مهرجان “سينما فلسطين”.. إحياء السينما الفلسطينية في الجنوب الفرنسي

أسماء الغول

في ظل انشغال العالم بالحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا، والأخبار التي تملأ الشارع الفرنسي وصحفه وقنواته، يتحدى سمير عرابي وزوجته جنين كل ذلك -كما يفعلان كل عام- كي يبقى مشروعهما يانعا بعيدا عن تأثير أحداث العالم عليه، ألا وهو مهرجان “سينما فلسطين” الذي أخذ مكانه بين صالات السينما في الفترة ما بين 7 و15 من مارس/آذار الجاري، لتقول السينما الفلسطينية كلمتها مرة أخرى ومتجددة في رابع أكبر المدن الفرنسية تولوز.

وكما فعل الزوجان العام الماضي والذي قبله بأن تحديا فيروس كورونا، وأقاما المهرجان بطرق مبتكرة كالعروض الإلكترونية؛ يعودان اليوم إلى يوميات المهرجان الكلاسيكي وفعاليات الصالات وحضور المخرجين والنقاشات المستمرة عقب كل فيلم.

أكثر من مهرجان أفلام.. إنه احتفالية بفلسطين

وفي صالات مختلفة من مدينة تولوز وضواحيها، عُرضت أفلام فلسطينية لعدد من المخرجين والمخرجات، مثل سماهر القاضي في فيلمها “زي ما أنا عايزة” (As I Want)، وفيلمان للمخرج رائد أنضوني “صداع” (fix me) و”اصطياد أشباح” (Ghost Hunting)، وفيلما ركان مياسي “بونبونة” (Bonbone) و”غدا يأتي الحب” (Trumpets in the Sky)، ثم آخر أفلام المخرج رشيد مشهراوي “استعادة” (Recovery)، وكذلك العديد من الأفلام الأخرى عن فلسطين لمخرجين من أوروبا.

 

وفي كل عرض، يخلق هذان الزوجان اللذان تجاوزا العقد السادس تظاهرة حقيقية لفلسطين، سواء بالأزياء أو الأطعمة المقدّمة، وكذلك المنتجات القادمة مباشرة من فلسطين، فهناك الصابون النابلسي، وزعتر قرى رام الله، والزجاج الخليلي، وتطريزات غزة.

وهذا ما يميز الدورة الثامنة من مهرجان “سينيبالستين تولوز” هذا العام، فهو أكثر من مهرجان أفلام، إنه احتفالية بفلسطين، فقد عُرض فيه 34 فيلما روائيا ووثائقيا طويلا وقصيرا، إمّا من صانعين فلسطينيين، أو أفلام كان موضوعها فلسطين، وذلك بحضور المئات من المهتمين والمهتمات.

“استعادة”.. فيلم الافتتاح

لقد شهدت معظم الأفلام حضورا واسعا من المشاركين تفاجأ به المخرجون أنفسهم. يقول مشهرواي للجزيرة الوثائقية “لم أتوقع أبدا أن أجد تفاعلا وحضورا بهذا الكم، خاصة مع أزمة فيروس كورونا، لكن على ما يبدو فإن الحياة إلى السينما تعود إلى طبيعتها في فرنسا”.

وأضاف أنه سعيد أن آخر أفلامه الوثائقية “استعادة” يشارك في المهرجان، وقد اختير كفيلم افتتاح، ويتذكر مشهراوي غيابه من قبل عن الحضور إلى المهرجان في بدايته معتذرا عن ذلك، ومؤكدا أنه حريص على مشاركته في جميع المهرجانات التي تهتم بالسينما الفلسطينية، سواء بحضوره أو بإرسال أفلامه.

 

ومن السهل ملاحظة عشرات المتطوعين من فرنسا وفلسطين من الشباب وكبار السن، فهم يعملون وكأنهم في خلية نحل بين ترتيب العروض وإرسال الدعوات وتنظيم الندوات، إضافة إلى تقديم الوجبات وتصفيف المنتجات التجارية.

لقد نجح الجميع في إخراج المهرجان كعمل جماعي غير ربحي هدفه الأول والأخير التعريف بفلسطين.

“إتاحة السينما الفلسطينية لأكبر عدد من مُحبيها”

يقول سمير عرابي للجزيرة الوثائقية “نهدف إلى أن يتعرف أهل فرنسا إلى السينما الفلسطينية، ليس فقط كبار السن ممن يعرفون القضية، بل الشباب أيضا”. واعتبر أنهم ينجحون في التحدي كل عام ليس فقط بسبب أحداث العالم المتصاعدة، بل حتى في توفير التمويل والدعم المناسب لإقامة المهرجان واستمراره.

عرابي الذي يتواضع دائما ولا يُبدي رأيه مباشرة بالأفلام حين يعرضها المهرجان، لا يفعل ذلك حين يختارها، فهو يحرص على جودتها العالية، ويهتم بألا تكون قديمة، ويقول “نستقبل عشرات الأفلام سنويا للمشاركة في المهرجان، وكل عام نختار بشكل جماعي من قبل منظمي المهرجان أفضلها من حيث الجودة الفنية، والشيء الآخر بالطبع هو تناول فلسطين أو الفلسطينيين، وهذا الخيار يتفق مع هدفنا بإتاحة هذه السينما الفلسطينية لأكبر عدد من محبي السينما”.

الفلسطيني سمير عرابي الذي يُحيي مهرجان سينما فلسطين سنويا في تولوز الفرنسية خلال مشاركته في إحدى ندوات المهرجان

 

وأكد عرابي أن المهرجان يهتم بتوفير نقاش عقب كل عرض لمحاولة الإجابة على أكبر قدر من حيرة المتلقي إزاء القضية.

فلسطين حاضرة في فرنسا.. المهرجان الأبرز في الجنوب

ويُقدّم المهرجان -الذي لا يحظى بقدرات مادية كبيرة، خاصة بعد توقف بعض المؤسسات عن دعمه مع أزمة فيروس كورونا وأبرزها مؤسسة عبد المحسن القطان- أفلاما عن مختلف نواحي الحياة الفلسطينية، سواء الاجتماعية والحقوقية إلى القضية ذاتها ومناهضة الاستعمار وتحرير الأرض.

وعلى الرغم من كل الصعاب التي يواجهها المهرجان، فإنه المهرجان السينمائي الأبرز في جنوب فرنسا، ولا يزال يحظى بدعم من بلدية تولوز والمجلس المحلي والمجلس الإقليمي.

ومن غير الممكن إنكار أنه بفضل المهرجان والقائمين عليه، تبقى فلسطين حاضرة كل عام في فرنسا وسط بروباغندا إعلامية فرنسية لا تقدم الحقيقة كلها.