أوسكار 2020.. هيمنة الرجل الأبيض على الجائزة

ندى الأزهري

أعلنت أكاديمية الأوسكار عن جوائزها في حفل أُقيم يوم أمس في لوس أنجلوس (مساء الأحد/ ليلة الاثنين)، وجاءت نتائج النسخة الـ92 للأكاديمية لتُكرّس أفلاما أثرى بعضها العام الفائت بحضوره، وبينما تركزت التوقعات في الساعات الأخيرة على “جوكر” مع أحد عشر ترشيحا، وعشرة ترشيحات لفيلمي “1917” و”حدث ذات مرة في هوليود”؛ حدَث أمر استثنائي قَلَبَ معظم هذه التوقعات، وهو اكتساح فيلم “طفيلي” للكوري الجنوبي “بونغ جون” أهم الجوائز. فقد فاز فيلم غير ناطق بالإنجليزية للمرة الأولى في تاريخ جوائز الأوسكار التي توزعها أكاديمية فنون الصورة المتحركة والعلوم؛ عن فئة أفضل فيلم في جوائز الأوسكار.

هذا الفيلم الذي بدأ مسيرته في مهرجان “كان” الأخير وفاز بالسعفة الذهبية؛ تابع انتصاراته في الأوسكار، حاصدا إضافة إلى أكبر الجوائز ثلاث جوائز أخرى، هي جائزة أفضل إخراج وأفضل سيناريو أصلي وأفضل فيلم “عالمي” (التسمية الجديدة فئة أفضل فيلم أجنبي).

بينما اكتفى فيلم “جوكر” بجائزة أفضل ممثل، حيث ذهبت إلى “خواكين فينيكس”، إضافة إلى أفضل موسيقى، أما “حدث ذات مرة في هوليود” فلم ينل سوى جائزة التمثيل في دور مساعد التي حصدها “براد بيت”، وجائزة الديكور. وفاز الفيلم الحربي “1917” بثلاث جوائز عن التصوير حصدها “روجر ديكنز” والمؤثرات البصرية والصوت.

وبدت الفرحة الشديدة على المخرج الكوري الذي قال في كلمته: منذ البداية كانت توجهني مقولة “الفيلم الأكثر ذاتية هو الأكثر إبداعا دائما”. لقد قالها مارتن سكورسيزي.

وهنا وقف المخرج الكبير صاحب فيلم “الإيرلندي” مُصاحبا بهتافات وتصفيق جمهور الحفل، كما شكر المخرج الكوري صاحب “حدث ذات مرة في هوليود” المخرج “كونتين تارانتينو” قائلا: عندما لم تكن أفلامي معروفة هنا في أمريكا، وضعها هو على قائمته. أحبك.

وخرجت أفلام منصة العرض الإلكترونية “نتفليكس” التي تثير امتعاض محترفي السينما في هوليود -على ما يبدو- من الجوائز، مع عدم فوز أيّ من أفلامها الثلاثة؛ “الإيرلندي” و”حكاية زواج” (جائزة أفضل دور نسائي مساعد) و”الباباوان” بالجوائز.

 

“جوكر”.. نجاح جماهيري

كان السباق في الأشهر السابقة ثنائيا ومنحصرا بين فيلم العصابات “الإيرلندي” للمخرج “مارتن سكورسيزي”، وفيلم الحنين إلى هوليود الستينيات “حدث ذات مرة في هوليود” للمخرج “كونتين تارانتينو”، حيث اتفق الخبراء على أن أوسكار 2020 سيكون بين هذين المخرجين الأسطوريين.

لكن بدأت ترشيحات أخرى تدخل المنافسة، حتى توقع نقّاد أن تخرج النسخة الـ92 من الأوسكار بنتائج غير منتظرة، وانْتُزع الاثنان عن العرش لصالح “تود فيليبس” مخرج فيلم “جوكر”. حيث رُشّح الفيلم لإحدى عشرة جائزة، أهمها أفضل إخراج وأفضل فيلم وأفضل تمثيل وأفضل سيناريو. إنه فيلم انقسم النقاد حوله وحول توصيفه، فهل فعلا يُقدّم نقدا اجتماعيا، أم هو تمجيد لعدمية العنف؟

انقسام نقدي قابله نجاح جماهيري موّحد لهذا الفيلم الخيالي الذي يُجسد توتر وقلق عالمنا المعاصر، ويبرز خوفا واسع النطاق وحقيقيا للغاية يسود عالم اليوم، ولا يُقدّم بطلا مُنقذا خيّرا، وإنما شريرا مُدمّرا جسّده “خواكين فينيكس” كأفضل ما يكون، ليبدو في جسد ممثل فاشل يغرق في القسوة والجنون، ليصبح معها جوكرا يخرج من الظلّ بسلاحه مع غيره من الشعب المقهور والمنسي والمخدوع في المجتمع، ليهاجم كبار هذا العالم بسبب جشعهم وفسادهم وعدم حساسيتهم وجبنهم.

لكن الفيلم استُبعد من التخمينات مقابل التوجه نحو فيلم سام منديس “1917” الملحمة التاريخية للحرب العالمية الأولى، وكذلك لتلك المفاجأة القادمة من كوريا الجنوبية؛ أي “طفيلي” لمخرجه “بونغ جون هو”.

 

أفضل فيلم في الأوسكار.. صراعات التاريخ

قبل إعلان النتائج بساعات قليلة تغيرت الخطط والميول والرغبات، وكانت التوقعات تميل بشدة نحو “1917” الذي أراد المخرج الإيحاء بأنه مكوّن من مشهد واحد طويل، ونجح ببراعة تقنية ملفتة للنظر. وقد قرّبه من توقعات الأوسكار أن نقابة المخرجين التي تكون نتائجها في العادة مطابقة للأوسكار بنسبة 9 من عشرة؛ قد اختارته لمنحه جائزتها. كما أنه نال جائزة “البافتا” البريطانية المُعادلة للأوسكار، واختارته عدة هيئات من هوليود للفوز بجوائزها، إضافة إلى كونه فيلما ممولا وموزعا من يونيفرسال.

لكن قلوب بعض النقاد مالت أكثر إلى فيلم “كونتين تارانتينو” الذي قدّم سردا مبتكرا فيه الكثير من الشجن والحنين إلى أيام هوليود الخالية في “حدث ذات مرة في هوليود”، الذي نال عشرة ترشيحات منها أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل سيناريو وأفضل دور مساعد.

مثّل هذا الفيلم الذي عُرض في مهرجان كان 2019 نظرة “تارانتينو” الخاصة على ستينيات وسبعينيات القرن الماضي في هوليود، وبالذات عام 1969 حين قُتلت الممثلة “شارون تيت” على يد أتباع حركة “شارلز مانسون” الدينية.

 

“طفيلي”.. مفاجأة تاريخية في الأوسكار

كانت حظوظ فيلم “طفيلي” تتزايد مع الأيام، لا سيما كفيلم غير ناطق بالإنجليزية وقيل إنه قد يستفيد من عدم منح جائزة الفيلم الأفضل لفيلم “روما” للمخرج “ألفونس كوارون” في أوسكار 2019، واكتفائه حينها بجائزة “أفضل فيلم أجنبي”، وكان هذا على الرغم من كل مساعي منصة “نتفليكس” لإبراز الفيلم ودفعه إلى الواجهة.

وكتبت صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية في 8 فبراير/شباط الجاري أن فيلم “طفيلي” يمكن أن يشكّل مفاجأة تاريخية في الأوسكار لهذا العام، وذلك بسبب شعبيته الكبيرة ونجاحه، وأن حامل السعفة الذهبية هو المنافس الأقوى لـ”1917″. الفيلم الذي اعتمد أسلوبا ساخرا في طرحه لقضية اجتماعية، وفي تناوله للعلاقة بين الفقراء والأغنياء؛ كان مرشحا لفئة ست جوائز، منها أفضل فيلم عالمي.

الممثلان براد بيت وخواكين فينيكس يحصلان على جائزة أفضل ممثل في الأوسكار

 

“خواكين فينيكس” و”براد بيت”.. جائزة أفضل ممثل

جاءت الترشيحات والتوقعات متطابقة في فئة أفضل ممثل، حيث لم تفاجئ خمسة ترشيحات أحدا، فأربعة منهم نالوا جوائز في عدة مناسبات، وهم “أنتونيو بنديراس” عن فيلم “ألم ومجد” للإسباني “بيدرو ألمودوفار”، و”آدم درايفر” عن فيلم “قصة زواج”، و”ليوناردو دي كابريو” عن “حدث ذات مرة في هوليود”، و”خواكين فينيكس” عن “جوكر”، و”جوناتان برايس” عن”الباباوان”.

وقد مالت التوقعات نحو بطل جوكر وهذا ما حصل، فقد أكمل مسيرته مع الجوائز بعد البافتا والغولدن غلوب، وألقى بعد استلام الجائزة خطبة مُطوّلة عن استغلال الإنسان للكوكب وللحيوانات.

وفي فئة أفضل ممثل في دور مساعد، انصبّت التوقعات -ولم تخطئ- على الممثل “براد بيت” عن دوره في فيلم “حدث ذات مرة في هوليود” للمخرج “كوينتن تارنتينو”، وذلك لأدائه المحبب واللطيف في تجسيده لدور ممثل بديل، وكذلك لأنه لم يسبق له أن نال الأوسكار. ونافسه في الترشيحات “آل باتشينو” و”جو بيشي” في “الإيرلندي”، و”توم هانكس” في “صديق استثنائي”، و”أنتوني هوبكنز” في “الباباوان”. لكن أثار الممثل خلال تسلمه الجائزة الضحكات بإشارته إلى تبرئة الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”، وقال “يحق لي الكلام 45 ثانية، وهي الـ45 ثانية أخرى أعطاها أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوري لجون بولتون”. (بعد رفض الاستماع إلى شهود، برّأ مجلس الشيوخ دونالد ترامب الأسبوع الماضي).

الممثلة “رينيه زيلويغر” تحصل على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم “جودي”

 

“رينيه زيلويغر”.. جائزة أفضل ممثلة

تركزت التوقعات في جائزة أفضل ممثلة على “رينيه زيلويغر” عن دورها في فيلم “جودي”، وهذا ما حصل. فهي مثلها مثل زميلها “خواكين فينيكس” تُحقق متطلبات الربح، مع تحوّل مظهرها الهائل في الفيلم الذي أدهش الجميع. وذلك بسبب عودتها للسينما بعد أن أدارت ظهرها للتمثيل وانقطعت عنه ست سنوات لتتابع دراسة القانون وتقوم بنشاطات عامة، قبل أن تعود في 2019 إلى التلفزيون.

الظريفة “بريدجيت جونز” (2001) التي فازت بجائزة أوسكار أفضل ممثلة مساعدة عن دورها في فيلم الدراما الحربية “عودة إلى الجبل البارد” (2003)؛ هي واحدة من 13 ممثلة نالت جوائز الأكاديمية وغولدن غلوب والبافتا. ففي هذا الفيلم تُجسّد دور المغنية “جودي” ذات الطفولة المسروقة بسبب الفن، التي بدأت بالغناء منذ الصغر لكسب العيش، وتابعت لأربعة عقود حتى باتت نجمة شهيرة عالمية. فالمسكونة بطفولة ضُحِّي بها من أجل هوليود هي اليوم منهكة ولا تريد شيئا سوى العودة إلى بيتها وتكريس وقتها لأطفالها، فهل ستكون لديها القوة للمضي قدما؟

أما جائزة أفضل ممثلة مساعدة فنالتها “لورا درِن” عن فيلم “قصة زواج” لنوح مومباش الذي عُرض على منصة “نتفليكس”، حيث أدت دور محامية متحمسة بهوس للطلاق. “لورا درن” رئيسة قسم الممثلين في الأكاديمية ويُقدرها زملاؤها، وها هي أخيرا تُسلَط عليها الأضواء في هذا الفيلم.

كما خرجت ممثلات أخريات من الجوائز كانت التوقعات قد ركزت عليهن، مثل “فلورنس بوغ “في “نساء صغيرات”، التي أدت بعمق شخصية “آمي” المزاجية والمتقلبة.

 

سبع كلمات.. تهميش نسائي في الأوسكار

بعد الإعلان عن الترشيحات في 13 كانون الثاني/ يناير الماضي، حصل بعض الجدال حولها، إذ اتهمت بالافتقار الصارخ للتنوع بين الثقافات والأجناس، وأن أوسكار 2020 “أبيض”، وليس “كريماً” مع النساء والأقليات.

وأُثيرت تساؤلات حول غياب أسماء لمخرجات من فئة أفضل مخرج، على الرغم من وجود فيلم “نساء صغيرات” للمخرجة “غريتا غيرونغ” التي اعتبر بعض النقاد أنها برعت في اقتباس جديد للرواية الكلاسيكية الأمريكية الخالدة التي تحمل العنوان نفسه. وجسدت “غريتا غيرونغ” أملا نسائيا وحيدا في الفيلم الذي رشحته الأكاديمية لأربع جوائز أوسكار منها أفضل اقتباس، وجائزة التمثيل المساعد للممثل “فلورنس بوغ”، وقد اكتفت الأكاديمية في النهاية بمنحه جائزة تصميم الأزياء.

لم يقف نقد الترشيحات عند هيمنة المخرجين الرجال فحسب، بل سيطرة مواضيعهم الرجولية أيضا، وذلك في فئة أفضل فيلم وأفضل إخراج، مثل الحروب والعصابات والعنف، وكانت في ثلاثة أفلام على التوالي “1917” و”الإيرلندي” و”جوكر”. كما سادت أقاويل حول غياب الدور النسائي في هذه الأفلام، حتى أنهم عدّوا الكلمات التي جاءت على لسان “آنا بكين” التي أدت دور ابنة “روبرت دي نيرو” في “الإيرلندي”، التي لم تتجاوز سبع كلمات.

كما انتقد “تارانتينو” عدم إعطاء الممثلة “مارغو روبي” في تجسيدها لدور “شارون تيت” في فيلم “حدث ذات مرة في هوليود”؛ فرصا للكلام، فقد كانت صامتة أغلب الأحيان. كما أُشير إلى اقتصار وجود المرأة في فيلم “1917” على حوار بسيط مع قروية فرنسية، إضافة إلى عدم وجود دور نسائي في “جوكر” وحتى في “طفيلي”.

 

امتعاض وشكوك.. صراع نتفليس

جاء تصريح الكاتب الأمريكي الشهير والعضو في الأكاديمية “ستيفان كنغ” على صوابيته ليثير المزيد من الانتقادات، إذ كتب: لن آخذ التنوع بالاعتبار أبدا عندما يتعلق الأمر بالفن، فالجودة وحدها هي المعيار. أعتبر أن القيام بخلاف ذلك سيكون خطأ.

وذكرت صحيفة لوموند الفرنسية أن هيئات هوليود في جوائزها فضّلت “1917” و”حدث ذات مرة في هوليود” على فيلمي “الإيرلندي”، و”قصة زواج” الممولين من نتفليكس، ففي عام 2019 استقبلت جهود المنصة مع فيلم “روما” لألفونس كوارون على نحو حسن.

أما هذا العام فقد أدى إنفاق المنصة لملايين الدولارات من أجل الدفع بفيلميها وإقناع المصوتين بهما، وكذلك بفيلم “الباباوان” لفرناندو ميريل إلى إثارة الامتعاض. وهذا التحسس يقوم بالأساس حول الشكوك التي تُحيط بمستقبل صناعة السينما الأمريكية بعد قيام شركات مثل ديزني وورنر بالاندفاع أيضا لإنشاء منصات وهياكل للإنتاج. ومع انخفاض معدلات التردد على السينما في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن كل المؤشرات تذهب باتجاه انخفاض آخر في أعداد الأفلام التي تخرج في الصالات.