لقاءات بجاية السينمائية.. مدينة جزائرية تتنفس الفن السابع
تحمل اللقاءات السينماتوغرافية لبجاية طموحا كبيرا وبوادر نجاح أكبر، وهي أهم وأقدم تظاهرة سينمائية في الجزائر، ويمكن قياس نجاحها بنوعية الأفلام التي تعرض، والأسماء التي تستقطب، كما أن الشباب المتطوع والمنتسب لجمعية “بروجيكتور”، الحريص على أدق الجزئيات والتفاصيل، يعود له الفضل في الانتشار والسمعة التي تحظى بها الفعالية اليوم، خارج الجزائر وداخلها.
لا تنوي اللقاءات أن تصبح مهرجانا، أو أن تنتقل بالأفلام إلى الصيغة التنافسية، بل تسعى لتطوير الأداء أكثر، وضمان الاستمرار، وإن كان الدعم شحيحا، فالإرادة أقوى.
كل هذه المساعي أفرزت تظاهرة سينمائية محترمة، وأسست لجمهور متصالح جدا مع الفنون كلها لا مع السينما فقط، فتجدهم على اختلاف أعمارهم ينتظرون بشغف إذن الدخول للقاعة، يلتزمون بالتعليمات، فلا تسمع لهم صوتا خلال العرض، ولا يصدر منهم أي تشويش.
وقد نظمت الدورة الـ19 من اللقاءات السينماتوغرافية لبجاية هذا العام على مدى 6 أيام، بداية من يوم 24 سبتمبر/ أيلول، ثم اختُتمت يوم 29 من نفس الشهر.
استحضار فلسطين.. دعم سينمائي رمزي للقضية الكبرى
وصل عدد اللقاءات السينماتوغرافية لبجاية هذا العام أكثر من 360 فيلما، اختارت منها اللجنة الفنية 35 عملا للعرض، ولم تتقيد أو تلتزم هذه النسخة بأي شعار، بعدما رفعت في الدورة الـ18 شعار “السينما والمدينة”، وقد عرضت أفلام هذه الدورة مواضيع متفرقة، منها ما تعلق بوضعية المهاجرين ومشاكلهم، ومنها الفن والتاريخ والأرض والهوية.
وكان لفلسطين نصيب في ذلك من خلال “بعض السلاسل”، وهي عبارة عن محاولات فيلمية لمخرجين من عدة دول، كانت تبث في بداية كل حصة سينمائية.
وتلك خطوة رمزية يُراد منها تسجيل موقفٍ تجاه الشعب الفلسطيني وسكان قطاع غزة، ودعم القضية من خلال هذا المعطى، وهو مسعى بادرت إليه وتبنته اللقاءات السينماتوغرافية لبجاية في دورتها الحديثة.
تجدر الإشارة إلى أن الفكرة استوحاها أصحاب هذه التجارب من إحدى قصائد الشاعر الفلسطيني رفعت العرعير، الذي استشهد في 6 ديسمبر/ كانون الأول 2023، عن عمر ناهز 44 سنة، إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزل أخته في قطاع غزة.
النقاد وصناع المحتوى.. أولوية التأثير في المشهد السينمائي
حاولت ندوات الدورة الـ19 أن تضع على طاولة النقاش مسائل مهمة، بعضها يتعلق بالإرث السينمائي المتمثل في أرشفة الأفلام ورقمنتها وترميمها، والبعض الآخر يتجه لمناقشة إشكالية: من الأكثر تأثيرا في المشهد السينمائي؛ الناقد أم صانع المحتوى؟
وهنا تباينت آراء النقاد حول مدى تأثير صناع المحتوى أو المؤثرين في السينما، ومقارنة تأثيرهم بأداء النقاد، مع أن المؤثر ليس صانع محتوى، فالاختلاف بينهما كبير، ولا يمكن مقارنة الرأي والانطباع بالنقد.
فلا يمكن أن نضع في كفة واحدة مؤثرا مع ناقد دارس للتخصص، سواء كان متخرجا من أحد المعاهد أو الجامعات، أو أهّلته المشاهدة وممارسة نقد الأفلام سنوات مستمرة، وقراءة مضامينها بلغة سينمائية تستند لتحليل المشهد وتقطيعه، وتقف عند الموسيقى التصويرية والإضاءة التي تتغير من لقطة لأخرى.
وبالمقابل يمكن للناقد المرور إلى جمهور أوسع من خلال البودكاست السينمائي، وهي خطوة أقدم عليها عدد معتبر من النقاد، في حين يفضل آخرون التمسك بالكتابة النقدية على المواقع والمجلات المتخصصة.
كل هذه المواد التي تأتي في شكل كتابات مدونة، أو تبث على دعائم ومنصات رقمية ستصبح مرجعية بمجرد نشرها، وتكون توثيقا وأرشيفا تزداد قيمته مع الوقت، وهو الموضوع الذي شكل الشق الثاني من ندوات اللقاءات السينماتوغرافية لبجاية.
نبيل جدواني.. محيي إرث الجزائر السينمائي الضائع
كانت الفرصة مناسِبة للحديث عن الجهود الفردية والجماعية، التي تبذل لاسترجاع الإرث السينمائي الموجود في الخارج، ورقمنته وحفظه في ظروف ملائمة تليق بالنسخ القديمة والنادرة، من أفلام عُثر عليها، وأخرى ما زال جاريا البحث عنها.
كما امتد هذا النقاش إلى مسائل أكثر تعقيدا، تتعلق باسترجاع الأرشيف السينمائي، في ظل التحديات القانونية والمالية والأخلاقية والسياسية.
في هذا السياق، وبعد أكثر من 40 سنة، استطاعت الجزائر إعادة عرض فيلم “بوعلام زيد لقدام” (بوعلام تقدم للأمام)، للمخرج الراحل موسى حداد (1937-2019)، ويعود الفضل في العثور على هذه التحفة السينمائية النادرة إلى الباحث السينمائي الشاب نبيل جدواني، الذي يشتغل دون انقطاع على مشروع كبير، يتعلق بالبحث عن الأرشيف الجزائري ورقمنته ووضعه تحت تصرف من يحتاج إليه، كل هذا بمجهود فردي وعلى حسابه الخاص.
وقد تكفل معهد “غوته” الألماني بالجزائر برقمنة فيلم “بوعلام زيد لقدام” في برلين، وشرع نبيل جدواني في الاشتغال على رقمنته وتصحيح الألوان والترجمة في مايو/ أيار 2024، ليكون الفيلم جاهزا للعرض شهر سبتمبر/ أيلول تزامنا مع الدورة الـ19 للقاءات السينماتوغرافية لبجاية.
وحسب ما صرح به نبيل جدواني، فإن كثيرا من الأفلام لم تعد إلى الجزائر، بعدما شاركت في بعض المهرجانات السينمائية، ولذلك لا تزال النسخ الوحيدة منها موجودة بالخارج إلى الآن، ويجري البحث عنها لاسترجاعها.
محمد إيقربوشن.. صوت يمنح اللقاءات هويتها المحلية
تحمل اللقاءات السينماتوغرافية لبجاية طابعا دوليا، وتستقبل أسماء عالمية مهمة من سينمائيي الداخل والمهجر، من العرب والأجانب، ولكنها مع ذلك متمسكة بهويتها وشخصيتها الجزائرية الأمازيغية.
وقد انعكس ذلك أكثر في هذه الدورة، فقد عادت إلى التراث الشعبي، مع أسماء قدمت كثيرا للفن عموما لا للسينما فقط.
ولعل ما يميز اللقاءات هذه السنة هو اقترابها من فنون ومجالات تتقاطع مع السينما، مثل الشريط المرسوم والموسيقى، فقد دُمج في إعلان اللقاءات إرث أحد عمالقة الموسيقى المحلية، ألا وهو الراحل محمد إيقربوشن.
“سليم”.. تكريم صانع الصورة المستوحاة من عمق المجتمع
أهدى الفنان منور مرابطين المعروف بـ”سليم” اللقاءات ملصق الدورة الـ19، فأعاد فيه إلى ذاكرة الجزائريين شخصيات لازمت مساره الذي يفوق 30 ألبوما، وتتقاطع فيه السينما مع الشريط المرسوم.
إنها شخصيات ذات ملامح وأزياء جزائرية، يرتدي فيها الرجل الأول “أمزيان” البدلة، ويعتمر الرجل الثاني “بوزيد” الطربوش، وتلبس زوجته “زينة” الحايك والعجار، وهو لباس تلبسه النسوة خارج المنزل، وقد هجرته نساء المدن، أما نساء بعض المناطق الداخلية فما زلن متمسكات به إلى يومنا هذا.
قصة أو شخصيات استوحاها سليم من عمق المجتمع، واختار تقديمها في شكل رسومات كاريكاتورية، كما كان يفعل دائما في الجرائد والمجلات التي ينشر فيها أعماله وقصصه.
ولذلك فإن فكرة الأفيش قد تعد تكريما له من القائمين على اللقاءات، نظير إسهاماته الكبيرة في الصحافة والسينما والشريط المرسوم، وهي التي ألحت على أن يكون سليم من الشخصيات التي تطبع دورة هذا العام.
كما أن المتابع لمساره يدرك جيدا مدى تأثره بالسينما، فقد تلقى في الستينيات تكوينا عاليا في سينما الرسوم المتحركة في بولندا وتشيكوسلوفاكيا، ومن أعماله التي تجمع السينما بالشريط المرسوم أفيش فيلم “عمر قتلاتو الرجلة” لمرزاق علواش (1976)، وملصق فيلم “ليلى والأخريات” لسيد علي مزيف (1978).
“الجمهور هو النجم”.. علاقة استثنائية بالسينما في بجاية
عندما يستعرض أهل الاختصاص واقع ومشاكل السينما في الجزائر، تُطرح دائما إشكالية علاقة الجمهور بالسينما، في محاولة لفهم سبب القطيعة التي حدثت بينهما، مع أن الجزائر كانت بها حياة وثقافة سينمائية راقية، ولكنها لم تعد كذلك منذ وقت طويل.
فقد بات الجمهور لا يقبل على مشاهدة فيلم إلا في إطار مهرجان، أو عند تقديم عروض أولى غالبا، وما عدا ذلك يكون استثناء في باقي أيام السنة، ثم تعود القاعات إلى سباتها بعد نهاية أي فعالية.
أما علاقة ساكنة بجاية بالسينما، فلا تبدأ بمهرجان وتنتهي بانقضاء آجاله، بل هي أسلوب حياة.
ولذلك تأتي اللقاءات السينماتوغرافية لبجاية لتتوج مسار سنة كاملة من العروض والنشاطات، التي تنظمها جمعية “بروجيكتور” من خلال نوادي السينما، وذلك ما أكسب الولاية جمهورا استثنائيا يشهد له الجميع بالتميز، فلا يكتفي بمشاهدة سطحية للأفلام، بل يأخذ معه النقاش للسؤال والتحليل، مثلما يأخذ الفيلم حقه من المشاهدة.
كان المنظمون يخشون أن يتأثر الجمهور بالغياب الذي دام 3 سنوات، بسبب جائحة كورونا، ولكن النسخة الـ18 التي استقبلتهم بعبارة “الجمهور هو النجم”، شهدت إقبالا كبيرا على كل الحصص والعروض، وحتى الورشات واللقاءات المقامة على الهامش.
ولعل ذلك يؤكد أن جمعية “بروجيكتور” منذ تأسيسها سنة 2003، وفقت إلى حد كبير في تقوية العلاقة بين الجمهور والسينما.
شباب التطوع.. وقود يشعل أضواء السينما في قرى بجاية
أسهم الابتعاد عن المناسباتية والحرص على الاستمرارية في خلق متطوعين شباب من الجمهور الذي انتقل من صفة متلقٍّ إلى فاعل في النشاطات التي تقام على مدار السنة، سواء التي تحتضنها “سينماتيك بجاية”، أو التي تتوزع على المؤسسات التعليمية والثقافية، فالجمهور والتطوع أكبر وأكثر ما استثمرت فيه الجمعية وبجاية بكل مؤسساتها.
فالدورة الـ18 من اللقاءات مثلا، ميّزها عرض فيلمين لمخرجين كانا من منخرطي الجمعية، تكونت لديهم ثقافة سينمائية جيدة، من خلال التطوع والمشاركة الدائمة في نوادي السينما، والمتابعة المكثفة للأفلام، والاحتكاك بالمهنيين، وقد أتموا ذلك الاهتمام بتكوين جاد في الإخراج والكتابة السينمائية.
هذا وتمتد نشاطات جمعية “بروجيكتور” -بما فيها لقاءاتها السينمائية- إلى بعض قرى ولاية بجاية، مثل قرية آيت عيسى، وتيمزريت، وأقبو، وبني معوش، ويتنقل فريق العمل وشباب الجمعية إليها لعرض الأفلام وإغناء النقاش، وتوفر لذلك كل الظروف التي سخرتها للفيلم وفريقه في القاعة، حتى يكون بنفس المستوى والأداء.
ولأن هذه القرى تفتقر إلى قاعات سينما، فقد بنت نساء قرية آيت عيسى مسرحا أو ساحة مفتوحة للعرض، تُمكّن العاجزين عن التنقل إلى مدينة بجاية من متابعة الأفلام والعروض المسرحية، وبعض النشاطات الفنية التي يستوعبها هذا الفضاء المشيد حديثا.
ومن الأهداف التي تشتغل عليها جمعية “بروجيكتور” منذ 20 سنة، تنشيط الحياة السينمائية وتفعيلها بعاصمة الحماديين بجاية، في حراك ثقافي امتد لسنوات، وكانت سينماتيك الولاية شاهدة عليه، وقد عُرف هذا المعلم التاريخي سابقا باسم “كازانوفا”.
ففي سنة 1901، افتُتحت القاعة، والتقت فيها كل الأفكار على اختلافها، واجتمعت فيها أسماء مهمة جسدت فكرة اللقاء بعيدا عن رسميات المهرجانات الكبرى، فلا فرق هنا ولا حواجز بين السينمائي والإعلامي والجمهور.
ومن هذا المنطلق لا تطمح الجمعية لجعل لقاءاتها السينمائية المستقلة مهرجانا، لكنها مع ذلك استطاعت استقطاب أسماء مهمة، منها المخرج البرازيلي كريم عينوز، والفيتنامي “لام لي”، ومن الجزائر مرزاق علواش وإلياس سالم وغيرهم.
سفيان زرماني.. منحة فنية لتنشيط السينما الجزائرية
فاقت عزيمة شباب الجمعية حجم الدعم المالي القليل الذي تمنحه بعض الهيئات والمؤسسات، مما دفع بعض الفنانين لتثمين هذه الجهود، كلٌّ بطريقته.
من أولئك الفنانين الممثل ومغني الراب الفرانكو-جزائري سفيان زرماني، المعروف فنيا باسم “فيانسو”، وهو ذو شهرة كبيرة في فرنسا، وقد ساهمت منحته هذا العام في إعادة تفعيل “بجاية لاب”، أو مختبر بجاية لدعم كتاب السيناريو، وتمكينهم من تطوير أول فيلم طويل لهم.
وقد أفرزت التصفيات النهائية 5 سيناريوهات، رُشحت لنيل المنحة من مجموع 40 مشروعا، وقد ارتأت لجنة القراءة والتقييم تتويج سيناريو المخرج رامي علوي الموسوم بـ”هربين”.
وفي حديثه للجزيرة الوثائقية قال الفنان سفيان زرماني، إن المبادرة لقيت صدى إيجابيا جدا لم يكن يتوقعه، ووصلته رسائل مهمة من بعض الفنانين والرياضين بالمهجر، فقد أبدى هؤلاء رغبتهم في دعم أي مبادرة فنية مثلما فعل “فيانسو”.
تشهد مسيرة سفيان الفنية تحولا من الراب إلى السينما، بعدما حقق ما يتمناه أي فنان من حيث المبيعات والانتشار والجولات، كما أن اقترابه من الوسط الفني الجزائري يسمح له بالتعرف أكثر على ظروف الإنتاج، والإمكانيات المتاحة التي قد تعزز حضوره في السينما الجزائرية مستقبلا.
مدينة بجاية.. فاتنة البحر التي اتخذت ابن خلدون إماما
تقع مدينة بجاية شرق العاصمة الجزائر على بعد 250 كيلومترا، وهي مطلة على البحر الأبيض المتوسط، وتمتلك مؤهلات كبرى من الناحية التاريخية والثقافية والمعرفية والسياحية، مما دفع كثيرا من السينمائيين المحليين والأجانب للاهتمام بها، وتصوير أفلامهم بعاصمة الحماديين.
فالمناخ والظروف والطبيعة التي تتميز بها أرض الحضارة من شواطئ وجبال وقرى، تضعك أمام متسع من الخيارات، وتمنح الصورة السينمائية جمالية خاصة. إنها مدينة لها ما تقول إذا استنطقتها الصورة، واستدرجها المؤرخ والمثقف.
مرت ببجاية حضارات وشخصيات مرموقة، منها العلامة الموسوعة مؤسس علم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون (1332-1406)، وقد وُثق مروره بالمدينة بأساليب عدة، من ضمنها التمثال الذي نصب بقلبها.
عُيّن ابن خلدون إماما بجامع قصبة بجاية، وقد أقام بها على مدتين؛ أولاهما ما بين عامي 1352-1354، والأخرى ما بين 1365-1366.
“مانويل تيكسيرا غوميز”.. رئيس فرّ إلى بجاية وتفرغ للأدب
كان الرئيس البرتغالي “مانويل تيكسيرا غوميز” (1860-1941) من الشخصيات التي اختارت بجاية مستقرا، وذلك منذ تخليه عن الحكم، فقضى فيها 10 سنوات، إلى أن توفي ودُفن فيها عملا بوصيته، ثم نقلته السلطات البرتغالية فيما بعد إلى مدينة بورتيماو، مسقط رأسه.
كان “غوميز” قد استقال بعد عامين من توليه الحكم (1923-1925)، ليبتعد عن السياسة، وفضّل التفرغ للأدب خلال عيشه بالجزائر، ولم يكن يخطط للإقامة ببجاية، ولكنه وجد فيها الراحة التي كان يبحث عنها، وعاد إلى الكتابة بفندق “نجمة” المطل على ميناء الولاية.
وبحسب الروايات المتداولة، فقد ألّف الرجل 3 كتب في الغرفة رقم 13، وهي الغرفة الرئاسية التي تحولت بكل مقتنياتها إلى متحف صغير، فكل الغرف متوفرة للمبيت إلا تلك الغرفة، فقد باتت بعد وفاته متاحة للزيارة فقط.
لم يكن سكان بجاية وقاصدوها على علم بأن الرجل الذي يسير في شوارع مدينتهم كل صباح، ومنسجم معهم انسجاما كبيرا هو أحد أهم أدباء البرتغال وأحد رؤسائها.
لكنهم اكتشفوا ذلك بعد زيارة أحد الصحفيين البرتغاليين له، فقد أخبر عمال الفندق بأن الماكث منذ سنوات في الغرفة رقم 13 كان رئيس بلاده، وقد ركب أول باخرة تغادر البلد، ولم يكن يعلم أن الوجهة ستكون الجزائر.
“زوس”.. فيلم يستعرض حياة “غوميز” في الجزائر
أُنتج عن قصة الرئيس “مانويل تيكسيرا غوميز” فيلم بعنوان “زوس” (Zeus)، وقد ساهمت الجزائر في إنتاجه بنسبة 39%، ويحمل اسم سفينة “زوس” الهولندية التي ركبها إلى الجزائر.
وقد سبق مرحلة التنفيذ بحث مطول امتد سنوات، زار فيها المخرج البرتغالي “باولو فيليب مونتيرو” بجاية عدة مرات، وتنقل بين بعض الولايات الجزائرية، للوصول إلى مراجع ومصادر تتعلق بمدة مرور “غوميز” وإقامته فيها.
انتهى “مونتيرو” من جمع ما يحتاجه من معلومات سنة 2010، ثم عاد بالسيناريو كاملا للجزائر عام 2014، وما كان على الشريك الجزائري في الإنتاج إلا تقديم العمل مكتوبا إلى وزارة الثقافة.
سجلت الوزارة بعض التحفظات ورفعتها للجهات المنتجة، وبعد النظر فيها شرع الفريقان في التصوير في بجاية وجانت، وقد قدمت عروض أولى للفيلم بالبلدين؛ في البرتغال عام 2016 بحضور الرئيس “مارسيلو دي سوزا”، وفي الجزائر بالسنة التي بعدها.
وبالإضافة إلى الفيلم الروائي عن الرئيس الكاتب، فقد أنتج فيلم آخر وثائقي بعنوان “بجاية.. أرض استقبال مانويل تيكسيرا غوميز”، وقد أنتجته نادية شرابي ومالك العقون سنة 1998، في إطار مشاركة الجزائر بالمعرض العالمي في لشبونة.
ويعكس ذلك رغبة البرتغال في كتابة تاريخ هذه الشخصية؛ مساراتها ومواقفها بأشكال مختلفة.
وقد سبق هذا المسعى تشييد سلطات البرتغال والجزائر تمثالا تذكاريا مخلدا له في 2006، في ساحة “أول نوفمبر” الشهيرة، وهي لا تبعد كثيرا عن الفندق الذي كان يقيم به، وتحمل جزءا كبيرا من ذكرياته.