مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الـ43.. عودة قوية لألق سيد المهرجانات العربية

قيس قاسم

تنطلق الدورة الـ43 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي (من 26 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري وحتى 5 ديسمبر/كانون الأول) وسط تحديات جديدة تفرضها عليها المستجدات الحاصلة في مشهد المهرجانات السينمائية العربية، وحاجة المهرجان لتأكيد مكانته وسطها، والبقاء كواجهة تعكس مكانة وأهمية السينما المصرية وعراقتها، ومع ظهور منافسين جدد له عليه الآن التعامل معهم بواقعية، وباعتراف ضمني يقر أن الزمن قد تغيّر، وأن مراكز سينمائية جديدة وقوية تظهر بفعل عوامل اقتصادية وثقافية لا يمكن لأحد منعها.

من هذا المنطلق تعامل مهرجان القاهرة مع مهرجان الجونة المصري، واليوم عليه التعامل أيضا مع مهرجان البحر الأحمر السعودي، وأخذه بعين الاعتبار قدراتهما المالية الكبيرة على استقطاب الأفلام والشخصيات السينمائية المهمة.

بوستر مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بدورته الـ43 والمستمر من 26 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري وحتى 5 ديسمبر/كانون الأول

 

وربما يعود هذا التحدي على المهرجان بالمنفعة، ويمنع عنه استرخاء ورضى ساد فترة من الزمن، إضافة إلى تعكز على كونه المهرجان الوحيد في المنطقة العربية المُدرج ضمن فئة “أ” (A) عالميا حسب تصنيف الاتحاد الدولي للمنتجين في باريس.

“آفاق السينما العربية”.. تنافس شرس على منتج نادر

يمكن ملاحظة الإحساس بالمنافسة والعمل على البقاء في المقدمة من خلال هِمّة المشرفين على المهرجان، وتحرّك فريقه الشاب لتوفير عوامل النجاح المطلوبة للدورة الحالية، وبوجود منافسين أقوياء.

يعرف المنظمون ومبرمجو الأقسام والمسابقات في المهرجان أن حدة التنافس تشتد للحصول على الفيلم العربي بالدرجة الأولى، فقلتها وقلة الجيد منها تدفع المهرجانات للتسابق عليها، ومع ذلك حصلت الدورة الحالية على عدد جيد من الأفلام العربية وزعت على معظم أقسامه، يساعدها في ذلك المنتج السينمائي المصري نفسه، ووفرة استثنائية عربية تلت السنة الأولى من جائحة كورونا.

أما من ناحية المنتج السينمائي العالمي، فبالرغم من استحواذ مهرجان الجونة على أكثر الأفلام الفائزة في المهرجانات العالمية مثل كان وبرلين والبندقية، وحصول مهرجان البحر الأحمر على عدد آخر؛ فإن مهرجان القاهرة يبقى سوقا وفيرا يمكن بجهد استثنائي ومتابعة جيدة للمعروض في أنحاء العالم من العثور على تحف سينمائية تنافس وتتجاوز أهميتها أحيانا أفلاما حاصلة على جوائز المهرجانات الكبيرة.

لقطة من الفيلم الأردني “بنات عبد الرحمن” لزيد أبو حمدان المُشارك في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي

 

ورغم تخصيصه مسابقة للفيلم العربي وهي “آفاق السينما العربية”، فإن أقساما أخرى من المهرجان ضمت أيضا أفلاما عربية إلى جانب العالمية. وهذا مما يحسب للمهرجان.

ذكريات الحرب والعزلة والعنف الطائفي.. مسابقة الأفلام العربية

تُضفي مسابقة “آفاق السينما العربية” حيوية على الدورة، وبداخلها تتنافس الأفلام العربية الجيدة بشدة، فهناك الفيلم اللبناني “دفاتر مايا” للثنائي جوانا حاجي توما وخليل جريج، وقد شارك في المسابقة الرسمية للدورة الأخيرة من مهرجان برلين السينمائي.

يعود بنا الفيلم إلى الحرب الأهلية اللبنانية عبر الذاكرة واستعادة الماضي الكامن في حاضر شخصيات توزعت مصائرها في جهات الأرض، لكن الزمن وقوة حضوره يسترجع ذكرياتها المؤلمة عبر دفتر مذكرات كتبت صفحاته الشابة “مايا” في بيروت، وبعد سنوات وصل إلى كندا، ليعيد صوغ تجربة حياتية بأسلوب سينمائي أخّاذ يضعه بين أهم الأفلام العربية المُنتجة هذا العام.

ثمة أسماء اقترن ذكرها باشتغالات سينمائية مهمة، مثل المخرج اللبناني غسان سلهب الذي يدخل المسابقة بفيلم “النهر”، والمغربي حكيم بلعباس وفيلمه “لو كان يطيحو لحيوط”، وإلى جانبه الفلسطيني رشيد مشهراوي الذي يوثق في “يوميات شارع جابريل” اللحظات الإنسانية وحالة العزلة التي عاشها خلال جائحة كورونا في الحي الباريسي الذي يُقيم فيه، وكيف أحيت تلك اللحظات ذكرياته القديمة عن وطنه فلسطين.

 

ومن العراق هناك فيلم المخرجة ميسون الباجه جي “كلشي ماكو”، وتدور أحداثه حول أم عزباء دخلت حالة من الصمت بسبب أحداث العنف والاقتتال الطائفي وحظر التجول الليلي وقتها في بغداد.

تجمع المسابقة بين الأفلام الوثائقية والروائية الطويلة، ويتنافس على نيل جوائزها هذا العام 11 فيلما عربيا.

المسابقة الدولية.. أفلام عربية بين تحف سينمائية عالمية

تدخل ثلاثة أفلام عربية في المسابقة الدولية لتتبارى مع تحف سينمائية عالمية، مما سيضعها أمام اختبار جدّي وصعب، وما يزيد من صعوبة التنافس على جوائزها وجود المخرج الصربي “أمير كوستوريتسا” المعروف بفرادة اشتغاله السينمائي الخارج عن الأساليب التقليدية، وبسببه كسب سمعته كواحد من أهم المخرجين المعاصرين رئيسا لها. وقد كان اختياره وقبوله لترأس اللجنة نقطة مهمة في صالح الدورة، وتأكيدا على سمعة المهرجان الجيدة على النطاق العالمي.

كان من بين الأفلام الثلاثة فيلم “أبو صدام” للمخرجة المصرية نادين خان في عرضه العالمي الأول، وتدور قصته حول سائق شاحنة ذي خبرة يحصل على عمل على طريق الساحل الشمالي بعد طول بطالة، وبسبب موقف صغير يتعرض له أثناء قيادته الشاحنة، تتغير الكثير من الأشياء في حياته.

 

إلى جانبه الأردني “بنات عبد الرحمن” لزيد أبو حمدان، والتونسي “غدوة” لظافر العابدين، أما البقية فقد اختيرت على ضوء جودتها وما حصلت عليه من إطراء نقدي كبير، إضافة إلى عرضها في مهرجانات عالمية كثيرة، مثل الفيلم السلوفاكي التشيكي “107 أمهات” (107 Mothers) للمخرج “بيتر كيريكيس”، والإيطالي “جسد ضئيل” (Piccolo Corpo) الذي تعيد فيه المخرجة “لورا ساماني” حكاية الأم “أغاتا” وطفلتها التي خرجت إلى الدنيا من بطنها ميتة.

حين سمعت “أغاتا” بقصة ذلك المكان البعيد في الجبال الذي يمكن فيه للموتى أن يعودوا أحياء لمرة واحدة فقط من أجل التعميد؛ قررت الذهاب إليه، رحلتها مع جثة ابنتها ومقابلتها صبيا معزولا في الطريق، وتحقيق ما تريد؛ يحتاج إلى معجزة تبدو في نهاية المطاف مستحيلة الحدوث.

هناك أيضا الفرنسي “رقيق” (Softie) لـ”صامويل تيس”، والأرجنتيني “سبعة كلاب” (Siete Perros) للمخرج “رودريغو جيريرو”.

“أسبوع النقاد الدولي”.. قصص أمهات شجاعات في أمريكا اللاتينية

يهتم مهرجان القاهرة كثيرا بمسابقة “أسبوع النقاد الدولي”، وذلك لنوعية الأفلام المتبارية فيها، وتوفيرها فرصة نادرة لجمهور المهرجان لمشاهدتها، خاصة أنها تُعرض لأول مرة في الشرق الأوسط وأفريقيا، مثل الفيلم الكولومبي “أمبارو” (Amparo).

 

يتجاوز موضوع “أمبارو” الحرب وخساراتها الفظيعة، وصولا إلى بواطن النفس البشرية وصراعاتها في سياق سرده لقصة الأم “أمبارو” التي تسابق الزمن وحدها لتحرير نجلها المراهق الذي جنّده الجيش الكولومبي بالقوة، ويريد إرساله إلى واحدة من أخطر جبهات الحرب الأهلية، لتتحول عملية الإنقاذ إلى صراع من أجل بقاء أسرتها على قيد الحياة.

هناك أيضا فيلم “المدني” (La Civil)، وبطلته أيضا أم شجاعة تأتي قصتها من خلال نص سينمائي بارع ينقل مشهدا مرعبا لما تقوم به العصابات المكسيكية المنظمة من جرائم ضد المدنيين، ومحاولة الأم المكسيكية رغم ذلك العثور على ابنتها المخطوفة. ففي رحلة بحثها تكتشف واقعا مخيفا يجبرها على التدخل كطرف في عملية الانتقام من مختطفيها.

“الغريب”.. فيلم فلسطيني مُرشح للأوسكار

تضم مسابقة “أسبوع النقاد الدولي” فيلما عربيا وحيدا من فلسطين عنوانه “الغريب” للمخرج أمير فخر الدين، وتدور أحداثه في الجولان المحتلة، حيث يعيش عدنان الطبيب السابق مُحاطا بالأزمات مع والده وأهل زوجته، لكن تتغير أحواله وحياته عندما يقابل في قريته جنديا من جرحى الحرب السورية، ويقدم له المساعدة المطلوبة. وقد رُشّح الفيلم رسميا لتمثيل دولة فلسطين في الأوسكار ضمن فئة الأفلام الأجنبية غير الناطقة بالإنجليزية.

 

وفي إطار عروض أفلام خارج المسابقة والعروض الخاصة والليلية والبانوراما الدولية، أدرجت أفلام كثيرة جيدة، وعادة ما تبرمج فيها لجودتها وحصول بعضها على جوائز مهرجانات مهمة، ولهذا يجري تحييدها وترك الفرصة لبقية أفلام تتبارى على جوائز مسابقاته الرسمية، ومن بينها “المسابقة الدولية للأفلام القصيرة” التي تضم هذا العام 22 فيلما.

“ملتقى القاهرة السينمائي”.. رقم قياسي في تاريخ المهرجان

يعرف مهرجان القاهرة أهمية عدم اقتصار دوراته على جلب الأفلام الجديدة والمهمة وعرضها على جمهوره، أو الانشغال بالمشاهير من الفنانين والمشتغلين في الحقل السينمائي، ودعوتهم للسير على سجادته الحمراء، فهناك جوانب أخرى لا تقل أهمية، بل ربما هي التي تصنع منه مهرجانا ناجحا ومؤثرا، مثل دعمه للسينمائيين واكتشافه المواهب الجديدة، ليكون بذلك مساهما فعالا في الحركة السينمائية، وبشكل خاص المحلية والعربية.

يتحقق ذلك عادة بتبنيه ودعمه المالي والمعنوي للمشاريع الجديدة ولأعمال السينمائيين الجدد وحتى المكرسين منهم. ويأتي هذا عن طريق منصة الإنتاج المشترك في المهرجان “ملتقى القاهرة السينمائي” الذي أعلن خلال الدورة الحالية عن اختياره 15 مشروعا روائيا ووثائقيا طويلا في مرحلتي التطوير وما بعد الإنتاج للمشاركة في نسخته الثامنة المقرر إقامتها في إطار أيام القاهرة لصناعة السينما، بالشراكة مع مركز السينما العربية.

مدير مهرجان القاهرة السينمائي الدولي محمد حفظي يصرح في المؤتمر الصحفي إن عدد المشاريع المشاركة في ملتقى المهرجان تجاوزت 110

 

للمشاركة في نسخة هذا العام تقدم أكثر من 110 مشروعات من مختلف أنحاء العالم العربي، ليكون واحدا من أكبر الأرقام التي استقبلها ملتقى القاهرة السينمائي منذ تأسيسه. حول هذا الرقم علق “محمد حفظي” رئيس المهرجان القاهرة السينمائي على المشروعات المختارة قائلا: هذا العام استقبل ملتقى القاهرة السينمائي عددا كبيرا من المشروعات ذات الجودة الفنية الكبيرة، ومعظمها كان الأعمال الأولى لصانعيها، هذا بالتأكيد يعكس كم الشغف والمثابرة التي يمتلكها صُنَّاع الأفلام الشباب في العالم العربي، بالإضافة إلى ثراء القصص الذين يرغبون في حكيها من خلال أفلامهم.

كما أعلن مهرجان القاهرة السينمائي عن تأسيس شراكة مع مؤسسة “نتفليكس” وتفعيل النشاطات المشتركة بينهما.

“المسابقة الرسمية”.. كوميديا إسبانية تفتتح المهرجان

وجود اسم “تيري فريمو” بين المكرمين هذا العام يعطي للدورة تميزا خاصا، لكونه مخرجا ومديرا لمهرجان “كان” الذي يُعتبر أهم المهرجانات السينمائية العالمية على الإطلاق.

وعلى المستوى المصري تُكرّم الدورة الممثل كريم عبد العزيز بجائزة فاتن حمامة للتميّز، كما تكرم الممثلة نيللي عن مجمل أعمالها ونجاحاتها على مدار مشوارها الفني.

 

ومن الجدير بالذكر أن الدورة تُفتتح بالفيلم الإسباني “المسابقة الرسمية” (Competencia Oficial)، وهو عن السينما أيضا، ويدور حول قصة رجل أعمال يريد تمجيد اسمه وكسب المزيد من الشهرة عبر صنعه فيلما سينمائيا يحمل اسمه، وهو من إخراج “ماريانو كوهن” و”جاستون دوبرات”، ومن بطولة “بينيلوبي كروس” و”أنتونيو بانديراس”.