدينة بسبب الحر الشديد، ولا يبقى فيها سوى السوّاح وبعض السكان المجاورين.

الفيلم موضوعه الرئيسي امرأة شابة تأتي للبقاء بالمدينة، وعندما تُسأل عن خططها تُجيب دوما بأنها لا تعرف تحديداً لماذا جاءت وماذا ستفعل. أثناء تجوالها بالمدينة ستلتقي بأصدقاء تعرفهم من قبل صدفة، مثلما تلتقي بشخصيات جديدة تتعرف عليها تحت إلحاح رغبة تجتاحها بالتعرف على بعض الناس.

مع توالي أحداث الفيلم نكتشف أن البطلة ممثلة، لكنها قررت أن تتوقف عن التمثيل، وعندما تذهب لمشاهدة أحد الأفلام تلتقي صدفة برجلين، سرعان ما نتعرف أنها كانت على علاقة حب مع أحدهما، وأنهما انفصلا منذ ثلاثة أشهر، ربما لذلك هربت إلى مدريد.

المفاجأة أنها بعد أن حجزت لها مكانا بصالة العرض تقرر عدم حضور الفيلم، وكأنها تهرب مجددا، ثم تدخل الفيلم في اليوم التالي، وهناك تستمتع لحديث امرأتين عن إحدى طرق العلاج والمساج التي تجعل الجسم يشعر بالراحة والاسترخاء الذهني، فتنتظر المرأتين خارج قاعة العرض لتطلب اختبار هذه التجربة.

البطلة الشابة -التي تفجر في كثير من الأحيان حالة من الضحك الهستيري- شخصية حزينة تتأمل حياتها وسلوكيات الناس من دون توجيه إدانة. نشعر بأنها تعيش وحيدة رغم كل اللقاءت، وفي إحدى اللحظات عندما تكون وسط مجموعة من الأشخاص تبدأ بالبكاء، وكأنها تبكي نفسها ووحدتها.

لكن تلك الوحدة ستنتهي قرب نهاية الفيلم، وذلك عندما تلمح رجلا واقفاً بمفرده تتخيل أنه سينتحر، فتبدأ بملاحقته ومطاردته ومراقبته بشكل هستيري كوميدي، وسرعان ما تعرف حكايته، وبعد أن يصدّها في البداية يصبح مغرماً بها ويقرر أن تصبح شريكته.

إنه فيلم عن المرأة، لكنه أيضاً أثناء ذلك يتحدث عن المدينة ووجوهها وحالتها بشكل رومانتيكي حالم أحيانا، وبشكل هستيري مرات أخرى، لكنه عمل يحمل خصوصية جميلة.

تدور أغلب أحداث الفيلم على الطريق بعد أن هربت الفتاة وانطلقت في رحلتها لخوض مسابقة الملاكمة لتحقيق حلم حياتها

“الرجل للمستقبل”.. فتاة ملاكمة متمردة

كذلك منحت لجنة التحكيم تنويهاً آخر للممثلة الشابة والموهبة الجديدة أنطونيا جيسين، وذلك لدورها في الفيلم التشيلي الأرجنتيني “الرجل للمستقبل” للمخرج فيليب ريوز، حيث تجسد الفتاة دور شابة متمردة على المكان الفقير الذي نشأت به، وتحلم بأن تصبح ملاكمة ناجحة ومتفوقة، وأثناء ذلك نتعرف على حكايتها مع والدها الذي انفصل عنها وعن أمها منذ سنوات، ذلك الرجل ذي الشخصية القوية، وذي المهابة الذي يكاد يصل إلى ختام حياته.

تدور أغلب أحداث الفيلم على الطريق بعد أن هربت الفتاة وانطلقت في رحلتها لخوض مسابقة الملاكمة لتحقيق حلم حياتها، فتستقل شاحنة ضخمة -لن تدفع أجرا مقابل الركوب؛ فقط وجبة غداء وفطور- سرعان ما يتضح أن سائقها يعرف شخصية الأب ويظلّ يمتدحه، حتى يُبدّل مشاعد الفتاة عنه ويجعلها تُعيد النظر في مشاعرها تجاهه، وتننتابها رغبة في رؤيته والحديث إليه.

وفي نهاية الرحلة تلتقي الفتاة بوالدها الذي يزورها أثناء مباراة الملاكمة ويكون شاهدا على هزيمتها، وتكون هي شاهدة على أيامه الأخيرة في الحياة، لكنها تتركه وراءها لمصيره.


إعلان