مهرجان مالمو للسينما العربية الـ13.. تألق أفلام المرأة في مضمار المنافسة

بتوزيع جوائزها على الأفلام المتبارية في مسابقتها الرسمية اختتمت الدورة الـ13 لمهرجان مالمو للسينما العربية أعمالها التي امتدت من 28 أبريل/ نيسان حتى 4 مايو/ أيار 2023، وخلالها عُرض 45 فيلما عربيا، من بينها 18 فيلما روائيا.

أكثر هذه الأفلام كان قد شارك في مهرجانات عربية وعالمية، وبعضها نال فيها جوائز مثل فيلم “جنائن معلقة” للعراقي أحمد ياسين الدراجي الذي حصل على جائزة “اليُسر الذهبي” لأفضل فيلم عربي طويل في الدورة الثانية لمهرجان البحر الأحمر في السعودية، ومن مسابقة مالمو التي ضمت 12 فيلما طويلا خرج بثلاث جوائز (أحسن فيلم، وأحسن سيناريو، وأحسن ممثل).

كما حصل فيلم الفلسطيني فراس خوري “علَم” على جائزة أفضل إخراج، مما يثير بعض الغرابة، لأنه في الغالب الأعم يترافق فوز أفضل فيلم بأفضل إخراج، والاستثناء عن هذه القاعدة قليل جدا، ويأتي ترضيةً للمتنافسين أكثر منه حسما تقييميا، في الوقت الذي يتمتع به الفيلم الفلسطيني بمستويات فنية لافتة في جودتها.

أما في فئة الأفلام غير الروائية، فقد نال اللبناني “هيفين” للمخرجة رين رزوق على جائزة أفضل فيلم عن جدارة واستحقاق.

جوائز المهرجان.. جدل حول قرارات لجان التحكيم

بعد إعلان لجان التحكيم عن الجوائز في حفل الاختتام، أثار أغلبها نقاشا وجدلا بين النقاد والمتابعين حول مقدار موضوعية وصواب قرارات لجان التحكيم، وبشكل خاص حين تُستبعد أفلام مهمة في تقدير النقاد هي أجدى بنيل الجوائز، مثل الفيلم الجزائري “الأخيرة” لداميان أونوري وزميلته عديلة بن ديمراد، فقد اكتفت لجنة التحكيم في الدورة الحالية بمنح بطلته عديلة بن ديمراد جائزة أفضل ممثلة.

في المقابل هناك شبه اتفاق على أن جوائز أي مهرجان سينمائي لا تمثل إلا رأي وذائقة أعضائها الذين لا يزيد عددهم في كل لجنة عن عدد أصابع اليد الواحدة، لكن هذا لا يلغي أهمية الجدل الذي يعقب قراراتها، لأنه يثير ويحفز على حوار نقدي يضفي حيوية على المشهد السينمائي، ويدعو إلى مراجعة نقدية لفعالياتها.

مهرجان مالمو.. منصة تخلق تفاعلا بين ثقافتين

في سياق التحفيز على الحوار النقدي تأتي أهمية مناقشة التفاعل المرتجى بين الجمهور العربي والسويدي، وحجم حضورهما لمشاهدة الأفلام والفعاليات المصاحبة لها، ولأنه ينشد خلق حالة من التفاعل والتأثير المتبادل بين الثقافتين، فإن مسألة حضور الجمهور لأنشطته يكتسب أهمية كبيرة، وفي حالة عدم تحقيقها ينبغي دراسة أسباب ضعف الإقبال والوسائل التي ينبغي العمل بها لتشجيع الجمهور السويدي والعربي لمشاركة أكبر فيها.

وعلى المستوى التنظيمي يُلاحظ تقلص عدد الضيوف بالمقارنة مع الدورة الفائتة، وأيضا عدد الأفلام المعروضة، بينما تفرض مسألة قلة عدد صالات العرض نفسها على المهرجان، وتدفعه لتقليص عروضه، إذ يكتفي بعرض الفيلم المشارك مرة واحدة فقط.

لقطة من مهرجان مالمو للسينما العربية في دورته الـ13

وما دام الدافع الأساس لإقامة أي مهرجان سينمائي في بلد أوروبي هو نشر الفيلم العربي وخلق حالة من التفاعل بين الثقافتين، فإن الملاحظات النقدية -لا المجاملة- هي ما تنفعه في النهاية، وتدفعه لتجاوز المعوقات التي تحيل دون جعله ساحة تفاعلية حقيقية.

ربما يكون من المناسب هنا أن نشير إلى دوره المهم في دعم السينما العربية ماليا، من خلال توفيره فرصا مناسبة لإنجاز المشاريع السينمائية الجديدة، ونيل أصحابها دعما يساعدهم على إكمال مشاريعهم، حتى لو كانت المساعدات المالية محدودة وبسيطة. فالمهم هو التوجه والجدية في إقامة منصة دعم يمكن للسينمائي العربي الاستفادة منها.

سينما السعودية والأردن.. انتعاش فني وحضور جماهيري

اللافت للانتباه كثافة الحضور السعودي للسنة الثانية على التوالي، ويبرز من خلال تخصيص دورة هذا العام خانة باسم “أفلام سعودية قصيرة”، إلى جانب الحضور الملحوظ على مستوى الدعوات والمشاركة في أغلب الفعاليات والمسابقات، رغم افتقار أكثرها إلى المستوى الفني الذي يؤهلها للتباري مع أفلام أخرى عربية تفوقها جودة على المستويين الجمالي والفكري.

وفي السياق نفسه يبرز سنويا الاهتمام بالسينما الأردنية التي تشهد في هذه السنوات تطورا ملحوظا، ويمكن اعتبار برنامج “الأصوات المسموعة” الذي ينظمه المهرجان بدعم من المعهد السويدي، وبالتعاون مع الهيئة الملكية الأردنية للأفلام لدعم المواهب في الأردن؛ مثالا جيدا على ما يمكن أن يقوم به مهرجان عربي في بلد أوروبي.

“الأخيرة”.. إخراج نسائي لقصة ملكة جزائرية قاومت الغزاة

يركز المهرجان على إبراز قضية المرأة، سواء على المستوى السينمائي من خلال عرض أفلام لمخرجات عربيات، أو من ناحية المضمون عبر إدراج الأفلام التي تتناول قضية المرأة في كل أقسامه، توافقا مع توجه سويدي عام يشجع على تمكين المرأة وتعزيز دورها.

وفي دورة هذا العام نجد حضورا للمخرجة العربية في المسابقة الرسمية وخارجها، فنجد أن فيلم “الأخيرة” من بين الأفلام التي تجمع بين المرأة التي تقف خلف الكاميرا والأخرى التي تقف أمامها، وتؤدي دورا يجسد جانبا من تاريخ الجزائر الذي وقفت فيه إحدى الملكات الشجاعات في وجه من أراد سلب الدور القيادي للجزائريين.

أثار الفيلم في الجزائر وخارجها جدلا حول مدى تطابق قصته مع الأحداث التاريخية التي تشابكت فيها القوى المؤثرة في تخليصها من الاستعمار الإسباني، وبغض النظر عن الجانب التاريخي، فالمنجز السينمائي التخيّلي يتميز بمستوى فني مهم لم تألفه كثيرا السينما العربية، حين تقترح نقلا للأحداث التاريخية على الشاشة، وبمهارة إخراجية تجعله واحدا من أفضل الأفلام التاريخية العربية.

“تحت الشجرة”.. يوميات الحصاد في مزارع التين بتونس

إلى جانب فيلم “الأخيرة” الجزائري هناك فيلم “تحت الشجرة” للتونسية أريج السحيري، وفيه تكثيف بارع للزمن الذي تدور فيه أحداث بسيطة وعادية، لا تتجاوز يوم عمل واحد لحصادين في مزارع تين تونسية، تعمل فيها النساء إلى جانب الرجال.

تدخل النساء في حوارات طيلة الوقت عن أحوالهن الشخصية وعلاقاتهن العاطفية، وعلى هامشها تأتي أحداث تحيل إلى وجود مشكلات اجتماعية معقدة محورها الاستغلال والسيطرة المالية والبحث عن خلاص من فقر موجع.

تُكثف المخرجة السحيري المشهد اليومي دراميا، وتشذبه من كل زائد، مبقية على مساحة منه تكفي للغوص في عمق الحالات النفسية والعاطفية لأبطالها. كل الأحداث -وجُلّها مروي- تجري في حدود مساحة الحقول، ومن داخلها يتسع المشهد ليأخذ بُعدا أكبر يلامس أسئلة المرأة والحرية. وقد نال الفيلم تنويها خاصا من لجنة التحكيم.

وثائقيات المهرجان.. أفلام تلامس الواقع العربي المأزوم

فيما يخص الأفلام غير الروائية، تخلت دورة هذا العام عن ما بدأه المهرجان في العام الفائت، وذلك حين خصّصت مسابقة مستقلة لها، واكتفى من جديد بإدراج أفلامها ضمن بقية الأفلام المتبارية في المسابقات، من دون تمييز للنوع، مثلما تفعل بعض المهرجانات السينمائية.

من بين الأفلام المهمة اللافتة في قوة اشتغالها السينمائي الفيلم اللبناني “هيفين” الذي يتناول تجربة شابة اعتادت في مرحلة مبكرة من حياتها على تعاطي المخدرات، وقد نتج عن المرافقة الصبورة فيلم مؤثر عميق لا يكتفي بالحالة الخاصة، بل يوسع آفاقها ليدخل في عمق الأزمة التي يعيشها لبنان على مستوى الأفراد والنظام.

ومن داخل لبنان يؤطر وثائقي نورا كيفوركيان “بطاطا” حياة المزارعين السوريين في لبنان قبل نشوب الحرب في سوريا وخلالها، فقد وجد كثير منهم أنفسهم وقد أضحوا لاجئين يخضعون لاشتراطات العيش في بلد متأزم ومثقل بمشكلات سياسية واقتصادية انعكست عليهم بقوة. من بين ثنايا المشهد القاسي والحزين للسوريين تظهر شخصيات معطاءة وقوية تبدد بعض قساوته، من دون تجاهل لحجم الألم النابع من داخله. وقد استحق الجهد المبذول في “بطاطا” جائزة لجنة التحكيم الخاصة.

ومن السودان التي شهدت وقت عرض الفيلم صراعات سياسية مؤلمة، يأتي فيلم “أجساد بطولية” ليراجع تاريخا لعبت فيه المرأة السودانية دورا تنويريا، تجسد بنماذج اختارتها صانعته سارة سلمان بعناية، وبهن رفعت مستوى اشتغالها الذي يقارب منجزا تلفزيونيا باختلاف أن “أبطاله” يضفون عليه أبعادا درامية تتكامل مع بعض المتوفر من تسجيلات فيلمية قديمة (أرشيف) أعطته حيوية وحلاوة أقنعت الجمهور بمنحه جائزته الخاصة.

وفي مسابقة الأفلام القصيرة نال الفيلم المصري “ماما” لناجي إسماعيل جائزة أفضل فيلم، بينما حصل الفيلم اللبناني الرائع “يرقة” لميشيل ونويل كسرواني على جائزة التحكيم الخاصة، وكان قد حصل على جائزة “الدب الذهبي” لأفضل فيلم قصيرة في الدورة الماضية لمهرجان برلين السينمائي الدولي.