أيام فلسطين السينمائية.. طائر الشمس يحلق في سماوات السينما

عبد الكريم قادري

استطاع الفريق المنظم لأيام فلسطين السينمائية أن يرفع التحدي عاليا ويمضي قدما في تنظيم الدورة السابعة التي جاءت رغم الأوضاع التي يمر بها العالم، وذلك جرّاء ما خلّفه وباء كورونا على الفرد والمجتمع ومكونات الفعل السينمائي الذي أثّر عليه بشكل كبير، فقد توقف إنتاج الأفلام وأغلقت قاعات العرض، كما أجل أو ألغي تنظيم المهرجانات السينمائية التي تعوّد عليها عشاق السينما في العالم.

لقد أصرّ فريق أيام فلسطين السينمائية على ديمومة هذا العرس السينمائي الذي يأتي لينير القحط الثقافي والفني الذي يعيشه الفلسطيني رغم أن التحدي كبير، فقد اتخذت جملة من الاحتياطات الضرورية لضمان سلامة الجميع، من بينها ضرورة التباعد الاجتماعي والتعقيم وإجراء العروض في الهواء الطلق.

وترى إدارة المهرجان أن هذه الدورة جاءت “على الرغم من الظروف غير المسبوقة التي تسود فلسطين والعالم بأسره منذ بداية 2020، ففي بقعة مشحونة عاطفيا وسياسيا باستمرار، يُمثل تنظيم المهرجان كل سنة تحديا كبيرا، ومع ذلك فقد أُجبرنا هذا العام على التفوق على أنفسنا واستغلال إمكانياتنا بأفضل شكل ممكن والتحلي بالكثير من المرونة والتصميم، ويؤكد مهرجان أيام فلسطين السينمائية على أن الأفلام والمهرجانات غدت رمزا للإصرار على البقاء والإبداع المستمر، وعكس صورة العالم من حولنا”.

لقطة من الفيلم الإيراني “لا وجود للشيطان” الذي عُرض في افتتاح مهرجان “أيام فلسطين السينمائية”

 

“لا وجود للشيطان”.. فيلم إيراني عشية الافتتاح

افتتحت مساء أمس الثلاثاء بقصر رام الله الثقافي فعاليات “أيام فلسطين السينمائية” التي تمتد من 20 وحتى 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وقد دشنت هذه الفعالية السينمائية بالفيلم الإيراني “لا وجود للشيطان” للمخرج “محمد رسولوف” الذي حصل على جائزة “الدب الذهبي” في مهرجان برلين خلال هذا العام.

ومن المنتظر أن يتوزع برنامج المهرجان خلال الأيام القادمة على فضاءات القدس ورام الله وحيفا وغزة وبيت لحم، وهي المناطق التي ستشهد العروض السينمائية، على عكس ملتقى صنّاع المهرجان السينمائي الذي سينظم هذا العام استثنائيا عن بُعد لضمان مشاركة واسعة، ووصول المحتوى لمعظم الفلسطينيين وضمان التباعد الاجتماعي، وقد أسس هذا الملتقى بداية من سنة 2017.

صورة عامة لقصر رام الله الثقافي الذي احتضن افتتاح مهرجان أيام فلسطين السينمائية

 

تعزيز المشهد الثقافي.. حدث سنوي لا يمكن تفويته

حسب المنظمين فإن فكرة تأسيس المهرجان جاءت من أجل الوقوف على “آخر المستجدات الصناعة السينمائية، كما أنه يجمع ما بين المحترفين الرئيسيين في هذه الصناعة بفلسطين والخارج، لإيجاد فضاء ابتكاري مفتوح للتفكير بالأفلام ومناقشتها وتقديم المشاريع وتطويرها إضافة إلى التشبيك، ومن خلال تمكين صناع السينما والمنتجين والمهنيين الفلسطينيين، فإننا نسعى لإحداث تغيير وتعزيز في المشهد الثقافي بفلسطين”.

وقد جمع هذا المهرجان خلال السنوات الماضية عددا من الأسماء المهمة في هذه الصناعة، لهذا يرى المنظمون بأنه نجح في أن يصبح بؤرة لأعمال الإنتاج المحلية التي تناقش المواضيع المرتبطة بالسوق، وتأخذ السياق الإقليمي والعالمي المتغير للصناعة في عين الاعتبار، إضافة للتحديات والتفاصيل المتعلقة بالسياق الفلسطيني.

وفي سنة 2019 حضر المهرجان 69 ضيفا دوليا منهم صناع السينما والمنتجون والصحفيون والعاملون في الصناعة وشاركوا في الاجتماعات والحوارات وحولوا الملتقى إلى حدث سنوي لا يمكن تفويته، ومن بين الأسماء السينمائية الكبيرة التي ستشارك في ندوات هذا الملتقى المخرجان الكبيران البريطاني “كين لوتش” والفلسطيني إيليا سليمان.

لجنة تحكيم مسابقة “طائرة الشمس الفلسطيني” والتي تضم “برامي لارسن” و”آن ماري جاسر” و”ماثيو دراس”

 

مسابقة “طائر الشمس الفلسطيني”.. لجنة تحكيم من أرجاء العالم

سميت مسابقات أيام فلسطين السينمائية على طائر الشمس الذي يعيش في فلسطين، وهو من الطيور التي تحب الخضرة، فمع تكاثر البنايات والعمران بدأ يتقلص وجوده، لكنه يقاوم بطريقته ليبقى ويستمر، وقد أطلقت مؤسسة “فيلم لاب فلسطين” التي تنظم هذا المهرجان مسابقات “طائر الشمس الفلسطيني” عام 2016، لتكون منصة للدعم والاحتفال بالإنتاجات الفلسطينية والدولية التي تشكل فلسطين محورها، وهذا من خلال ثلاث فئات هي: مسابقة طائر الشمس الفلسطيني للأفلام الوثائقية، ومسابقة طائر الشمس الفلسطيني للأفلام القصيرة، ومسابقة طائر الشمس الفلسطيني للإنتاج.

وقد ألغت إدارة أيام فلسطين السينمائية في هذه الدورة استثنائيا المسابقة الأولى والثانية، بسبب ظروف ما خلفه وباء كورونا،  بينما أبقت على مسابقة طائر الشمس الفلسطيني للإنتاج التي شكلت لجنة تحكيمها من ثلاثة أسماء سينمائية مهمة، ويتعلق الأمر بالمخرج ومحرر الأفلام وكاتب السيناريوهات الدانماركي “برامي لارسين” الذي يعمل كمدير “ورشة عمل الأفلام” في كوبنهاغن، كما يدير برنامج المواهب الذي يدعم صناع الأفلام الصاعدين، وقد أطلق عددا من البرامج المهمة مثل “الأيام الرقمية” (1998)، و”الفيلم المتفاعل” (2003)، و”شجع الأفلام الوثائقية” (2005) و”دوكس نيتوايز” (2006)، و”حلقتك الافتراضية” (2013) للتركيز على الأنماط الجديدة في صناعة السينما.

إضافة إلى “ماثيو دراس” الذي يصمم ويقود عددا من برامج تطوير الأفلام والبرامج الاستشارية الفاعلة حول العالم، وعمل في عدد من مهرجانات الأفلام الرئيسية في أوروبا كمنظم للبرامج في “أسبوع كان للنقاد”، ومستشار لمهرجان البندقية السينمائي، وموفد لمهرجان سان سيباستيان للأفلام، كما أدار مهرجان براتسيلافا للأفلام، إضافة لتعاونه مع مؤسسة الدوحة للأفلام منذ العام 2016 كمستشار في ورشة كتابة سيناريو القصة القصيرة وورشة “حزاية” لكتابة السيناريو.

وأخيرا الفلسطينية “آن ماري جاسر” التي أخرجت وأنتجت أكثر من 16 فيلما، وقد جرى اختيار اثنين من أفلامها في القائمة الرسمية لمهرجان كان السينمائي، وعُرض فيلم لها في مهرجان برلين والبندقية ولوكارنو وتيلورايد، وتقدمت أفلامها الطويلة الثلاثة للمشاركة في مسابقة جوائز الأوسكار عن فلسطين.

 

لائحة المشاريع المتنافسة.. أفراس الرهان في المسابقة

من المنتظر أن يفصل هؤلاء في نتائج هذه المسابقة التي يتنافس عليها 12 مشروعا، وهي كالتالي:

– “دماء كالماء” للمخرجة ديما حمدان.

– “أمبليفايد” للمخرجة والمنتجة دينا ناصر.

– “جريح رقم 12535” للمخرج والمنتج عامر ناصر.

– “100 طائر” للمخرج بشار زعرور.

– “طوبى للعشاق” للمخرج وكاتب السيناريو إيهاب جاد الله.

– “الأوفياء” للمخرج وكاتب السيناريو إسماعيل هبّاش.

– “المسكوبية” للمخرج والمنتج وكاتب السيناريو مجدي العمري.

– “المفتاح” للمخرج والمنتج وكاتب السيناريو ركان ميّاسي.

– “تشويش” للمخرج والممثل رمزي مقدسي.

– “أبناء آوى” للمخرج سعيد زاغة.

– “بين موت وبين” للمخرج والممثل وسیم خیر.

– “صديقة من المشرق/وقت مقترض” للمخرج كمال الجعفري.

ومن المنتظر أن يعلن عن المشروع الفائز يوم 26 من شهر أكتوبر/تشرين الأول 2020.

المخرج الفلسطيني العالمي “إيليا سليمان” يحلّ ضيفا في المهرجان ضمن جلسات “ماستر كلاس”

 

أفلام تحلق بأفكارها عاليا ولا تعترف بالحدود

رغم ضعف الميزانية وشُحّ مصادر التمويل فإن المدير الفني “حنا عطالله” وفريق المهرجان استطاعوا أن يُسطّروا برنامجا ثريا ومغريا من خلال استقبال واستقطاب أكثر من 30 فيلما مُهما، جميعها من إيران والصين وفرنسا وأمريكا والسودان وتشيلي وأفغانستان ولبنان والأردن والعراق وتركيا وصربيا وبريطانيا وإيطاليا وسوريا وغانا والسويد وفلسطين.

كما يستضيف المهرجان المخرج الفلسطيني العالمي “إيليا سليمان”، والمخرج البريطاني الشهير “كين لوتش”، وذلك ضمن جلسات “ماستر كلاس” خاصة ومتاحة للجمهور الواسع عبر منصة “زوم” على الإنترنت.

وأكثر من هذا جرى تنظيم شراكة مع أحد أهم المهرجانات الدولية للأفلام القصيرة، وهو مهرجان “كليرمونت فيراند”، ويستهدف هذا البرنامج من خلال عروضه فئة الأطفال، إذ ينظّم عرضا لعدد من الأفلام المهمة لهم.

وبخصوص هذه البرمجة صرحت المخرجة ليلى عباس مديرة برمجة المهرجان بالقول: لقد حصل تغير ملحوظ خلال العام الحالي على أساليب مشاهدة الأفلام لدى الجمهور محليا وعالميا، إذ أصبح كثير من الأفلام متاحا للجمهور في بيوتهم، كما شهد هذا العام أيضا استحواذ شركات “الفيديو حسب الطلب” العملاقة مثل “نيتفليكس” على إنتاجات حديثة لم تأخذ فرصتها في عروض المهرجانات وعروض دور السينما.

مؤسسة “فيلم لاب فلسطين” هي المُنظِمة لمهرجان “أيام فلسطين السينمائية”، وكانت قد تأسست عام 2014

 

ذائقة الجمهور الفلسطيني.. تعطش لتجارب سينمائية فريدة

أشارت المخرجة ليلى عباس مديرة المهرجان إلى أن إيمانهم الراسخ منذ انطلاق أيام فلسطين السينمائية أثبت أنه لا شيء يمكن أن يحل محل عروض الأفلام الحيّة، حيث تلتحم التجربة الإنسانية والسينمائية.

وكان لا بد لنا من تلبية تعطش الكثيرين لمشاهدة أفلام ذات قيمة فنية لا توفرها المنصات الأخرى، وكذلك إعطاء المساحة للأفلام الفنية والمستقلة للوصول الى الجمهور الفلسطيني الذي أثبت في دورات المهرجان السابقة أن لديه ذائقة فنية رفيعة وتواقة لتجارب سينمائية بديلة وفريدة.

وفي هذه الدورة كان اختيارنا للأفلام نابعا من رغبتنا في أن تروي هذه الأفلام  قصصا عن الإنسان أينما كان، قصص تحمل في طياتها الأمل والألم معا، لكنها كفيلة بتعزيز الانتماء للروح الإنسانية الواحدة، وتعزيز مركزية الثقافة وأهمية الفن العابر لكل حدود الجغرافيا والسياسة والأوبئة.

“فيلم لاب فلسطين”.. فضاء مثالي لصنّاع السينما

من الجدير بالذكر أن مؤسسة “فيلم لاب فلسطين” المُنظِمة لهذا الحدث السينمائي تأسست عام 2014 كمؤسسة غير ربحية، وتقوم رؤيتها على صناعة إنتاجية وديناميكية للأفلام في فلسطين عن طريق توفير فضاء مثالي للجمع بين صناع السينما، وذلك بهدف التحفيز على التعلم و تبادل الخبرات وتشكيل مصدر إلهام، بالإضافة إلى إنتاج أفلام فنية من خلال عرض مخزون متنوع من الأفلام للجماهير.

كما يأتي مهرجان “أيام فلسطين السينمائية” ضمن الخطة الإستراتيجية للمؤسسة التي تقع تحت بند تنمية الثقافة السينمائية، والهدف منها إعادة إحياء الثقافة السينمائية في فلسطين، واستقطاب أكبر عدد من المشاهدين للأفلام المستقلة.