مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية.. أفلام الثورة والحب والمرأة في يومها العالمي

د. أمــل الجمل
تجربة صعبة وضاغطة تعرّض لها فريق عمل مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في دورته التاسعة الممتدة من 6 وحتى 12 مارس/آذار الجاري. كان من المفترض أن تستمر عروض المهرجان على مدار ستة أيام، إضافة إلى طقوس يوم الافتتاح التي قرروا أن تكون خالية من العروض السينمائية، وتحديداً حتى لا يُظلم فيلم الافتتاح حين يُشاهده الجمهور بعد إرهاق يوم طويل.
فعلياً أُقيمت العروض على مدار يومين فقط، ثم صدر قرار من رئيس الوزراء يمنع استئناف العروض ويُحذّر من التجمعات ومن مخالفة الأمر وإلا سيتدخل الأمن، وذلك كإجراء احترازي لمنع تفاقم الأمر فيما يخص عدد المصابين بفيروس كورونا.
توقفت العروض في السينمات بالفعل، وإن لم يتوقف عمل لجان التحكيم، كذلك توقفت ورشة الرسوم المتحركة مع الأطفال التي قدمتها المخرجة شويكار خليفة، كذلك الفنانة ياسمين الهواري التي شاركت بورشة الباليه، بينما استمرت الورشات الأخرى مع البالغين، التي كان يقوم بها المتخصصون في مختلف الفنون السينمائية والإبداعية، لكن الأنشطة الموازية في المهرجان خصوصا مناقشة الكتب أو المؤتمرات في الهواء الطلق وبداخل متحف الأقصر المفتوح لم تتوقف، ومنهم ورشة فن التمثيل مع الأستاذ بمعهد الفنون المسرحية علاء قوقة، كذلك ورشة الإخراج السينمائي مع المخرج أحمد ماهر.
“الوقت في صالحنا”.. انقلاب فاشل
تميزت برمجة هذه الدورة للمهرجان بوجود العديد من الأفلام الأفريقية المرتفعة المستوى في مختلف الأقسام، مثل مسابقة الروائي الطويل والتسجيلي والقصير، أيضاً بقسم أفلام “الديسابورا”، وكذلك “بانوراما السينما المصرية” التي تُتيح لأبناء وبنات الأقصر مشاهدة أهم إنتاج السينما المصرية خلال العام.
صحيح أن جوائز الوثائقي ذهبت لاثنين فقط هما؛ “أمي: إني اختنق.. هذا هو آخر فيلم لي عنك”، و”الوقت في صالحنا”، إذ حصد الأول جائزتين هما جائزة لجنة التحكيم الخاصة، وجائزة أحسن إسهام فني لفيلم تسجيلي طويل، (وهي عبارة عن شهادة تقدير وقناع “توت عنخ آمون” البرونزي) ذهبت لفيلم “أمي: إني اختنق.. هذا هو آخر فيلم لي عنك” للمخرج جيريمايا موزيس- لوسوتو. أما جائزة النيل الكبرى لأحسن فيلم تسجيلي طويل (قناع “توت عنخ آمون” الذهبي) فذهبت لفيلم “الوقت في صالحنا” للمخرجة “كاتي لينا نداي” من السنغال.
تدور أحداث فيلم “الوقت ما زال في صالحنا” حول بوركينا فاسو، واسمها الذي حصلت عليه منذ ثورة عام 1983، ثم مجيء دكتاتور حكم لسنين طويلة، إنه “بليز كومباوري”، لكن التمرد على القمع وحدوث ما لم يجرؤ الكثيرون على تخيله قد وقع بالفعل، عندما تمت الإطاحة بالدكتاتور “بليز كومباوري” في انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2014.
هنا يقودنا العمل لسرد الجانب السياسي والتاريخي عبر أحداث الفيلم الوثائقي من خلال شخصية مغني الراب سموكي، أحد أعضاء لو بالاي سيتوين، حيث يُوظف كلماته وأغانيه للتعبير عن مواقفه السياسية. إنه أحد مهندسي التغيير الذي بدا وكأن المدينة الفاضلة انتصرت على الواقع، فهل حقا انتصر الحلم على الواقع؟
اليوم وبعد سنوات من التمرد والمظاهرات، وبعد الانقلاب الفاشل؛ لا تزال تنظم انتخابات حرة، وما زالت هناك محاولات لتلبية التوقعات. إضافة إلى تساؤلات عديدة يطرحها الفيلم من خلال شخصية سموكي وحياته اليومية، فهو شخصية متمردة وجذابة تتعقب المسار والمواجهات بين الفن والنشاطات السياسية، بين القلق والمخاوف التي يُغذيها الحاضر الزائف غير المستقر، وبين الآمال المتجددة.
“أمي: إني اختنق”.. صراع بين الهوية والذاكرة الجمعية
أما فيلم “أمي: إني اختنق.. هذا هو آخر فيلم لي عنك” فيبدو عملا سينمائيا تجريبيا بامتياز، حيث الاشتغال على الجوانب البصرية واللغة السينمائية، سواء في لقطات الطبيعة والبشر بأحوالهم المختلفة ومعاناتهم، بقسوة الحياة والظروف المنحوتة على أجسامهم وتفاصيل ملامحهم. تقول الراوية في رسالتها بالفيلم: “أمي: إني أختنق.. وهذا فيلمي الأخير عنك”، يبدو الأمر بالفيلم كما لو كان المقصود من “الأم” هنا هو الطبيعة.
ترصد الراوية بالفيلم تفاصيل عن جسم المرأة، وشعرها ذلك التاج فوق رأسها والمطالبة بإخفائه، تربط بين ذلك وبين الديانات والكتب المقدسة. أثناء ذلك يُجسّد المخرج بعضا من ملامح كفاح المرأة عبر تصويرها وهي تحمل صليبها وتسير به منكفأة متعرقة، وفي لقطات أخرى نرى عيون الرجل الأبيض، وكأنما هي المساواة في الظلم الواقع على المرأة من كلا الرجلين.
اللافت بالفيلم تصويره لمناظر الطبيعة الخلابة وقطعان من الأغنام والباعة في الأسواق والمتسولين والمارة، يُصاحبهم مؤثرات صوتية تُعبّر عن أصوات غاضبة تصحبها نظرات غريبة، ثم تحت الشمس الحارقة وفي منزل بلا سقف، تقوم امرأة بإصرار على حياكة ثوب، أو تزيل خيوطا ملفوفة على وجه ابنها. يتناغم الصوت بالفيلم مع تدفق الصور السينمائية المليئة بالجمال والشجن، وكأن المخرج يمزج بين الشخصي والعام، وكأن الفيلم الغني بالتجارب البصرية هو رحلة اجتماعية سياسية رمزية لمجتمع البشرية، حيث يتصاعد الصراع بين الدين والهوية والذاكرة الجماعية.

“المُقيَّد”.. انتصار الحُبّ
من الأفلام الرائعة التي خرجت من دون جوائز الفيلم الأثيوبي “مُقيَّد” للمخرج موجس تافيسي، فهو تجربة سينمائية مختلفة ومغايرة تجمع بين روح الأسلوب المسرحي، وجماليات وشاعرية العرض السينمائي، فالفكرة الأساسية بالفيلم تنتصر للحب على كل القوانين الأخرى، والأهم أن تناولها يتميز بالجدة والابتعاد عن التقليدية، فالمرأة الملكة التي حرمت من معايشة الحب منذ تلك اللحظة التي توجت فيها بتاج العرش وكأنها قيدت به، فمنذ تلك الحظة سيصير العرش هو مسؤوليتها فقط.
مع ذلك نرى تلك الملكة ذاتها -التي لم يُقتل الحب في قلبها- تنتصر للحبيبين الذين وقع التفريق بينهما، إنه ليس فقط انتصارا للحب، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: إنه انتصار للحب في مواجهة ماذا؟ فإذا كان الشاب العاشق المقيد قلبه بقلب حبيبته قد انتهك أملاك الغير، فإن تقصي الماضي وكشف ملابساته يُؤكد أن الأمر لم يكن كما بدا في الظاهر، لأن العودة للتاريخ تكشف أن العاشق تعرض لانتهاك مسبق من ذات الشخصية التي انتهك أملاكها. بهذا يبدو أن الفيلم به إسقاطات رمزية متوارية وواضحة في آن واحد، ويمكن قراءة تلك العلاقات العاطفية والزوجية في ضوء علاقة المستعمر بأصحاب الأرض وانتهاك حقوقهم.
“ما وراء خطواتي”.. رقص معاصرة في أنغولا
كان من بين الأفلام الممتعة فنيا وفكريا التي لم تنل حظها من الجوائز فيلم “ما وراء خطواتي”، وفيلم “صوت الأقنعة”. أما فيلم “ما وراء خطواتي” فهو فيلم وثائقي عن الرقص المعاصر في أنغولا. ويصور مجموعة مختلفة متنوعة من الراقصين بينهم شخص مقعد عن الحركة، لكنه ما زال قادرا على الرقص بأسلوبه وإرادته، فنراه يقول كلمات ذات دلالة: لا ترفض شيئا قبل أن تجربه، فالرقص قد حرر روحي.
إنه أحد الراقصين المشاركين في مؤسسة الرقص المعاصر في أنغولا التي تكونت عام 1991، وتعتمد على ابتكار اتجاهات بمداخل جمالية ومفاهيم فنية جديدة في الرقص المعاصر، وخلال مدة الفيلم نعايش أحاديث الراقصين والمدربين عن الأماكن التي يمارسون فيها الرقص، وأهمية الابتعاد عن المدينة التي تكبلهم وتُقيّد أرواحهم، لكن الحديث الغالب سيكون عن الرقص وابتكاراتهم، وكيف يتعايش هؤلاء الفنانون مع الماضي الذي يخضع للتحولات الحتمية.
“صوت الأقنعة”.. بين الأسطورة بالواقع
بفيلم “صوت الأقنعة” يُفاجأ المتلقي بالعمل المبتكر، حيث الاشتغال المتوازي بين الموسيقى والمؤثرات الصوتية وتركيبها على الأقنعة في لقطات منفردة، وتغير الأصوات باختلاف الأقنعة. إضافة إلى الجوانب الدلالية ذات المعاني السياسية والرمزية فيما يخص المقصود من صوت الأقنعة، بما يعبر عنها من اللقطات الانتخابية وصوت المرشح في التلفاز، وكلماته المستهلكة المبتذلة عن “حرية الشعب لا حرية العبيد”، وغيرها من الشعارات الانتخابية وأصحابها.
ثم يتطرق الفيلم إلى الحديث عن تحول رقص “المابيكو” إلى تحدي الاستعمار، مما أدى إلى حظره ومنعه. وعندما رحل المستعمر وجاءت الميليشيات واصلت الحظر والمنع أيضا، وحاولت الاستحواذ على أماكنه. كل ذلك من خلال علاقة رجل ماهر في هذا الرقص ذي المعاني السياسية، وابنه الصبي الذي يقرر قرب نهاية الفيلم أن يتعلم هذا الفن ويتفوق فيه.
أما تعريف “مابيكو كوبيكا” فتعني أن تصنع أشكالا زائفة، لكن العمق الداخلي للكلمة هنا يُخبئ مخاوف يُسببها هذا الرقص للنساء والأطفال، فهي كلمة أسطورية فيها مزيج من الأسطورة والواقع، حيث خلقوا عبر الخيال الراقص وحشاً يأكل الأطفال، فإذا كان الوحش يأكل الأطفال فسيأكل أيضا المستعمر المحتل لبلادهم.
“فتح الله تي في: عشر سنوات وثورة لاحقاً”
من تونس جاء فيلم وثائقي يحمل عنوان “فتح الله تي في: عشر سنوات وثورة لاحقاً” للمخرجة وداد الزغلامي، الذي صُور مع مجموعة من الموسيقيين والمغنيين التونسيين للراب، لكل منهم قصته لكن يجمع بينهم الطموح الكبير وعشق الموسيقى على الأخص الراب، جمعت بينهم أيضا ظروف البلد الصعبة على المستوى الاقتصادي والسياسي، مما كان يدفع بالكثيرين من أبناء تونس إلى الهجرة غير الشرعية بكل عواقبها من موت أو عودة بلا شيء أو السجن كعقاب حكومي، وهؤلاء الشباب يعترفون بالأخطاء التي ارتكبوها كي يتحصلوا على زرقهم، ويعترفون بتدخين وبيع الممنوعات.
بدأ تصوير الفيلم منذ عام 2007، واستمرت المخرجة على مدار عشر سنوات تواصل التصوير. الجميل بالفيلم عدة أمور، هي الاقتراب من النفس ودواخلها أثناء الحكي، والروح الشبابية خصوصا في بداية التصوير قبل أن تمر السنوات على هؤلاء المغنيين ويترك الزمن بصماته عليهم، ويُنضجهم. فالمخرجة تتبعهم طويلا في حياتهم اليومية مع أهلهم وخارج بيوتهم وفي الحفلات وحتى أثناء شجاراتهم مع بعضهم.
أيضا الظريف بالفيلم أنه بدأ من علاقة شخصية تربط المخرجة بأحد هؤلاء الموسيقيين وهو “حليم”، عندما سجن بسبب هجرته غير الشرعية، ومن أجله استأجرت المخرجة شقة قريبة من السجن الذي أُودع فيه في بلجيكا، وساعدته على أن يصمد ويواصل عشقه للموسيقى ويكمل طريقه للنجاح.
“راستا” في منطقة الحرب.. جائزة مسابقة الفيلم القصير
“راستا” هو الفيلم الفائز بجائزة مسابقة الفيلم القصير، وهو فيلم روائي قصير بديع عن أهوال الحرب الأهلية، بديع في الأداء التمثيلي التلقائي الصادق لجميع أبطاله، كذلك في المونتاج السريع المتلاحق المثير للخوف والذعر. يحمل الفيلم اسم الشخصية الرئيسية بالفيلم البالغ من العمر نحو 16 عاما.
تدور الأحداث في ساحل العاج، حيث يُصاب “راستا” بالارتباك والهزة النفسية العنيفة جراء اندلاع نزاع مسلح يكاد يدمر بلده، فنراه متورطا في الأمر ويبحث عن رجل معين بالميليشيا، ثم يبدأ رحلة الهروب من أجل النجاة من الموت في منطقة الحرب التي يحتلها المتمردون، يواصل الهروب إلى أن يصل إلى بيت صديقه الذي تورط في قتله، ويعترف للأم بذلك.
“الخط الأبيض”.. حب في زمن الفصل العنصري
يُعد فيلم “الخط الأبيض” من أرق الأفلام المعروضة بالقسم الروائي لمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية بالدورة التاسعة، وقد نال تنويها خاصا من لجنة التحكيم. حيث رسمت الشخصيات وصورت بميزان حساس، شخصيات قبيحة شديدة العنصرية وأخرى مفعمة بالرومانسية وروح العدل.
الفيلم قادم من ناميبيا عن حقبة الفصل العنصري هناك، حيث تسرد الأحداث في إطار دراما رومانسية وقصة حب تولد بين “بيتر” وهو ضابط ألماني أبيض، وفتاة سمراء تُدعى “صوفيا” تعمل خادمة في منزل أخته خلال فترة الاستعمار شديد القسوة، حيث كان المستعمر يحكم بقبضة من حديد، وكان قد فرض حظر التجوال، لكن هذا لا يمنع الحب من أن يُولد ويزدهر، ويعيش في القلوب رغم محاولات تشويهه ومحاكمته ورغم محاولات التفريق، فإنه يظل حيا حتى بعد أن يشيخ جسديا.
يتميز الفيلم بأن قصة الحب الممنوعة مرسومة بجاذبية على بساطتها، ورغم أن المشاهد تبدو مسرحية أحيانا، ورغم سذاجة بعض المشاهد أحيانا أخرى، فإننا نشعر وكأن الفيلم ينقل لنا جزءا من سذاجة الأوضاع والشخصيات في ذلك العصر، حيث ستينيات القرن الماضي.
“فوضى”.. سخرية سوداء من تونس قبل الثورة
نال الفيلم التونسي “فوضى” للمخرج وليد طايع جائزة لجنة التحكيم الخاصة لأسلوبه الجديد ودرجة سخريته، وبراعة أداء الممثلين، وذلك لوصفه الحياة اليومية وتناقضات هامش المجتمع التونسي المعاصر.
الفيلم من إنتاج تونسي فرنسي مشترك، كتب له السيناريو مخرج العمل وليد الطايع الذي يُقدّم صورة كاريكاتورية ساخرة للأوضاع في تونس قبل الثورة، وفي ظلّ عهد زين العابدين بن علي، وتدور الأحداث الكثيرة بالفيلم خلال يوم واحد، حيث نرى قصصا متقاطعة موسومة بروح الدعابة السوداء، إذ يُدين المخرج من خلالها بفكاهة وحساسية نظام زين العابدين بن علي، من خلال رصد الفساد الاجتماعي والمشاكل الاقتصادية والصعوبات والمعوقات في كثير من المؤسسات، كذلك نظرة المجتمع للرقص والفن، وتفشي النظرة المادية والانتهازية والتناقضات والزيف، من دون إغفال الحصار الأمني والرقابة المشددة وتحريم أمور عديدة.
مع ذلك فإن الشعب خصوصا الطبقات المهمشة كانت تُصرف أمورها، وتسعى لحل مشاكلها على طريقتها الخاصة، وهناك أيضاً فساد الشرطة والعنف المجتمعي والبؤس الاقتصادي، وأزمة الصحة العامة، والكثير من مشاكل مجتمع كان يعيش على سطح يغلي بقوة.

“جيمي جون لوي”.. تكريم وجائزة لضيف المهرجان
من أبرز نجوم مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية في دورته التاسعة؛ النجم العالمي “جيمي جون لوي” القادم من أصول أفريقية، وقدم أعمالا مع نجوم بارزين مثل “دموع الشمس” مع “بروس ويلز”، و”القتل في هوليود” مع “هاريسون فورد”، و”وحشية الأم في القانون” مع “جين فوندا” و”جنيفر لوبيز” وغير ذلك من الأعمال.
إلى جانب تكريمه والمؤتمر الصحفي الذي أقيم له عقب جولته بمعبد الأقصر المفتوح، كذلك عُرض له فيلمان بالمهرجان، وهما الفيلم الأمريكي “أفاعي مجلجلة” بقسم أفلام الشتات، وكذلك فيلم “ديزرانس” من بوركينا فاسو وساحل العاج إخراج أبولين تراوريه، الذي شارك في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، ونال جائزة أفضل إسهام فني بسبب تصويره المأساوي للسعي وراء الجذور، في خضمّ الأحداث السياسية والحرب التي مزقت المجتمع الإيفواري.
تدور الأحداث حول عائلة ديزرانس قبيل وأثناء اندلاع الحرب الأهلية في ساحل العاج. في تقديري لم يكن الفيلم مبهراً، ففيه مشكلة أساسية وهي أنه تحول إلى فيلم تقليدي يعتمد على المطاردات والأكشن، وعلى التوتر والتشويق، وغرس الخوف بدون أي إضاءة جديدة على الحرب. فقط هناك محاولة لإثبات أن انتظار مولد الصبي أو الطفل “الذكر” أمر لا جدوى منها، وأن الفتاة قد تكون مصدر فخر لعائلتها مثل الصبي تماما، لكنها محاولة فيها لف ودوران وكثير من التجارية.
صحيح أن الفيلم كان واعدا في البداية بالحديث عن رغبة الأب في أن يعرف جذوره وأجداده، ثم رغبته العنيفة في الحصول على ولد، وآثار تلك الرغبة على ابنته وشعورها بالغيرة، كذلك خوف الأب والزوج المرَضي من صوت الرصاص والعنف، دون الكشف عن أسباب ذلك ومرجعه. هناك كثير من الأشياء التي ألمح إليها السيناريو ولم تستخدم أو توظف جيدا بالفيلم، ثم هناك التحول المفاجئ وغير المنطقي في شخصية الأب “فرانسيس ديزرانس”، وتحلّيه بالشجاعة المفاجأة والمبادرة، كأنه أحد أفراد العصابات المُدربين على التعامل بخفة، مع لحظات الخطر المفاجئة، كذلك صورة اللصوص سارقي المتاجر والبيوت التي جاءت تقليدية نمطية.

صورة المرأة النمطية.. أول رئيسة في العالم
بعيدا قليلا عن الأفلام، لكن ليس بعيدا عن صُنّاعها ونجومها. بدا الأمر خلال أول يومين من مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية -الذين اكتملت أحداثهما قبل قرار رئيس الوزراء المصري بمنع استكمال العروض- وكأن فريق عمل المهرجان كان يستشعر الخوف ويتنبأ بالقرار، فصار كأنه يسابق الزمن بالتكريمات والندوات واللقاءات والمناقشات المتعاقبة وحفلات التوقيع والمناقشة لكتابين سينمائيين مهمين، أحدهما عن “السينما الأفريقية المعاصرة وسينما الشتات”، والثاني عن فريد شوقي “وحش الشاشة.. ملحمة السينما المصرية”.
إضافة إلى مؤتمرات صحفية مع المكرمين، ومن أبرزهم المخرجة والنجمة الأفريقية “ميمونة نيدياي” -وعضو لجنة التحكيم- التي جاء تكريمها بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، فتحدثت فيه قائلة: ذهبتُ إلى فرنسا لدراسة الطب مثل بنات العائلات، وكنت دائما أبحت عن مهنة تخفف آلام الناس مثل الطب أو المحاماة، لكن وجدت نفسي في المسرح، فقدمت مسرحا هادفا يعالج مشاكل المهمشين، وطورته وذهبت به إلى بوركينا فاسو وساحل العاج ومالي. ثم اتجهتُ للسينما، وكنتُ دائما أختار الأدوار التي تُظهر المرأة بشكل قوي، وأرفض الأدوار النمطية التي تُظهر المرأة ضعيفة ومهمشة.
لا شك أن تزامن فعاليات المهرجان مع اليوم العالمي جعل للمرأة نصيب الأسد من الاهتمام وتسليط الضوء، وتجلّى ذلك أيضا في طرح قضايا المرأة في السينما الأفريقية للنقاش في ندوة مخصصة، وذلك بحضور النجمة الأفريقية “ناكي سي سيفانا”، والمخرجة الأفريقية “أبولين تراوري”، والمخرجة عزة الحسيني مديرة المهرجان. إذ تمت الإشارة مجددا إلى أن “الأدوار التي تضع المرأة الأفريقية في صورة نمطية صنعها الرجل، ويجب أن نغيّر ذلك، وأنا فعلا أحاول، ويظهر ذلك في فيلم عين الإعصار”.
هكذا أكدت ميمونة مثلما اتفقت معها المخرجة الأفريقية “أبولين تراوري” التي أشارت إلى أن الاحتفال بالمرأة عالميا يوما واحدا خلال العام ليس أمرا كافيا أبدا، لأن المرأة ظلت تناضل وتكافح طوال حياتها، أما عن وضع المرأة فدائما ما كانت حوله إشكالية في المجتمع والسينما، فهي إما أن تكون زوجة في المنزل ولا تعمل خارجه، أو امرأة عاملة لا تحظى بالمساواة مع الرجل العامل، ولم يكن لها وضع أكبر من ذلك، فقد حصروها في هذه الأدوار، وأشارت إلى أن الرجال دائما يُصدّرون هذه الصورة للمرأة في السينما، ثم ركزت على أنها ترفض مثل هذه الأدوار، وتقبل فقط بإخراج الأعمال التي تُظهر المرأة بشكل قوي، فتعطيها الصوت والصورة لتعبر عن نفسها.
أما النجمة الأفريقية “ناكي سي سيفانا” التي تطابقت أفكارها مع “أبولين” فقالت: هناك رجال يدعمون قضايا المرأة ومنها محاربة الختان، ومنهم الرسام الشهير “كروما كيمبريلا” الذي حارب ختان الإناث بلوحاته، وأتمنى من إدارة المهرجان دعوته في دورات مقبلة وعمل معرض له، وأضافت أن المرأة الأفريقية قوية حتى إن أول رئيسة دولة في العالم كانت أفريقية.