كتب السينما.. أعمال خرجت من أسوار الورق إلى الشاشة الكبيرة

بين الكلمة والصورة عقد سري، لا يعرفه إلا أولئك الذين يتسع خيالهم لعالم كامل بكل تفاصيله وتحولاته، لكن بين الكتاب والفيلم الوثائقي عقد معلن، يشمل خيالا خصبا والتزاما بالدقة والحقيقة، حتى لو جاءت في أقسى صورها وأكثرها مرارة.

حين يبدع الكاتب، تتحول روايته إلى فيلم

وقد استلهم صناع الوثائقيات مئات الأفلام من حكايات الكتب، فتحول الكتاب من سطور وحروف وأوراق إلى صور وألوان وأصوات، فنبض بالحياة وأصبح أكثر جاذبية، وفي بعض الأحيان أكثر قسوة. وتبقى بعض هذه الكتب والأفلام علامات على طريق الإبداع والبحث عن الحقيقة لا يمكن إنكارها.

“البنادق والجراثيم والفولاذ”.. قصة تطور المجتمعات الإنسانية

يعد كتاب “البنادق والجراثيم والفولاذ” (Guns, Germs and Steel) واحدا من الكتب الرائدة في مجاله، وهو للكاتب “جاريد دايموند”، أستاذ الجغرافيا والفسيولوجيا في جامعة كاليفورنيا، وقد نُشر لأول مرة في عام 1997.

يسعى “دايموند” في كتابه إلى إجابة سؤال كبير؛ ألا وهو: لماذا طورت بعض المجتمعات التكنولوجيا المتقدمة والتنظيم السياسي والقوة العسكرية، في حين لم تفعل مجتمعات أخرى ذلك؟

ثم يجيب قائلا إن نجاح بعض المجتمعات وتقدمها، وإخفاق أخرى يعود إلى العوامل البيئية، لا إلى الاختلاف في الذكاء أو الثقافة أو القدرات المتأصلة البشر. ويدفع بحجج وأمثلة تفصيلية لإجابته خلال صفحات الكتاب.

غلاف كتاب “البنادق والجراثيم والفولاذ”

صُنعت السلسلة الوثائقية -التي تحمل اسم الكتاب- في عام 2005، وأخرجها “كاشان هاريسون” و”تيم لامبرت”، وهي تطرح السؤال وتبث الإجابة مرئيا، وتلخص موضوعات الكتاب الرئيسية، وتتيح طريقة جذابة لتجربة منطقه، حول العوامل البيئية والجغرافية التي شكلت مسار التاريخ البشري.

كان الراوي أو السارد في الفيلم هو المؤلف نفسه، وانقسم الفيلم إلى 4 أجزاء، وجمع بين لقطات من المواقع والخرائط التاريخية والرسوم المتحركة والتعليقات. وقد انتقل فريق التصوير إلى أجزاء شتى من العالم، منها جبال الأنديز في أمريكا الجنوبية وبابوا غينيا الجديدة وأجزاء من أفريقيا، وذلك لتوضيح الأفكار الأساسية التي يقدمها “دايموند” حول تطور المجتمعات البشرية.

جاء الجزء الأول تحت عنوان “الخروج من عدن” (Out of Eden) ليطرح السؤال المركزي للكتاب، ويتناول الظروف البيئية المبكرة للمجتمعات البشرية.

ويرصد الجزء الثاني دور الزراعة في تطوير المجتمعات المستقرة والحضارات المبكرة، ويتعمق الجزء الثالث في رصد وتحليل العلاقة بين الزراعة والتقدم التكنولوجي وهيمنة مجتمعات معينة على مجتمعات أخرى.

يتضمن العمل مقابلات مع علماء الإنسان وعلماء الآثار والمؤرخين، الذين يقدمون رؤى إضافية حول المفاهيم التي يناقشها “دايموند”. كما يستخدم الرسوم المتحركة للمساعدة في شرح المفاهيم المعقدة مثل انتشار التقنيات الزراعية أو انتشار الأمراض المعدية.

“التراب.. الجلد المبهج للأرض”.. قصة الوطن الأم

في عام 2007، نشر “ويليام براين لوغان” كتابه “التراب.. جلد الأرض المبهج” (Dirt: the Ecstatic Skin of the Earth)، وفيه يخوض المؤلف رحلة رائعة في عالم التربة، ويستكشف أهميتها بوصفها عنصرا أساسيا للحياة على الأرض.

يعرض الكتاب التراب بوصفها طبقة نشطة ومليئة بالكائنات الدقيقة والمغذية، التي تدعم نظام البيئة، ويسلط الضوء على ثراء التراب الحيوي، ودور التراب في الزراعة والحضارة.

ثم ينتقل إلى تطور علم التربة، بدءا من الممارسات الزراعية المبكرة وحتى الفهم الحديث للتربة وخصائصها، ويوضح أهمية الحفاظ عليها. كما يرصد المعنى الثقافي للتربة، وارتباطها بمفاهيم الأخلاق.

غلاف كتاب “التراب: الجلد المبهج للأرض”

صُنع وثائقي عن الكتاب عام 2009 بعنوان: “التراب” (Dirt! The Movie)، وأخرجه “بيل بينينسون”، فعرض موضوعاته على الشاشة، واستكشف أهمية التربة ثقافي وبيئيا وعلميا بطريقة جذابة بصريا، واستخدم مزيجا من التصوير السينمائي والرسوم المتحركة والمقابلات لنقل رسالته.

كما يضم الفيلم لقطات من التربة الغنية الخصبة في مواقع متنوعة، منها أراضٍ زراعية وغابات وصحاري ومدن، مما يساعد المشاهدين على فهم الأهمية العالمية للتربة. وتقدم المقابلات مع الخبراء والناشطين والمزارعين رؤى قيمة حول علم التربة، ودوره في علم البيئة، والتحديات التي يواجهها الإنسان للحفاظ عليها.

يتشابك السرد أيضا مع وجهات نظر تاريخية، ويرسم رحلة تطور الحضارات البشرية فيما يتعلق بالأرض والتربة التي غذتها، ويفحص قضايا التربة في مناطق شتى من العالم، من الغرب الأوسط الأمريكي إلى صحاري أفريقيا.

“نصف السماء”.. انتصارات المرأة في أصقاع الكوكب

بعيدا عن التربة والفولاذ، يأتي كتاب “نصف السماء.. اتخاذ القمع فرصة للنساء في جميع أنحاء العالم” (Half the Sky, Turning Oppression into Opportunity for Women Worldwide)، وهو من تأليف “نيكولاس كريستوف” و”شيريل وودن”، ليستكشف القمع الشديد الذي يواجه النساء على مستوى العالم، ويقدم رؤى حول تحويل هذه التحديات إلى فرص، من خلال قصص النساء اللاتي تغلبن على الشدائد.

يسلط الكتاب الضوء على قضايا مهمة، منها الاتجار بالبشر، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، ووفيات الأمهات، والافتقار إلى الوصول إلى التعليم. وتؤكد كل قصة مرونة هؤلاء النساء، وتوضح إمكانية تغيير حياة الأفراد والمجتمعات لصالح المرأة.

يرى المؤلفان أن الاستثمار في تمكين المرأة قد يؤدي إلى فوائد مجتمعية كثيرة، ويجمعان في كتابهما بين البحث والسرد، ويقترحان حلولا عملية، منها التمويل الأصغر، والرعاية الصحية، والتعليم لخلق تغيير مستدام.

غلاف كتاب “نصف السماء: تحويل القمع إلى فرصة للنساء في جميع أنحاء العالم”

صدر الوثائقي المأخوذ عن الكتاب عام 2012 في جزأين، وهو من إخراج “مارو تشيرماييف”، ويتتبع “كريستوف” وعددا من المشاهير، منهم الممثلتان الأمريكيتان “أمريكا فيريرا” و”أوليفيا وايلد”، أثناء زيارتهم لدول منها كمبوديا وكينيا والهند، لكشف قضايا الاتجار بالبشر ووفيات الأمهات والعنف القائم على النوع الاجتماعي.

ومن خلال القصص الميدانية والمقابلات مع الناجيات والمدافعات، يوضح الفيلم قدرة التعليم والفرصة الاقتصادية والرعاية الصحية على كسر القمع. ويؤكد على الحلول العملية والمستدامة والتأثير المذهل لتمكين النساء والفتيات، وتأطير قصصهن بوصفها قصص قوة ومرونة، لا قصص نضال فحسب.

يجمع “نصف السماء” بين لقطات نابضة بالحياة على الأرض ولقطات صارخة وحميمة للمناظر الطبيعية الريفية والحضرية، مما يؤكد على التنوع الثقافي والاقتصادي للبلدان التي يزورها. ويلتقط تفاصيل الحياة اليومية بالتركيز على وجوه النساء والفتيات اللواتي يشاركن قصصهن، جنبا إلى جنب مع اللقطات التي تعكس قسوة بيئتهن، من المناظر الطبيعية المزدحمة في المدينة إلى القرى المعزولة.

يستخدم الفيلم قصصا من الحياة الواقعية لخلق تأثير عاطفي، ويمزج بين لقاءات الناجيات ومحادثات الناشطين.

يجمع كل جزء بين “كريستوف” وشخصية مشهورة، كالممثلة “إيفا مينديز” و”غابرييل يونيون”، اللتين تساعدان في تضخيم السرد، من خلال التواصل مع النساء المحليات والمنظمات غير الحكومية والناشطين.

يؤدي هذا النهج لتخصيص القصص، ويجعل القضايا الاجتماعية المعقدة أكثر ارتباطا بالجمهور. ويركز العمل على الحلول، بدلا من تقديم هؤلاء النساء على أنهن ضحايا فحسب، فيسلط الضوء على المبادرات التي ترفع من شأنهن، مثل المنظمات غير الربحية التي تقدم التدريب المهني والمدارس للفتيات، وبرامج الرعاية الصحية.

“جانب الثروة المظلم”.. آثار الديون على الحضارة البشرية

تترك الكاتبة الكندية “مارغريت آتوود” عالمها الإبداعي، لتناقش مفهوم الاستدانة ورد الدين، في كتابها “السداد.. الديون وجانب الثروة المظلم” (Payback: Debt and the Shadow Side of Wealth)، وتقدم منظورا مثيرا لمفهوم الدين من وجهات نظر ثقافية ونفسية وتاريخية.

وبدلا من التركيز على الدين المالي وحده، تتعمق “مارغريت” في كيفية ظهور الدين في أشكال شتى، منها التزامات أخلاقية واجتماعية وبيئية.

غلاف كتاب ” السداد: الديون والجانب المظلم للثروة”

تفحص “مارغريت” تشكيل الدين للعلاقات الإنسانية والمجتمعات، مستفيدة من المراجع الأدبية والأساطير والأحداث التاريخية. وتستكشف فكرة أن الديون يمكن أن تكون عبئا وقوة دافعة في الوقت نفسه، مما يشير إلى أن البشرية لديها علاقة طويلة الأمد مع موازنة الديون والائتمان، ليس من الناحية المالية فحسب، بل أيضا في معاملتنا للآخرين والبيئة.

ومن خلال نثرها الجذاب والثاقب، تتحدى “مارغريت” القراء للنظر في تكاليف الاستغلال والجشع وعدم المساواة، وتصور الديون قضيةً أخلاقية، تؤثر على العدالة والإنصاف وترابط البشرية.

وفي الفيلم الوثائقي الذي جاء تحت اسم “السداد” (Payback)، للمخرجة “جينيفر بايشوال” (2012)، تظهر نظرة متعمقة للديون بوصفها مفهوما متعدد الأبعاد، وفحص دقيق لتأثيره على حياة البشر والأخلاق والمجتمع.

يتكون الفيلم الوثائقي من عدة سرديات، تعكس كل واحدة منها جانبا مختلفا من الديون، مثل الأبعاد الشخصية والجنائية والبيئية والثقافية. ومن خلال دراسات الحالة المقنعة، يوضح كيفية تجاوز الدين المال، ودخوله مساحات يستحق فيها البشر شيئا ما، سواء كان العدالة أو البيئة النظيفة أو الحرية.

تتناول إحدى القصص التدهور البيئي بحقول الطماطم في فلوريدا، حيث يعمل العمال المهاجرون في ظروف قاسية، مما يسلط الضوء على الديون التي يدين بها المجتمع لأولئك الذين يدعمون المنظومة الغذائية. ويركز جزء آخر على الديون المتعلقة بتسرب النفط من شركة “بي بي” (BP) في خليج المكسيك، مع التركيز على العواقب البيئية والالتزامات الأخلاقية للشركات تجاه المجتمع والبيئة.

يستخدم الفيلم بصريا أسلوبا مؤثرا وتأمليا، فهو يجمع بين لقطات للمناظر الطبيعية الشاسعة الملوثة والأماكن الضيقة التي تتطلب عمالة مكثفة لنقل الثقل المادي والعاطفي للديون.

ويتناوب التصوير السينمائي بين صور حميمية مقربة للأفراد المتضررين من الديون، ولقطات واسعة للعالم الطبيعي الذي يدين له البشر جماعيا. إن هذا النهج المزدوج -الشخصي والعالمي- يخلق جوا تأمليا يعكس الطرق المعقدة وغير المرئية غالبا التي تؤثر بها الديون على الأفراد والكوكب.

“في الهواء الطلق”.. قصة العاصفة القاتلة عند جبل إيفرست

قدم كتاب “في الهواء الطلق” (Into Thin Air) رواية شخصية عن جبل إيفرست، رواها “جون كراكاور” عام 1997. وهي تجربة للمؤلف خلال كارثة جبل إيفرست عام 1996، عندما هبت عاصفة شديدة، صرعت عددا من المتسلقين بشكل مأساوي.

وقد أُرسل “كراكاور” صحفيا من مجلة “أوت سايد” (Outside)، لعمل تقرير عن استغلال رحلات تسلق الجبل الأعلى في العالم تجاريا، لكنه شهد الكارثة ونجا منها، ثم قدّم كتابه الملهم.

ينطلق المؤلف من المعسكر الأساسي إلى قمة إيفرست، ويقدم المتسلقين الذين رافقهم، ويلقي نظرة عميقة على كل خطوات الرحلة، ويصف التحديات العقلية والجسدية التي تواجه المتسلقين على ارتفاعات عالية، حيث يخلق الهواء الرقيق ودرجات الحرارة المتجمدة والإرهاق بيئة قاسية لا ترحم. ومع حلول يوم القمة، تهب عاصفة غريبة على المتسلقين، وتحاصرهم في ظروف قاسية.

غلاف كتاب “في الهواء الطلق”

يقدم سرد الكتاب نظرة مروعة على صراع النجاة، ويصف بالتفصيل أعمال الشجاعة والرفقة والخسارة المأساوية، ويقدم رؤية الكاتب انطلاقا مما يعنيه الطموح البشري والغرور وحدود التحمل، ويدرس الدافع الشديد الذي يدفع المتسلقين للمخاطرة بحياتهم في السعي إلى القمة، ويتأمل في جمال وخطورة إيفرست.

كما ينتقد تسويق رحلات إيفرست، فغالبا ما يكون المتسلقون -الذين توظفهم شركات مدفوعة بالربح- عديمي الخبرة، غير مستعدين للظروف القاسية.

قدم الفيلم سردا دراميا للكتاب تحت اسم “في الهواء الطلق.. الموت فوق إيفرست” (Into Thin Air: Death on Everest) عام 1997، وقد أخرجه “روبرت ماركويتز”، فركز على تجارب المتسلقين والظروف الخطيرة، والقرارات المروعة التي اتخذوها تحت ضغط شديد. كما صوّر بالتفصيل تحديات تسلق الجبال على ارتفاعات عالية، مضيفا طابعا دراميا لعواقب الطموح البشري، عند مواجهة عناصر الطبيعة المتطرفة.

 

وقد جاء الفيلم مخلصا لبنية الكتاب نفسه، فتصاعد السرد البصري طبقا لإيقاع رواية المؤلف، مع التركيز على التحضير للرحلة الاستكشافية، وصعود المتسلقين نحو القمة، والعاصفة المفاجئة التي حاصرتهم.

ويستخدم صانع العمل مزيجا من إعادة تمثيل الأحداث الدرامية، واللقطات الحقيقية من المناظر الطبيعية في إيفرست، ليصبح الجمهور أقرب ما يمكن إلى جاذبية الجبل الخطيرة.

“حياة هنريتا لاكس الخالدة”.. امرأة مجهولة خدمت العلم

في كتاب “حياة هنرييتا لاكس الخالدة” (The Immortal Life of Henrietta Lacks)، تحكي المؤلفة “ريبيكا سكلوت” قصة “هنرييتا لاكس” الحقيقية القوية، وهي امرأة سوداء أخذت خلايا السرطان منها دون علمها عام 1951، وأصبحت خلاياها -المعروفة باسم خلايا “هيلا”- من أهم الأدوات في البحث الطبي.

وقد أثمر ذلك عددا لا يحصى من الاختراقات العلمية، منها تطوير لقاح شلل الأطفال، وأبحاث السرطان، ورسم الخرائط الجينية.

غلاف كتاب “الحياة الخالدة لهنريتا لاكس”

أما الفيلم الوثائقي الذي أُعد عن الكتاب، فقد أُصدر عام 2017، وأخرجه “جورج سي وولف”، وقامت ببطولته “أوبرا وينفري” في دور “ديبورا لاكس” ابنة “هنرييتا”، و”روز بيرن” بدور “ريبيكا سكلوت”.

وبدلا من تنسيق الفيلم الوثائقي الصارم، فإنه يتبنى نهجا سرديا وثائقيا، يمزج بين إعادة تمثيل الأحداث والمقابلات والرؤى الواقعية من عائلة “لاكس”، ورحلة “سكلوت” في الكشف عن القصة.

يتابع المخرج رحلة “سكلوت” البحثية وعلاقتها مع “ديبورا لاكس” أثناء عملهما معا، لمعرفة المزيد عن حياة “هنرييتا” والتأثير العلمي لخلايا “هيلا”، وبهذه الشراكة، يتعمق الفيلم في الضريبة الشخصية والعاطفية العميقة التي تحملها إرث خلايا “هيلا” على أحفاد “لاكس”، لا سيما وهم لم يتلقوا تعويضا ولا تقديرا لمساهمة “هنريتا” في العلم.

يستخدم العمل مشاهد درامية مع الممثلتين “أوبرا” و”بيرن”، لإضافة العمق العاطفي والسياق إلى اللحظات الرئيسية من حياة “لاكس” واكتشاف خلاياها.

تتشابك مع هذه المشاهد عناصر على غرار الأفلام الوثائقية، منها لقطات أرشيفية ومقابلات مع علماء ومؤرخين وأفراد من عائلة “لاكس”، ويضفي هذا النهج طابعا شخصيا على العلم، مما يجعل القصة تعليمية وذات صدى عاطفي.

“أمة الوجبات السريعة”.. هكذا شكّلت الأطعمة الثقافة الأمريكية

في كتاب “أمة الوجبات السريعة.. جانب الوجبات الأمريكية المظلم” (Fast Food Nation: The Dark Side of the All-American Meal)، للمؤلف “إريك شلوسر” (2001) ينكشف عدد من الحقائق الخفية وراء صناعة الوجبات السريعة في الولايات المتحدة.

يتعمق الكتاب في كيفية تغيير الوجبات السريعة عادات الأكل الأمريكية، وممارسات العمل والاقتصاد والثقافة، وذلك ما أعاد في النهاية تشكيل إنتاج الغذاء العالمي واستهلاكه.

غلاف كتاب “أمة الوجبات السريعة: الجانب المظلم للوجبة الأمريكية”

ينقسم الكتاب إلى جزأين رئيسيين: الأول تحت عنوان “الطريقة الأمريكية”، ويستكشف تاريخ الوجبات السريعة، ويتتبع صعودها في أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، عندما أصبحت سلاسل مثل “ماكدونالدز” رموزا ثقافية.

ويسلط الكاتب “شلوسر” الضوء على دور السياسات المؤسسية التي تعطي الأولوية للكفاءة والتكلفة المنخفضة والإنتاج الضخم، مما يخلق صناعة تعتمد على العمالة ذات الأجور المنخفضة وإعداد الطعام الموحد.

أما الثاني، فجاء تحت عنوان “اللحوم والبطاطس”، ويكشف الجوانب الأقل وضوحا في هذه الصناعة، وهي تعبئة اللحوم الصناعية، واستغلال العمال المهاجرين، كما يلقي الضوء على الأخطار البيئية والصحية العامة، المرتبطة بإنتاج الوجبات السريعة.

وقد أصدر عن الكتاب فيلم باسم “أمة الوجبات السريعة” (Fast Food Nation) عام 2006، ويستخدم مخرجه “ريتشارد لينكليتر” تقنيات وعناصر بصرية متنوعة، لتعزيز رواية الفيلم وخلق جو واقعي.

“السجن الجماعي في عصر عمى الألوان”

ألفت الكاتبة “ميشيل ألكسندر” كتاب “جيم كرو الجديد.. السجن الجماعي في عصر عمى الألوان” (The New Jim Crow: Mass Incarceration in the Age of Colorblindness)، فلمست جرحا متجددا في العالم كله، ولا سيما الولايات المتحدة، ألا وهو العنصرية ضد السود، وقد نشر الكتاب عام 2010.

ترى الكاتبة أن السجون الجماعية في الولايات المتحدة نظام طبقي عنصري، يستهدف منهجيا الأمريكيين السود وغيرهم من الملونين. وتستكشف أثر بعض السياسات -مثل الحرب على المخدرات بشكل غير متناسب- على الأمريكيين الأفارقة، مما أدى إلى سجنهم جماعيا وحرمان ملايين من السود من حقهم في التصويت.

غلاف كتاب “جيم كرو الجديد: السجن الجماعي في عصر عمى الألوان”

ألهم الكتاب عددا كبيرا من صناع الأفلام والأعمال الوثائقية، منها سلسلة الأفلام الوثائقية الإذاعية “إسقاط قوانين جيم كرو الجديدة” (Bringing Down the New Jim Crow)، وقد أنتجها “كريس مور باكمان”، وتتعمق في التقاطعات بين حرب المخدرات والسجن الجماعي والعرق في الولايات المتحدة، مستلهمة من كتاب “ألكسندر”. كما تتضمن مقابلات وتحليلات وسرديات تسلط الضوء على التأثير البشري لهذه القضايا المنهجية.

كما أخرجت “إيفا دوفيرناي” وثائقيا آخر مقتبسا من الكتاب، وهو فيلم “الـ13” (13th)، ويدور حول تاريخ التمييز العرقي في الولايات المتحدة، مع التركيز على سجون البلاد والسجن غير المتناسب للأمريكيين الأفارقة. وتظهر “ميشيل ألكسندر” في الفيلم، وتقدم رؤى تتوافق مع موضوعات كتابها.

“الدم الفاسد.. أسرار وأكاذيب في شركة ناشئة بوادي السليكون”

“الدم الفاسد.. أسرار وأكاذيب في شركة ناشئة بوادي السليكون” (Bad Blood: Secrets and Lies in a Silicon Valley Startup) هو كتاب غير روائي، أصدر الصحفي “جون كراكاور” عام 2018.

يحقق الكتاب في صعود شركة “ثيرانوس” وسقوطها، وهي شركة ناشئة في مجال التقنية الحيوية، أسستها “إليزابيث هولمز”، وادعت زورا أنها أحدثت ثورة في اختبارات الدم. وقد كشف تقرير “كراكاور” الاستقصائي كل الممارسات الاحتيالية للشركة، مما أدى إلى انهيارها.

غلاف كتاب “الدم الفاسد: الأسرار والأكاذيب في شركة ناشئة في وادي السليكون”

نال الكتاب استحسان النقاد، وفاز بجائزة “فايننشال تايمز” و”ماكينزي” لأفضل كتاب أعمال عام 2018. وقد أشيد به لتحقيقاته الشاملة وسرده المقنع، وهو يقدم رؤى حول الاحتيال المؤسسي والتحديات الأخلاقية في صناعة التكنولوجيا.

وقد أنتج عنه الفيلم الوثائقي “البحث عن الدم في وادي السليكون” (Out for Blood in Silicon Valley) عام 2019، وهو من إنتاج “إتش بي أو” (HBO)، وقد قدم رواية بصرية للأحداث المفصلة في الكتاب.

وسار على ذلك النهج أيضا المسلسل القصير “السقوط” (The Dropout) الذي عُرض عام 2022، وهو من بطولة “أماندا سيفريد” بدور “إليزابيث هولمز”، وقد صوّر صعود مؤسسة الشركة وسقوطها، ويقدم منظورا آخر للقصة.


إعلان