مؤتمر النقد السينمائي.. فعالية حول “الصوت في السينما” بالسعودية
تحت رعاية “هيئة الأفلام السعودية”، انعقدت فعاليات الدورة الثانية من “مؤتمر النقد السينمائي” في العاصمة السعودية الرياض، ما بين 6 – 10 نوفمبر/تشرين الثاني، وذلك تحت عنوان “الصوت في السينما”.
“مؤتمر النقد السينمائي” هو فعالية جديدة طموحة مهمة، وقد انعقدت دورته الأولى العام الماضي ما بين 7 – 14 نوفمبر/ تشرين الثاني، تحت عنوان “ما وراء الإطار”.
تعزيز الثقافة السينمائية
جاء الإعلان عن انعقاد “ملتقيات النقد السينمائي” ثم “مؤتمر النقد السينمائي” الدولي، انطلاقا من الحاجة الماسة لتجسير الهوة بين النقد السينمائي بمفهومه الشامل، وجمهور السينما بمستوياته المختلفة.
ومبعث ذلك إنما هو الإقرار والإيمان بالأهمية البالغة للنقد السينمائي، والدور المهم والمؤثر الذي يؤديه النقد والنقاد في رصد السينما ومواكبتها وتحليلها، ثم النهوض بصناعتها.
فما من صناعة سينمائية تتطور وتنجح وتنضج من غير أن ترافقها متابعة نقدية جادة ومهنية وواعية واحترافية، تتسم بالثقافة والرصانة والفنية والأكاديمية والخبرة، بعيدا عن أي مفهوم آخر أو مغاير لأصالة هذه المهنة.
من هنا، كان تفكير “هيئة الأفلام السعودية” في كيفية تنشيط الحراك النقدي السينمائي ودعمه وتوسيعه، في السعودية والمنطقة العربية عموما، واستهداف تنمية وتطوير المهارات النقدية وصقلها.
يسهم ذلك في تعزيز الثقافة السينمائية، والارتقاء بالمستوى النقدي وانتشاره، ثم النهوض بعملية التلقي السينمائي، وترقية الذوق ومهارات التذوق السينمائي إجمالا لدى المتلقي.
ولم يقتصر الأمر على احتضان الفكرة، ولم يتوقف عند طرحها وإطلاقها مرة واحدة، بل كان التفكير والتخطيط يهدفان لتطوير الفكرة ومتابعة تنفيذها، بحيث يصبح انعقاد المؤتمر سنويا، مع الحرص على التنوع والتوسع والتطوير.
وللتأكيد على هذا التوجه، فقد سبقت الدورة الأولى والثانية إقامة ملتقيات نقدية سينمائية مصغرة، في أكثر من مدينة من مدن المملكة، استُضيف فيها عدد من النقاد والمشتغلين والمهتمين بالنقد السينمائي، وشتى أوجه الصناعة السينمائية، تمهيدا لإقامة المؤتمر السنوي الكبير في الرياض.
أنشطة موزعة بين المدن السعودية
في العام الماضي، انعقدت “سلسلة ملتقيات النقد السينمائي” في جدة وفي الظهران، ثم في أبها وتبوك وبريدة. وسيرا على ذلك النهج، اختُتمت حديثا سلسلة ملتقيات “النقد السينمائي” لهذا العام، وقد نُظمت بمدينة حائل في 27 سبتمبر/ تشرين الأول المنصرم، وفي الأحساء في 25 أكتوبر/ تشرين الثاني.
وقد ضمت الملتقيات لقاءات نقدية ونقاشية وجلسات حوارية، إضافة إلى عروض سينمائية، وورشات عمل، ودروس نقدية.
الملاحظ انفتاح الملتقيات والمؤتمر على أغلب النقاد والمتخصصين والمشتغلين في المجال السينمائي، سواء المكتوب والمرئي، من السعودية والدول العربية وبعض دول العالم.
وكذلك تنوع الموضوعات والمحاور الفرعية، وثراء بعض الجلسات الحوارية والنقدية، وأهمية بعض العروض السينمائية.
لكن الأهم من هذا أن انعقاد الفعاليات لا يقتصر على العاصمة أو المدن الكبرى، بل تتوزع الأنشطة والفعاليات والمؤتمرات والندوات والمعارض في شتى المدن، من غير تمييز بين الجماهير.
من هنا، كان انعقاد “ملتقيات النقد” في حائل وفي الأحساء أول مرة. هذا التنوع في مواقع العرض من أبرز الأمور اللافتة حقا، ويستحق التحية، وينبغي اتباعه في شتى الدول العربية.
قضايا الصوت في السينما
افتُتح المؤتمر هذا العام بعرض فيديو قصير، يتضمن لقطات سريعة من موجز الدورة الأولى والملتقيات السابقة، ثم أعقبه الاحتفاء بضيف المؤتمر هذا العام، وهو المخرج السعودي المخضرم عبد الله المحيسن، وقد ألقى كلمة بهذه المناسبة.
وقبل انعقاد جلسة حوارية معه، عُرض فيلمه الوثائقي القصير “اغتيال مدينة” (1977)، وكان اختيارا بالغ الأهمية وشديد الذكاء، نظرا لمواكبته للأحداث التي تمر بها المنطقة حاليا.
يتناول الفيلم الأحداث الدموية القاسية والمفجعة والبشعة للحرب الأهلية اللبنانية، وتبعاتها على بيروت تحديدا ولبنان عموما، وقد رصده في نهاية الفيلم عودة الأوضاع لما كانت عليه تقريبا، وإعادة الإعمار وإحلال السلام.
ركزت محاور “مؤتمر النقد السينمائي” على مناقشة مواضيع شتى، محليا وعربيا ودوليا، مرتبطة بالمحور العام للمؤتمر، وكان موضوعه “الصوت في السينما”. وذلك بالمعنى العريض والواسع لكلمة الصوت، ضمن السياق السينمائي، ومن دون تحديد أو حصر لنطاق هذا العنوان العريض.
وقد تُجنِّب تحديد المقصود بماهية مفهوم “الصوت” ومدلولاته سينمائيا، فهل كان المقصود الحوار السينمائي؟ أو شريط الصوت وما يشتمل عليه من أصوات من خارج أو داخل السياق الفيلمي، وغيره من مؤثرات صوتية؟ أو أن المقصود هو الموسيقى التصويرية أو الموسيقى المدرجة في الفيلم، بما فيها الأغاني وغيرها؟
لا شك أن كل جانب من هذه الجوانب المرتبطة بالصوت في السينما يستحق ندوات ونقاشات، وربما أكثر من مؤتمر، للإحاطة بإبداعاتها وتجلياتها وصورها في تاريخ السينما عموما، وفي الأفلام العربية خصوصا، لكن الملاحظ أن المؤتمر تعمد ألا تتخصص اللقاءات في جانب بعينه دون الآخر.
بل إن المؤتمر ترك حرية التحدث للمحاور أو الضيف أو الباحث لمناقشة ما يرومه، حتى وإن أفضى إلى الخروج عن الموضوع الرئيس للنقاش وللمؤتمر.
وكانت لهذا سلبياته وإيجابياته، وإن كان الأمر أساسا مرده للخلط والالتباس وعمومية الموضوع، وعدم التحديد القاطع أو التركيز الصارم.
لقاء العاملين في مجالات السينما
كان ملحوظا أن حضور أجيال من المتخصصين والمشتغلين في مجال الصحافة والنقد والثقافة السينمائية، غرضه الأساسي هو اللقاء معا، وتبادل الثقافات والتجارب والخبرات والأفكار والنقاش حول السينما والنقد عموما، أكثر من التفاعل بعمق والتركيز حول العنوان العام للمؤتمر.
تجلى ذلك في أكثر من محور بالبرنامج، أهمها محور “دروس السينما”، فقد جرت فيه استعادة الذكريات النقدية، واجترار لعصور وتجارب وخبرات، لامست من بعيد قضايا نقدية عامة، بمعزل عن الصوت، وانفتحت أكثر على الذاتي والخاص والبوح الشخصي.
تكرر هذا في أكثر من جلسة، منها “النقد بين السينما والأدب والفنون” مع الناقد اللبناني إبراهيم العريس، و”خمسون عاما من النقد” مع الناقد المصري كمال رمزي.
وتحت محور آخر بعنوان “في صحبة النقاد”، تحدث المخرج المصري خيري بشارة تحت عنوان “الناقد وصانع الفيلم.. علاقة ملتبسة”.
وفي محور “من القصة الذاتية إلى آفاق العالمية”، تحدثت المخرجة المغربية أسماء المدير.
وبناء على العناوين، فالحضور النقدي المتخصص كان أقل، وثمة ذكر عابر للصوت، في مقابل حضور للتجارب والخبرات الشخصية والذاتية والانطباعات والرؤى السينمائية لأجيال مختلفة في الصناعة.
ولذا فإن أغلب المطروح يمكن عرضه وطرحه وتقديمه أو حضوره تحت أي لافتة كانت، لأي مؤتمر أو فعالية أو ندوة أو لقاء، في أي مكان كان، يتمحور حول السينما بصفة عامة.
غياب الأفلام عن العرض.. خطأ أضعف قيمة النقاشات
من الأمور التي تحسب للمؤتمر، انفتاحه على عروض الأفلام السينمائية، وجاهزيته اللوجستية الجيدة لهذا الأمر، وقد عُرضت فيه أفلام روائية طويلة وقصيرة وأخرى وثائقية، منها المحلي والعربي والدولي، انطلاقا من الفكرة العامة للمؤتمر.
كان في المعرض الفيلم السعودي “سيدة البحر” لشهد أمين، و”الحياة اليومية في قرية سورية” للسوري عمر أميرلاي، و”تحت شجرة التين” للتونسية أريج السحيري و”بياسا” للهندي “غورو دوت”.
اللافت للانتباه أن أغلب الأفلام المرتبطة بالسياقات العامة، أو التي أُدرجت في المحاضرات أو النقاشات أو اللقاءات، واعتُمد عليها بوصفها أمثلة شارحة لم تعرض كاملة. وكان من الضروري جدا عرضها لتحقيق أقصى استفادة ممكنة.
ومثال ذلك ندوة مهمة ضمن محور “ندوات ومناظرات”، كانت تحت عنوان “الصوت في سينما أوروبا الشرقية”، لكنها لم تعرض -وإن لقطات- من الأفلام التي ذُكرت للتمثيل.
أمر آخر ينسحب على محور “عروض تقديمية”، وتمحور حول دور الصوت في أفلام بعينها، مثل الوثائقي “سولاريس حبي” (Solaris Mon Amour)، وجاءت الدراسة عنه تحت عنوان “كيف يمكن للصوت أن يكون أداة فردية في وثائقي بولندي ضائع؟”، لكن الفيلم لم يعرض كاملا للجمهور.
وفي ظل عدم عرضه في المهرجانات الدولية الكبرى، وفي البلدان العربية كذلك، فإن ثمة صعوبة في متابعة الأفكار العامة أو الإلمام بها على أكمل وجه.
وكان يمكن تلافي هذه الجزئية من البداية، أي قبل انطلاق المؤتمر. وذلك بالتنسيق مع المحاضر والتأكد من وجود الأفلام، وإمكانية عرضها.
ومن هنا، كان يمكن تحقيق أقصى استفادة، بحيث تُعرض الأفلام ويُطبق عليها، أو تُناقش مباشرة، وتخلق حالة تفاعل آنية أو لحظية.
وربما تعظم الاستفادة بدعوة مخرجي الأفلام الحديثة، أو أحد العاملين فيها إن كانت أفلاما قديمة، أو حتى المتخصصين، للحديث عن الفيلم عموما، لا سيما أن خدمة الترجمة الفورية للعربية ولغة الإشارة حاضرة في كل الفعاليات.
ومن النواقص أيضا انعدام المطبوعات، مثل نشريات المؤتمر وبحوث المشاركين وملخصات النقاش، بدلا من الاكتفاء بالنشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكذلك وضع كل تلك النتائج على موقع المؤتمر الإلكتروني، كي لا تذهب الجهود المبذولة سدى، فالنشر يحقق استفادة عظيمة بلا شك، سواء للنقاد أنفسهم أو الحضور، أو الجمهور العريض، أو لأي مهتم لم يتسن له حضور المؤتمر.
هل المؤتمر للجمهور العام أو الخاص؟
انطلاقا من فكرة الجمهور العام، نجد أن لدى القائمين على إنفاذ المؤتمر التباسا، فهناك خلط بين فكرة المهرجان، وفكرة وأهداف المؤتمر المتخصص، وقد يعزى ذلك للعولمة واختلاط المفاهيم من حولنا، لكن ليس لدرجة الدمج بين المهرجان السينمائي المصغر والمؤتمر المتخصص.
ثمة رغبة محمودة بضرورة توريط المتفرج أو الجمهور العادي فيما هو متخصص، وقد تجلى ذلك مثلا في تنظيم معرض فني بصري متعدد الوسائط، بحيث تعرض كل قاعة تجربة مميزة لمبدع، تتمحور حول الصوت وتجلياته وتوظيفاته.
كما أقيم أيضا ركن للطفل والعائلة والألعاب، وهنا نجد أن الهدف هو تنمية الثقافة السينمائية وتطويرها وتعزيزها، بطريقة تفاعلية وتعليمية حديثة وبسيطة ومحببة للأطفال والمراهقين، وتقريبهم من السينما وفنونها.
هذا وغيره من الأمور الرائعة المطلوبة بلا شك، لكن ثمة ضرورة لتحديد ماهية المؤتمر، ولمن يتوجه تحديدا؟ أيستهدف المتخصصين وعقد حلقات بحثية نقاشية متخصصة فيما بينهم، أم التعليم والتثقيف وتبادل الخبرات والتجارب السينمائية، ونقلها للأجيال في السعودية وغيرها؟
لو الأمر كذلك، فمن الضروري في هذه الحالة إعادة الجدولة والبرمجة، وحتى نقل مكان انعقاد المؤتمر، فيكون مثلا في الجامعات التي تدرّس السينما، أو المراكز الثقافية المتخصصة التي تشهد كثافة للحضور الأكاديمي والطلابي ومحبي السينما، أو حتى الأستوديوهات السينمائية، لم لا؟!
أما إذا كان التفكير الأساسي استمرار المؤتمر على هذا النهج الجامع لأكثر من نشاط، فثمة إمكانية أيضا لتطوير الفكرة وتبسيطها وهيكلتها، بحيث تلبي أكثر احتياجات الجمهور، وتجذب الشرائح المستهدفة فيه.
وبصرف النظر عما تصير إليه فكرة انعقاد المؤتمر، وما تمر به من تطورات في المستقبل، فمن الحتمي تحقيق أقصى درجات الانضباط والترتيب والتنظيم والالتزام بالمواعيد، والحرص على عدم الإلغاء أو التعديلات في اللحظات الأخيرة، والحرص على وقت وجهد المشاركين والحضور، وبُعد المسافات المقطوعة، ليخرج المؤتمر في النهاية بصورة في غاية الدقة والانضباط، تكفل له الاستمرارية، وهنا ممكن النجاح.