127″ ساعة” كافية لمراجعة حساباتنا وتصحيح سلوكنا

 
أعترف انه كان من الصعوبة علي متابعة فيلم يَعرض وبشكل تفصيلي لموقف إنساني شديد القوة كالذي شاهدته  في فيلم” 127 ساعة”  ، وأعترف أيضا أنني في لحظات كثيرة من الفيلم  كنت أحاول أن أغمض عيني خشية أن يغمى علي ، رغم أن مخرج الفيلم – على حد قوله  – لم يكن مهتما بتوليد تلك الحالة من الرعب والفزع لدى المشاهد ، بل كان همه تقديم نوع من الدراما الراقية .

تدور أحداث   فيلم” 127 ساعة” عن قصة واقعية ،  استوحى فكرتها المخرج Danny Boyle وكاتب السيناريوSimon Beaufoy  من مذكرات  متسلق الجبال ” أرون رالستون” – الذي يلعب دوره James Franco – في  إحدى رحلاته الروتينية والاعتيادية التي كان  يمارس فيها هوايته  . إلا أن هذه الرحلة التي بدأت بتاريخ 26 ابريل ( نيسان) 2003 وانتهت بكارثة جسدية ،  كانت سببا في تغيير مسار وأسلوب حياته فيما بعد ، حيث شاء له القدر أن يسقط  في هوة عميقة ، وان تطبق على ذراعه اليمنى  صخره كبيرة لم  يستطع التخلص منها إلا عبر بتره ليده . 
رغم  أن الفيلم لا يحتوي سينمائيا أيا من مشاهد الاكشن التي اعتدناها في الأفلام الأمريكية أو المصرية (المؤمركة) و التي تعني ( وجود بطل أو أبطال في حالة صراع  ) إلا انه صنف كفيلم اكشن بامتياز، ويعود السبب في ذلك ، إلى أن بطل الفيلم الأوحد يعيش فعليا حالة من الصراع ولكنها ح��لة صراع  مع الزمن  الذي أصبح عدوا له، نظرا لنقص الماء والطعام  مع كل دقيقة تمر عليه وهو محتجز .

ولأننا كمشاهدين علينا أن لا نتوقف عند هذا المكان الذي هوى فيه البطل وان ننتظر لمدة 127 ساعة ( المدة التي احتاجها ” أرون رالستون” ليتخلص من مأزقه) ، كان على المخرج وكاتب السيناريو  أن يبتكرا وسيلة لإثراء هذا العمل وليكون الحل ليتعرف من خلاله  المشاهد على حياة هذا البطل  وعن ماضيه وعن عاداته و سلوكه ،وذلك عبر الكاميرا التي اعتاد ” ارون رالستون”  اتخاذها صديقا له  ، لتسجل مغامرته ، وعبر تلك الايام والساعات من التسجيلات ، كنا نتعرف على جزء تلو الأخر عن  حياته وطبيعته ، وعن علاقته بالأهل والأصدقاء، وعن  أنانيته  وعن الأسلوب الذي كان قد اتخذه في تعامله  مع محيطه ، وخاصة فيما بتعلق بعادته عدم البوح للآخرين بمكانه  ، نظرا لأنه كان متأكدا وهو الرياضي البطل من قوته الكبيرة. دون أن ينسى  صناع الفيلم الإشارة إلى أن هذا الرجل في النهاية هو بطل حقيقي صاحب قلب حديدي ، استطاع عبر إرادته القوية وعبر رغبته بالحياة والتمسك بها بكل ما تحمله من حب ، سواء من الأهل أو الأحباء أن يتخلص من مأزقه وان ينجو من الموت المؤكد .
اسباب نجاح الفيلم
تعود أسباب نجاح هذا الفيلم لعوامل كثيرة، ليس منها  فقط  ماهو  متعلق بالأمور الإنتاجية والتقنية، التي أصبحت ميزة في الإنتاج العالمي ، وإنما لأسباب أخرى من أهمها أن أحداث الفيلم مأخوذة عن قصة وتجربة إنسانية فريدة من نوعها  ، أضف الى ذلك أن المخرج المتميز ” داني بويل” قام بإخراج تلك الأحداث الواقعية  بطريقة  أقرب للوثائقية حين حول  تلك المذكرات الساكنة ،إلى عمل واقعي مؤثر ونابض وموثّق( فيلم داخل فيلم)، بل ومرعب في بعض مشاهده،  إلى درجة أن أحد النقاد صنفها من أكثر مشاهد الرعب في تاريخ السينما، وقد  سبق لفيلمه الأكثر شهره عربيا المليونير المتشرد (أن حاز على عدة جوائز في الأوسكار الفائت)،  كما لعب الأداء  المتميز لبطل الفيلم  جيمس فرانكو دورا هاما في نجاحه، من حيث تمكنه من ادواته الفنية وتقيده بأدق التفاصيل ، التي كان من ضمنها قيامه بتمارين  لاستخدام اليد اليسرى فقط ولفترة طويلة، مما عكس صورة واقعية صادقة.  ومما يأتي في مقدمة ما ذكرناه، الموسيقى التصويرية المناسبة التي رافقت الفيلم، أو بمعنى أدق التي رافقت البطل  لدرجة تم تصنيفها من قبل البعض بالبطل الآخر للفيلم، وهي للمؤلف الموسيقي الشهير،  الهندي الأصل Rahman ،الذي سبق له أن حصل على اوسكار لأحسن موسيقى تصويرية عن فيلم” المليونير المتشرد” ، فلعبت دورا  هاما في نجاح الفيلم ، حيث قامت بنقل الضغط النفسي الذي يعيشه البطل، إلى المشاهد الجالس في قاعة السينما،  بالإضافة طبعا للمؤثرات الصوتية المرافقة والتي استخدمت في أشد لحظات الفيلم الإنسانية  وذلك أثناء عملية بتر اليد  (صوت العظم وهو يتكسر، وصوت تمزُّق العصب واهتزازه) .
يبقى علينا أن نشير إلى أن فيلم “127ساعة” هو احد الافلام المرشحة بقوة  للاوسكار هذا العام  ، فقد حصل بطله  ” جيمس فرانكو” على ترشيح لأفضل ممثل رئيسي ، كما حصل الفيلم  على ترشيح لأفضل سيناريو، وأفضل موسيقى تصويرية .