مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الـ45.. دورة ترميم الأفلام العتيقة وإحياء ذاكرة السينما
تحت شعار “سحر السينما ودعم القضية الفلسطينية ولبنان”، انطلق حفل افتتاح الدورة الـ45 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بعرض فلسطيني، تضامنا مع القضية الفلسطينية، مع حضور الكوفية الفلسطينية في خلفية المسرح.
وقدمت الفرقة الموسيقية وصلة موسيقية راقصة، تضمنت أغنية “أنا دمي فلسطيني”، ثم خرج بعدها رئيس المهرجان الفنان حسين فهمي متوسطا عناصر الفرقة الفلسطينية، وقال إن جميعهم من غزة.
وقد أكد في كلمته توجه الدورة في دعمها للشعب الفلسطيني واللبناني، وقال: نحتفل خلال هذه الدورة -التي أتشرف برئاستها- وهي الدورة المؤجلة من العام الماضي تضامنا مع غزة، وعلى مدار سنين كانت القضية الفلسطينية وما زالت قضية مصر، لأنها تمثل العدل والكرامة.
ثم قال: ومن مكاني هنا، أعرب عن تضامني مع أشقائنا في فلسطين وغزة، ولن ننسى إخوتنا في لبنان، البلد الذي يعاني منذ سنوات، وهو في اختبار صعب، ونتضامن مع شعبها.
“أن يكون صوتا قويا يدعم القضية الفلسطينية”
تكرر حديث رئيس المهرجان عن دعم الشعب الفلسطيني بعد أيام من حفل الافتتاح في لقائه بالصحفيين الدوليين المشاركين، فتحدث عن موقف المهرجان الواضح من القضية الفلسطينية، مبينا أن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لا يكتفي بدعم القضية من خلال الأفلام فقط، بل يعلن موقفه بكل وضوح أمام العالم.
وقال: تتخذ المهرجانات الكبرى عالميا مواقف سياسية تدعم قضايا محددة، مما يمنح مهرجان القاهرة الحق في أن يكون صوتا قويا يدعم القضية الفلسطينية بكل الوسائل المتاحة.
وفي لمسة وفاء لفنانين رحلوا خلال العام الحالي، شهد حفل الافتتاح تكريم أرواحهم، من خلال عرض لصورهم؛ وهم أشرف عبد الغفور، وناهد فريد شوقي، وصلاح السعدني، وعصام الشماع، وعاطف بشاي، وحسن يوسف، ومصطفى فهمي.
وفي حفل الافتتاح كرمت إدارة المهرجان المخرج يسري نصر الله، بمنحه جائزة الهرم الذهبي التقديرية لإنجاز العمر، وذلك تقديرا لما قدمه طوال مسيرته الفنية الحافلة. كما كرم الفنان أحمد عز بمنحه جائزة فاتن حمامة للتميز.
وقد كرم المهرجان أيضا المخرج العالمي “جيم شيريدان”، الذي حل ضيف شرف الدورة الـ45، ومنحه جائزة “الهرم الذهبي”، وتحدث -في محاضرة أقيمت تقديرا لمسيرته- عن تعاونه مع عدد كبير من أبرز النجوم وصناع السينما حول العالم.
وكان الموعد بعد ذلك مع عرض فيلم الافتتاح، وقد اختار المنظمون أن يكون فيلما فلسطينيا، وهو فيلم “أحلام عابرة” للمخرج رشيد مشهراوي.
أيام القاهرة لصناعة السينما
من أهم فعاليات الدورة الـ45 تنظيم سوق مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الذي جمع بين صناع السينما وشركات الإنتاج من أنحاء العالم، وقد ضمت السوق عددا من شركات الإنتاج المصرية والهيئات السينمائية الكبرى، على رأسها هيئة الأفلام المصرية، التي تؤدي دورا محوريا في دعم الصناعة السينمائية المحلية خلال السنوات الماضية.
وقال الفنان حسين فهمي: صناعة السينما منتعشة، والسينما المصرية بخير وستظل بخير، ولدينا أفلام و”أستوديوهات” عظيمة، ودور العرض والسينما المصرية لها باع، وما زالت بقوتها، فمصر بها صناعة عريقة يجب استخدام التكنولوجيا فيها حتى تتقدم.
كما افتُتح “معرض دولبي” أول مرة خلال هذا الدورة، وقدم تجربة فريدة أتاحت لزواره اكتشاف أحدث تقنيات الصوت والصورة في عالم السينما، وهو ثمرة تعاون بين المهرجان وشركة “دولبي” الرائدة عالميا في تطوير تقنيات الصوت والمرئيات، وذلك بهدف تعزيز تجربة المشاهد السينمائية، ونقلها إلى مستوى جديد.
وتمثل أيام القاهرة لصناعة السينما منصة حيوية، تهدف لدعم صناعة السينما وتعزيزها، وتقديم فرص نادرة للتفاعل بين صناع الأفلام من جميع أنحاء العالم، ويشارك فيها مخرجون ومنتجون وخبراء في شتى جوانب الصناعة السينمائية، يجتمعون لاستكشاف أحدث الاتجاهات وتبادل الأفكار والتجارب.
وتضمنت فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما ورشات عمل وجلسات حوارية ونقاشات، تناولت تحديات السوق واحتياجاته، مما يعزز فرصة المساهمة في نمو مشاريع سينمائية وتطويرها.
الواقع الافتراضي والذكاء الصناعي.. مستقبل السينما
حين سألنا رئيس المهرجان الفنان حسين فهمي هل سيقبل مشاركة أفلام مصنوعة بالذكاء الصناعي، أجاب أن ما يهمه بالأساس هو جودة العمل، وهل هو حقا شريط سينمائي أم لا؟
ويبدو أن الأمر سيكون له حضور في مستقبل المهرجانات السينمائية عموما، بما في ذلك مهرجان القاهرة السينمائي، ذلك أن الأدوات التي يوفرها الذكاء الصناعي اليوم يمكنها فعل الكثير، لا من حيث تقديم الأفكار والحلول فحسب، بل الإنجاز أيضا.
وفي هذا السياق، أقيمت ندوة الواقع الافتراضي والذكاء الصناعي، وأدارتها الناقدة ناهد نصر، بمشاركة المخرج اللبناني كريم قاسم، والفنان التشكيلي محمد علام، ومهندس الصوت “مونتي تيلور”.
وخلص المشاركون إلى ضرورة التعامل مع هذه التقنيات الجديدة والاستفادة منها، وفتح الطريق أمام استخدامها، لكن مهما بلغ تطور الذكاء الصناعي، فلن يكون بديلا عن العقل البشري وإبداع الإنسان.
ولعل إيجابيات التقنية تفوق سلبياتها، لا سيما في تيسير صناعة الأفلام المكلفة، ولكن هذا يتطلب دراية وفهما بخصوصيات تلك الأدوات، ومدى تمكن العامل في هذا المجال منها ومن أبجدياتها.
ويثير استعمال الذكاء الصناعي مخاوف لدى كثير من الناس، ففيه إشكاليات عدة انطلاقا من العملية الإنتاجية، مرورا بالفرص التي يتيحها الإنتاج الافتراضي، الذي يسعى في أغلبه لدمج العوالم الواقعية بالافتراضية، وصولا لمدى تقبل الجمهور لتلك الأعمال من عدمه.
ناهيك عن طرح أسئلة مقلقة حول تأثير الذكاء الصناعي على الكتابة أو المونتاج، أو على مستوى المؤثرات البصرية والصوتية، فضلا عن ضرورة الوقوف عند نقاط أخرى مهمة جدا، قد تمثل خطرا في صناعة السينما، من ذلك تزييف المحتوى أو التعدي على حقوق الملكية الفكرية.
ترميم الأفلام.. حفظ للذاكرة وإحياء للأعمال العتيقة
خلال زيارة نظمها المهرجان لمدينة الإنتاج الإعلامي، اطلع الصحفيون المشاركون على أهم ما يميز قسم ترميم الأفلام.
وقد مثلت الزيارة فرصة للوقوف عند أهم المراحل التي يمر بها الفيلم، انطلاقا من “النيغاتيف” الذي شارف على التلف، وحتى خروجه في نسخة جديدة مرممة بجودة عالية من حيث الصوت والصورة، ثم حفظ الفيلم بعد ذلك، بوصفه أثرا فنيا وإنسانيا، ومساهمة في حفظ التراث السينمائي عموما، من خلال إنقاذ أعمال خالدة، كان يمكن أن تندثر تماما.
وقد اهتم المهرجان بترميم الأفلام المصرية القديمة، لتحسين جودتها وإعادة تقديمها والحفاظ عليها، وخلال هذه الدورة قررت إدارة المهرجان ترميم 10 أفلام من الأفلام العتيقة، منها:
- “بين القصرين” (1964).
- “الحرام” (1965).
- “قصر الشوق” (1967).
- “السمان والخريف” (1967).
- “شيء من الخوف” (1969).
- “سواق الأتوبيس” (1982).
وكذلك أفلام أخرى رُممت وترجمت إلى اللغة الإنجليزية، كي تكون متاحة أمام الضيوف الأجانب، وفي قائمة الانتظار 12 فيلما آخر في مرحلة الترميم.
“من حق الفنانين العظماء أن نحافظ على تاريخهم المشرف”
إن فكرة ترميم الأفلام القديمة، تحمل حنينا وبُعدا حميميا، كما تحيلنا على تضافر دور المبدع والسلطة معا، للحفاظ على ذاكرة جماعية وتاريخ بأكمله، يرقد على رفوف مخازن الأفلام السينمائية التي تعد بالآلاف.
وأكد الفنان حسين فهمي أهمية عمليات الترميم، قائلا: مهم للغاية قبل المهرجان وبعده، للحفاظ على تاريخ مصر السينمائي، ولا بديل عن الاستمرار في الترميم خلال المرحلة القادمة، سواء في المهرجان أو بعيدا عنه.
وقال إن الترميم أمر لا بد منه، لا سيما أن تلك الأفلام كان مصيرها التلف مع مرور الزمن، وقد بدأ نيغاتيفها الأصلي يتآكل، لذا “وجب علينا اتخاذ هذا القرار السريع، لإنقاذ كنز من كنوز السينما المصرية، طالما افتخرنا بأنه تراثنا، ومن حق الفنانين العظماء ممن لهم بصمة في تاريخ السينما أن نحافظ على تاريخهم المشرف.
كما قال إن هذه ليست سوى مجرد بداية، وسوف تتواصل عمليات ترميم الأفلام وعرضها، حتى تكون قسما ثابتا في الدورات المقبلة من المهرجان. وقد شهدت عروضها حضورا لافتا واهتماما من جمهور المهرجان.
ورشات المهرجان.. حلقات نقاشية ومعارض فنية
ضمن فعاليات المهرجان، أقيمت فعاليات المبادرة الفنية “آرت 74” المتخصصة في إنشاء السرديات البصرية الغامرة وتعزيزها، وذلك أول تعاون لها مع مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
وقد تضمن برنامج المبادرة معارض فنية لأكثر من 50 فنانا، عبر 5 معارض استقبلتها دار الأوبرا المصرية، وقاعة صلاح طاهر، وقاعة الباب، وقاعة الهناجر، فضلا عن حلقات نقاش وورشات عمل.
كما افتُتح معرض في سينما راديو وسط القاهرة، وأقيم معرض آخر بالتعاون مع “كايرو ديزاين ديستريكت” (CDD).
ونُظمت في دار الأوبرا المصرية حلقة نقاش بعنوان “مرآة مصر.. الهوية من خلال عدسة خيري بشارة”، ونظمت حلقة نقاش ثانية بعنوان “تأثير الفن المعاصر على السينما.. دور السرد القصصي البصري عبر الوسائط”.
“موعد مع الماضي”.. احتفال بمسلسل يعرض على نتفليكس
في بادرة جديدة، احتفل صناع مسلسل “موعد مع الماضي”، بعرض أول حلقتين ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ومن المقرر بدء عرض المسلسل على منصة “نتفليكس” مطلع شهر ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
وشهد عرض المسلسل حضور عدد من أبطال المسلسل وفريق عمله، منهم محمود حميدة، وآسر ياسين، وشريف سلامة، وشيرين رضا، وهدى المفتي، ومحمد ثروت.
وقد واكب عرض الحلقتين جمهور كبير، وكان المسرح الكبير مكتمل العدد، أي 1200 متفرج.
انطفاء الأضواء.. نهاية دورة متميزة وبداية دورة أخرى
في النهاية أصدر المهرجان 3 كتب جديدة، وهي “يسري نصر الله.. حكايات ترغب في احتضان العالم” لأحمد عزت عامر، و”حلم عز.. رحلة صعود إلى القمة” لرامي المتولي، و”مختارات من الفن السابع” للدكتور ناجي فوزي، كما احتفل المهرجان بكتاب “فن الخيال.. تطور السينما المصرية إلى العصر الرقمي” للكاتبة الدكتورة ميرفت أبو عوف.
إنها دورة جديدة تودع جمهورها، بعد أيام وليال من عروض الأفلام والندوات والمحاضرات واللقاءات والمسابقات، وشمعة أخرى تضاء في عمر واحد من أعرق المهرجانات السينمائية العربية والعالمية.
وفي حديث مع الفنان حسين فهمي قال إنه بدأ الإعداد للدورة القادمة من الآن، لتكون متميزة كسابقاتها.
وبحديث الأرقام شهدت الدورة عرض أكثر من 190 فيلما من 72 دولة، في مسابقات المهرجان وفي شتى أقسامه.
وشملت الفعاليات تقديم 37 فيلما في عروضها العالمية الأولى، و8 عروض دولية أولى، و119 عرضا لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.