آل عياف: قافلة صناعة السينما السعودية تشهد اقبالا

عبد الله آل عياف مخرج أفلام قصيرة من المملكة العربية السعودية، لفت الأنظار إليه بأفلامه التي تحمل همّاً تعبيرياً وبوحاً جمالياً خاصاً. وهو وبالرغم من الضعف في الأداة في بعض أفلامه والمرتبط بظروف بيئته أكثر من ارتباطه بموهبته، إلا أنه في فيلمه الأخير “عايش” كان متمكنا من أدواته السينمائية وأكثر نضجاً على مستوى الفكرة والصورة والصوت. وعلى هامش فوزه بجائزة مهرجان الخليج السينمائي الثالث في دبي مؤخراً كان هذا الحوار.

حوار: خليل حنون

مهرجان الخليج السينمائي، ما الذي يعنيه لكم أنتم السينمائيين الشباب، وكيف ترى دوره؟

لو سألت معظم صانعي الأفلام الشباب/الشابات في الخليج عن التظاهرة الأهم لديهم لأجابوا بأنه مهرجان الخليج. تكمن أهمية مهرجان الخليج في أنه سينمائي و مختص بالتجارب السينمائية الخليجية، أو تلك التي تهتم بالخليج. ببساطة هو المكان الذي نستطيع فيه عرض تجاربنا ومشاهدة تجارب زملائنا بالمنطقة، والاحتكاك بهم وبالنقاد العرب وغير العرب (مثل المخرج الفرنسي الشهير فرانسوا فوجيل في الدورة الأخيرة). وهي أمور تصقل تلك التجارب الشابة. كما أن عرض تلك التجارب تتيح للعديد من مبرمجي المهرجانات و ��لنقاد و اإعلاميين مشاهدة تلك الأعمال و هذا يعني الانتشار الجيد لتلك الأفلام.
لا أستطيع مطالبة المهرجان بأكثر مما يقوم به فهو – من خلال مقارنته بالعديد من المهرجانات التي حضرتها عربيا-  يتمتع بنشاطات و برامج مميزة لم نكن لنحلم بها خليجياً قبل سنوات، و بالتأكيد فإن لكل من الأستاذين مسعود أمر الله و عبدالحميد جمعة الفضل في تجسيد تلك الأمور من مجرد أمنيات لواقع جميل نعيشه.

هناك تفاوت قوي بمستوى الأفلام الخليجية في المهرجانات، وما هو جيد ومُلْفِت قليل، فما السبب برأيك؟ وكيف السبيل لوجود حركة سينمائية قوية في هذه المنطقة؟

 من الطبيعي جداً وجود هذا التفاوت. فالمهرجان لايزال في دورته الثالثة و السينما الخليجية لاتزال في بدايتها، ومن غير العدل توقع الأفضل في هذا العمر القصير جداً. كما أن قلة نسبة المتميز جداً في المهرجان مشابهة لتلك في مهرجانات أقدم بكثير منها، و من غير المتوقع أن تحضر مهرجاناً مهما كان اسمه و تخرج راضياً عن غالب أو حتى نصف أفلامه.
مهرجان الخليج سيغير حتماً. الوضع للأفضل ولو وجد في بقية دول الخليج مهرجانات شبيهة و دعماً حكومياً كما في دولة الإمارات، فسيتم التطور و التحسن بشكل أسرع. في الخليج نحتاج الدعم الحكومي و الوقت لنُري الجميع أننا قادرون على الحضور ليس إقليمياً فقط بل عالميا.

تصوير فيلم عايش بكاميرا فوتوغرافية

 ما مميزات الأفلام السعودية مقارنة بغيرها من أفلام دول خليجية أخرى؟

ج: قضايانا مشابهة لتلك التي في باقي الدول الخليج، لكن لكل مجتمع طريقته في طرح قضاياه. الأفلام السعودية أكثر تنوعا في تناول القضايا بسبب كبر مساحة البلاد، و كثرة السكان و تنوع واختلاف العادات بين عدد من تلك المناطق بشكل قد لايتوفر في دول خليجية أخرى. كما أن عدم وجود صالات سينما في البلاد يجعل الجمهور خارج البلاد فضولياً لمتابعة ما سيقدمه السينمائيون/السينمائيات القادمون من السعودية. أما أهم تلك المميزات في تصوري هو الإقبال الشديد المطرد سنة بعد سنة في أعداد المنضمين لقافلة صانعي الأفلام بالبلاد. مما يجعل التوقعات تشير إلى أن السعودية ستقود المنطقة سينمائيا في القريب العاجل. و بوادر هذا الأمر تزداد وضوحاً مع مرور الوقت.

 عندك تطور ملحوظ من فيلم لفيلم على صعيد الأداة ومعالجة الموضوع. أفلامك التي تصنعها ماذا تعلمك وهل تستفيد من كل تجربة؟

 حتى الآن، قمت بصنع فيلم واحد على الأكثر في السنة و هو أمر يجبرني على أن أكون متأنياً في اختيار الفكرة و صياغتها في سيناريو و طرحها في قالب سينمائي مناسب. و قلة أعمالي و التباعد الزمني بينها يتيح ملاحظة التطور بشكل واضح. أما عن أسباب هذا التطور فأظن أنه كثرة المشاهدة و القراءة و محاولة تطوير ما لدي سنة بعد سنة. إستفدت كثيراً من أفلامي، ولكل فيلم دروسه الخاصة التي تعلمتها منه. كما أن أحد أسباب هذا الاعتناء بالتطوير هو ظهور إسمي كأحد أبرز الأسماء الشابة بالبلاد سينمائياً، وهو أمر متعب جدا و يتطلب الحرص الشديد على تقديم الأفضل؛ لأنني لم أعد أنا وزملائي نمثل تجارب خاصة بل تجربة جماعية تحاول الظهور بأفضل شكل، رغم الصعوبات لهدف نشر ثقافة الفيلم القصير أو الفيلم بشكل عام في المجتمع.

 حاولت تصوير الوثائقي في فيلم سينما 500 كلم ويبدو أن هناك عوامل منعت من اكتمال التجربة وخروجها بشكل قوي. فما هي صعوبة صنع الفيلم الوثائقي في دولة كالمملكة السعودية؟

 فيلم “السينما 500 كم” كان أول تجاربي كمخرج و لا أبالغ بأنني قبلها لم أمسك الكاميرا مطلقاً بهدف صنع عمل ما ولو كان عائليا. و اخترت أن يكون الفيلم وثائقياً رغم ادراكي صعوبة هذا النوع من الأفلام. و كنت من البداية قد قررت إظهاره بمظهر فيلم الهواة، أو مشابه لما يصوره الأصحاب في رحلاتهم ليتناسب مع فكرة الفيلم الرئيسية. أكثر ماعانيته في صناعة العمل كان الجانب التقني حيث اضطررت لتشويه بعض المقاطع لتظهر بشكل سيء تقنيا و لا أعلم ما إذا كنت قد وفقت في ذلك أم لا.
صناعة الفيلم الوثائقي في السعودية صعبة كما هو الحال في معظم دول الخليج، فالناس في الشارع غير معتادين على مواجهة الكاميرا. و بالتأكيد تقف حساسية تناول الكثير من القضايا الدينية والاجتماعية كوننا مجتمع محافظ مثل بقية دول الخليج. شخصياً، أعتقد أن قضايانا تزخر بكم هائل من المواضيع المناسبة لتناولها في أفلام وثائقية وأخطط لتناول بعض تلك القضايا في المستقبل القريب.

                                                      

جائزة مهرجان الخليج الثالث                                       وجائزتين من مسابقة افلام السعودية

 طرحت في فيلمك سينما 500 كلم صعوبة مشاهدة السينما والأفلام في المملكة مما يضطر الشباب والناس إلى الذهاب للبحرين؟ فكيف في هذه الظروف حصّلت ثقافتك السينمائية وطورتها؟

 بكثرة المشاهدة، الأفلام متوفرة بالبلاد عبر محلات الفيديو. ورغم تأخر وصول الأفلام وعدم العثور على آلاف الأفلام الجيدة، إلا أننا نشاهد ماهو متوفر. وعندما أقول مشاهدة فأنا لا أعني مجرد المشاهدة العابرة للمتعة، بل عنيت المشاهدة الفاحصة و المتأملة لمواطن القوة و الضعف في الفيلم.
كما أن القراءة في كتب السينما و المراجعات النقدية التي يكتبها النقاد العرب و الأجانب وأيضا حضور المهرجانات و التظاهرات السينمائية، كلها أمور تسهم في زيادة الوعي لدى صانع الأفلام.

 ما الصعوبات التي تواجهها كلما أردت تصوير فيلم؟

 على المستوى الشخصي، عدم تفرغي هو العائق الأكبر، فكل تجاربي أقوم بصناعتها في عطل نهاية الأسبوع أو في إجازتي السنوية التي تنقضي في صناعة فيلم ما وجهد وتعب بدلاً من الراحة وقضاءها مع عائلتي. كما أن عدم وجو كوادر سينمائية ومتخصصين في أي من مجالات السينما العديدة، يجعلنا نقوم بكل الأعمال بأنفسنا بمساعدة الأصدقاء من المبدعين و المتطوعين. و يندمج العاملان السابقان (عدم التفرغ) و (عدم وجود متخصصين) لينتج عنهما أمر ثالث هو صعوبة التنسيق بين فريق العمل، حيث نضطر للانتظار عدة أشهر أحيانا ليتوافق جدول الجميع، و يكون لدينا وقتا مناسبا للبدء، وهو أمر يصعب علينا كثيراً خصوصاً و معظم طاقم العمل يتكون من الطلاب المرتبطين بجداول اختبارات وأبحاث أو من الموظفين و أرباب العوائل.
أما انعدام الدعم المادي فموضوع يطول الحديث فيه و لن أتطرق له.

 فيلمك الأخير “عايش” والذي فاز بجائزة مهرجان الخليج السينمائي الثالث عن فئة الفيلم القصير. هذا الفيلم تم تصويره بكاميرا تصوير فوتوغرافية لكنها عندها ميزة التصوير الفيديوي العالي الدقة HD، ما سبب اختيارك هذا؟ وكيف كانت النتيجة؟ وهل هذه الكاميرات بديلٌ جيد يعوض التصوير بالكاميرات السينمائية ؟

شاهدت بعض التجارب السريعة التي تم تصويرها بتلك الكاميرا وأثارت دهشتي، فالكاميرا صغيرة الحجم و تنتج صورا عالية النقاوة والجودة مقارنة بكاميرات الفيديو أو كاميرات السينما العالية التكلفة و الكبيرة الحجم. ويبدو أن هذه النوعية من الكاميرات ستقلب موازين سوق كاميرات الفيديو الرقمية. وهذا يعني في النهاية جودة أعلى و سعر أفضل وهما حلم كل سينمائي مبتدئ أو مستقل.

صورة مركبة لمجموعة من ملصقات افلام عبدالله آل عياف

تتميز عن غيرك باهتمامك بالشريط الصوتي للفيلم وإعطائه دور وحيز وبطولة وتتعامل معه بدقة وعناية.

 أشكرك على سؤالك اللماح. بالفعل أقضي الكثير من الوقت خلال كتابة ومونتاج الفيلم أعمل على الجانب الصوتي بالفيلم، فهو ليس مجرد تابع للصورة، بل أحد أهم عوامل سرد الحدث و التعبير السينمائي. أحب إفراد مساحة ما في بعض المشاهد ليكون الصوت فيها هو البطل سواء مع الصورة أو بدونها، لذلك فأنني أحرص على تقليل الموسيقى و استخدامها فقط في تلك المشاهد التي تناسبها. كما أحاول دائما إفراد المساحة للأصوات المحيطة لتكون حاضرة لفترات تتجاوز أحيانا فترات الحوار بالفيلم. قبل تصوير أي فيلم أقوم دائما بالتجهيز والبحث عن أصوات مناسبة في مكتبة الصوتيات لدي أو أقوم لاحقا بتسجيلها في الموقع أو بعد انقضاء مرحلة التصوير. و كل ذلك لكي يظهر الصوت بشكل جيد. هنالك مقولة جميلة نسيت قائلها تقول بأن الجمهور قد يغفر للمخرج عدم وضوح الصورة، ظناً منهم أنه قد يكون اختارها عامداً لتظهر بهذا الشكل. لكن الجمهور لن يغفر للفيلم عدم وضوح الصوت فيه. ولأني مؤمن تماماً بأهمية شريط الصوت فإني أقضي وقتا أطول في مونتاجه عن الوقت الذي أقضيه في مونتاج الصورة.

 تتحدث في أفلامك عن أفراد ولا نرى المجتمع من خلالهم بشكل واضح ومباشر؟ ما السبب في ذلك وخاصة أن نفس الأمر نلاحظه في أفلام سعودية أخرى؟

ج: الأفراد يمثلون المجتمع بشكل أو بآخر، تناولي لقصص الأفراد في أفلامي نتيجة لرغبتي في خوض مكنونات النفس البشرية بشكل أكبر من مجرد تناول قضايا عامة. عندما يتغير الفرد سيتغير المجتمع. كثيرا ما أصرح بأنني أميل للتغيرات التي تحدث داخل شخصيات الأفلام التي أقدمها أكثر من تلك التي تقع خارجها.
أما كون هذا الأمر ينتشر بين الأفلام السعودية، فأظن الأمر أشمل من ذلك، و نراه في التجارب الخليجية بل و حول العالم، لتفضيل صانعي الأفلام تناول قضاياهم عن طريق شخوص محددة كوسيلة سرد سينمائي، و ربما لعدم وجود ميزانيات جيدة توفر عدد ممثلين أكثر لتلك الأعمال.

 مالذي تأمله؟ وكيف ترى مستقبل هذا الجهد الذي يبذله الشباب الخليجي من أجل السينما؟

 آمل بأن نتمكن كشباب خليجي في جعل السينما أداة تأثير و تغيير فاعلة و إيجابية لتطوير مجتمعاتنا، و تقديم ماهو راق وممتع، و أن تصل تلك الأعمال للعالم لنقل صورة أدق عن همومنا و قصصنا غير تلك المغلوطة. ولكي نصل لتلك المرحلة آمل في أن تنظر حكوماتنا لتلك التجارب بشكل جاد، و تكتشف أن مايقدمه هؤلاء الشباب ليس مجرد أعمال لقضاء وقت الفراغ.