هيمنة نسائية في اليوم الثاني من أيام الجزيرة الوثائقية في سراييفو

خاص-الوثائقية

من مسرح كاميرني في قلب العاصمة البوسنية سراييفو، انطلقت أمس الأحد 11 سبتمبر/أيلول، فعاليات اليوم الثاني من أيام الجزيرة الوثائقية، والتي تستقبل مشاريع الأفلام الوثائقية قيد الإنتاج من المنطقة العربية والبلقان والقوقاز وجنوب شرق أوروبا.

وتتنافس المشاريع المشاركة على الجائزة المالية المقدمة من الجزيرة الوثائقية بقيمة 25 ألف دولار أمريكي لأفضل مشروع فيلم في التطوير، وأخرى بقيمة 15 ألف دولار أمريكي لأفضل مشروع قيد الإنجاز، إضافة لعدد من الجوائز المالية والإنتاجية المقدمة من الجهات الدولية المشاركة في الفعالية.

جزء من الخبراء الدوليين المشاركين

 

وخُصص اليوم الثاني للمشاريع قيد الإنجاز، والتي أوشك مخرجوها على إكمال النسخ الأولية من أفلامهم، بينما يبحثون عن دعم مادي أو إنتاجي لإنجاز اللمسات الأخيرة، إضافة إلى استشارات تساعدهم في تسويق وتوزيع الأفلام عبر المهرجانات الدولية والقنوات التلفزية، أو منصات العرض الرقمي. وقد اختير 11 مشروعا لذلك القسم، بينها 5 من المنطقة العربية، بحضور بارز للمخرجات اللواتي هيمنّ على ذلك القسم بإخراج 4 مشاريع من الـ5.

“هدوء نسبي” و “أم وابن”.. وجه شاعري لمآسي لبنان

استهل المشروع اللبناني “هدوء نسبي” للمخرجة لانا ضاهر المشاريع العربية، ويحمل عنوانه الإنجليزي اسم الأغنية الشهيرة (Do You Love Me) للمطرب اللبناني رينيه بندلي وفرقته عام 1978، والتي اشتهرت عربيا خلال عقد الثمانينيات كأغنية ساخرة تتغنى بكلمات إنجليزية منطوقة بلكنة وألحان عربية.

المخرجة لانا ضاهر تقدم فيلمها والذي يحمل عنوانه الإنجليزي اسم الأغنية الشهيرة Do You Love Me

 

أما “لانا” فتنطلق من ذلك العنوان لتحكي قصة لبنان –عبر أرشيف شديد الثراء– في سبعة عقود، بدءا من ستينيات القرن الماضي وحتى تفجير مرفأ بيروت، لتثير سؤالا رئيسيا: كيف وصل لبنان إلى هنا؟

ومن لبنان أيضا، تواجه المخرجة البارزة إيليان الراهب -التي أدهشت الجمهور العربي سابقا بفيلميها “ليالي بلا نوم” و “ميّل يا غزيل”- شخصية جديدة بماضيها لتستنطق سرا ظل دفينا لعقود. فهي تواجه في فيملها ” أم وابن”  الأم”شارلوت” التي فقدت ابنها “آرثر” الذي حملته نتيجة حادثة اغتصاب، ليضيع الطفل منها بعد ستة أشهر من ولادته، وينتقل إلى عائلة هولندية تتبناه ويشب في كنفها إلى أن يبلغ 26 عاما ويعلم أنه ابن لأم أخرى في بلد بعيد.

مشهد من فيلم أم وابن للمخرجة إيليان الراهب

 

وعلى عكس المتوقع، لا يحكي هذا الفيلم رحلة الابن في محاولة العثور على أمه، فقد حكى “آرثر” تلك القصة في فيلم أنتج قبل 20 عاما بالفعل. أما اليوم، فينبش الفيلم الجديد في سر “شارلوت” الذي يحيط بضياع ابنها؛ هل تركته رغبة أو رهبة؟ هل باعت الأم ابنها بثمن بخس لعائلته الهولندية؟ وهل كانت تلك العائلة على علم بخلفيات انتقال الطفل إليها، وهي الخلفيات التي تحيط بها الشبهات؟ أسئلة يشي بها المشهد الوحيد الذي تعرضه المخرجة لجمهور سراييفو لتترك الإجابات لرحلة الفيلم التي لم تكتمل بعد.

من العراق إلى اليمن.. معاناة تنقلها كاميرا النسوة

حمل المشروعان الآخران قصتين من بلدين عربيين أثخنتهما الحروب؛ العراق واليمن. وكلا القصتين تقدم مخرِجات اختبرن الحرب والنزاع الطائفي ومعاناة الحياة اليومية في وطن ممزق.

فهذه زهراء الغندور لا تحكي عن الحرب في فيلمها “نساء حياتي”، وإنما تحكي – كما يشي العنوان– عن المرأة العراقية وعن التحدي الأكبر الذي تواجهه في ذلك البلد يوميا بوصفها أنثى.

تبدأ القصة بمشهد ثقيل من ذاكرة المخرجة، تصور فيه نافذة منزل خالتها “القابلة” التي دأبت على أن تكون عينها على الوطن منذ نشأتها. تستذكر ذلك المشهد من طفولتها عن فتاة تسمى نور، يجرها أهلها عنوة في الشارع خروجا من منزل القابلة –خالة المخرجة– إلى أن يختفوا جميعا عن الأنظار وعن الذاكرة أيضا، فلا تعرف زهراء عنهم شيئا بعد ذلك اليوم.

مشهد من فيلم نساء حياتي للمخرجة زهراء الغندور

 

يتحول ذلك المشهد إلى سؤال ملح في ذهن زهراء عما جنته نور، وعن مصيرها الذي آلت إليه، لتصطحب ذلك السؤال في رحلة فيلم عن النساء اللواتي تحلَّقن حولها طوال حياتها ومثلن لها محضنا يخفف من ثقل الحياة في بغداد.

أما في اليمن، فلم تترك المخرجة مريم الذبحاني تلك المسافة بينها وبين الحرب، بل جاء مشروعها “يلا نلعب عسكرة” ليحكي قصة من قلب المعركة التي تدور رحاها في اليمن منذ 8 سنوات.

تتبع مريم في فيلمها “ناصر” الفتى ذي الـ16 ربيعا والعائد من أتون الحرب لتوه ليرعى أهله الذين كسرت الحرب منهم اثنين من قبله؛ أخاه الأكبر وأباهما.

يقرر ناصر العودة إلى أهله ليجنب أخويه الصغيرين ذات المصير، ويبحث عن طريق آخر للقمة العيش بعيدا عن الصفوف الأمامية.

حضور ذكوري خافت.. قصة عبثية من المغرب

يأتي المخرج الوحيد في ذلك القسم من المغرب، بفيلم طريف ورشيق يخفف فيه من حدة القصص العربية التي تغشاها أشباح الحرب والطائفية.

“فَخورون.. مُعَلقون وعَنِيدون بعض الشيء” هو العنوان الذي اختاره المخرج المغربي محمد أكرم لقصته، والتي يحكي فيها عن فريق كروي يصارع بعيدا عن دائرة الضوء من أجل البقاء في الدرجة الثالثة من دوري كرة القدم للهواة، في ملعب قريته الموصومة بزراعة الحشيش، وسيطرة العصابات على تجارته.

يفتتح المخرج مشاهد فيلمه باثنين يعملان على تكديس كميات من نبتة القنب (الحشيش) في أوعية بلاستيكية؛ ربما تمهيدا للاتجار بها. ونشاهد بعد ذلك رجلا غامضا يحمل حقيبة سوداء يسير بها في طريق جبلي لا ينبئ عن مظاهر للحياة، فيقفز إلى الذهن أنه مهرب للمخدرات يحاول نقل مخزون من بضاعته الممنوعة، لكن طرافة الفيلم تبدأ عندما نعلم أن ذلك الرجل ليس سوى مدرب الفريق الكروي البائس، وأن تلك الحقيبة لا تحوي إلا ملابس الفريق المتسخة تمهيدا لغسلها.

من فيلم “يلا نلعب عسكرة” للمخرجة مريم الذبحاني

 

تتوالى المشاهد لاحقا لتكشف عن قرية جبلية كاملة تحتشد خلف مباريات ذلك الفريق في ملعبه الجبلي المتواضع ليحولوا تلك المباراة عديمة الأهمية إلى ملحمة حقيقية، يصحبها صوت معلق محلي متحمس يصرخ بلا داع في مكبر الصوت محاولا تقليد نجوم معلقي الكرة في الفضائيات، بينما يمتد الجمهور على الصخور والسفوح المحيطة منتظرين بشغف ما ستؤول إليه النتيجة.

يستمر الخط السردي في الانتقال بين مشاهد تهريب الحشيش وبين ملعب الكرة وبين عجوز آخر لا ندري عنه سوى إلقائه قصيدة مهترئة تبدو كمحاولة شعرية بائسة مثل بؤس الفريق المحلي، فتظهر القصة بكاملها وكأنها تدور فوق خشبة مسرح العبث.

وبعرض المشاريع العربية الـ5، إلى جانب 6 أخرى من البلقان والقوقاز، اختتم اليوم الثاني من أيام الجزيرة الوثائقية، والذي ركز على عروض المشاريع قيد الإنجاز، والتي تتنافس فيما بينها على جائزة مالية للجزيرة الوثائقية، سيعلن عنها في ختام اليوم الثالث والأخير من الفعالية.


إعلان